تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا..}(2)

فقالت طائفةٌ للذين ينهونهم: لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ [الأعراف:164]، فقالوا: نسخط أعمالهم، ولعلهم يتَّقون، فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ إلى قوله: قِرَدَةً خَاسِئِينَ [الأعراف:165-166]، قال ابنُ عباسٍ: كانوا أثلاثًا؛ ثلث نهوا، وثلث قالوا: لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ، وثلث أصحاب الخطيئة، فما نجا إلا الذين نهوا، وهلك سائرهم.

وهذا إسنادٌ جيدٌ عن ابن عباسٍ، ولكن رجوعه إلى قول عكرمة في نجاة السَّاكتين أولى من القول بهذا؛ لأنَّه تبين حالهم بعد ذلك، والله أعلم.

الشيخ: يعني: استنبط حالهم، وتبصّر حالهم بعدما راجعه فيه عكرمة، وهذا الذي قاله المؤلف هو الأقرب: أنَّ الذين نهوا والذين قالوا: لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ نجوا، وإنما الهالكون الذين فعلوا الجريمة؛ أقدموا على الصّيد يوم السبت، وتحيلوا فيه، نسأل الله العافية.

لكن لعظم شأن النَّاهين وعظم منزلتهم نصَّ الله عليهم: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ، وأولئك في الحقيقة ناهون: لم تعظون قومًا غاضبون، كارهون، لكن كأنَّهم يقولون: هؤلاء لا حيلةَ فيهم، قد بُلِّغوا وأُنذروا، فلا حيلةَ فيهم، اتركوهم؛ لأنَّهم هالكون، نسأل الله العافية.

س: قوله: وهذا إسنادٌ جيدٌ؟

ج: إيه، نعم، طيب، إسناد جيد يُطلق على الصَّحيح، وعلى الحسن، نعم.

وقوله تعالى: وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ [الأعراف:165]، "بئيس" فيه دلالة بالمفهوم على أنَّ الذين بقوا نجوا.

و"بئيس" فيه قراءات كثيرة، ومعناه في قول مجاهد: الشديد. وفي روايةٍ: أليم. وقال قتادة: مُوجِع. والكلّ مُتقارب، والله أعلم.

وقوله: خَاسِئِينَ أي: ذليلين، حقيرين، مُهانين.

وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [الأعراف:167].

"تأذن" تفعل، من الأذان، أي: أعلم. قاله مجاهد، وقال غيره: أمر.

وفي قوة الكلام ما يُفيد معنى القسم من هذه اللَّفظة؛ ولهذا أتبعت باللام في قوله: لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ أي: على اليهود إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ أي: بسبب عصيانهم ومُخالفتهم أوامر الله وشرعه، واحتيالهم على المحارم.

ويُقال: إنَّ موسى ضرب عليهم الخراج سبع سنين. وقيل: ثلاث عشرة سنة. وكان أول مَن ضرب الخراج، ثم كانوا في قهر الملوك من اليونانيين والكشدانيين والكلدانيين، ثم صاروا إلى قهر النَّصارى وإذلالهم إياهم، وأخذهم منهم الجزية والخراج، ثم جاء الإسلامُ ومحمدٌ ﷺ، فكانوا تحت قهره وذمّته يُؤدّون الخراج والجزية.

قال العوفي: عن ابن عباسٍ في تفسير هذه الآية قال: هي المسكنة وأخذ الجزية منهم.

وقال علي ابن أبي طلحة عنه: هي الجزية، والذين يسومونهم سُوء العذاب محمدٌ رسول الله ﷺ وأمّته إلى يوم القيامة.

وكذا قال سعيد بن جبير، وابن جُريج، والسّدي، وقتادة.

وقال عبدالرزاق: عن معمر، عن عبدالكريم الجزري، عن سعيد بن المسيب قال: يُستحبّ أن تبعث الأنباطُ في الجزية.

قلت: ثم آخر أمرهم أنَّهم يخرجون أنصارًا للدَّجال، فيقتلهم المسلمون مع عيسى ابن مريم ، وذلك آخر الزمان.

وقوله: إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ أي: لمن عصاه وخالف شرعه، وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ أي: لمن تاب إليه وأناب، وهذا من باب قرن الرحمة مع العقوبة؛ لئلا يحصل اليأس، فيقرن تعالى بين الترغيب والترهيب كثيرًا؛ لتبقى النفوس بين الرجاء والخوف.

