تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ..} (4)

حديثٌ آخر: قال مسلم في "صحيحه": حدَّثني زهير بن حرب: حدَّثنا يعلى بن منصور: حدَّثنا سليمان بن بلال: حدَّثنا سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة: أنَّ رسول الله ﷺ قال: لا تقوم الساعةُ حتى تنزل الرومُ بالأعماق أو بدابق، فيخرج إليهم جيشٌ من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذٍ، فإذا تصافّوا قالت الرومُ: خلّوا بيننا وبين الذين سبوا منا نُقاتلهم. فيقول المسلمون: لا والله، لا نُخلِّي بينكم وبين إخواننا، فيُقاتلونهم، فيُهزم ثلثٌ لا يتوب الله عليهم أبدًا، ويُقتل ثلثٌ هم أفضل الشُّهداء عند الله، ويفتح الثلثُ لا يُفتنون أبدًا، فيفتحون قسطنطينية، فبينما هم يقسمون الغنائم، قد علَّقوا سيوفَهم بالزيتون، إذ صاح فيهم الشيطانُ: إنَّ المسيح قد خلفكم في أهليكم، فيخرجون، وذلك باطلٌ، فإذا جاءوا الشام خرج، فبينما هم يعدّون للقتال، يُسوون الصّفوف، إذ أُقيمت الصلاة، فينزل عيسى ابن مريم، فيؤمّهم، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملحُ في الماء، فلو تركه لذاب حتى يهلك، ولكن يقتله اللهُ بيده، فيُريهم دمَه في حربته.

س: قوله في الحديث: فيفتحون قُسطنطينية، وفي حديث عبدالله بن عمرو قال: قُسطنطينية يفتحونها أولًا قبل روما، وهذا من آخر الحروب؟

ج: هذا في آخر الزمان عند نزول عيسى ابن مريم -عليه الصلاة والسلام-، كأنَّها تعود إلى حالٍ سيئةٍ، ثم يفتحها الله عليهم فتحًا جديدًا.

س: أيضًا هل في هذا دليلٌ على أنَّ آخر الزمان يرجع الأمرُ إلى السيف والخيل؟

ج: هذا من أدلته، هذه الآلات الجديدة تذهب.

س: قوله: هم أفضل الشُّهداء عند الله على إطلاقه؟

ج: يعني: أولئك الذين استشهدوا في سبيل الله في آخر الزمان عند خروج الدَّجال. نعم.

حديثٌ آخر: قال أحمد: حدَّثنا هشيم، عن العوام بن حوشب، عن جبلة بن سحيم، عن مؤثر بن غفارة.

الشيخ: أيش عندك: مؤثر؟ انظر "التقريب".

الطالب: مُؤْثِر -بضم أوَّله وسكون الواو وكسر المثلثة- ابن عفازة -بفتح المهملة والفاء ثم زاي- أبو المثنى، الكوفي، مقبول، من الثالثة. (ق).

الشيخ: مُؤثر بن عفازة.

عن ابن مسعودٍ، عن رسول الله ﷺ قال: لقيتُ ليلة أُسري بي إبراهيم وموسى وعيسى -عليهم السلام-، فتذاكروا أمر السَّاعة، فردّوا أمرهم إلى إبراهيم، فقال: لا علمَ لي بها، فردّوا أمرهم إلى موسى، فقال: لا علمَ لي بها، فردّوا أمرهم إلى عيسى، فقال: أما وجبتها فلا يعلم بها أحدٌ إلا الله، وفيما عهد إليَّ ربي أنَّ الدَّجال خارجٌ، ومعي قضيبان، فإذا رآني ذاب كما يذوب الرّصاص، قال: فيُهلكه الله إذا رآني، حتى إنَّ الحجر والشَّجر يقول: يا مسلم، إنَّ تحتي كافرًا، فتعالَ فاقتله، قال: فيُهلكهم الله، ثم يرجع الناسُ إلى بلادهم وأوطانهم، فعند ذلك يخرج يأجوج ومأجوج، وهم من كل حدبٍ ينسلون، فيطؤون بلادهم، فلا يأتون على شيءٍ إلا أهلكوه، ولا يمرّون على ماءٍ إلَّا شربوه، قال: ثم يرجع الناسُ يشكونهم، فأدعو الله عليهم، فيُهلكهم ويُميتهم حتى تجوى الأرض من نتن ريحهم.

