تفسير قوله تعالى: {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ..}

فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ [الأعراف:79].

هذا تقريعٌ من صالح لقومه لما أهلكهم الله بمُخالفتهم إياه، وتمردهم على الله، وإبائهم عن قبول الحقِّ، وإعراضهم عن الهدى إلى العمى، قال لهم صالح ذلك بعد هلاكهم؛ تقريعًا وتوبيخًا، وهم يسمعون ذلك.

كما ثبت في "الصحيحين": أنَّ رسول الله ﷺ لما ظهر على أهل بدر أقام هناك ثلاثًا، ثم أمر براحلته فشُدّت بعد ثلاثٍ من آخر الليل، فركبها، ثم سار حتى وقف على القليب -قليب بدر-، فجعل يقول: يا أبا جهل ابن هشام، يا عتبة بن ربيعة، يا شيبة بن ربيعة، ويا فلان، هل وجدتم ما وعد ربُّكم حقًّا؟ فإني وجدتُ ما وعدني ربي حقًّا، فقال له عمر: يا رسول الله، ما تُكلم من أقوام قد جيّفوا؟! فقال: والذي نفسي بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكن لا يُجيبون.

وفي السيرة أنَّه قال لهم: بئس عشيرة النبي كنتم لنبيِّكم؛ كذّبتموني وصدَّقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني الناس، فبئس عشيرة النبي كنتم لنبيِّكم.

وهكذا صالح قال لقومه: لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ أي: فلم تنتفعوا بذلك؛ لأنَّكم لا تُحبّون الحقَّ، ولا تتبعون ناصحًا؛ ولهذا قال: وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلَّى الله وسلّم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه.

أما بعد، فالحمد لله على تيسير العودة إلى مجالس العلم، ونسأل الله للجميع العون والتوفيق، وصلاح النية والعمل.

الرسل -عليهم الصلاة والسلام- بعثهم اللهُ هُداةً ودُعاةً للحقِّ، وصبرًا على إبلاغه، من أوَّلهم إلى آخرهم -عليهم الصلاة والسلام-، فالواجب على المكلّفين أن يعنوا بما جاءت به الرسل، وأن يُبادروا بالتَّصديق قبل أن تحلّ بهم العقوبات العاجلة قبل الآجلة، فقد قصَّ الله علينا نبأهم وأخبارهم لنتّعظ ونتذكر، فنوح بلغ ألف سنةٍ إلا خمسين عامًا وهو يُبلغ الناس، ولم يستجب له إلا القليل، فأهلكهم الله، كما قال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ۝ فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ [العنكبوت:14-15].

أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا قد استكبروا وعتوا، ومن شدّة كفرهم وعنادهم أنَّهم كانوا يستغشون ثيابهم حتى لا يسمعوا، ويُدخلون أصابعهم في آذانهم؛ غايةً في العناد والتَّكبر والإعراض.

وهكذا قوم هود، وقوم صالح، أبلغهم هود وصالح، وأبدا وأعاد كلٌّ منهما، فلم يستجب أولئك، ما استجاب إلا القليل، فأهلك الله عادًا بالريح العقيم، وقوم صالح بالرجفة، فقال لهم عند ذلك: وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ هذه حالهم.

وهكذا قوم لوط بُلِّغوا وأُنذروا فلم يستجيبوا، ولم يُؤمن به إلا القليل، فدمرهم الله، وخسف بهم مدائنهم، وأتبعهم بالحجارة من السّجين.

فالواجب على أُمّة محمدٍ ﷺ أن يكونوا خيرًا من أولئك، قد قصَّ الله عليهم القصص، وأنذرهم، فالواجب عليهم أن يتَّعظوا، وأن يأخذوا العبرة.

ولما وقع ما وقع يوم بدر من نصر الله لأوليائه، وهزيمته لأعدائه، ونصر الله نبيّه ﷺ على أولئك، كانوا قريبًا من ألف، والمسلمون ثلاثمئة وبضعة عشر، فنصر اللهُ المسلمين عليهم نصرًا عزيزًا، وقتل منهم المسلمون سبعين، وأسروا سبعين، وولّى البقية مُدبرين، ولما انتهت الحربُ أمر النبي ﷺ بالقتلى أن يُقذفوا في قليبٍ من قلبان بدر: أبي جهل، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، .....، وأمية بن خلف، و.....، وجماعة، فلمَّا أراد الانصراف من بدرٍ مرَّ عليهم، وكان على راحلته، فوقف على القليب -عليه الصلاة والسلام- وقال: يا أهل القليب، يا أبا جهل ابن هشام، ويا عتبة بن ربيعة ويُسمّيهم بأسمائهم، هل وجدتم ما وعد ربُّكم حقًّا؟ فإني وجدتُ ما وعد ربي حقًّا من النَّصر والتَّأييد وإهلاك العدو، فقال له عمر: ما تُكلّم من قومٍ قد جيَّفوا؟! فقال ﷺ: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنَّهم لا يستطيعون أن يُجيبوا، أسمعهم الله.

