23 من قوله: ( لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَر..)

لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ۝ دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء:95، 96].
قال البخاري: حدثنا حفص بن عمر، حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن البراء، قال لما نزلت لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ دعا رسول الله ﷺ زيدًا فكتبها، فجاء ابن أم مكتوم فشكا ضرارته، فأنزل الله غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ.
حدثنا محمد بن يوسف عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء، قال: لما نزلت لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قال النبي ﷺ ادع فلانًا، فجاءه، ومعه الدواة، واللوح، والكتف، فقال: اكتب لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وخلف النبي ﷺ ابن أم مكتوم، فقال: يا رسول الله، أنا ضرير، فنزلت مكانها لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
قال البخاري أيضا: حدثنا إسماعيل بن عبدالله، حدثني إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، حدثني سهل بن سعد الساعدي أنه رأى مروان بن الحكم في المسجد، قال: فأقبلت حتى جلست إلى جنبه، فأخبرنا أن زيد بن ثابت أخبره أن رسول الله ﷺ أملى علي لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله فجاءه ابن أم مكتوم، وهو يمليها علي، قال: يا رسول الله، والله لو أستطيع الجهاد لجاهدت، وكان أعمى، فأنزل الله على رسوله ﷺ، وكان فخذه على فخذي فثقلت علي حتى خفت أن ترض فخدي، ثم سري عنه، فأنزل الله غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ، تفرد به البخاري دون مسلم.
وقد روي من وجه آخر عند الإمام أحمد عن زيد فقال: حدثنا سليمان بن داود، أنبأنا عبدالرحمن بن أبي الزناد، عن خارجة بن زيد، قال: قال زيد بن ثابت: إني قاعد إلى جنب النبي ﷺ إذ أوحي إليه، وغشيته السكينة، قال: فوقع فخذه على فخذي حين غشيته السكينة، قال زيد: فلا والله ما وجدت شيئًا قط أثقل من فخذ رسول الله ﷺ، ثم سري عنه، فقال: اكتب يا زيد، فأخذت كتفًا، فقال: اكتب لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون إلى قوله: أَجْرًا عَظِيمًا فكتبت ذلك في كتف، فقام حين سمعها ابن أم مكتوم، وكان رجلًا أعمى.
الشيخ: وهذا فيه إشارة إلى قوله جلا وعلا: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا  [المزمل:5]، يكون الوحي عليه قويًا؛ ولهذا ثقلت فخذه على زيد.
س: هذا من نوع الوحي الذي كان يأتيه في صلصلة الجرس؟
الشيخ: نعم، يحتمل، ويحتمل أنه جاءه الملك، لكنه ظاهره ...    
فقام حين سمع فضيلة المجاهدين، وقال: يا رسول الله، وكيف بمن لا يستطيع الجهاد؟ ومن هو أعمى؟ وأشباه ذلك؟ قال زيد: فو الله ما قضى كلامه -أو ما هو إلا أن قضى كلامه- غشيت النبي ﷺ السكينة، فوقعت فخذه على فخذي، فوجدت من ثقلها كما وجدت في المرة الأولى، ثم سري عنه، فقال: اقرأ فقرأت عليه لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون فقال النبي ﷺ: غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ، قال زيد: فألحقتها، فوالله كأني أنظر إلى ملحقها عند صدع كان في الكتف. ورواه أبو داود عن سعيد بن منصور، عن عبدالرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبيه، به نحوه.........
الشيخ: والمعنى أنهم لا يستوون، لا يستوي المجاهدون مع القاعدين، وهو فرق عظيم بين هؤلاء وهؤلاء، لكن المعذور غير داخل في ذلك، المعذور لمرض، أو عمى، أو عجز من جهة المال، أو عجز من جهة المرض أو نحو ذلك معذور إذا كان يريد الجهاد، ويحب الجهاد، ويرغب في الجهاد، ولكنه معذور يلحق بالمجاهدين، وإن كان لم يشارك، ولهذا في الحديث الصحيح يقول ﷺ: إن في المدينة أقوامًا ما سيرتم مسيرًا، ولا قطعتم واديًا إلا وهم معكم، وفي اللفظ الآخر: إلا شركوكم في الأجر قالوا: يا رسول الله، وهم في المدينة؟ قال: وهم في المدينة حبسهم العذر فالذين حسبهم العذر هم مع المجاهدين، له أجره مثل أجرهم؛ إذا كان الذي حبسه هو العذر، لولا العذر لجاهد، فهكذا من حبسه العذر عن الصلاة في الجماعة عن الجمعة عن عيادة المريض عن عمل صالح آخر يكون له أجر من عمله بسبب العذر، ولهذا في الحديث الصحيح يقول ﷺ: إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما كان يعمله، وهو صحيح مقيم فإذا مرض، وتأخر عن صلاة الجماعة، أو الجمعة كتب الله له أنه صلى في الجماعة، والجمعة، وهكذا إذا سافر كان يعد للصيام مثلًا فسافر، وأفطر من أجل السفر كتب الله له أجر الصائمين، وهكذا.