الشيخ: يعني: تخيس.

وينزل المطر، فيجترف أجسادهم حتى يقذفهم في البحر، ففيما عهد إليَّ ربي أنَّ ذلك إذا كان كذلك، أنَّ الساعة كالحامل المتمّ، لا يدري أهلُها متى تُفاجئهم بولادها؟ ليلًا أو نهارًا.

ورواه ابنُ ماجه عن محمد بن بشار، عن يزيد بن هارون، عن العوام بن حوشب، به نحوه.

حديثٌ آخر: قال الإمامُ أحمد: حدَّثنا يزيد بن هارون: حدَّثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أبي نضرة قال: أتينا عثمان ابن أبي العاص في يوم جمعة؛ لنعرض عليه مُصحفًا لنا على مُصحفه، فلمَّا حضرت الجمعة أمرنا فاغتسلنا، ثم أتينا بطيبٍ فتطيبنا، ثم جئنا المسجد، فجلسنا إلى رجلٍ، فحدَّثنا عن الدَّجال، ثم جاء عثمان ابن أبي العاص، فقمنا إليه، فجلسنا، فقال: سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: يكون للمسلمين ثلاثة أمصار: مصر بمُلتقى البحرين، ومصر بالحيرة، ومصر بالشام، فيفزع الناسُ ثلاث فزعات، فيخرج الدَّجال في أعراض الناس، فيهزم من قبل المشرق، فأول مصرٍ يردّه المصر الذي بمُلتقى البحرين، فيصير أهلُها ثلاث فرقٍ: فرقة تقول: نقيم نشامه ننظر ما هو، وفرقة تلحق بالأعراب، وفرقة تلحق بالمصر الذي يليهم، ومع الدَّجال سبعون ألفًا عليهم السّيجان، وأكثر مَن معه اليهود والنِّساء، وينحاز المسلمون إلى عقبة أفيق، فيبعثون سرحًا لهم، فيُصاب سرحهم، فيشتدّ ذلك عليهم، ويُصيبهم مجاعة شديدة وجهد شديد، حتى إنَّ أحدهم ليحرق وترَ قوسه فيأكله، فبينما هم كذلك إذ نادى منادٍ من السَّحر: يا أيّها الناس، أتاكم الغوث. (ثلاثًا)، فيقول بعضُهم لبعضٍ: إنَّ هذا لصوت رجلٍ شبعان، وينزل عيسى ابن مريم عند صلاة الفجر، فيقول له أميرهم: يا روح الله، تقدّم صلِّ. فيقول: هذه الأمّة أُمراء بعضُهم على بعضٍ. فيتقدّم أميرهم فيُصلي، حتى إذا قضى صلاتَه أخذ عيسى حربته، فيذهب نحو الدَّجال، فإذا رآه الدَّجال ذاب كما يذوب الرصاص، فيضع حربته بين ثندوته فيقتله، ويهزم أصحابه، فليس يومئذٍ شيءٌ يُواري منهم أحدًا، حتى إنَّ الشجرة تقول: يا مؤمن، هذا كافر، ويقول الحجر: يا مؤمن، هذا كافر تفرّد به أحمدُ من هذا الوجه.

حديثٌ آخر: قال أبو عبدالله محمد بن يزيد بن ماجه في "سننه": حدَّثنا علي بن محمد: حدَّثنا عبدالرحمن المحاربي، عن إسماعيل بن رافع أبي رافع، عن أبي زُرعة الشّيباني.

الشيخ: المعروف: السّيباني –بالسين-، انظر "التقريب": يحيى ابن أبي عمرو، المعروف بالسين.

