تفسير قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا..}

قال محمد بن إسحاق بن يسار: عن سالم أبي النَّضر: أنَّه حدّث أنَّ موسى لما نزل في أرض بني كنعان من أرض الشام أتى قومُ بلعام إليه، فقالوا له: هذا موسى بن عمران في بني إسرائيل قد جاء يُخرجنا من بلادنا، ويقتلنا، ويحلّها بني إسرائيل، وإنا قومك، وليس لنا منزلٌ، وأنت رجلٌ مُجاب الدَّعوة، فاخرج فادعُ الله عليهم. قال: ويلكم! نبيّ الله، معه الملائكة والمؤمنون، كيف أذهب أدعو عليهم وأنا أعلم من الله ما أعلم؟! قالوا له: ما لنا من منزلٍ. فلم يزالوا به يُرقّقونه ويتضرّعون إليه حتى فتنوه، فافتتن؛ فركب حمارةً له مُتوجهًا إلى الجبل الذي يطلعه على عسكر بني إسرائيل، وهو جبل حسبان.

فلمَّا سار عليها غير كثير ربضت به، فنزل عنها، فضربها حتى إذا أزلقها قامت فركبها، فلم تسر به كثيرًا حتى ربضت به، فضربها حتى إذا أزلقها.

س: أزلقها أو أذلقها؟

ج: الأقرب -والله أعلم- أنها بالذال: أذلقها، الأقرب الذال.

الطالب: في نسخة (الشعب) بالذال.

الشيخ: لعلها بالذال، انظر "القاموس": ذلق، وزلق.

أذن لها فكلّمته حُجَّةً عليه، فقالت: ويحك يا بلعام! أين تذهب؟ أما ترى الملائكة أمامي تردّني عن وجهي هذا؟! تذهب إلى نبي الله والمؤمنين لتدعو عليهم! فلم ينزع عنها يضربها، فخلّى اللهُ سبيلَها حين فعل بها ذلك، فانطلقت  به، حتى إذا أشرفت به على رأس حسبان على عسكر موسى وبني إسرائيل، جعل يدعو عليهم، ولا يدعو عليهم بشرٌ إلا صرف اللهُ لسانَه إلى قومه، ولا يدعو لقومه بخيرٍ إلا صرف لسانَه إلى بني إسرائيل، فقال له قومه: أتدري يا بلعام ما تصنع؟! إنما تدعو لهم، وتدعو علينا! قال: فهذا ما لا أملك، هذا شيء قد غلب الله عليه.

قال: واندلع لسانُه فوقع على صدره، فقال لهم: قد ذهبت مني الآن الدنيا والآخرة، ولم يبقَ إلا المكر والحيلة، فسأمكر لكم وأحتال؛ جمّلوا النِّساء، وأعطوهنَّ السّلع، ثم أرسلوهنَّ إلى العسكر يبعنها فيه، ومروهنَّ فلا تمنع امرأةٌ نفسَها من رجلٍ أرادها؛ فإنَّهم إن زنى رجلٌ منهم واحدٌ كُفيتُموهم. ففعلوا.

فلمَّا دخلت النساءُ العسكر مرّت امرأةٌ من الكنعانيين اسمها: كسبى -ابنة صور رأس أُمّته- برجلٍ من عُظماء بني إسرائيل، وهو زمرى بن شلوم، رأس سبط شمعون بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ، فلمَّا رآها أعجبته، فقام فأخذ بيدها وأتى بها موسى وقال: إني أظنّك ستقول: هذا حرامٌ عليك، لا تقربها؟ قال: أجل هذا حرامٌ عليك، لا تقربها. قال: فوالله لا أُطيعك في هذا. فدخل بها قُبَّته فوقع عليها، وأرسل اللهُ الطاعون في بني إسرائيل.

وكان فنحاص بن العيزار بن هارون صاحب أمر موسى، وكان غائبًا حين صنع زمرى بن شلوم ما صنع، فجاء والطَّاعون يجوس فيهم، فأُخبر الخبر، فأخذ حربَته -وكانت من حديدٍ كلِّها-، ثم دخل القبَّةَ وهما مُتضاجعان، فانتظمهما بحربته، ثم خرج بهما رافعهما إلى السَّماء، والحربة قد أخذها بذراعه، واعتمد بمرفقه على خاصرته، وأسند الحربة إلى لحييه، وكان بكر العيزار، وجعل يقول: اللهم هكذا نفعل بمَن يعصيك.

ورُفِعَ الطَّاعون، فحُسِبَ مَن هلك من بني إسرائيل في الطَّاعون فيما بين أن أصاب زمرى المرأة إلى أن قتله فنحاص، فوجدوه قد هلك منهم سبعون ألفًا، والمقلل لهم يقول: عشرون ألفًا في ساعةٍ من النَّهار.

فمن هنالك تُعطي بنو إسرائيل ولد فنحاص من كل ذبيحةٍ ذبحوها: الرقبة والذِّراع واللّحى والبكر من كل أموالهم وأنفسها؛ لأنَّه كان بكر أبيه العيزار.

ففي بلعام بن باعوراء أنزل الله: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا إلى قوله: لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الأعراف:175-176].

وقوله تعالى: فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ [الأعراف:176] اختلف المفسّرون في معناه، فعلى سياق ابن إسحاق، عن سالم ابن أبي النَّضر.