قد كانت عائشةُ تتأوّل هذا وتقول: أنَّه قال: ما أنتم بأعلم، والثابت أنَّه قال: ما أنتم بأسمع، ردَّ اللهُ عليهم أسماعهم، وهذا مُستثنى من قوله: إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى [النمل:80]، وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ الآيتان [فاطر:22]، مُستثنى منهما هذا الخبر؛ لأنَّ الله أسمعهم تقريعًا لهم وتوبيخًا.

وهكذا ما جاء في الحديث الصَّحيح في انصراف المشيعين للجنازة قال: إنَّه يسمع قرعَ نعالهم، هذا مُستثنى، فالأصل أنَّهم لا يسمعون، ولكن ما جاءت به النصوص يكون مُستثنى، وقد يُملي الله للظالمين فتكون العقوبةُ أشدّ، كما قال تعالى: وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ [إبراهيم:42].

فلا ينبغي للعاقل أن يغترّ بإملاء الله للكفرة: النَّصارى واليهود والشيوعيين وغيرهم، قد يُملي الله لهم، لو عاجلهم بالعقوبة ما بقي أحدٌ، لو عاجل كلّ مجرمٍ بالعقوبة ما بقي أحدٌ، أو دخل الناس كلّهم في دين الله أفواجًا، وقد مضت حكمتُه وقدرُه السَّابق بأنَّ الناس فيهم الكافر والمسلم، فيهم المستحقّ للثواب والعقاب، قد مضت سُنَّته وقدره على أنَّ أكثرهم لا يُؤمنون؛ فلهذا أملى لهم كثيرًا، وأخذ البعض بالعقوبة العاجلة؛ ليتّعظ مَن يتّعظ، ويقبل النَّصيحة والذّكرى مَن يقبل، وليحلّ عقابه بمَن أبى واستكبر، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله.

وقد ذكر بعضُ المفسّرين: أنَّ كلَّ نبيٍّ هلكت أُمته كان يذهب فيُقيم في الحرم -حرم مكة-، والله أعلم.

وقد قال الإمامُ أحمد: حدَّثنا وكيع: حدَّثنا زمعة بن صالح، عن سلمة بن وهرام، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ قال: لما مرَّ رسولُ الله ﷺ بوادي عُسفان حين حجَّ قال: يا أبا بكر، أيّ وادٍ هذا؟ قال: هذا وادي عسفان. قال: لقد مرَّ به هود وصالح -عليهما السلام- على بكرات خطمهنّ الليف، أزرهم العباء، وأرديتهم النِّمار، يُلبّون، يحجّون البيت العتيق، هذا حديثٌ غريبٌ من هذا الوجه، لم يُخرجه أحدٌ منهم.

الشيخ: وزمعة بن صالح ضعيف.

وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ ۝ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ [الأعراف:80-81].

يقول تعالى: ولقد أرسلنا لوطًا، أو تقديره: واذكر لوطًا إذ قال لقومه.

ولوط هو ابن هاران بن آزر، وهو ابن أخي إبراهيم الخليل -عليهما السلام-، وكان قد آمن مع إبراهيم ، وهاجر معه إلى أرض الشام، فبعثه الله إلى أهل سدوم وما حولها من القرى، يدعوهم إلى الله ، ويأمرهم بالمعروف، وينهاهم عمَّا كانوا يرتكبونه من المآثم والمحارم والفواحش التي اخترعوها، لم يسبقهم بها أحدٌ من بني آدم ولا غيرهم، وهو إتيان الذكور دون الإناث، وهذا شيءٌ لم يكن بنو آدم تعهده، ولا تألفه، ولا يخطر ببالهم، حتى صنع ذلك أهلُ سدوم -عليهم لعائن الله-.

قال عمرو بن دينار في قوله: مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ قال: ما نزا ذكرٌ على ذكرٍ حتى كان قوم لوط.

الشيخ: يعني: هم أول مَن فعل هذه الجريمة، فعليهم مثل آثام مَن تبعهم فيها، نسأل الله العافية، هم أول مَن بدأ إتيان الذكور؛ ولهذا قال: مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ، فصار مَن بعدهم يتأسّى بهم في ذلك، في هذه الجريمة النَّكراء التي لعن اللهُ فاعلها.

وفي الحديث يقول ﷺ: لعن اللهُ مَن عمل عمل قوم لوط، لا حول ولا قوة إلا بالله، نسأل الله العافية؛ ولهذا عاقبهم الله بعقوبةٍ غير عقوبة الماضين، عقوبة الخسف، خسف اللهُ بهم مدائنهم، وجعل عاليها سافلها، وأمطرهم بحجارةٍ من سجيلٍ؛ لكفرهم ولواطهم وإتيانهم المنكرات الأخرى من قطع الطريق وغيرها، نسأل الله العافية.

وقال الوليد بن عبدالملك الخليفة الأموي، باني جامع دمشق: لولا أنَّ الله قصَّ علينا خبر قوم لوط ما ظننتُ أنَّ ذكرًا يعلو ذكرًا.

