لا تبيعوا الثمر حتى يبدو صلاحه ولا تبيعوا الثمر بالتمر

2183- حدثنا يحيى بن بكير: حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهابٍ: أخبرني سالم بن عبدالله، عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله ﷺ قال: لا تبيعوا الثَّمر حتى يبدو صلاحه، ولا تبيعوا الثَّمر بالتَّمر.

2184- قال سالمٌ: وأخبرني عبدالله، عن زيد بن ثابت: أن رسول الله ﷺ رخَّص بعد ذلك في بيع العرية بالرطب، أو بالتمر، ولم يُرخص في غيره.

2185- حدثنا عبدالله بن يوسف: أخبرنا مالك، عن نافع، عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله ﷺ نهى عن المزابنة، والمزابنة: اشتراء الثمر بالتمر كيلًا، وبيع الكرم بالزبيب كيلًا.

2186- حدثنا عبدالله بن يوسف: أخبرنا مالك، عن داود بن الحصين، عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد، عن أبي سعيدٍ الخدري : أن رسول الله ﷺ نهى عن المزابنة، والمحاقلة. والمزابنة: اشتراء الثمر بالتمر في رؤوس النخل.

2187- حدثنا مسدد: حدثنا أبو معاوية، عن الشيباني، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: نهى النبي ﷺ عن المحاقلة، والمزابنة.

2188- حدثنا عبدالله بن مسلمة: حدثنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن زيد بن ثابت : أن رسول الله ﷺ أرخص لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها.

الشيخ: هذه البيوع التي نهى عنها النبي ﷺ تدور بين خطر التَّلف والغرر، وبين الربا.

أما نهيه عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها فلأنها وسيلةٌ للعطب والنقص؛ فلهذا نُهي عن ذلك؛ لما فيه من الغرر، فلا يبيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، وإذا كان من شرط البقاء فلا يبيع التمر في رؤوس النخل حتى يبدو صلاحه، ولا العنب، ولا الحبوب حتى تشتدَّ ويبدو صلاحها؛ دفعًا للخطر؛ لأنه قد يشتريها ثم تعتريها آفةٌ فتفسد، يفسد التمر، تُصيبه آفةٌ، والعنب، إلى غير ذلك. فلا يُباع حتى يبدو صلاحه، إلا إذا كان يشتريه ليقطعه في الحال، مثل: أن يشتري الزرع ليقطعه في الحال علفًا، أو يشتري الثمرة ليقطعها في الحال للحاجة، فلا بأس، فالغرر ينتفي حينئذٍ.

وأما ما يتعلق بالمزابنة لأجل الربا؛ لأنه يبيع الثمرة في رؤوس النخل بالتمر، رطبٌ بتمرٍ، ما تتحقق المماثلة، الرُّطب يكون فيه ماءٌ، ويكون ثقيلًا، والتمر يكون يابسًا، ما يتحقق التَّماثل، كذلك بيع العنب بالزبيب، ما يتحقق التماثل؛ العنب رطبٌ، والزبيب يابسٌ، فما يكون التَّماثل.

ومعلومٌ أن هذه المادة لا بد فيها من التَّماثل: تمرٌ بتمرٍ، مثلًا بمثلٍ، زبيبٌ بزبيبٍ، مثلًا بمثلٍ، لا بد، ولا يتحقق ذلك بين العنب والزبيب، ولا بين الرطب والتمر، إلا في بيع العرايا خاصةً، كأن يشتري الثمرة ليأكلها رطبًا بخرصها تمرًا كما تقدم، إنسانٌ ما عنده نقودٌ، فيشتري رطبًا بتمرٍ خرصًا في حدود أقل من خمسة أوسقٍ، في أقل من ثلاثمئة صاعٍ من صاع النبي ﷺ رطبًا، يأكلها رطبًا، بشرط كون .....، وأن يكون ذلك يدًا بيدٍ، يقبض الثمن في الحال، ويكون في أقل من خمسة أوسقٍ، بشرط أن يأكلها رطبًا، ويكون محتاجًا إلى ذلك.

أما المحاقلة: فكونه يبيع الزرع القائم -الحبَّ القائم- بالكيل طعامًا، ما يحصل التَّماثل، لا بد أن يكون البرُّ بالبرِّ، أو الشعير بالشعير، مثلًا بمثلٍ، سواءً بسواءٍ، فإذا باع الزرع بالحبوب المكيلة من الطعام ما يحصل التَّماثل.

