تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ..} (5)

حديثٌ آخر: قال أبو عبدالله محمد بن يزيد بن ماجه في "سننه": حدَّثنا علي بن محمد: حدَّثنا عبدالرحمن المحاربي، عن إسماعيل بن رافع أبي رافع، عن أبي زُرعة الشَّيباني يحيى ابن أبي عمرو، عن أبي أُمامة الباهلي قال: خطبنا رسولُ الله ﷺ فكان أكثر خُطبته حديثًا حدّثناه عن الدَّجال وحذّرناه.

الشيخ: هذا حديثٌ ضعيفٌ؛ لأنَّ إسماعيل هذا ليس بشيءٍ، نعم الذي بعده، نعم.

ولبعضه شواهد من أحاديث أُخر: من ذلك ما رواه مسلم من حديث نافع وسالم، عن عبدالله بن عمر قال: قال رسولُ الله ﷺ: لتُقاتلنَّ اليهود، فلتقتلنَّهم حتى يقول الحجرُ: يا مسلم، هذا يهودي، فتعالَ فاقتله.

وله من طريق سهيل ابن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة: أنَّ رسول الله ﷺ قال: لا تقوم الساعةُ حتى يُقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشَّجر، فيقول الحجر والشَّجر: يا مسلم، يا عبدالله، هذا يهودي خلفي، فتعالَ فاقتله، إلا الغرقد؛ فإنَّه من شجر اليهود.

الشيخ: وهذا عند خروج الدَّجال؛ فإنَّ الدَّجال يرأس اليهود، وهو أميرهم، فيُحاصرهم المسلمون مع عيسى -عليه الصلاة والسلام-، فيقتلونهم، ويقتلون الدجال، حتى إنَّ اليهودي –يعني: الواحد منهم- يختبئ تحت الشَّجر والحجر، فيُنطق اللهُ الشجرَ والحجرَ، يقول: يا عبدالله، هذا يهودي، تعالَ فاقتله. ما عدا الغرقد.

هذا ثابتٌ عن النبي ﷺ، هذا من الأحاديث الصَّحيحة في "الصحيحين" وغيرهما، والله على كل شيءٍ قدير، الذي يوم القيامة يُنطق الجلود والأسماع والأبصار والأيدي والأرجل، يُنطق الشَّجر إذا شاء ، وهو على كل شيءٍ قدير، نعم.

س: هل صحَّ أنَّهم يُقاتلون في .......؟

ج: في الأردن هناك يُحاصرونهم في القدس، الله المستعان.

س: الغرقد هذا هو ...........؟

ج: ما أدري، ما أعرفه، يُسمّونه: شجر اليهود، ما أدري عنه، ما أعرفه.

ولنذكر حديث النّواس بن سمعان هاهنا؛ لشبهه بهذا الحديث:

قال مسلم بن الحجاج في "صحيحه": حدَّثنا أبو خيثمة زهير بن حرب: حدَّثنا الوليد بن مسلم: حدَّثني عبدالرحمن بن يزيد بن جابر: حدَّثني جابر بن يحيى الطَّائي.

مُداخلة: في نسخة (الشعب): يحيى بن جابر.

الشيخ: وأنت أيش عندك؟

الطالب: جابر بن يحيى.

الشيخ: عكس؟

الطالب: قال في الحاشية: في نسخة (الشعب): في المخطوطة: جابر بن يحيى، وهو خطأ، يُنظر: "صحيح مسلم" و"الخلاصة".

الشيخ: انظر "التقريب" و"الخلاصة": يحيى بن جابر، وجابر بن يحيى، نعم.

قاضي حمص: حدَّثني عبدالرحمن بن جبير، عن أبيه جبير بن نفير الحضرمي: أنَّه سمع النَّواس بن سمعان الكلابي. (ح) وحدَّثنا محمد بن مهران الرازي: حدَّثنا الوليد بن مسلم: حدَّثنا عبدالرحمن بن يزيد بن جابر، عن يحيى بن جابر الطَّائي.

الشيخ: أتى به على الصَّحيح.

الطالب: يحيى بن جابر بن حسان الطائي، أبو عمرو، الحمصي، القاضي، ثقة، من السادسة، وأرسل كثيرًا، مات سنة ستٍّ وعشرين. البخاري في "الأدب"، ومسلم، والأربعة.