........
وقال عبدالرزاق: أنبأنا معمر، أنبأنا الزهري، عن قبيصة بن ذؤيب، عن زيد بن ثابت قال: كنت أكتب لرسول الله ﷺ فقال: اكتب لا يستوي القاعدون من المؤمنين. ..  والمجاهدون في سبيل الله فجاء عبدالله ابن أم مكتوم، فقال: يا رسول الله، إني أحب الجهاد في سبيل الله، ولكن بي من الزمانة ما قد ترى، قد ذهب بصري، قال زيد: فثقلت فخذ رسول الله ﷺ على فخذي حتى خشيت أن ترضها، ثم سري عنه، ثم قال: اكتب لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ورواه ابن أبي حاتم، وابن جرير، وقال عبدالرزاق: أخبرنا ابن جريج، أخبرني عبدالكريم هو ابن مالك الجزري، أن مقسمًا مولى عبدالله بن الحارث أخبره أن ابن عباس أخبره لا يستوي القاعدون من المؤمنين عن بدر، والخارجون إلى بدر، انفرد به البخاري دون مسلم، وقد رواه الترمذي من طريق حجاج، عن ابن جريج، عن عبدالكريم، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ عن بدر، والخارجون إلى بدر، ولما نزلت غزوة بدر، قال عبدالله بن جحش، وابن أم مكتوم: إنا أعميان يا رسول الله، فهل لنا رخصة؟الشيخ: كذا عبدالله بن جحش؟
س: هو أعمى؟
الشيخ: محل نظر ما بلغني، وفيه عبدالله وعبيدالله، أحدهما قتل يوم أحد.
 فنزلت لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ، وفضل الله المجاهدين على القاعدين درجة، فهؤلاء القاعدون غير أولي الضرر، وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا درجات منه على القاعدين من المؤمنين غير أولي الضرر، هذا لفظ الترمذي. ثم قال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.
فقوله: لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ كان مطلقًا، فلما نزل بوحي سريع غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ صار ذلك مخرجًا لذوي الأعذار المبيحة لترك الجهاد من العمى، والعرج، والمرض، عن مساواتهم للمجاهدين في سبيل الله بأموالهم، وأنفسهم.
ثم أخبر تعالى بفضيلة المجاهدين على القاعدين، قال ابن عباس: غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ، وكذا ينبغي أن يكون، كما ثبت في صحيح البخاري من طريق زهير بن معاوية، عن حميد، عن أنس، أن رسول الله ﷺ قال: إن بالمدينة أقوامًا ما سرتم من مسير، ولا قطعتم من واد إلا وهم معكم فيه قالوا: وهم بالمدينة يا رسول الله؟ قال: نعم حبسهم العذر. وهكذا رواه أحمد عن محمد بن عدي.
الشيخ: ابن أبي عدي.
وهكذا رواه أحمد عن محمد بن أبي عدي، عن حميد، عن أنس به، وعلقه البخاري مجزومًا، ورواه أبو داود، عن حماد بن سلمة عن حميد، عن موسى بن أنس بن مالك، عن أبيه، عن النبي ﷺ قال: لقد تركتم بالمدينة أقوامًا ما سرتم من مسير، ولا أنفقتم من نفقة، ولا قطعتم من واد إلا وهم معكم فيه، قالوا: وكيف يكونون معنا فيه يا رسول الله؟ قال: نعم حبسهم العذر لفظ أبي داود، وفي هذا المعنى قال الشاعر:
يا راحلين إلى البيت العتيق لقد سرتم جسومًا، وسرنا نحن أرواحًا
إنا أقمنا على عذر، وعن قدر ومن أقام على عذر فقد راحا
وقوله: وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى أي الجنة، والجزاء الجزيل. وفيه دلالة على أن الجهاد ليس بفرض عين، بل هو فرض على الكفاية.