ولهذا قال لهم لوط : أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ ۝ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ أي: عدلتم عن النِّساء وما خلق لكم ربُّكم منهنَّ إلى الرجال، وهذا إسرافٌ منكم وجهل؛ لأنَّه وضع الشيء في غير محلِّه؛ ولهذا قال لهم في الآية الأخرى: هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ [الحجر:71]، فأرشدهم إلى نسائهم، فاعتذروا إليه بأنَّهم لا يشتهونهنَّ: قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ [هود:79] أي: لقد علمت أنَّه لا أرب لنا في النِّساء ولا إرادة، وإنَّك لتعلم مُرادنا من أضيافك.

وذكر المفسّرون أنَّ الرجال كانوا قد استغنى بعضُهم ببعضٍ، وكذلك نساؤهم كنَّ قد استغنين بعضهنَّ ببعضٍ أيضًا.

وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ [الأعراف:82].

أي: ما أجابوا لوطًا إلا أن همّوا بإخراجه ونفيه ومَن معه من بين أظهرهم، فأخرجه الله تعالى سالـمًا، وأهلكهم في أرضهم صاغرين مُهانين.

وقوله تعالى: إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ قال قتادة: عابوهم بغير عيبٍ.

وقال مجاهد: إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ من أدبار الرِّجال وأدبار النِّساء.

ورُوِيَ مثله عن ابن عباسٍ أيضًا.

الشيخ: صدق الله، وهم كذبة، يتطهّرون، لا شكَّ أنَّه خباثة؛ إتيان الرجال وإتيان النِّساء من أدبارهنَّ كلّها خبث، فلوط والمؤمنون يتطهرون من ذلك، وهذه منقبة عابوهم بها، نسأل الله السَّلامة.

س: تسمية فاعل الفاحشة هذه بـ(اللواط) فيه محذور؟

ج: ما فيه شيء، نسبة إلى قوم لوط، ما هو إليه، هو إلى قوم لوط، وإذا نسبت إليه باللوطية فله نسبة؛ لأنَّه أنذرهم، نسبوا إليه لأنَّه أنذرهم وامتنعوا، فعاقبهم الله.

س: ما ورد في بعض الآثار تسميتهم باللوطية؟

ج: ما أتذكر شيئًا، لكن في الحديث الصَّحيح: لعن اللهُ مَن عمل عمل قوم لوط، هم قومه، لكنَّهم عاندوا وكفروا.

فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ۝ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ [الأعراف:83-84].

يقول تعالى: فأنجينا لوطًا وأهله، ولم يُؤمن به أحدٌ منهم سوى أهل بيته فقط، كما قال تعالى: فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ۝ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [الذاريات:35-36]، إلا امرأته فإنها لم تُؤمن به، بل كانت على دين قومها؛ تمالئهم عليه، وتُعلمهم بمَن يقدم عليه من ضيفانه بإشارات بينها وبينهم؛ ولهذا لما أُمِرَ لوط أن يسري بأهله، أُمِرَ أن لا يُعلمها، ولا يُخرجها من البلد.

ومنهم مَن يقول: بل اتَّبعتهم، فلمَّا جاء العذابُ التفتت هي، فأصابها ما أصابهم.

والأظهر أنَّها لم تخرج من البلد، ولا أعلمها لوط، بل بقيت معهم؛ ولهذا قال هاهنا: إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ أي: الباقين، وقيل: من الهالكين. وهو تفسيرٌ باللازم.

وقوله: وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا مُفسّر بقوله: وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ ۝ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ [هود:82-83]؛ ولهذا قال: فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ أي: انظر يا محمد كيف كان عاقبة مَن يجترئ على معاصي الله ويُكذّب رسله؟

وقد ذهب الإمامُ أبو حنيفة -رحمه الله- إلى أنَّ اللائط يُلقى من شاهقٍ، ويتبع بالحجارة، كما فعل بقوم لوط.

وذهب آخرون من العلماء إلى أنَّه يُرجم، سواء كان مُحصنًا أو غير مُحصنٍ، وهو أحد قولي الشَّافعي -رحمه الله-.

والحجّة ما رواه الإمامُ أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث الدّراوردي، عن عمرو ابن أبي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ قال: قال رسولُ الله ﷺ: مَن وجدتُموه يعمل عمل قوم لوطٍ فاقتلوا الفاعل والمفعول به.

وقال آخرون: هو كالزاني، فإن كان مُحْصَنًا رُجم، وإن لم يكن مُحصنًا جُلِدَ مئة جلدة. وهو القول الآخر للشَّافعي.

الشيخ: والصواب الذي عليه المحققون: أنَّهم يُقتلون مطلقًا، سواء كانوا مُحصنين، أو غير محصنين، اللَّائط يُقتل، حدّه القتل مطلقًا، وهو الذي أجمع عليه أصحابُ النبي ﷺ وفعلوه.

وأمَّا إتيان النِّساء في الأدبار فهو اللّوطية الصُّغرى، وهو حرامٌ بإجماع العلماء، إلا قولًا شاذًّا لبعض السلف، وقد ورد في النَّهي عنه أحاديث كثيرة عن رسول الله ﷺ، وقد تقدّم الكلامُ عليها في سورة البقرة.