تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاَّ هُوَ..}

وقال الإمام أحمد: حدَّثنا يحيى ابن أبي بُكير: حدَّثنا عبدالله بن إياد بن لقيط.

الشيخ: كذا عندكم: عبدالله أو عبيدالله؟

الطالب: عبيدالله بن إياد.

الشيخ: أيش بعده؟

قال: سمعتُ أبي يذكر عن حُذيفة قال: سُئل رسول الله ﷺ عن السَّاعة.

الشيخ: انظر عبيدالله.

الطالب: هذا -أحسن الله إليك- عبيدالله بن إياد بن لقيط، السّدوسي، أبو السَّليل -بفتح المهملة وكسر اللَّام وآخره لام أيضًا- الكوفي، كان عريف قومه، صدوق، ليَّنه البزار وحده، من السابعة، مات سنة تسعٍ وستين. البخاري في "الأدب"، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.

الشيخ: أبوه؟ إياد بن لقيط، انظر أباه.

فقال: علمها عند ربي لا يُجليها لوقتها إلا هو، ولكن سأُخبركم بمشاريطها وما يكون بين يديها، إنَّ بين يديها فتنةً وهرجًا، قالوا: يا رسول الله، الفتنة قد عرفناها، فما الهرج؟ قال: بلسان الحبشة: القتل، قال: ويُلقى بين الناس التَّناكر، فلا يكاد أحدٌ يعرف أحدًا، لم يروه أحدٌ من أصحاب الكتب السّتة من هذا الوجه.

الطالب: أحسن الله إليك، إياد -بكسر أوّله ثم تحتانية- بن لقيط، السدوسي، ثقة، من الرابعة. البخاري في "الأدب"، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنَّسائي.

الشيخ: نعم، هو له شواهد، الهرج والقتل هم شواهد قيام الساعة، نعم.

س: نُصلحها: عبيدالله؟

ج: نعم، عبيدالله بن إياد.

وقال وكيع: حدَّثنا ابنُ أبي خالد، عن طارق بن شهاب قال: كان رسولُ الله ﷺ لا يزال يذكر من شأن السَّاعة حتى نزلت: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا الآية [الأعراف:187].

ورواه النَّسائي من حديث عيسى بن يونس، عن إسماعيل ابن أبي خالد، به. وهذا إسناد جيد، قوي.

الشيخ: وهذا مُرْسَل.

س: طارق ما سمع من النبي ﷺ؟

ج: عن طارق أيش؟

حدَّثنا ابنُ أبي خالد، عن طارق بن شهاب قال: كان رسولُ الله ﷺ لا يزال يذكر من شأن السَّاعة حتى نزلت: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا الآية.

ورواه النَّسائي من حديث عيسى بن يونس، عن إسماعيل ابن أبي خالد، به. وهذا إسناد جيد، قوي.

الشيخ: نعم، طارق من صغار الصَّحابة، مُرْسَل، صحابي، نعم.

فهذا النبي الأُمّي سيد الرسل وخاتمهم محمد -صلوات الله عليه وسلامه-، نبيّ الرحمة، ونبيّ التوبة، ونبيّ الملحمة، والعاقب، والمقفي، والحاشر الذي تُحشر الناس على قدميه، مع قوله فيما ثبت عنه في "الصَّحيح" من حديث أنسٍ وسهل بن سعد -رضي الله عنهما-: بُعثتُ أنا والسَّاعة كهاتين وقرن بين إصبعيه السَّبابة والتي تليها، ومع هذا كلّه قد أمره الله أن يردّ علم وقت السَّاعة إليه إذا سُئل عنها، فقال: قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [الأعراف:187].

قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الأعراف:188].

أمره الله تعالى أن يُفوّض الأمور إليه، وأن يُخبر عن نفسه أنَّه لا يعلم الغيب المستقبل، ولا اطِّلاع له على شيءٍ من ذلك إلا بما أطلعه الله عليه، كما قال تعالى: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا الآية [الجن:26].

وقوله: وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ قال عبدُالرزاق: عن الثوري، عن منصور، عن مجاهد: وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ قال: لو كنت أعلم متى أموت لعملتُ عملًا صالحًا.

وكذا روى ابنُ أبي نجيح، عن مجاهد، وقال مثله ابن جريج، وفيه نظر؛ لأنَّ عمل رسول الله ﷺ كان دِيمةً، وفي روايةٍ: كان إذا عمل عملًا أثبته. فجميع عمله كان على منوالٍ واحدٍ، كأنَّه ينظر إلى الله في جميع أحواله، اللهم إلا أن يكون المرادُ أن يُرشد غيره إلى الاستعداد لذلك، والله أعلم.