الشيخ: و"الخلاصة"؟

الطالب: يحيى بن جابر الطائي، أبو عمرو، قاضي حمص، عن صالح بن يحيى، وعبدالرحمن بن جبير، وأرسل عن جماعةٍ، وعنه سليمان بن سليم، والزبيدي، وثَّقه دحيم، قال خليفة: مات سنة ستٍّ وعشرين ومئة. البخاري في "الأدب"، ومسلم، والأربعة.

الشيخ: صلح الذي عندك: يحيى بن جابر.

(ح) وحدَّثنا محمد بن مهران الرازي: حدَّثنا الوليد بن مسلم: حدَّثنا عبدالرحمن بن يزيد بن جابر، عن يحيى بن جابر الطائي، عن عبدالرحمن بن جبير، عن أبيه جبير بن نفير، عن النّواس بن سمعان قال: ذكر رسولُ الله ﷺ الدَّجال ذات غداةٍ، فخفض فيه ورفع.

الشيخ: يعني: كثّر الكلام فيه ونوّعه، اللهم صلِّ عليه وسلّم.

حتى ظنناه في طائفة النَّخل، فلمَّا رُحنا إليه عرف ذلك في وجوهنا، فقال: ما شأنكم؟ قلنا: يا رسول الله، ذكرتَ الدَّجال غداةً فخفضت فيه ورفعت حتى ظنناه في طائفة النَّخل. قال: غير الدَّجال أخوفني عليكم، إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولستُ فيكم فامرؤ حجيجُ نفسه، والله خليفتي على كل مسلمٍ، إنَّه شابٌّ قطط، عينه طافية، كأني أُشبهه بعبدالعزى بن قطن، مَن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف، إنَّه خارجٌ من خلّةٍ بين الشام والعراق، فعاث يمينًا، وعاث شمالًا، يا عباد الله، فاثبتوا، قلنا: يا رسول الله، فما لبثُه في الأرض؟ قال: أربعون يومًا؛ يومٌ كسنةٍ، ويومٌ كشهرٍ، ويومٌ كجمعةٍ، وسائر أيامه كأيامكم، قلنا: يا رسول الله، وذلك اليوم الذي كسنةٍ، أتكفينا فيه صلاة؟ قال: لا، اقدروا له قدره.

قلنا: يا رسول الله، وما إسراعه في الأرض؟ قال: كالغيث استدبرته الريح، فيأتي على قومٍ فيدعوهم، فيُؤمنون به، ويستجيبون له، فيأمر السَّماء فتُمطر، والأرض فتُنبت، فتروح عليهم سارحتُهم أطول ما كانت ذرى، وأسبغه ضروعًا، وأمدّه خواصر، ثم يأتي القوم فيدعوهم، فيردون عليه قوله، فينصرف عنهم، فيُصبحون مُمحلين، ليس بأيديهم شيءٌ من أموالهم، ويمرّ بالخربة.

الشيخ: هذا ابتلاءٌ وامتحانٌ، فتنةٌ عظيمةٌ، لكن مَن صبر جعل اللهُ له العاقبة الحميدة، وردّ عليه ما كان شاردًا، وأغناه، فالمسألة تحتاج إلى الصَّبر والثَّبات؛ ولهذا قال ﷺ: ما بين خلق آدم إلى قيام السَّاعة أمرٌ أعظم من الدَّجال، كما تقدم، رواه مسلم في "الصحيح".

وشرع اللهُ لنا أن نستعيذ من فتنته في كل صلاةٍ، فتنة لكل مفتونٍ، ولا سيّما مع قِلّة العلم، وقِلّة الدِّين، وكثرة الجهل، وكثرة المضادين للإسلام، فالمسألة لا شكَّ أنها عظيمة، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله.

س: ما مُراده ﷺ من قوله: غير الدَّجال أخوفني عليكم؟

ج: يعني: ما يُفتح عليهم من زهرة الدنيا وزينتها، وما يصدّهم عن الآخرة من الغفلة والشَّهوات التي تغلب على الخلق من أول الزمان إلى آخره، ربما فسّره الحديث الآخر.

