تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ..}

وقد رُوِيَ نحو هذا عن ابن عباسٍ والسّدي وقتادة، وغير واحدٍ من عُلماء السلف: أنَّه أخبر بذلك.

وقال محمد بن إسحاق بن يسار -رحمه الله-: فرجع عدو الله فرعون حين آمنت السَّحرة مغلوبًا مغلولًا، ثم أبى إلا الإقامة على الكفر والتَّمادي في الشَّر، فتابع اللهُ عليه الآيات: فأخذه بالسّنين، وأرسل عليه الطّوفان، ثم الجراد، ثم القمل، ثم الضّفادع، ثم الدّم، آيات مُفصّلات.

فأرسل الطّوفان: وهو الماء، ففاض على وجه الأرض، ثم ركد، لا يقدرون على أن يحرثوا، ولا أن يعملوا شيئًا، حتى جهدوا جوعًا، فلمَّا بلغهم ذلك: قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ [الأعراف:134]، فدعا موسى ربَّه، فكشف عنهم، فلم يفوا له بشيءٍ مما قالوا.

فأرسل اللهُ عليهم الجراد، فأكل الشّجر فيما بلغني، حتى إن كان ليأكل مسامير الأبواب من الحديد، حتى تقع دورهم ومساكنهم، فقالوا مثلما قالوا، فدعا ربَّه، فكشف عنهم، فلم يفوا له بشيءٍ مما قالوا.

فأرسل اللهُ عليهم القمل، فذُكِرَ لي أنَّ موسى أُمِرَ أن يمشي إلى كثيبٍ حتى يضربه بعصاه، فمشى إلى كثيبٍ أهيل عظيمٍ، فضربه بها، فانثال عليهم قملًا، حتى غلب على البيوت والأطعمة، ومنعهم النوم والقرار، فلمَّا جهدهم قالوا له مثلما قالوا له، فدعا ربَّه، فكشف عنهم، فلم يفوا له بشيءٍ مما قالوا.

فأرسل الله عليهم الضّفادع فملأت البيوت والأطعمة والآنية، فلا يكشف أحدٌ ثوبًا ولا طعامًا إلا وجد فيه الضّفادع قد غلبت عليه، فلمَّا جهدهم ذلك قالوا له مثلما قالوا، فسأل ربَّه، فكشف عنهم، فلم يفوا له بشيءٍ مما قالوا.

فأرسل الله عليهم الدّم، فصارت مياه آل فرعون دمًا، لا يستقون من بئرٍ ولا نهرٍ، ولا يغترفون من إناءٍ إلا عاد دمًا عبيطًا.

الشيخ: هذه -والعياذ بالله- عقوبات مُتتابعة، لكن مثلما قال الله -جلَّ وعلا-: وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ [يونس:101]، وقال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ ۝ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ [يونس:96-97]، نسأل الله العافية، هذا استكبار وعناد حتى أخذهم الله، نسأل الله العافية.

وقال ابنُ أبي حاتم: حدَّثنا أحمد بن منصور المروزي: أنبأنا النَّضر: أنبأنا إسرائيل: أنبأنا جابر بن يزيد، عن عكرمة، عن عبيدالله بن عمرو قال: لا تقتلوا الضّفادع؛ فإنها لما أُرسلت على قوم فرعون انطلق ضفدع منها فوقع في تنور فيه نار، يطلب بذلك مرضاة الله، فأبدلهنَّ الله من هذا أبرد شيءٍ يعلمه من الماء، وجعل نقيقهنَّ التَّسبيح.

ورُوي من طريق عكرمة، عن ابن عباسٍ نحوه.

وقال زيد بن أسلم: يعني بالدّم: الرّعاف. رواه ابنُ أبي حاتم.

س: سلّمك الله، سند ابن أبي حاتم صحيح؟

ج: جابر بن يزيد هذا الظَّاهر أنَّه الجعفي، عن جابر بن يزيد، أيش بعده؟

جابر بن يزيد، عن عكرمة، عن عبيدالله بن عمرو.