وهكذا المخابرة: كونه يبيع زرعًا بزرعٍ، هذه البقعة بهذه البقعة؛ لأن هذا يُفضي إلى الخطر، فقد يعطب هذا، وقد يزكو هذا، وقد يضعف هذا، أو يُعامل هذا على أنه: ما أنبت هذا الجانب فهو له، وما أنبت هذا الجانب فهو للآخر، يُسمونها أيضًا: مخابرة، أو ما على الجداول والنهر لفلان، وما بعد فهو لفلان، كل هذه مُخاطرةٌ، لا بد أن يكون بجزءٍ مشاعٍ، يُزارعه بجزءٍ مشاعٍ: بالثلث، بالربع، بالخمس، حتى يكونا شريكين في الربح والخسارة، أيش قال الشارح على المحاقلة؟

الطالب: قال: زاد مسلمٌ في آخر حديث أبي سعيدٍ: والمحاقلة: كراء الأرض. وكذا هو في "الموطأ".

الشيخ: لا، ما هو هذا، أيش عندكم؟ كذا عندكم؟ فقط هذه الكلمة؟

الطالب: يقول: سيأتي الكلام على المحاقلة في باب بيع المخابرة.

الشيخ: ما يُخالف، نعم.

باب بيع الثمر على رؤوس النخل بالذهب أو الفضة

2189- حدثنا يحيى بن سليمان: حدثنا ابن وهب: أخبرنا ابن جريج، عن عطاء وأبي الزبير، عن جابرٍ قال: نهى النبي ﷺ عن بيع الثمر حتى يطيب، ولا يُباع شيءٌ منه إلا بالدِّينار والدرهم، إلا العرايا.

الشيخ: كما تقدم لا يبيعها إلا بعد بدو الصلاح، ويكون بالدينار والدرهم، لا بالطعام؛ حذرًا من الربا.

2190- حدثنا عبدالله بن عبدالوهاب، قال: سمعتُ مالكًا، وسأله عبيدالله بن الربيع: أحدثك داود، عن أبي سفيان، عن أبي هريرة : أن النبي ﷺ رخَّص في بيع العرايا في خمسة أوسقٍ، أو دون خمسة أوسقٍ؟ قال: نعم.

2191- حدثنا علي بن عبدالله: حدثنا سفيان، قال: قال يحيى بن سعيد: سمعتُ بشيرًا قال: سمعتُ سهل بن أبي حثمة: أن رسول الله ﷺ نهى عن بيع الثمر بالتمر، ورخَّص في العرية أن تُباع بخرصها، يأكلها أهلها رطبًا.

وقال سفيان مرةً أخرى: إلا أنه رخَّص في العرية يبيعها أهلها بخرصها، يأكلونها رطبًا. قال: هو سواءٌ. قال سفيان: فقلتُ ليحيى وأنا غلامٌ: إن أهل مكة يقولون: إن النبي ﷺ رخَّص في بيع العرايا. فقال: وما يدري أهل مكة؟ قلت: إنهم يروونه عن جابرٍ. فسكت.

الشيخ: لأن أهل مكة ما عندهم نخيلٌ، هذا القصد: ما يدري أهل مكة؟ لأن أهل مكة ما عندهم نخيلٌ، لكن في المدينة وغيرها، ولو كان ما هو في مكة النخيل تأتيهم الأخبار والأحاديث والعرايا مثلما تقدم، نعم، شراء الرطب بالتمر خرصًا.

الطالب: كلامٌ على المحاقلة.

الشيخ: إيه؟

الطالب: يقول: قوله: "عن المحاقلة" قال أبو عبيد: هو بيع الطعام في سُنبله بالبرِّ، مأخوذٌ من الحقل.

وقال الليث: الحقل: الزرع إذا تشعب من قبل أن يغلظ سوقه، والمنهي عنه بيع الزرع قبل إدراكه. وقيل: بيع الثمرة قبل بدو صلاحها. وقيل: بيع ما في رؤوس النخل بالتمر.

وعن مالكٍ: هو كراء الأرض بالحنطة، أو بكيل طعامٍ أو إدامٍ.

والمشهور أن المحاقلة: كراء الأرض ببعض ما تُنبت، وسيأتي البحث فيه في "كتاب المزارعة"، إن شاء الله تعالى.