قال أبو عبدالله محمد بن يزيد بن ماجه في "سننه": حدَّثنا علي بن محمد: حدَّثنا عبدالرحمن المحاربي، عن إسماعيل بن رافع أبي رافع، عن أبي زُرعة الشّيباني يحيى ابن أبي عمرو.

الطالب: هذا يحيى يا شيخ، يحيى ابن أبي عمرو السّيباني -بفتح المهملة وسكون التَّحتانية بعدها مُوحّدة- أبو زرعة، الحمصي، ثقة، من السادسة، وروايته عن الصحابة مُرسلة، مات سنة ثمانٍ وأربعين أو بعدها. البخاري في "الأدب"، وأبو داود، والنَّسائي، وابن ماجه.

الشيخ: انظر إسماعيل بن رافع أبي رافع. نعم، صلّحها على: يحيى ابن أبي عمرو السّيباني، بالسين.

عن أبي زُرعة السّيباني  يحيى ابن أبي عمرو، عن أبي أمامة الباهلي قال: خطبنا رسولُ الله ﷺ، فكان أكثر خُطبته حديثًا حدَّثناه عن الدَّجال وحذّرناه، فكان من قوله أن قال: لم تكن فتنةٌ في الأرض منذ ذرأ الله ذريةَ آدم أعظم من فتنة الدَّجال.

الشيخ: وهذا دلَّ عليه ما رواه مسلم في "الصحيح": يقول ﷺ: ما بين خلق آدم إلى قيام السَّاعة أمرٌ أعظم من الدَّجال، كما رواه مسلمٌ عن هشام بن عامر، فهذا يدلّ على أنَّ فتنته أعظم الفتن، نسأل الله العافية؛ لأنَّ فيها خوارق يغترّ بها أكثر الناس، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله، منها: أمره للسماء أن تُمطر، والأرض المجدبة أن تُنبت، وكونه يتبعه كنوز الأرض (الخربات) كيعاسيب النَّحل، وكونه يقتل الرجلَ، يقطعه جزلتين، ثم يقول: قم، فيقوم؛ فتنة عظيمة، والعياذ بالله؛ ولهذا يهلك به الأكثرون، نسأل الله العافية.

ولهذا من رحمة الله ومن إحسانه إلى عباده أن شرع لهم التَّعوذ من فتنته في كل صلاةٍ، فتنة المسيح الدَّجال: ما بين خلق آدم إلى قيام السَّاعة أمرٌ أعظم من الدَّجال، نسأل الله العافية.

الطالب: إسماعيل ابن أبي رافع ابن عويمر، الأنصاري، المدني، نزيل البصرة، يُكنى: أبا رافع، ضعيف الحفظ، من السابعة، مات بحدود الخمسين.

الشيخ: غيره، إسماعيل بن رافع، ما هو ابن أبي رافع.

الطالب: إسماعيل بن رافع بن عويمر، الأنصاري، المدني، نزيل البصرة، يُكنى: أبا رافع، ضعيف الحفظ، من السابعة، مات بحدود الخمسين. البخاري في "الأدب"، والترمذي، وابن ماجه.

الشيخ: طيب، هذا هو.

س: على هذا يكون الحديثُ ضعيفًا؟

ج: نعم، نعم.

س: الأحاديث التي في وصف يأجوج ومأجوج صحيحة؟

ج: فيها الصَّحيح، وفيها الضَّعيف، أحاديث يأجوج ومأجوج من أشراط السَّاعة، ثابتة، هم من أشراط السَّاعة، يخرجون في زمن الدَّجال، في زمن عيسى بعد قتل الدَّجال، في زمن عيسى، ثم يُهلكهم الله.

س: لكن هل ثبت في وصف أشكالهم شيء؟

ج: هذا الذي يقوله الناس: أنَّهم كذا، ما له أصل، من جنس الناس، وهم في الغالب من جهة الشرق، يأتون من جهة الشَّرق.

