تفسير قوله تعالى: {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ..}

وقال ابنُ جرير: حدَّثنا محمد بن المثنى: حدَّثنا عبدالوهاب: حدَّثنا عبيدالله، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي ﷺ قال: مثل المنافق كمثل الشَّاة العائرة بين الغنمين، تعير إلى هذه مرة، وإلى هذه مرة، ولا تدري أيّتهما تتبع، تفرّد به مسلم.

وقد رواه عن محمد بن المثنى مرةً أخرى، عن عبدالوهاب، فوقف به على ابن عمر، ولم يرفعه، قال: حدَّثنا به عبدالوهاب مرتين.

الشيخ: وهذا معنى قوله -جلَّ وعلا-: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ۝ مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ [النساء:142-143] يعني: تارةً مع المؤمنين، إن ظهروا وانتصروا صاروا مع المؤمنين، وإن صارت على المسلمين نكبة صاروا ضدّهم، فهم مُذبذبون، ليس لهم قرار؛ لفساد قلوبهم ونفاقهم، وعدم وجود الإيمان الذي يردعهم عن الميل إلى الباطل.

فالواجب على كل مؤمنٍ أن يحذر صفاتهم الخبيثة، وأن يستقيم مع أهل الهدى في الشّدة والرَّخاء، وأن يكون صبورًا على أقدار الله، هكذا المؤمن، كما في الحديث الصَّحيح: يقول النبي ﷺ: عجبًا لأمر المؤمن، إنَّ أمره كلَّه له خير، إن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيرًا له، وإن أصابته سرَّاء شكر فكان خيرًا له، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن.

فالمؤمنون صبرٌ عند البلاء، شكرٌ عند الرَّخاء؛ ولهذا قال : إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10]، وقال -جلَّ وعلا-: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ۝ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ۝ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:155-157].

س: العائرة؟

ج: العائرة: المترددة، التي تتردد، يعني مرةً مع هؤلاء، ومرة مع هؤلاء، ليس لها ثباتٌ، نسأل الله العافية.

كذلك قلت: وقد رواه الإمامُ أحمد عن إسحاق بن يوسف، عن عبيدالله.

وكذا رواه إسماعيل بن عياش وعلي بن عاصم، عن عبيدالله، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا.

وكذا رواه عثمان بن محمد ابن أبي شيبة، عن عبدة، عن عبدالله، به، مرفوعًا.

ورواه حماد بن سلمة، عن عبيدالله، أو عبدالله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، مرفوعًا.

الشيخ: أيش عندك في نسخة (الشعب)؟

الطالب: عن عبدة، عن عبدالله.

الشيخ: بالتَّكبير.

الطالب: نعم.

الشيخ: ما في بأس، عن هذا وذاك، لكن العُمدة على رواية المصغر.

ورواه أيضًا صخر بن جُويرية، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي ﷺ بمثله.

وقال الإمامُ أحمد: حدَّثنا خلف بن الوليد: حدَّثنا الهذيل بن بلال، عن ابن أبي عبيد: أنَّه جلس ذات يومٍ بمكّة، وعبدالله بن عمر معه.

مُداخلة: عندنا: عن أبي عبيد، عن أبيه.

الشيخ: يُراجع أحمد، حطّ عليه إشارة.

مُداخلة: في تصحيح عندي راجعته، صوابه: عن ابن عبيد، وهو عبدالله بن عبيد بن عمير.

الشيخ: أيش يقول "المسند"؟ الهذيل بن بلال.

فقال ابنُ أبي عبيد: قال أبي: قال رسول الله ﷺ: إنَّ مثل المنافق يوم القيامة كالشَّاة بين الرّبيضين من الغنم، إن أتت هؤلاء نطحتها، وإن أتت هؤلاء نطحتها، فقال له ابنُ عمر: كذبتَ. فأثنى القومُ على أبي خيرًا أو معروفًا، فقال ابنُ عمر: ما أظنّ صاحبكم إلا كما تقولون، ولكني شاهدي الله.

مُداخلة: في نسخة (الشعب): شاهد نبي الله.

الشيخ: "شاهد نبي الله"، نعم، ما يُخالف.

إذ قال: كالشَّاة بين الغنمين، فقال: هو سواء، فقال: هكذا سمعته.

وقال الإمامُ أحمد: حدَّثنا يزيد: حدَّثنا المسعودي، عن أبي جعفر محمد بن علي.