الشيخ: كلام مالك ليس بشيءٍ في هذا، المحاقلة: بيع الزرع بالطعام المكيل، يعني: بحقل الحقول، المزارع، مثل: بيع الثمرة من النخل بالتمر، فالمحاقلة: الذي يبيع ثمر الزرع بكيل طعامٍ يُقال له: مُحاقلة، بحقلٍ، أو يبيع هذه المزرعة بهذه المزرعة قبل أن يشتدَّ الحبُّ، قبل أن تستوي؛ لأنه وسيلةٌ إلى الربا؛ لأن فيه جهالةً، أما بيع الأرض فيها طعامٌ ما فيه شيءٌ، فلو اشترى منك أرضًا معلومةً بمئة صاعٍ، أو بمئتي صاعٍ، أو بألف صاعٍ، أو بألفين، بشيءٍ معلومٍ، كما لو اشتراها بالنقود، ما فيه جهالةٌ ولا غررٌ، إذا باعه الأرض، أو باعه السيارة، أو باعه النخل بآلافٍ من أصواع التمر أو الحنطة ما فيه شيءٌ، مثلما لو باع بالنقود، بشيءٍ معلومٍ، ما فيه جهالةٌ.

قال سفيان: إنما أردتُ أن جابرًا من أهل المدينة. قيل لسفيان: وليس فيه: نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه؟ قال: لا.

الشيخ: لأن جابرًا أنصاريٌّ، وأهل المدينة عندهم نخلٌ، نعم.

 

باب تفسير العرايا

وقال مالكٌ: العريَّة: أن يُعْرِيَ الرجلُ الرجلَ النَّخلةَ، ثم يتأذَّى بدخوله عليه، فرخَّص له أن يشتريها منه بتمرٍ.

وقال ابن إدريس: العريَّة لا تكون إلا بالكيل من التمر، يدًا بيدٍ، لا يكون بالجُزَافِ. ومما يُقويه قول سهل بن أبي حثمة: بالأوسق الموسَّقة.

وقال ابن إسحاق في حديثه عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما: كانت العرايا أن يُعْرِيَ الرجلُ في ماله النخلة والنخلتين.

وقال يزيد: عن سفيان بن حسين: العرايا: نخلٌ كانت تُوهَب للمساكين، فلا يستطيعون أن ينتظروا بها، رخَّص لهم أن يبيعوها بما شاءوا من التَّمر.

2192- حدثنا محمد -هو ابن مقاتل-: أخبرنا عبدالله: أخبرنا موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، عن زيد بن ثابت : أن رسول الله ﷺ رخَّص في العرايا أن تُباع بخرصها كيلًا. قال موسى بن عقبة: والعرايا: نخلات معلومات تأتيها فتشتريها.

باب بيع الثِّمار قبل أن يبدو صلاحها

2193- وقال الليث: عن أبي الزناد: كان عروة بن الزبير يُحدِّث عن سهل بن أبي حثمة الأنصاري، من بني حارثة: أنه حدَّثه عن زيد بن ثابت ، قال: كان الناس في عهد رسول الله ﷺ يتبايعون الثمار، فإذا جدَّ الناس وحضر تقاضيهم قال المبتاع: إنه أصاب الثمرَ الدُّمَان، أصابه مُرَاضٌ، أصابه قُشَامٌ، عاهاتٌ يحتجون بها، فقال رسول الله ﷺ لما كثُرت عنده الخصومة في ذلك: فإما لا فلا تتبايعوا حتى يبدو صلاح الثمر، كالمشورة يُشير بها؛ لكثرة خصومتهم.

وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت: أن زيد بن ثابت لم يكن يبيع ثمار أرضه حتى تطلع الثُّريا، فيتبين الأصفر من الأحمر.

قال أبو عبدالله: رواه علي بن بحر: حدثنا حَكَّام: حدثنا عنبسة، عن زكرياء، عن أبي الزناد، عن عروة، عن سهلٍ، عن زيدٍ.

2194- حدثنا عبدالله بن يوسف: أخبرنا مالك، عن نافع، عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله ﷺ نهى عن بيع الثِّمار حتى يبدو صلاحُها، نهى البائع والمبتاع.