س: الجمع -بارك الله فيك- بين حديث أبي هريرة في مسلم المتقدّم: أنَّ خير أهل الأرض يومئذٍ الثلث الذين يُقتلون، وحديث: خير الشُّهداء حمزة .....؟

ج: لا مُنافاة، هؤلاء في آخر الزمان لأجل الفتنة وقلّة أهل الحقّ، هذا في زمانه، وهذا في زمانه.

وإنَّ الله لم يبعث نبيًّا إلا حذَّر أُمّته الدَّجال، وأنا آخر الأنبياء، وأنتم آخر الأمم، وهو خارجٌ فيكم لا محالة، فإن يخرج وأنا بين ظهرانيكم فأنا حجيجٌ لكل مسلمٍ.

الشيخ: يعني: أنا أكفيكم مُؤنته، لكنه يخرج بعده -عليه الصَّلاة والسَّلام.

 

وإن يخرج من بعدي فكلٌّ حجيج نفسه، وإنَّ الله خليفتي في كل مسلمٍ، وإنَّه يخرج من خُلَّةٍ بين الشام والعراق، فيعيث يمينًا، ويعيث شمالًا، ألا يا عباد الله، أيّها الناس، فاثبتوا، وإني سأصفه لكم صفةً لم يصفها إيَّاه نبيٌّ قبلي: إنَّه يبدأ فيقول: أنا نبيٌّ، فلا نبيَّ بعدي، ثم يُثني فيقول: أنا ربّكم، ولا ترون ربّكم حتى تموتوا، وإنَّه أعور، وإنَّ ربَّكم ليس بأعور، وإنَّه مكتوبٌ بين عينيه: كافر، يقرؤه كلُّ مؤمنٍ، كاتب وغير كاتب.

وإنَّ من فتنته أنَّ معه جنةً ونارًا، فناره جنّة، وجنّته نار، فمَن ابتُلي بناره فليستغث بالله، وليقرأ فواتح الكهف، فتكون عليه بردًا وسلامًا، كما كانت النارُ بردًا وسلامًا على إبراهيم.

وإنَّ من فتنته أن يقول للأعرابي: أرأيتَ إن بعثتُ أمَّك وأباك، أتشهد أني ربُّك؟ فيقول: نعم، فيتمثّل له شيطانان في صورة أبيه وأمِّه، فيقولان: يا بُنيّ، اتَّبعه فإنَّه ربُّك.

وإنَّ من فتنته أن يُسلّط على نفسٍ واحدةٍ، فينشرها بالمنشار حتى تُلقى شقّين، ثم يقول: انظر إلى عبدي هذا فإني أبعثه الآن، ثم يزعم أنَّ له ربًّا غيري. فيبعثه الله، فيقول له الخبيث: مَن ربُّك؟ فيقول: ربي الله، وأنت عدو الله الدَّجال، والله ما كنتُ بعد أشدّ بصيرةً بك مني اليوم

.

قال أبو حسن الطّنافسي: فحدَّثنا المحاربي: حدَّثنا عبيدالله بن الوليد الوصافي، عن عطية، عن أبي سعيدٍ قال: قال رسولُ الله ﷺ: ذلك الرجل أرفع أمّتي درجةً في الجنة، قال أبو سعيدٍ: والله ما كنا نرى ذلك الرجل إلا عمر بن الخطاب، حتى مضى لسبيله.

ثم قال المحاربي: رجعنا إلى حديث أبي رافعٍ، قال: وإنَّ من فتنته أن يأمر السَّماء أن تُمطر فتُمطر، فيأمر الأرض أن تُنبت فتُنبت، وإنَّ من فتنته أن يمرّ بالحيِّ فيُكذِّبونه، فلا تبقى لهم سائمة إلا هلكت، وإنَّ من فتنته أن يمرّ بالحيِّ فيُصدِّقونه، فيأمر السَّماء أن تُمطر فتُمطر، ويأمر الأرضَ أن تُنبت فتُنبت، حتى تروح مواشيهم من يومهم ذلك أسمن ما كانت، وأعظمه، وأمدّه خواصر، وأدرّه ضروعًا، وإنَّه لا يبقى شيءٌ من الأرض إلا وطئه وظهر عليه، إلا مكّة والمدينة، فإنَّه لا يأتيهما من نقبٍ من نقابهما إلا لقيته الملائكةُ بالسيوف صلتةً، حتى ينزل عند الظّريب الأحمر عند مُنقطع السّبخة، فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات، فلا يبقى منافقٌ ولا مُنافقةٌ إلا خرج إليه، فينفى الخبثُ منها كما ينفي الكيرُ خبث الحديد، ويُدعى ذلك اليوم: يوم الخلاص.