مُداخلة: في "المسند" قال عبدُالله: حدَّثني أبي: حدَّثنا خلف بن الوليد: حدَّثنا هذيل بن بلال، عن ابن عبيد، عن أبيه.

الشيخ: طيب، يعني: عبدالله بن عبيد بن عمير، صلّح عندك: عن ابن عبيد، ما هو أبو عبيد، يعني: ابن عبيد بن عُمير. أيش عندك؟ شاهد نبي الله؟ في "المسند" عندك.

الطالب: ولكني شاهد نبي الله.

الشيخ: صلّحها: نبي الله، شاهد نبي الله.

س: لكن إذا قيل: ابن عبيد، عن أبيه، يستقيم فيما بعد أنَّه قال: أبي؟

ج: ما يُخالف، نعم، نعم.

قال: بينما عبيد بن عُمير يقصّ، وعنده عبدالله بن عمر، فقال عُبيد بن عمير: قال رسولُ الله ﷺ: مثل المنافق كالشَّاة بين ربيضين، إذا أتت هؤلاء نطحتها، وإذا أتت هؤلاء نطحتها، فقال ابنُ عمر: ليس كذلك، إنما قال رسولُ الله ﷺ: كشاةٍ بين غنمين، قال: فاختطف الشيخ وغضب، فلمَّا رأى ذلك ابنُ عمر قال: أما إني لو لم أسمعه لم أردد ذلك عليك.

الشيخ: وهذا فيه العناية بألفاظ النبي ﷺ إذا ضبطت، كونه يُروى الحديث بلفظه هذا هو الأكمل والأحوط، أراد ابنُ عمر التَّعبير بالعبارة التي عبّر بها النبي ﷺ، قد يكون رُوِيَ بالمعنى: "الرّبيضين"، وقد يكون قال النبي هذا تارةً، وهذا تارةً، فيكون عبيدُ بن عمير سمعه من طريقٍ آخر.

طريق أخرى عن ابن عمر: قال الإمامُ أحمد: حدَّثنا عبدالرزاق: أخبرنا معمر، عن عثمان بن مادويه.

الشيخ: كذا عندكم؟

طالب: لا، عندنا بالباء.

الشيخ: ابن بادويه؟

الطالب: نعم، أحسن الله إليك.

الشيخ: انظر "التقريب" أو "الخلاصة".

عن يعفر بن زودي، قال: سمعتُ عبيد بن عمير -وهو يقصّ- يقول: قال رسولُ الله ﷺ: مثل المنافق كمثل الشَّاة الرَّابضة بين الغنمين، فقال ابنُ عمر: ويلكم! لا تكذبوا على رسول الله ﷺ، إنما قال رسولُ الله ﷺ: مثل المنافق كمثل الشَّاة العائرة بين الغنمين.

ورواه أحمد أيضًا من طرقٍ عن عبيد بن عمير، عن ابن عمر.

ورواه ابنُ أبي حاتم: حدَّثنا أبي: حدَّثنا عبيدالله بن موسى: أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبدالله -هو ابن مسعودٍ- قال: مثل المؤمن والمنافق والكافر مثل ثلاثة نفرٍ انتهوا إلى وادٍ، فوقع أحدُهم فعبر، ثم وقع الآخر حتى إذا أتى على نصف الوادي ناداه الذي على شفير الوادي: ويلك! أين تذهب؟! إلى الهلكة! ارجع عودك على بدئك. وناداه الذي عبر: هلمّ إلى النَّجاة. فجعل ينظر إلى هذا مرة، وإلى هذا مرة، قال: فجاءه سيلٌ فأغرقه، فالذي عبر هو المؤمن، والذي غرق المنافق: مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ [النساء:143]، والذي مكث الكافر.

وقال ابنُ جرير: حدَّثنا بشر: حدَّثنا يزيد: حدَّثنا شعبة، عن قتادة: مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ يقول: ليسوا بمؤمنين مُخلصين، ولا مُشركين مُصرّحين بالشِّرك.

قال: وذكر لنا أنَّ نبي الله ﷺ كان يضرب مثلًا للمؤمن وللمنافق وللكافر كمثل رهطٍ ثلاثة دفعوا إلى نهرٍ، فوقع المؤمنُ فقطع، ثم وقع المنافقُ حتى إذا كاد يصل إلى المؤمن ناداه الكافر: أن هلمَّ إليَّ؛ فإني أخشى عليك. وناداه المؤمن: أن هلمَّ إليَّ؛ فإنَّ عندي وعندي. يُحصي له ما عنده، فما زال المنافقُ يتردد بينهما حتى أتى عليه أذى فغرقه.

