قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف:158].
يقول تعالى لنبيِّه ورسوله محمدٍ ﷺ: قُلْ يا محمد يَا أَيُّهَا النَّاسُ، وهذا خطابٌ للأحمر والأسود، والعربي والعجمي: إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا أي: جميعكم، وهذا من شرفه وعظمته ﷺ أنَّه خاتم النَّبيين، وأنَّه مبعوثٌ إلى الناس كافَّة، كما قال الله تعالى: قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام:19]، وقال تعالى: وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ [هود:17]، وقال تعالى: وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:20].
والآيات في هذا كثيرة، كما أنَّ الأحاديث في هذا أكثر من أن تحصر.
الشيخ: ومن هذا قوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا [سبأ:28]، نذيرًا للناس كافَّة، ومن هذا قوله -جلَّ وعلا-: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [الفرقان:1]، وهو ﷺ نذيرٌ للعالمين، ورسول إلى جميع الثَّقلين: الجنّ والإنس، والقرآن كذلك أُنزل للجميع: للجنِّ والإنس، والعرب والعجم، فهو رسول الله إلى الناس جميعًا، والقرآن هو توجيه الله وكلامه إلى الناس جميعًا.
فالواجب على جميع الثَّقلين: جنّهم وإنسهم، عربهم وعجمهم، ذكورهم وإناثهم أن ينقادوا لما جاء به، وأن يُصدِّقوا رسالته، وأن يستقيموا عليها حتى يلقوا ربَّهم؛ لأنَّه -عليه الصلاة والسلام- بُعِثَ إليهم جميعًا: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ يعمّ الجنَّ والإنس، والذكور والإناث، والعرب والعجم: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا، وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ [هود:17].
وهو معلومٌ من دين الإسلام ضرورةً: أنَّه -صلوات الله وسلامه عليه- رسول الله إلى الناس كلِّهم.
قال البخاري -رحمه الله- في تفسير هذه الآية: حدَّثنا عبدالله: حدَّثنا سليمان بن عبدالرحمن وموسى بن هارون، قالا: حدَّثنا الوليد بن مسلم: حدَّثنا عبدالله بن العلاء بن زبر: حدَّثني بسر بن عبيدالله: حدَّثني أبو إدريس الخولاني، قال: سمعتُ أبا الدَّرداء يقول: كانت بين أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- مُحاورة، فأغضب أبو بكر عمر، فانصرف عنه عمرُ مُغْضَبًا، فأتبعه أبو بكر يسأله أن يستغفر له، فلم يفعل، حتى أغلق بابَه في وجهه، فأقبل أبو بكر إلى رسول الله ﷺ، فقال أبو الدَّرداء: ونحن عنده، فقال رسولُ الله ﷺ: أمَّا صاحبكم هذا فقد غامر أي: غاضب وحاقد.
قال: وندم عمرُ على ما كان منه، فأقبل حتى سلّم وجلس إلى النبي ﷺ، وقصَّ على رسول الله ﷺ الخبر. قال أبو الدرداء: فغضب رسولُ الله ﷺ، وجعل أبو بكر يقول: والله يا رسول الله لأنا كنتُ أظلم. فقال رسولُ الله ﷺ: هل أنتم تاركو لي صاحبي؟ إني قلتُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا فقلتم: كذبتَ، وقال أبو بكر: صدقت، انفرد به البُخاري.
الشيخ: وهذه منقبة عظيمة للصّديق ولعمر أيضًا؛ فإنَّ عمر ندم ورجع يعتذر من الصّديق، والصّديق قال: "إني كنتُ أظلم" لما رأى غضب النبي ﷺ على عمر، مقصوده: أنَّه حين بعث اللهُ نبيَّه وقام في مكّة يدعو الناس كذَّبه الناس، وهو قال: "صدقتَ"، ووازره في الشّدة بماله ونفسه -رضي الله عنه وأرضاه-؛ فلهذا كان هو الصّديق الأكبر، وهو أفضل الناس وخيرهم بعد الأنبياء، وهو أفضل الصّحابة على الإطلاق بإجماع أهل السُّنة والجماعة؛ لفضله وسابقته وعلمه وخيره العظيم -رضي الله عنه وأرضاه-.