قال تعالى: وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ثم أخبر سبحانه بما فضلهم به من الدرجات في غرف الجنان العاليات، ومغفرة الذنوب والزلات، وحلول الرحمة والبركات، إحسانًا منه وتكريمًا، ولهذا قال: دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا.
وقد ثبت في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ﷺ قال: إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله، ما بين كل درجتين كما بين السماء الأرض.
وقال الأعمش عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن عبدالله بن مسعود، قال: قال رسول الله ﷺ: من رمى بسهم فله أجره درجة فقال رجل: يا رسول الله، وما الدرجة؟ فقال: أما إنها ليست بعتبة أمك، ما بين الدرجتين مائة عام.
الشيخ: هذا ضعيف؛ لأن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه، فهو منقطع، والحديث الأول أصح منه في الصحيحين، وما بين الدرجتين مثل ما بين السماء والأرض، والذي بينهما يساوي خمسمائة عام، أكثر من مائة عام، خمسمائة عام كما في الحديث الصحيح، وهذه ضعيفة الرواية، هذه ضعيفة من أجل عدم سماع أبي عبيدة من أبيه.
س: عبدالكريم الجزري في الحديث السابق؟
الشيخ: لا بأس به، جيد ثقة، الضعيف عبدالكريم بن أبي أمية بن أبي مخارق المعروف بابن أبي أمية، لكن عبدالكريم بن مالك الجزري ثقة.
 إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ۝ إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا ۝ فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا ۝ وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء:97-100].
قال البخاري: حدثنا عبدالله بن يزيد المقرئ، حدثنا حيوة، وغيره، قالا: حدثنا محمد بن عبدالرحمن أبو الأسود، قال: قطع على أهل المدينة بعث، فاكتتبت فيه، فلقيت عكرمة مولى ابن عباس فأخبرته، فنهاني عن ذلك أشد النهي، قال: أخبرني ابن عباس أن ناسًا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سوادهم على عهد رسول الله ﷺ، يأتي السهم يرمى به فيصيب أحدهم، فيقتله، أو يضرب عنقه فيقتل، فأنزل الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ رواه الليث عن أبي الأسود.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن منصور الرمادي، حدثنا أبو أحمد يعني الزبيري، حدثنا محمد بن شريك المكي، حدثنا عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان قوم من أهل مكة أسلموا، وكانوا يستخفون بالإسلام، فأخرجهم المشركون يوم بدر معهم، فأصيب بعضهم بفعل بعض. قال المسلمون: كان أصحابنا هؤلاء مسلمين، وأكرهوا فاستغفروا لهم، فنزلت: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ الآية.
قال عكرمة: فكتب إلى من بقي من المسلمين بهذه الآية لا عذر لهم، قال: فخرجوا، فلحقهم المشركون، فأعطوهم التقية، فنزلت هذه الآية، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ [البقرة:8] الآية. قال عكرمة: نزلت هذه الآية في شباب من قريش كانوا تكلموا بالإسلام بمكة منهم علي بن أمية بن خلف، وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة، وأبو العاص بن منبه بن الحجاج، والحارث بن زمعة، قال الضحاك: نزلت في ناس من المنافقين تخلفوا عن رسول الله ﷺ بمكة، وخرجوا مع المشركين يوم بدر فأصيبوا فيمن أصيب، فنزلت هذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين، وهو قادر على الهجرة، وليس متمكنًا من إقامة الدين، فهو ظالم لنفسه مرتكب حرامًا بالإجماع، وبنص هذه الآية، حيث يقول تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ أي بترك الهجرة قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ أي: لم مكثتم ها هنا، وتركتم الهجرة؟ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ أي: لا نقدر على الخروج من البلد، ولا الذهاب في الأرض قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ الآية.
وقال أبو داود: حدثنا محمد بن داود بن سفيان، حدثني يحيى بن حسان، أخبرنا سليمان بن موسى أبو داود، حدثنا جعفر بن سعد بن سمرة بن يزيد.

الشيخ: كذا ابن يزيد؟
الطالب: لا، ابن جندب.
الشيخ: نعم ابن جندب، سمرة بن جندب، يقال: جُنْدُب، وجُنْدَب، ما هو ابن يزيد.