الشيخ: عبيدالله بن عمرو، هكذا عندكم؟

الطالب: عبدالله.

الشيخ: عن عبدالله بن عمرو، يعني: ابن العاص.

عن عبدالله بن عمرو قال: لا تقتلوا الضّفادع؛ فإنَّها لما أُرسلت على قوم فرعون انطلق ضفدع منها فوقع في تنور فيه نار، يطلب بذلك مرضاة الله، فأبدلهنَّ الله من هذا أبرد شيءٍ يعلمه من الماء، وجعل نقيقهنَّ التَّسبيح.

ورُوِيَ من طريق عكرمة، عن ابن عباسٍ نحوه.

الشيخ: هذا من أخبار بني إسرائيل، وأخبار بني إسرائيل مثلما قال ﷺ: لا تُصدّقوهم، ولا تُكذّبوهم، يعني: إلا بدليلٍ، وفيه جابر بن يزيد، هذا المعروف أنَّه ابن زيد، وهو الجعفي ..... المعروف، انظر: جابر بن يزيد.

مُداخلة: في حاشيةٍ تُوضّح المراد من هذا، قال: رواه ابنُ جرير الطّبري، ورواية ابن أبي حاتم: كانت الضّفادع بريّة، فلمَّا أرسلها الله على آل فرعون سمعت وأطاعت، فجعلت تُغرق أنفسها في القدور وهي تغلي، وبالتّنانير وهي تفور، فأثابها الله بطاعتها برد الماء.

الشيخ: أيش عندك عن جابر؟

الطالب: جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي، أبو عبدالله، الكوفي، ضعيف، رافضي، من الخامسة، مات سنة سبعٍ وعشرين ومئة، وقيل: سنة اثنتين وثلاثين. أبو داود، والترمذي، وابن ماجه.

الشيخ: هذا هو الراوي، أيش الذي قبله؟

الطالب: الذي قبله: جابر بن يزيد بن الأسود.

الشيخ: والذي بعده.

الطالب: جابر بن يزيد بن رفاعة العجلي.

الشيخ: طيب، نعم، ولكن ثبت عن النبي ﷺ النَّهي عن قتلها، نعم.

فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ۝ وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ [الأعراف:136-137].

يُخبر تعالى أنَّهم لما عتوا وتمردوا مع ابتلائه إياهم بالآيات المتواترة واحدة بعد واحدةٍ، انتقم منهم بإغراقه إياهم في اليمّ، وهو البحر الذي فرقه لموسى، فجاوزه وبنو إسرائيل معه، ثم ورده فرعون وجنوده على أثرهم، فلمَّا استكملوا فيه ارتطم عليهم، فغرقوا عن آخرهم، وذلك بسبب تكذيبهم بآيات الله، وتغافلهم عنها.

وأخبر تعالى أنَّه أورث القوم الذين كانوا يُستضعفون -وهم بنو إسرائيل- مشارق الأرض ومغاربها، كما قال تعالى: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ۝ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ [القصص:5-6].

الشيخ: والمراد بالأرض هنا يعني: أرض مصر، نعم.

وقال تعالى: كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ۝ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ۝ وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ ۝ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ [الدخان:25-28].

وعن الحسن البصري وقتادة في قوله: مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا يعني: الشام.

وقوله: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا قال مجاهد وابن جرير: وهي قوله تعالى: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ۝ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ.

وقوله: وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ أي: وخربنا ما كان فرعون وقومه يصنعونه من العمارات والمزارع، وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ قال ابنُ عباس ومجاهد: يعرشون: يبنون.

وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ۝ إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأعراف:138-139].

يُخبر تعالى عمَّا قاله جهلةُ بني إسرائيل لموسى حين جاوزوا البحر، وقد رأوا من آيات الله وعظيم سلطانه ما رأوا.

فَأَتَوْا أي: فمرُّوا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ، قال بعضُ المفسّرين: كانوا من الكنعانيين. وقيل: كانوا من لخم.