الشيخ: ، وهذا مثلما قال -جلَّ وعلا-: غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ [غافر:3]، نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ۝ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ [الحجر:49-50]، وهذا هنا: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ۝ فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ۝ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [الأعراف:165-167]؛ ليخاف المؤمن ولا ييأس، ويحذر من تعاطي شيء من محارم الله، فالمؤمن يرجو ويجتهد، والفاسق والكافر لا ييأس، بل يتوب إلى الله، ومَن تاب تاب اللهُ عليه: وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف:87]، نسأل الله العافية.

س: معنى: بعث الأنباط؟

ج: ما ظهر لي هذا، أقول: ما ظهرت لي هذه الكلمة.

س: .............؟

ج: يعني: في آخر الزمان يتبعه سبعون ألفًا من يهود أصبهان، كما جاء في الحديث الصَّحيح، يقصدهم في الشَّام وينزل بهم، وهو ملكهم، يُقاتلهم المسيح ابن مريم هم والدَّجال جميعًا في الأردن، نعم.

س: ما يحتمل أنَّهم لقوتهم يبعثون بالجزية لجبايتها؛ لأنَّهم أقوياء؟

ج: ما أدري، الله أعلم.

س: الطَّائفة التي سكت عنها هل هي .....؟

ج: التَّعبير عنها بأنَّها ساكتة، ولكن قولهم: لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ [الأعراف:164] نوعٌ من الإنكار، نوعٌ من بيان أنَّهم هالكون، وأنَّهم لا خيرَ فيهم، ميؤوسٌ منهم.

فالأقرب أنَّهم ثلاث طوائف: طائفة أنكرت، صرَّحت، وطائفة قالت: لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا يعني: هؤلاء لا خيرَ فيهم، وهم خاسرون، والطائفة الثالثة ما حرَّكت ساكنًا، ويحتمل كما هو ظاهر السّياق أنَّ الطائفة الثالثة الذين فعلوا الجريمة -وهو الأقرب- هؤلاء الذين أُخِذُوا، والمنكرون نجوا، والذين قالوا: لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ويُسمّيهم بعض الناس: السَّاكتين، هم أيضًا نجوا؛ لأنَّهم في الحقيقة مُنكرون، غاضبون، وإنما تركوا الإنكار والاستمرار في الإنكار كاليائس من رجوعهم إلى الحقِّ وقبولهم الدَّعوة، نعم.

س: ما يكون استفهام .....؟

ج: وكذلك هذا أيضًا مما يُبرر القول بأنَّهم ناجون؛ لأنَّ هناك مَن قام بالواجب.

س: ..............؟

ج: ما أدري والله، المهم الأدلة الشَّرعية، وليس المهم قول فلان أو قول فلان، المهم الأدلة الشَّرعية.

س: قول النبي ﷺ: يُخْسَف بأوَّلهم وآخرهم ما يدلّ على أنَّ الساكت تعمّه هذه العقوبة؟

ج: هذا هو ظاهر النصوص: أنَّهم هم النَّاجون، لكن إذا كان السَّاكتون إنما سكتوا لا رضا بالمنكر، ولكنَّهم اكتفوا بالمنكرين، وهم غاضبون وكارهون لما فعله العُصاة، بخلاف السَّاكتين الراضين، فهؤلاء مع المجرمين، نسأل الله العافية.

وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ۝ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ۝ وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ [الأعراف:168-170].

يذكر تعالى أنَّه فرَّقهم في الأرض أُممًا، أي: طوائف وفرقًا، كما قال: وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا [الإسراء:104].

مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ أي: فيهم الصالح وغير ذلك، كقول الجنِّ: وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا [الجن:11].

وَبَلَوْنَاهُمْ أي: اختبرناهم، بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ أي: بالرخاء والشّدة، والرّغبة والرّهبة، والعافية والبلاء، لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ.

ثم قال تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى الآية.

يقول تعالى: فَخَلَفَ من بعد ذلك الجيل الذين فيهم الصَّالح والطَّالح خلفٌ آخر لا خيرَ فيهم، وقد ورثوا دراسةَ الكتاب، وهو التوراة، وقال مجاهد: هم النَّصارى. وقد يكون أعمّ من ذلك.

يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى أي: يعتاضون عن بذل الحقِّ ونشره بعرض الحياة الدنيا، ويسوفون أنفسهم ويعدونها بالتوبة، وكلّما لاح لهم مثل الأول وقعوا فيه؛ ولهذا قال: وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ، وكما قال سعيد بن جبير: يعملون الذَّنب، ثم يستغفرون الله منه، ويعترفون لله، فإن عرض ذلك الذَّنب أخذوه.

وقال مجاهد في قوله تعالى: يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى قال: لا يُشرف لهم شيءٌ من الدنيا إلا أخذوه، حلالًا كان أو حرامًا، ويتمنون المغفرة: وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ.

وقال قتادة في الآية: أي: والله لخلف سوءٍ.

وَرِثُوا الْكِتَابَ بعد أنبيائهم ورسلهم، أورثهم الله وعهد إليهم.

وقال الله تعالى في آيةٍ أخرى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ الآية [مريم:59].

قال: يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا تمنّوا على الله أمانٍ وغرّة يغترون بها، وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ لا يشغلهم شيءٌ، ولا ينهاهم شيءٌ عن ذلك، كلما هفّ لهم شيءٌ من الدنيا أكلوه، لا يُبالون حلالًا كان أو حرامًا.

وقال السّدي: قوله: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ إلى قوله: وَدَرَسُوا مَا فِيهِ قال: كانت بنو إسرائيل لا يستقضون قاضيًا إلا ارتشى في الحكم، وإنَّ خيارهم اجتمعوا، فأخذ بعضُهم على بعضٍ العهود أن لا يفعلوا ولا يرتشوا، فجعل الرجلُ منهم إذا استقضى ارتشى، فيُقال له: ما شأنك ترتشي في الحكم؟ فيقول: سيُغفر لي، فتطعن عليه البقيةُ الآخرون من بني إسرائيل فيما صنع، فإذا مات أو نزع وجُعل مكانه رجلٌ ممن كان يطعن عليه فيرتشي، يقول: وإن يأتِ الآخرين عرضُ الدنيا يأخذوه.

قال الله تعالى: أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ الآية [الأعراف:169]، يقول تعالى مُنكرًا عليهم في صنيعهم هذا، مع ما أخذ عليهم من الميثاق ليبينن الحقّ للناس، ولا يكتمونه، كقوله: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ [آل عمران:187].

وقال ابنُ جريج: قال ابنُ عباسٍ: أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قال: فيما يتمنون على الله من غفران ذنوبهم التي لا يزالون يعودون فيها، ولا يتوبون منها.

وقوله تعالى: وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ [الأعراف:169] يُرغّبهم في جزيل ثوابه، ويُحذّرهم من وبيل عقابه، أي: وثوابي وما عندي خيرٌ لمن اتَّقى المحارم، وترك هوى نفسه، وأقبل على طاعة ربِّه: أَفَلَا تَعْقِلُونَ، يقول: أفليس لهؤلاء الذين اعتاضوا بعرض الدنيا عمَّا عندي عقلٌ يردعهم عمَّا هم فيه من السَّفه والتَّبذير.

ثم أثنى تعالى على مَن تمسّك بكتابه الذي يقوده إلى اتِّباع رسوله محمدٍ ﷺ كما هو مكتوبٌ فيه فقال تعالى: وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ [الأعراف:170] أي: اعتصموا به، واقتدوا بأوامره، وتركوا زواجره، وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ [الأعراف:170].

الشيخ: في هذه القصّة عِظة وذكرى لكل مؤمنٍ، قصة أهل الكتاب، وقصة أهل السبت، ومُخالفات أهل الكتاب وعصيانهم فيها عِظة وذكرى لأهل الإيمان، والله يذكرهم بحال العاصين والمجترئين على محارم الله، وما أعدّ لهم من العقاب، وما عجّل لهم من العقاب؛ ليحذر المؤمن من هذه الخصال الذَّميمة، وليبتعد عن صفاتهم الخبيثة، وهذا هو المقصود من ذكر المجرمين وأعمالهم وجزائهم، والتَّحذير من أعمالهم السّيئة، كما أنَّ المقصود من ذكر المتّقين والمؤمنين وأعمالهم الطّيبة وجزائهم التَّشويق لأعمالهم والتَّرغيب فيها، والله المستعان.