حدثنا جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب، حدثني خبيب بن سليمان، عن أبيه سليمان بن سمرة، عن سمرة بن جندب، أما بعد، قال رسول الله ﷺ: من جامع المشرك، وسكن معه، فإنه مثله.الشيخ: وهذا كله فيه الوعيد والتحذير من الإقامة بين أظهر المشركين، وأن الواجب على أهل الإسلام أن يغادروا بلاد الشرك، وأن يفارقوهم، وأن ينابذوهم، وأن ينضموا إلى المسلمين، وأن يكثروا سواد المسلمين، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: من قام بين أظهر المشركين، وهو غير متمكن من إقامة دينه، ويستطيع الهجرة، فإن الإقامة محرمة بإجماع المسلمين، أما إن كان عاجزًا فقد قال الله: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ [النحل:106]، إذا كان عاجزًا فلا بأس، كما أقام جماعة من المسلمين في مكة بعد هجرة النبي ﷺ لعجزهم؛ لأنهم ما بين سجين، وما بين أسير، ليس قادر، أما أن يقيم بين أظهر المشركين، وهو قادر، ولا يستطيع إظهار دينه فإنه قد أتى محرمًا بالإجماع، فلا بد من الانتقال والهجرة إلى بلاد الإسلام مع القدرة.
أما حديث سمرة هذا ففيه وعيد شديد، من جامع مشركًا، وسكن معه، فهو مثله فهو وعيد عظيم، إلا أن في سنده ضعف، فإن خبيب وجعفر فيهما لين، ولكن لو صح معناه التحذير والوعيد، وأنه القائم معهم ناصرًا لهم، ومؤيدًا لدينهم فهو مثلهم، أما من أقام لأمر آخر، وهو يستطيع الهجرة، ولكن قام لحظ الدنيا فقد أتى معصية، وإن كان يظهر دينه، ويستطيع إقامة دينه من البراءة من الشرك، وإظهار ما أوجب الله عليه هذا يحرم عليه، وإن كان يدعو إلى الله، ويعلم الناس الخير كان هذا من باب الدعوة إلى الله ، إذا كان عن علم، وعلى بصيرة، أما من أقام لأجل الدنيا، أو لقصد آخر، وهو ليس بقادر على إظهار دينه أو جاهل في دينه فهذا على خطر عظيم؛ لأن هذا يوقعه في الشرك؛ لأن أهل الشرك يلبسون على الناس، ويشبهون عليهم، وربما دعوهم إلى الباطل، فإذا لم يكن عندهم حصانة من العلم النافع والبصيرة النافذة فهم على خطر من هؤلاء المشركين.
وفي حديث ....... عند النسائي بسند جيد يقول ﷺ: لا يقبل الله من مشرك عملًا بعدما أسلم ولم يفارق المشركين يعني حتى يفارق المشركين، وفي حديث جرير يقول ﷺ: أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين، لا تراءي نارهما فهذا عند أهل العلم محمول على من لم يستطع إظهار دينه، ولا إقامة دينه، فإنه يكون حينئذ قد ارتكب محرمًا، وعرض نفسه للخطر.
س: بعض بلاد المسلمين إذا أصبح الدين محاربًا، واستطاع الإنسان الهجرة، وهو في بلده لا يستطيع أن يقيم شيء من شعائر الدين محارب؟
الشيخ: ليست دار إسلام بل هي دار كفر، ولا تسمى بدار إسلام، إذا كانوا يحاربون الإسلام الصحيح، ويمنعون من إظهاره، ومن الدعوة إليه فحكمه حكم بلاد الشرك، إلا إذا كان معاصي فقط فالهجرة مستحبة، يعني إذا ظهرت المعاصي استحبت الهجرة إلا لمن قدر على الدعوة إلى الله، وإنكار المنكر، والتوجيه إلى الخير.
س: ضابط إظهار الدين في بلاد الشرك هل هو مجرد إقامة الصلاة؟
الشيخ: إظهار شعائر الدين، وأعظمها التوحيد، إظهار التوحيد، والنهي عن الشرك هذا أعظمها.
س: هل يلزم منه تبيين باطلهم؟
الشيخ: تبيين ما هم عليه من الباطل أن النصرانية باطلة، وأن المسيح هو عبدالله ورسوله، وأن الواجب إخلاص العبادة لله وحده، وهكذا في اليهود يبين بطلان دينهم، وهكذا في الوثنيين، وأشباه ذلك، يبين بطلان ما هم عليه من الباطل، وما هو الحق الذي بعث الله به نبيه ﷺ.
س: يبين في المناسبات؟
الشيخ: في الوقت المناسب يعني المناسب فيه الدعوة إلى الله .