الشيخ: وهذا اللَّفظ كما يأتي خرَّجه الشيخان من طريق جابر ، أخرجه البخاري من طريق جابر.
س: الخمس هذه خاصّة بالنبي ﷺ أو عامَّة له ولأصحابه من بعده؟
ج: للأمّة، لكن الشّفاعة العُظمى له خاصّة، والرسالة له خاصّة، والغنائم له ولأُمّته، والنَّصر بالرعب كذلك له ولأُمّته المتبعين له، لكن ما يتعلق به بالنبوة والرسالة فهذه خاصّة به -عليه الصلاة والسلام-، كذلك الشَّفاعة العُظمى خاصّة به -عليه الصلاة والسلام-، الشّفاعة العُظمى لأهل الموقف، وفي أهل الجنة. نعم.
س: بالنسبة للخصام الذي بين أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- هل ورد في شيءٍ من طرق الحديث سببُ هذا الخصام؟
ج: لا أذكر شيئًا.
الشيخ: يعني: يُحرِّمونها، تأكلها النَّار.
س: أحسن الله إليك، قوله: أنَّهم هم الذين يحرقون الغنائم بالنار، ما جاء أنَّها إذا قُبلت تنزل نارٌ من السَّماء؟
ج: نعم، تنزل نارٌ فتحرقها، نعم.
س: لكن هنا ذكر أنَّهم هم الذين يحرقونها؟
ج: كأنَّه تسامح في العبارة، كأنَّها –يعني- تُحرق في زمانهم، يحرقها الله.
س: يعظمون الغنائم؟
ج: يعني: يعظمون أكلها، ويرونه شيئًا كبيرًا وممنوعًا، يرونه ممنوعًا.
س: ...........؟
ج: تارة وتارة؛ تارةً يحرسونه باجتهادٍ منهم، وتارةً بأمره.
س: ...........؟
ج: قد جاءت في هذا بعض الأحاديث، لكن الحراسة معروفة، كان يُحرس -عليه الصلاة والسلام-، وقال ليلةً من الليالي: ليت رجلًا من أصحابي يحرسني الليلة، فجاء سعدٌ، ويوم الهدنة كان على رأسه المغيرة بن شُعبة.
س: ...........؟
ج: يحتاج إلى نظرٍ في الأحاديث الواردة في هذا؛ فإنَّ العصمة لا تُنال بالحراسة إلا بالأسباب.
س: هذه الشَّفاعة قوله: هي لكم ولمن شهد أن لا إله إلا الله .....؟
ج: هي –يعني- تعمّ، الشَّفاعة العُظمى للجميع، والشَّفاعة في العُصاة كذلك، له شفاعتان -عليه الصلاة والسلام-: شفاعته لهم ولغيرهم، وشفاعة خاصّة بالعُصاة، والشَّفاعة في أهل الجنّة حتى يدخلوا الجنة، كلّ هذا له -عليه الصلاة والسلام- ويُشاركه في الشّفاعة للعُصاة غيره، اللهم صلِّ عليه وسلّم.
س: ...........؟
ج: الشَّفاعة العُظمى، والشَّفاعة في أهل الجنة يدخلونها.
س: ...........؟
ج: هذه الشَّفاعة العُظمى، والشَّفاعة لدخول أهل الجنة الجنة، والشَّفاعة في العُصاة، يشفع عدّة شفاعات، ومنها شفاعته للعُصاة الذين دخلوا النار حتى يخرجوا منها.
س: ...........؟
ج: هذه عامَّة، لكن ما يقتصر ..... هذه، والشَّفاعة في أهل الموقف، الشَّفاعة في أهل الجنة تعمّهم كلّها مُدّخرة.