والأحسن في هذا ما رواه الضَّحاك، عن ابن عباسٍ: وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ أي: من المال.

وفي روايةٍ: لعلمتُ إذا اشتريت شيئًا ما أربح فيه، فلا أبيع شيئًا إلا ربحتُ فيه، وما مسني السوء، ولا يُصيبني الفقر.

وقال ابنُ جرير: وقال آخرون: معنى ذلك: لو كنت أعلم الغيب لأعددتُ للسنة المجدبة من المخصبة، ولوقت الغلاء من الرُّخْص، فاستعددت له من الرُّخص.

وقال عبدُالرحمن بن زيد بن أسلم: وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ قال: لاجتنبتُ ما يكون من الشَّر قبل أن يكون واتَّقيتُه.

ثم أخبر أنَّه إنما هو نذير وبشير، أي: نذير من العذاب، وبشير للمؤمنين بالجنات، كما قال تعالى: فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا [مريم:97].

الشيخ: وهذا واضحٌ في أنَّه ﷺ لا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعًا، ولا يعلم الغيب، فهذا إلى الله -جلَّ وعلا-، فالرسل جميعًا وجميع العباد كلّهم لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًّا، فالله مالك كل شيءٍ، وهو القدير -جلَّ وعلا-، وهو الذي يستحقّ أن يُعبد ويُسأل ويضرع إليه؛ لأنَّه المالك للنَّفع والضّر، وهم أيضًا لا يعلمون الغيب إلا ما أطلعهم الله عليه.

فالواجب هو رفع الحاجات إلى الذي يعلم كل شيءٍ، ولا تخفى عليه خافية، وهو القادر على كل شيءٍ ، فهو الذي عنده تُقضى الحوائج، وبيده تصريف الأمور -جلَّ وعلا-، ومن ذلك ليعلم ما عليه أهل الشِّرك من الباطل والجهل العظيم، والبُعد عن أسباب السَّعادة.

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ۝ فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [الأعراف:189-190].

يُنبّه تعالى على أنَّه خلق جميع الناس من آدم ، وأنه خلق منه زوجته حواء، ثم انتشر الناسُ منهما، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:13]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا الآية [النساء:1]، وقال في هذه الآية الكريمة: وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا أي: ليألفها ويسكن بها، كقوله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً [الروم:21]، فلا أُلفةَ بين روحين أعظم مما بين الزوجين؛ ولهذا ذكر تعالى أنَّ الساحر ربما توصّل بكيده إلى التَّفرقة بين المرء وزوجه.

فَلَمَّا تَغَشَّاهَا أي: وطئها حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا وذلك أول الحمل لا تجد المرأةُ له ألـمًا، إنما هي النُّطفة، ثم العلقة، ثم المضغة.

وقوله: فَمَرَّتْ بِهِ قال مجاهد: استمرّت بحمله. ورُوي عن الحسن وإبراهيم النَّخعي والسّدي نحوه.

وقال ميمون بن مهران، عن أبيه: استخفّته.

وقال أيوب: سألتُ الحسن عن قوله: فَمَرَّتْ بِهِ قال: لو كنتَ رجلًا عربيًّا لعرفتَ ما هي، إنما هي فاستمرّت به.

وقال قتادة: فَمَرَّتْ بِهِ استبان حملها.

وقال ابنُ جرير: معناه: استمرّت بالماء، قامت به وقعدت.

وقال العوفي: عن ابن عباسٍ: استمرّت به فشكّت: أحملت أم لا؟

فَلَمَّا أَثْقَلَتْ أي: صارت ذات ثقلٍ بحملها.

وقال السّدي: كبر الولدُ في بطنها.

دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا أي: بشرًا سويًّا، كما قال الضَّحاك: عن ابن عباسٍ: أشفقا أن يكون بهيمةً. وكذلك قال أبو البختري وأبو مالك: أشفقا ألَّا يكون إنسانًا.

وقال الحسنُ البصري: لئن آتيتنا غلامًا لنكوننَّ من الشَّاكرين.

فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ يذكر المفسّرون هاهنا آثارًا وأحاديث سأُوردها وأُبيّن ما فيها، ثم نتبع ذلك ببيان الصَّحيح في ذلك، إن شاء الله، وبه الثّقة.

قال الإمامُ أحمد في "مسنده".

الشيخ: قف على: يذكر المفسّرون.