الشيخ: هذا عامٌّ، هذا يعمُّ النخل والعنب، ويعمُّ غيره إذا كان بشرط البقاء، بأن تبقى؛ لأنها عُرضةٌ للآفات؛ فلهذا نهى عن بيعها حتى يبدو صلاحها، وفي اللفظ الآخر: "حتى تطيب" يعني: حتى تطيب للأكل، فلا يبيع المزرعة حتى يشتدَّ الحبُّ، ولا يبيع العنب حتى يستوي، ولا يبيع الثمر أو النخل حتى يطيب، إذا كان للبقاء، أما شيءٌ يجذُّه الإنسان الآن، الزرع يجذُّه علفًا، أو تمرة يأخذها علفًا، فهذا ما فيه خطرٌ، لا بأس.

مداخلة: ..... وهنا لا يوجد عندنا "زيد" في النسخة.

الشيخ: أيش عندكم: وأخبرنا خارجة بن زيد؟

القارئ: وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت.

الشيخ: الذي قبله بقليلٍ، بسطرٍ.

القارئ: فقال رسول الله ﷺ لما كثُرت.

.................

أنه نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، وعن النخل حتى يزهو. قيل: وما يزهو؟ قال: يَحْمَارُّ أو يَصْفَارُّ.

الشيخ: المؤلف رحمه الله يُكرر التراجم للإيضاح ولمزيد العلم كالشرح، نعم.

باب إذا باع الثِّمار قبل أن يبدو صلاحها، ثم أصابته عاهةٌ، فهو من البائع

2198- حدثنا عبدالله بن يوسف: أخبرنا مالك، عن حميدٍ، عن أنس بن مالك : أن رسول الله ﷺ نهى عن بيع الثِّمار حتى تُزْهِيَ.

الشيخ: كذا ضبطها عندك: "تُزْهِيَ"، أو "تُزهى" بالبناء للمجهول؟

القارئ: "تُزهى"، نعم.

الشيخ: نعم، هذا من الأفعال التي جاءت من صيغة المفعول، وهي للفاعل، مثل: تُنتج ..... جاءت بصيغة المفعول، هي للفاعل في لغة العرب، "تُزهى" يعني: تزهو هي، لكن جاءت في لغتهم بصيغة المجهول، يعني: حتى يحصل فيها الزهو، وهو الرطب، نعم.

عن أنس بن مالك : أن رسول الله ﷺ نهى عن بيع الثِّمار حتى تُزْهى. فقيل له: وما تُزْهى؟ قال: حتى تَحْمَرَّ. فقال رسولُ الله ﷺ: أرأيتَ إذا منع اللهُ الثمرةَ، بِمَ يأخذ أحدُكم مالَ أخيه؟!.

الشيخ: ضبط الشارح "تُزهى"، تكلم عليها؟

القارئ: ما ضبطها.

الشيخ: وهذه علةٌ لمنع البيع قبل طيب الثمر؛ لأنها قد تُصيبها آفةٌ، فبِمَ يأكل مال أخيه؟! إذا باعه قبل أن تطيب على أنها تبقى حتى تطيب، قد تعرض لها آفةٌ، ثم يُطالبه بالثمن، فتصير خصوماتٌ؛ ولهذا قال: بِمَ يأخذ أحدُكم مال أخيه؟! بغير حقٍّ، فإذا باعها قبل أن تُزهى عرَّضه لهذا الخطر؛ فلهذا نهى النبي ﷺ عن ذلك، وصار البيع باطلًا، أما إذا باعها بعد أن تطيب فهي من ضمان المشتري، قد قبضها القبض اللائق بها، نعم.

القارئ: قوله: "حتى تُزهى" قال الخطابي: هذه الرواية هي الصواب، فلا يقال في النخل: تزهو، إنما يقال: تُزهى، لا غير.

وأثبت غيره ما نفاه فقال: زها: إذا طال واكتمل، وأزهى: إذا احمرَّ واصفرَّ.

الشيخ: يعني: يُقال: تُزهى. ويقال: تزهو، مثلما تقدم في الرواية الأخرى: "تزهو" على القاعدة، "تزهو" من نائب فاعلٍ على القاعدة مُستعملةٌ، ويُستعمل "تُزهى" على صيغة المفعول، نعم.

فالذي يظهر ..... كلام الخطابي ليس بجيدٍ، جاء هذا وهذا، نعم.

2199- قال الليث: حدثني يونس، عن ابن شهابٍ قال: لو أن رجلًا ابتاع ثمرًا قبل أن يبدو صلاحه، ثم أصابته عاهةٌ، كان ما أصابه على ربِّه؛ أخبرني سالم بن عبدالله، عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله ﷺ قال: لا تتبايعوا الثمر حتى يبدو صلاحها، ولا تبيعوا الثمر بالتمر.