س: الحكمة من تحذير الأنبياء أممهم من الدّجال، مع أنَّه لا يظهر في أُممهم؟

ج: لعظم فتنته، ولعله ما بيّن لهم أنَّه يكون في أُمّة محمدٍ؛ ولهذا حذَّروه، يُوحى إليهم أن يُحذِّروا الدَّجال، ولم يُبيّن لهم متى يكون.

فيمرّ بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النَّحل، ثم يدعو رجلًا ممتلئًا شبابًا فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض، ثم يدعوه فيُقبل ويتهلل وجهه ويضحك، فبينما هو كذلك إذ بعث اللهُ المسيحَ ابن مريم ، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين.

الشيخ: عندك شيء على "مهرودتين" في الحاشية؟

الطالب: نعم، قال: أي: في شقّتين، أو حُلّتين. وقيل: الثوب المهرود الذي يصبغ بالورس، ثم بالزعفران. وقال ابنُ قتيبة: هو خطأ من النَّقلة، وأراه "مهروتين" أي: صفراوين.

الشيخ: محتمل، كأنَّه شيء يكون عن يمينه وشماله، مثلما تقدّم قوله .....، أو شيء آخر أيضًا من اللباس، انظر "النِّهاية": هرد، باب الهاء مع الراء: هرد، قد تكون مهرودتين هنا ما تقدّم من حُلّتين .....

س: ما المراد هنا بالمنارة؟

ج: المنارة معروفة، التي يُؤذّن عليها.

س: هذا فيه إقرار من النبي ﷺ .....؟

ج: إخبار عمَّا سيكون من آخر الزمان، نعم.

واضعًا كفَّيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسَه قطر، وإذا رفعه تحدّر منه جمان اللؤلؤ، ولا يحلّ لكافرٍ يجد ريحَ نفسه إلا مات، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه، فيطلبه حتى يُدركه بباب اللّد، فيقتله.

الشيخ: باب لُدّ هذا أحد أبواب القدس، نعم.

ثم يأتي عيسى قومًا قد عصمهم الله منه، فيمسح على وجوههم، ويُحدِّثهم بدرجاتهم في الجنَّة، فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى: إني قد أخرجتُ عبادًا لي لا يدانِ لأحدٍ بقتالهم، فحرّز عبادي إلى الطّور، ويبعث اللهُ يأجوج ومأجوج، وهم من كلِّ حدبٍ ينسلون، فيمرّ أوَّلهم على بُحيرة طبريا فيشربون ما فيها، ويمرّ آخرهم فيقولون: لقد كان بهذه مرّة ماء، ويُحصر نبي الله عيسى وأصحابه حتى يكون رأسُ الثور لأحدهم خيرًا من مئة دينار لأحدكم اليوم.

الشيخ: يُحصر من جهة شرِّ هؤلاء: يأجوج ومأجوج، يُحصر في محلّة في القدس؛ لشدّة شرّ هؤلاء: يأجوج ومأجوج، يتحرز في الجبال، قال عندك: هرد؟

الطالب: نعم، أحسن الله إليك، يقول في "النهاية": في حديث عيسى أنه ينزل بين مهرودتين، أي: في شقّتين أو حُلّتين، وقيل: الثوب المهرود الذي يُصبغ بالورس، ثم بالزعفران، ويجيء له لونٌ مثل لون زهرة الحوذان.

قال القتيبي: هو خطأ من النَّقلة، وأراه "مهروتين" أي: صفراوين.

الشيخ: الأقرب -والله أعلم- أنَّه مثلما تقدّم: حُلّتين ممصرتين، يعني: بيضاء فيها صُفْرَة.

فيرغب نبيُّ الله عيسى وأصحابُه، فيُرسل اللهُ عليهم النَّغف في رقابهم، فيُصبحون فرسى كموت نفسٍ واحدةٍ، ثم يهبط نبيُّ الله عيسى وأصحابُه إلى الأرض، فلا يجدون في الأرض موضع شبرٍ إلا ملأه زهمُهم ونتنُهم.

الشيخ: يعني: يأجوج ومأجوج؛ لكثرتهم.

فيرغب نبيُّ الله عيسى وأصحابُه إلى الله، فيُرسل اللهُ طيرًا كأعناق البُخت، فتحملهم، فتطرحهم حيث شاء الله، ثم يُرسِل اللهُ مطرًا لا يكنّ منه بيتُ مدرٍ ولا وبرٍ، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزّلفة.