فقالت أمُّ شريك بنت أبي العكر: يا رسول الله، فأين العرب يومئذٍ؟ قال: هم قليلٌ، وجلُّهم يومئذٍ ببيت المقدس، وإمامهم رجلٌ صالحٌ، فبينما إمامهم قد تقدّم يُصلي بهم الصّبح إذ نزل عيسى ابن مريم ، فرجع ذلك الإمامُ يمشي القهقرى ليتقدّم عيسى ، فيضع عيسى يدَه بين كتفيه، ثم يقول: تقدّم فصلِّ، فإنَّها لك أُقيمت. فيُصلي بهم إمامُهم، فإذا انصرف قال عيسى: افتحوا الباب. فيُفتح، ووراءه الدَّجال معه سبعون ألف يهودي، كلّهم ذو سيفٍ محلى وساج، فإذا نظر إليه الدَّجالُ ذاب كما يذوب الملحُ في الماء، وينطلق هاربًا، فيقول عيسى: إنَّ لي فيك ضربةً لم تسبقني بها. فيُدركه عند باب اللّد الشَّرقي فيقتله، ويهزم اللهُ اليهود، فلا يبقى شيءٌ مما خلق الله تعالى يتوارى به يهودي إلا أنطق اللهُ ذلك الشَّيء: لا حجر، ولا شجر، ولا حائط، ولا دابَّة -إلا الغرقدة، فإنَّها من شجرهم، لا تنطق- إلا قال: يا عبدالله المسلم، هذا يهودي فتعالَ اقتله.

قال رسولُ الله ﷺ: وإنَّ أيامه أربعون سنةً؛ السنة كنصف السنة، والسنة كالشّهر، والشّهر كالجمعة، وآخر أيامه كالشّررة، يُصبح أحدُكم على باب المدينة، فلا يبلغ بابها الآخر حتى يُمسي، فقيل له: كيف نُصلي يا نبيّ الله في تلك الأيام القِصار؟ قال: تقدرون الصَّلاة كما تقدرون في هذه الأيام الطِّوال، ثم صلّوا.

قال رسول الله ﷺ: فيكون عيسى ابن مريم في أُمَّتي حكمًا عدلًا، وإمامًا مُقْسِطًا، يدقّ الصَّليب، ويذبح الخنزير، ويضع الجزية.

الشيخ: كذا عندكم: أربعين سنةً؟ أو أربعين يومًا؟

الطالب: في (الشعب): أربعون سنةً.

الشيخ: هذا غلطٌ، تصحيفٌ، صوابه: أربعون يومًا، يعني: الدَّجال يمكث أربعين يومًا: يوم كسنةٍ، ويوم كشهرٍ، ويوم كأسبوعٍ، وباقي أيامه كأيامنا، هذا الدَّجال.

أما مدّة عيسى فطويلة: أربعون سنةً يحكم فيها بشرع الله، وقيل في بعض الرِّوايات: سبع سنين. والمقصود أنَّها أربعون سنةً لعيسى، سنوات طويلة على العبادة، يحكم فيها بشرع الله، ويظهر فيها الإسلام، ويزول فيها الكفر.

أمَّا أيام الدَّجال فهي أربعون يومًا: يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كأسبوع، وباقي أيامه كأيامنا، كما رواه مسلمٌ في "الصحيح" من حديث النواس بن سمعان.