مُداخلة: في تعليقٍ هنا يقول: كذا قال عن أبي موسى، ولم نجده، فهو في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة، والصَّحيح رواية أخرى عن أبي موسى .....
الشيخ: المعروف الذي في مسلم هو عن أبي هريرة مثلما قال المحشي. نعم، لعله وهم في الاسم ..... من حديث أبي هريرة، يقول ﷺ: والذي نفسي بيده، لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمّة: يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يُؤمن بالذي أُرسلتُ به إلا كان من أهل النار، لكن لعله كتبه من حفظه، ونسي الصحابي، كتبه -رحمه الله- من حفظه، ونسي الصَّحابي.
..........
الشيخ: الصواب: خرّجه مسلم. لعله هذا، لعله انعكس، لعلَّ الذي تفرّد به أحمد رواية أبي موسى، وهنا عن أبي هريرة، فغلط في الاسم.
الشيخ: وهذا صريحٌ في أنها لأهل التوحيد، وأنها غير الشَّفاعة العظمى؛ لأنَّ الشَّفاعة العُظمى عامَّة.
س: لكن تكون خاصَّة بالعُصاة؟
ج: لا، تشمل أهل الجنة كلّهم: العُصاة وغيرهم؛ لأنَّهم كلّهم من أهل التوحيد.
وهذا أيضًا إسناد صحيح، ولم أرهم خرَّجوه، والله أعلم.
وله مثله من حديث ابن عمر بسندٍ جيدٍ أيضًا، وهذا الحديث ثابتٌ في "الصحيحين" أيضًا من حديث جابر بن عبدالله قال: قال رسولُ الله ﷺ: أُعطيتُ خمسًا لم يُعطهنَّ أحدٌ من الأنبياء قبلي: نصرتُ بالرعب مسيرة شهرٍ، وجُعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فأيّما رجلٍ من أمّتي أدركته الصَّلاة فليُصلِّ، وأُحلّت لي الغنائم، ولم تحلّ لأحدٍ قبلي، وأُعطيتُ الشَّفاعة، وكان النبي يُبعث إلى قومه، وبُعثتُ إلى الناس عامَّة.
وقوله: الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ [الأعراف:158] صفة الله تعالى في قول رسول الله ﷺ: إنَّ الذي أرسلني هو خالق كل شيءٍ وربّه ومليكه، الذي بيده الملك والإحياء والإماتة، وله الحكم.
وقوله: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ [الأعراف:158] أخبرهم أنَّه رسول الله إليهم، ثم أمرهم باتِّباعه والإيمان به، النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ أي: الذي وُعدتُم به، وبُشّرتم به في الكتب المتقدّمة، فإنَّه منعوتٌ بذلك في كتبهم؛ ولهذا قال: النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ.
وقوله: الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ [الأعراف:158] أي: يُصدّق قوله عمله، وهو يُؤمن بما أنزل إليه من ربِّه، وَاتَّبِعُوهُ [الأعراف:158] أي: اسلكوا طريقَه، واقتفوا أثرَه، لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف:158] أي: إلى الصِّراط المستقيم.
الشيخ: لَعَلَّكُمْ يعني: لتهتدوا، بهذا الاتِّباع تكونون مهديين للصِّراط المستقيم، "لعلّ" بمعنى: لتهتدوا. نعم.
س: هل من مدح الرسول ﷺ ..... اللهم صلِّ على النبي الأُمّي؟
ج: هو أُمّي لا يقرأ الكتابة ولا يكتب -عليه الصلاة والسلام-، لا يكتب، ولا يقرأ الكتابة: وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ [العنكبوت:48].
س: مع أنَّه جاء أنَّه كتب بعض الشيء؟
ج: شيء نادر يوم صُلح الحديبية، الشيء القليل لا يخرج عن القاعدة، آية من آيات الله، لما تورع الصحابةُ أن يمحوا اسم محمدٍ رسول الله .....، ومحا رسولُ الله بنفسه، قال: محمد بن عبدالله لما أبوا إلا هذا في الصُّلح.