الشيخ: بالفاء أو القاف؟

طالب: عندي بالقاف.

طالب آخر: كالزّلفة.

الشيخ: بالفاء؟

الطالب: نعم، قال -أحسن الله إليك-: زلفة -بالزاي واللّام وتسكن- المرآة.

الشيخ: التي أعرفها أنَّها بالقاف، يعني: حتى يجعلها صافيةً مرّة كالأرض التي يزلق بها الناس من صفائها ونظافتها، انظر "النهاية": زلقة، وزلفة.

س: أصحاب عيسى هل لهم فضلٌ؟

ج: ما في شكّ، صُحبته ومُعاونته على جهاد أعداء الله. في الحديث الصَّحيح: أنَّ الغُرباء لهم فضلُ خمسين على الصَّحابة، الغُرباء في آخر الزمان، فكيف بأصحاب عيسى؟!

ثم يُقال للأرض: أخرجي ثمرك، ورُدِّي بركتك، فيومئذٍ تأكل العصابةُ من الرّمانة، ويستظلون بقحفها، ويُبارك الله في الرّسل.

الشيخ: "في الرسل" في اللَّبن.

حتى إنَّ اللّقحة من الإبل لتكفي الفئام، فبينما هم كذلك إذ بعث اللهُ ريحًا طيبةً، فتأخذهم تحت آباطهم، فيقبض اللهُ روحَ كل مؤمنٍ وكل مسلمٍ.

الشيخ: هذا بعد مدّة، ما هو في وقت عيسى، هذا بعد مدّة، كما في الأحاديث الأخرى: ريح تكون بعد عيسى، وبعد يأجوج، وبعد رفع القرآن، وبعد الدّخان، وبعد خروج الدَّابة، وبعد طلوع الشمس من مغربها، بعد الآيات العظيمة، عند قيام السَّاعة يُرسِل اللهُ ريحًا طيبةً لينةً، فتقبض أرواح المؤمنين والمؤمنات، فلا يبقى إلا الأشرار، فعليهم تقوم الساعة، يبقون في الأرض كالبهائم، يتهارجون في الأسواق، يعني: ينكح بعضُهم بعضًا في الأسواق، ويفعلون الجرائم في الأسواق، فتقوم عليهم الساعة، وهم شرّ الناس، نسأل الله العافية.

س: بعد خروج الشمس من مغربها عفا اللهُ عنك؟

ج: بعد طلوع الشمس من مغربها، تطلع الشمسُ من مغربها، والناس فيهم المسلمون والكافرون، نعم.

س: ...........؟

ج: ما بلغني شيء.

الطالب: أحسن الله إليك، (زلف) قال في "النهاية" في حديث يأجوج ومأجوج: فيُرسِل اللهُ مطرًا فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة، "الزلفة" بالتحريك، والجمع "زلف": مصانع الماء. وتُجمع على المزالف أيضًا، أراد أنَّ المطر يغدر في الأرض، فتصير كأنَّها مصنعة من مصانع الماء.

الشيخ: "يغدر" يعني: يكون مثل الغدير.

الطالب: وقيل: الزلفة: المرآة، شبّهها بها لاستوائها ونظافتها.

الشيخ: قيل: للتَّمريض.

الطالب: وقيل: الزلفة: الروضة، وتُقال بالقاف أيضًا.

الشيخ: ما يُخالف، ماشٍ.

ويبقى شرارُ الناس يتهارجون فيها تهارج الحُمُر، فعليهم تقوم السَّاعة.

الشيخ: "يتهارجون" يعني: يتناكحون كالحُمُر ينزو بعضُهم على بعضٍ، ليس هناك رادعٌ: لا دين، ولا حياء؛ لأنَّهم قد فقدوا كلَّ شيءٍ، نسأل الله العافية.

ورواه الإمامُ أحمد وأهلُ السُّنن من حديث عبدالرحمن بن يزيد بن جابر به.

وسنذكره أيضًا من طريق أحمد عند قوله تعالى في سورة الأنبياء: حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ الآية [الأنبياء:96].

س: أحسن الله إليك، ما يُعتبر هذا شاهد لحديث إسماعيل المتقدّم؟

ج: مثلما قال المؤلف، ولبعضه شواهد، لكن فيه أشياء .....