لو أنَّ المؤلف -رحمه الله- اقتصر على الأحاديث الصَّحيحة لكان أراح العباد، لو كان اقتصر على الأحاديث الصَّحيحة لكانت كافيةً.

وإنَّ أيامه أربعون سنة: السنة كنصف السنة، والسنة كالشهر، والشهر كالجمعة، وآخر أيامه كالشّررة، يُصبح أحدُكم على باب المدينة، فلا يبلغ بابها الآخر حتى يُمسي، فقيل له: كيف نُصلي يا نبيّ الله في تلك الأيام القِصار؟ قال: تقدرون الصَّلاة كما تقدرون في هذه الأيام الطِّوال، ثم صلّوا.

قال رسولُ الله ﷺ: فيكون عيسى ابن مريم في أُمَّتي حكمًا عدلًا، وإمامًا مُقْسِطًا، يدقّ الصَّليب، ويذبح الخنزير، ويضع الجزية، ويترك الصَّدقة، فلا يسعى على شاةٍ ولا بعيرٍ، وترتفع الشَّحناء والتَّباغض، وتنزع حمة كل ذات حمة.

الشيخ: يعني: السمّ.

حتى يُدخل الوليدُ يدَه في الحيّة فلا تضرّه، وتُفرّ الوليدةُ الأسدَ فلا يضرّها، ويكون الذئبُ في الغنم كأنَّه كلبها، وتُملأ الأرض من السّلم كما يُملأ الإناء من الماء، وتكون الكلمةُ واحدةً، فلا يُعبد إلا الله، وتضع الحربُ أوزارها، وتُسلب قريش ملكها، وتكون الأرضُ لها نور الفضّة، وتُنبت نباتها كعهد آدم، حتى يجتمع النَّفر على القطف من العنب فيُشبعهم، ويجتمع النَّفر على الرّمانة فتُشبعهم، ويكون الثور بكذا وكذا من المال، ويكون الفرسُ بالدّريهمات.قيل: يا رسول الله، وما يرخص الفرس؟ قال: لا تُركب لحربٍ أبدًا، قيل له: فما يُغلي الثور؟ قال:

يحرث الأرض كلّها.

وإن قبل خروج الدَّجال ثلاث سنوات شِداد، يُصيب الناس فيها جوعٌ شديدٌ، ويأمر اللهُ السماءَ في السنة الأولى أن تحبس ثلث مطرها، ويأمر الأرض فتحبس ثلث نباتها، ثم يأمر اللهُ السَّماء في السنة الثانية فتحبس ثلثي مطرها، ويأمر الأرض فتحبس ثلثي نباتها، ثم يأمر الله السَّماء في السنة الثالثة فتحبس مطرها كلَّه، فلا تقطر قطرةً، ويأمر الأرض أن تحبس نباتها كلَّه، فلا تُنبت خضراء، فلا تبقى ذات ظلفٍ إلا هلكت، إلا ما شاء الله

.

قيل: فما يعيش الناس في ذلك الزمان؟ قال: التَّهليل والتَّكبير والتَّسبيح والتَّحميد، ويجري ذلك عليهم مجرى الطَّعام.

قال ابنُ ماجه: سمعتُ أبا الحسن الطَّنافسي يقول: سمعتُ عبدالرحمن المحاربي يقول: ينبغي أن يُدفع هذا الحديث إلى المؤدّب حتى يُعلّمه الصّبيان في الكُتَّاب.

هذا حديثٌ غريبٌ جدًّا من هذا الوجه، ولبعضه شواهد من أحاديث أُخَر، من ذلك ما رواه مسلم، وحديث نافع وسالم، عن عبدالله بن عمر.

الشيخ: قف على هذا، المقصود أنَّ هذه الأحاديث فيها بعض المنكرات، وبعضها لها شواهد، وآفته إسماعيل، هذا الضَّعيف إسماعيل بن رافع، والأحاديث الصَّحيحة تكفي في هذا عن الأحاديث الضَّعيفة.

............