وقال السدي: لما أسر العباس، وعقيل، ونوفل، قال رسول الله ﷺ للعباس: افد نفسك، وابن أخيك.الشيخ: وابني؛ لأن نوفل ابن أخيه أيضًا، وعقيل ابن أخيه، كلاهما ابن أخيه، ابن نوفل هذا هو ابن الحارث بن عبدالمطلب، وعقيل هو ابن أبي طالب أخو علي كلاهما ابنا أخ للعباس.
فقال: يا رسول الله، ألم نصل إلى قبلتك، ونشهد شهادتك، قال: يا عباس، إنكم خاصمتم فخصمتم، ثم تلا عليه هذه الآية أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً الآية، ورواه ابن أبي حاتم.الشيخ: حط عليها، ولعلها، وابني أخيك، مع أنه يصلح ابن أخيك؛ لأنه مفرد مضاف، يعني اثنين، المفرد المضاف إلى معرفة يعم.
وقوله: إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ إلى آخر الآية، هذه عذر من الله لهؤلاء في ترك الهجرة، وذلك أنهم لا يقدرون على التخلص من أيدي المشركين، ولو قدروا ما عرفوا يسلكون الطريق، ولهذا قال: لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلا، قال مجاهد، وعكرمة، والسدي: يعني طريقًا.
وقوله تعالى: فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ أي: يتجاوز من الله عنهم بترك الهجرة.

الشيخ: "من الله" ما لها محل، أي يتجاوز عنهم.
وهذا فضل من الله أن المستضعف ... النساء والرجال الذين لا يستطيعون حيلة في النفقة، ولا يهتدون الطريق فهؤلاء عسى الله أن يعفو عنهم حتى يستطيعوا.
قال البخاري: حدثنا أبو نعيم، حدثنا شيبان عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: بينا رسول الله ﷺ يصلي العشاء إذ قال: سمع الله لمن حمده، ثم قال قبل أن يسجد: اللهم انج عياش بن أبي ربيعة، اللهم انج سلمة بن هشام، اللهم انج الوليد بن الوليد، اللهم انج المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها سنين كسني يوسف.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو معمر المقري، حدثني عبدالوارث، حدثنا علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ رفع يده بعد ما سلم، وهو مستقبل القبلة، فقال: اللهم خلص الوليد بن الوليد، وعياش بن أبي ربيعة، وسلمة بن هشام، وضعفة المسلمين الذين لا يستطيعون حيلة، ولا يهتدون سبيلًا من أيدي الكفار.
وقال ابن جرير: حدثنا المثنى، حدثنا حجاج، حدثنا حماد، عن علي بن زيد، عن عبدالله أو إبراهيم بن عبدالله القرشي، عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ كان يدعو في دبر صلاة الظهر: اللهم خلص الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، وضعفة المسلمين من أيدي المشركين الذين لا يستطيعون حيلة، ولا يهتدون سبيلا.
ولهذا الحديث شاهد في الصحيح من غير هذا الوجه كما تقدم.
وقال عبدالرزاق: أنبأنا ابن عيينة عن عبيدالله بن أبي يزيد، قال: سمعت ابن عباس يقول: كنت أنا وأمي من المستضعفين من النساء، والولدان. 
وقال البخاري: أنبأنا أبو النعمان، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ قال: كنت أنا وأمي ممن عذر الله .
الشيخ: شف أبو النعمان.
الطالب: أبو النعمان السدوسي هو محمد بن الفضل العارم محمد بن الفضل السدوسي أبو النعمان البصري، لقبه عارم، ثقة ثبت، تغير في آخر عمره، من صغار التاسعة، مات سنة ثلاث أو أربع وعشرين، (الجماعة).
وفي آخر: أبو النعمان عن أبي وقاص مجهول من السادسة (الترمذي).
س: إذا كان واحد في بلد مثلاً الأشرار كثيرون من المخرفين والشياطين، وهو يستطيع أن يظهر العقيدة والتوحيد، لكنه كثر عليه الأذى، هل يصبر ويتحمل أم يخرج من هذه البلد؟

الشيخ: الصبر أفضل إن كان يرى أن صبره أنفع يصبر، وإن كان يرى أن صبره فيه خطر عليه يخرج؛ لأن الناس تختلف، فمنهم من صبره ينفع الناس، يهدي الله على يديه لكنه يتحمل الأذى، مثل ما صبر النبي ﷺ حتى أذن الله له بالهجرة، ومن الناس من يخشى عنده ضعف أو كثر الشر عليه فيخشى على نفسه أن يميل إليهم أو يداهنهم أو كذا فهذا الأفضل له حينئذ الخروج حتى يسلم.
.........