الشيخ: الأقرب أنَّه "سالم أبي النَّضر"، كُنيته: أبو النَّضر، ما في "ابن"، انظر "التقريب": سالم أبي النَّضر، كنيته.

عن سالم أبي النَّضر: أنَّ بلعامًا اندلع لسانُه على صدره، فتشبيهه بالكلب في لهثه في كلتا حالتيه: إن زُجر، وإن تُرك ظاهر.

وقيل: معناه: فصار مثله في ضلاله واستمراره فيه، وعدم انتفاعه بالدُّعاء إلى الإيمان، وعدم الدُّعاء كالكلب في لهثه في حالتيه: إن حملت عليه، وإن تركته، هو يلهث في الحالين.

........

الطالب: سالم أبو النَّضر هو ابن أبي أُمية.

الشيخ: معروف.

فكذلك هذا لا ينتفع بالموعظة والدَّعوة إلى الإيمان، ولا عدمه، كما قال تعالى: سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ [البقرة:6]، اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ [التوبة:80]، ونحو ذلك.

الشيخ: وهذا -والعياذ بالله- باع الآخرة بالدنيا، وآثر الدنيا على الآخرة، وتابع قومَه في الباطل على بصيرةٍ، نسأل الله العافية، هذا من جنس بقية عُلماء اليهود الضَّالين؛ آثر رضا قومه بالدُّعاء على موسى وأصحابه، فأهلك نفسه، وسبّب هذه المشاكل على بني إسرائيل، نسأل الله العافية.

ولهذا نوّه الله بخبره الشَّنيع حتى قال سبحانه: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ يعني: أدركه الشيطان، فَكَانَ مِنَ الْغَاوِين ۝ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ، هذه حال المجرمين -نسأل الله العافية- المؤثرين للدنيا على الآخرة، الذين باعوا آخرتهم بدنياهم؛ لرضاء الناس، فغضب اللهُ عليهم، وفضحهم في الدنيا والآخرة، نسأل الله العافية.

وقيل: معناه: أنَّ قلبَ الكافر والمنافق والضَّال ضعيفٌ فارغٌ من الهدى، فهو كثير الوجيب، فعبّر عن هذا بهذا. نقل نحوه عن الحسن البصري وغيره.

وقوله تعالى: فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الأعراف:176] يقول تعالى لنبيِّه محمدٍ ﷺ: فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ أي: لعل بني إسرائيل العالمين بحال بلعام وما جرى له في إضلال الله إيَّاه، وإبعاده من رحمته بسبب أنَّه استعمل نعمةَ الله عليه في تعليمه الاسم الأعظم الذي إذا سُئِلَ به أعطى، وإذا دُعِيَ به أجاب في غير طاعة ربِّه، بل دعا به على حزب الرحمن، وشعب الإيمان، أتباع عبده ورسوله في ذلك الزمان، كليم الله موسى بن عمران ؛ ولهذا قال: لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ أي: فيحذروا أن يكونوا مثله، فإنَّ الله قد أعطاهم علمًا، وميَّزهم على مَن عداهم من الأعراب، وجعل بأيديهم صفة محمدٍ ﷺ يعرفونها كما يعرفون أبناءهم، فهم أحقّ الناس وأولاهم باتِّباعه ومُناصرته ومُؤازرته، كما أخبرتهم أنبياؤهم بذلك وأمرتهم به؛ ولهذا مَن خالف منهم ما في كتابه وكتمه فلم يعلم به العباد أحلَّ اللهُ به ذلًّا في الدنيا موصولًا بذل الآخرة.

وقوله: سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا [الأعراف:177]، يقول تعالى: سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أي: ساء مثلهم أن شبّهوا بالكلاب التي لا همّة لها إلا في تحصيل أكلةٍ أو شهوةٍ، فمَن خرج عن حيز العلم والهدى، وأقبل على شهوة نفسه، واتَّبع هواه، صار شبيهًا بالكلب، وبئس المثل مثله؛ ولهذا ثبت في "الصحيح": أنَّ رسول الله ﷺ قال: ليس لنا مثل السّوء، العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه.

وقوله: وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ [الأعراف:177] أي: ما ظلمهم الله، ولكن هم ظلموا أنفسهم بإعراضهم عن اتِّباع الهدى، وطاعة المولى، إلى الركون إلى دار البِلَى، والإقبال على تحصيل اللَّذات، ومُوافقة الهوى.

الشيخ: نسأل الله العافية، والمقصود من هذا هو الحذر من صفات هؤلاء؛ هذا الخبيث وأشباهه ممن آثر الدنيا من سائر عُلماء اليهود الضَّالين، نسأل الله العافية، والواجب الحذر وسؤال الله العافية والتوفيق، فإنَّ الإنسان يُبتلى ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله، فالواجب الحذر، نعم.

س: المأموم هل له أن يُصلي جالسًا خلف الإمام مع القُدرة في النَّافلة؟

ج: نعم، في النافلة لا بأس.

س: طيب، قول النبي ﷺ: فإذا صلَّى قائمًا فصلُّوا قيامًا ما يدلّ على .....؟

ج: هذا في موضوع العاجز، موضوع الفريضة أيضًا يُتابعون إمامهم في الفريضة.