قال ابنُ جرير: وكانوا يعبدون أصنامًا على صور البقر؛ فلهذا أثار ذلك شُبهة لهم في عبادتهم العجل بعد ذلك، فقالوا: يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ أي: تجهلون عظمة الله وجلاله، وما يجب أن يُنزّه عنه من الشَّريك والمثيل، إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ أي: هالك وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ.

وروى الإمام أبو جعفر ابن جرير في تفسير هذه الآية من حديث محمد بن إسحاق وعقيل ومعمر –كلّهم- عن الزهري، عن سنان ابن أبي سنان، عن أبي واقدٍ الليثي: أنَّهم خرجوا من مكّة مع رسول الله ﷺ إلى حنين. قال: وكان للكفّار سدرة يعكفون عندها، ويُعلّقون بها أسلحتهم، يُقال لها: ذات أنواط. قال: فمررنا بسدرةٍ خضراء عظيمة. قال: فقلنا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. فقال: قلتم والذي نفسي بيده كما قال قومُ موسى لموسى: يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ۝ إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ.

وقال الإمامُ أحمد: حدَّثنا عبدالرزاق: حدَّثنا معمر، عن الزهري، عن سنان ابن أبي سنان الدّيلي، عن أبي واقد الليثي قال: خرجنا مع رسول الله ﷺ قبل حنين، فمررنا بسدرةٍ، فقلتُ: يا نبي الله، اجعل لنا هذه ذات أنواط كما للكفَّار ذات أنواط. وكان الكفَّار ينوطون سلاحَهم بسدرةٍ، ويعكفون حولها، فقال النبي ﷺ: الله أكبر! هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ، إنَّكم تركبون سنن مَن قبلكم.

أورده ابنُ جرير، ورواه ابنُ أبي حاتم من حديث كثير بن عبدالله بن عمرو بن عوف المزني، عن أبيه، عن جدِّه مرفوعًا.

الشيخ: وهذا يدلّ على أنَّ الاعتبار بالمعاني لا بمجرد الألفاظ، فقوم موسى قالوا: اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ، وهؤلاء من الصَّحابة قالوا: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. فشبّه المقال بالمقال؛ لأنَّ المعنى واحد؛ لأنَّ ذات الأنواط يُعلّقون عليها السلاح، ويتبركون بها، كما يتبركون بها، فهو معنى: اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ، فإنَّ جعل شجرة أو صخرة أو غير ذلك يُتبرك به، ويُعلّق عليه السلاح أو الخِرَق، أو يُدْعَا، أو يُستغاث به، معناه: اتّخاذه إلهًا مع الله، وهذا من شرك الأفعال والأقوال جميعًا والعقيدة كلّها؛ لأنَّهم اعتقدوا أنَّه ينفعهم بهذه الطَّريقة، فيدلّ على أنَّ الاعتبار في تنويع الأمور بالحقائق والمقاصد، لا بمجرد ألفاظ وصور.

س: أحسن الله إليك يا شيخ، هل يُستدلّ بهذه الآية على عذر عُبَّاد القبور، يُقال: لأنَّ هؤلاء جُهَّال؟

ج: هذا يدلّ على جهلهم، وجهلهم معروف، فبجهلهم وقعوا في الشِّرك، وفيه التَّحذير من التَّقليد، فيه التَّحذير من تقليد الكفرة والتَّأسي بهم، وأنَّ الواجب الحذر، وأن يكون الهدفُ: قال الله، وقال رسوله، بالأدلة الشَّرعية، لا تقليد الناس، فتقليد الناس يُوقع في المهالك، ولكن يجب الحذر، قال النبي ﷺ: لتتبعنَّ سنن مَن كان قبلكم حذو القذّة بالقذّة، لتركبنَّ سنن مَن كان قبلكم، ولكن يجب الحذر وعدم التَّقليد، وألا يأخذ الإنسانُ شيئًا إلا بالدليل، يسأل عن الدَّليل، ويأخذ بالدليل، لا بمجرد تقليد الناس واتِّباعهم والتَّأسي بهم، فإنَّ هذا يُوقع في المهالك، كما وقعت  العرب وغير العرب في المهالك، لما وقع قومُ نوحٍ في الشِّرك بسبب ودّ وسُواع، ثم قلّدهم غيرهم، وقعوا في الشِّرك كما وقعوا فيه، وهكذا لما قال أولئك من بني إسرائيل: اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ، قلَّدهم هؤلاء العرب لما توجّهوا إلى الطائف قالوا: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، الله المستعان.

قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ۝ وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ [الأعراف:140-141].

الشيخ: ويُشبه هذا ما يفعله أيضًا بعضُ الحجاج والمعتمرين والزّوار في مكّة والمدينة مع الشّبابيك والجدران والأبواب؛ يتمسّحون بها، وهو من جنس فعل هؤلاء، لكن فيه تفصيل؛ فإن كانوا يظنونها قُربة وطاعة مثل: تقبيل غير الحجر الأسود، فهذا عذرٌ من أجل الجهل، يُبين لهم أنَّ هذا بدعة، ليس بمشروعٍ، المشروع تقبيل الحجر فقط، واستلامه، والركن اليماني، أمَّا سوى ذلك يكون بدعةً، والركنان الآخران، ومقام إبراهيم، والشَّبابيك، والكسوة التَّبرك بها والتَّمسّح بها من البدع.

أمَّا لو قصد بالتَّبرك بها طلب البركة منها: من الشّباك، أو من الكسوة، أو من مقام إبراهيم، إذا طلب البركة منه، وأنه يُعطي البركة؛ صار من الشِّرك الأكبر.

وهكذا في مسجد النبي ﷺ في الشَّبابيك والجدران والحجرة النّبوية: التَّمسح بها وتقبيلها من البدع، إذا ظنّ أنَّ هذا قُربة وطاعة.

ومَن قصد بذلك أنَّه يحصل له بذلك شيء، وأنه يُطلب منها شيء، وأنه بتقبيلها يحصل له كذا وكذا، كما يظنّ عُبَّاد القبور وعُبَّاد اللَّات والعُزَّى؛ كان هذا من الشّرك، نسأل الله العافية.

س: هؤلاء الذين يطلبون البركة من الشّبابيك والجدران يُستفصل منهم؟

ج: يُعلّمون أنَّه مُنكر، يُبين لهم أنَّه مُنكر، ويُوضّح لهم.

س: يعني: قبل أن يحكم عليهم يُستفصل منهم؟

ج: لا، يُنكر عليهم مطلقًا، لكن يُبين لهم أنَّ هذا لا يجوز، وأنَّك إذا قصدتَ بذلك أنَّه يُقربك، وأنه تحصل لك به البركة من جهة هذا العمل؛ صار من قبيل الشّرك، أمَّا إذا ظنّ أنه عبادة مثلما يُقبّل الحجر الأسود، عبادة فقط؛ فهذا من البدع.

س: لكن لا نحكم عليه بمجرد الفعل؟

ج: يُنكر عليهم إنكارًا؛ لأنَّه إمَّا بدعة، وإما شرك، فهو مُنكر على كل حالٍ.

س: بعض الحجّاج يُقبّل حتى الركن اليماني، هل يُنكر عليه؟

ج: يُعلّم أنَّه ما يُشرع التَّقبيل، إنما هو استلام؛ ولهذا لما استلم عمرُ، لما قبّل الحجر الأسود عمرُ قال: إني أعلم أنَّك حجرٌ لا تضرّ ولا تنفع، ولولا أني رأيتُ النبيَّ يُقبّلك ما قبّلتك. يعني: أنا قبّلتك واستلمتك استنانًا وتأسيًا، لا لاعتقادي أنَّ هذا التَّقبيل وهذا الاستلام ينفعني، أو تركه يضرّني، وإنما هو التَّأسي، فالتأسي بالنبي ﷺ هو الذي يحصل به الأجر، يحصل به الثواب، بقصد الإخلاص لله، والتَّأسي برسول الله ﷺ.