مُداخلة: في حاشية يا شيخ، يقول: فيه عثمان بن بودويه، وهو مستور الحال.

الشيخ: الشيخ مقبل؟

الطالب: إي، نعم، عثمان بن بودويه، وهو مستور الحال، وشيخه يعفر بن زودي مجهول العين، وترجمتهما في "تعجيل المنفعة"، لكنَّهما مُتابعان، فالحديث حسنٌ لغيره.

الشيخ: طيب.

الطالب: في "المسند": بودويه.

الشيخ: زين، مثلما قال مُقبل.

الطالب: في "التعجيل": عثمان بن بوذويه، بالذال.

الشيخ: صلّحها على ما في "المسند": بودويه.

الطالب: في "التعجيل" بالذال المعجمة.

الشيخ: ضبطه؟

الطالب: قال: عثمان بن بوذويه أبو عمرو، عن أنسٍ، ويعفر بن زودي، وعنه معمر، وأمية بن شبل، وابن أبي داود، وغيرهم، وثَّقه ابنُ حبان.

الشيخ: ما ضبطه، "بودويه" مثلما في نسخة (الشعب)، مثلما قال الشيخ مُقبل: بودويه.

وإنَّ المنافق لم يزل في شكٍّ وشبهةٍ حتى أتى عليه الموت وهو كذلك.

قال: وذكر لنا أنَّ نبي الله ﷺ كان يقول: مثل المنافق كمثل ثاغية بين غنمين، رأت غنمًا على نشزٍ فأتتها وشامتها فلم تعرف، ثم رأت غنمًا على نشزٍ فأتتها فشامتها فلم تعرف.

ولهذا قال تعالى: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا [النساء:88] أي: ومَن صرفه عن طريق الهدى فلن تجد له وليًّا مُرشدًا، فإنَّه مَن يُضلل الله فلا هادي له، والمنافقون الذين أضلّهم عن سبيل النَّجاة فلا هاديَ لهم، ولا مُنقذ لهم مما هم فيه، فإنَّه تعالى لا مُعقّب لحكمه، ولا يُسأل عمَّا يفعل وهم يُسألون.

الشيخ: والمقصود من هذا التَّحذير من صفاتهم الذَّميمة، تحذير المؤمن من صفاتهم الذَّميمة، وأن تكون عنده عناية بالحقِّ، وصبر عليه وثبات، ولو أصابه ما أصابه، لا يكون مثل المنافق: تارةً على الحقِّ، وتارةً على الباطل، تارةً مع هؤلاء، وتارةً مع هؤلاء، مُذبذب، بل يجب أن يحذر صفاتهم الذَّميمة، وأن يثبت على الحقِّ ولو أصابه ما أصابه، لا بدَّ من الصَّبر، ربك حكيمٌ عليمٌ، يُضلّ مَن يشاء، ويهدي مَن يشاء، يبتلي هؤلاء بالسّراء والضَّراء؛ ليهلك مَن هلك عن بينةٍ، ويحيى من حيّ عن بينةٍ، هو الحكيم العليم .

مُداخلة: ذكر في "التعجيل" -أحسن الله إليك- في ترجمة يعفر بن زودي قال: عن ابن عمر، وعبيد بن عُمير، وعنه عثمان بن مادويه، على نفس النُّسخة التي عندي.

الشيخ: العبرة في الترجمة.

س: رمى الجمرة بحصاةٍ واحدةٍ، ثم مع الزّحام رمى جميعها مرةً واحدةً، ماذا عليه؟

ج: عليه دمٌ يُذبح في مكّة للفُقراء؛ لأنَّه ما رمى، إذا رمى الحصى جميعًا ما رمى، لا بدَّ من واحدةٍ بعد واحدةٍ، مثلما رمى النبي ﷺ.

س: ..... وهذا الرجل المتوفى لا يُصلي، يعلم أنَّه لا يُصلي، فهل يُخبر المصلين عنه، أم يكتفي بأن يترك الصَّلاة عليه .....؟

ج: إن صلَّى عليه مع الناس فهذه شبهة؛ لخلافٍ قويٍّ، لا يُخبر الناس، ويُصلِّي عليه والحمد لله، والخلاف قويٌّ في كفر تارك الصلاة إذا لم يجحد، ولا يُشوش على الناس، فشهادة الواحد ما تكفي.

س: وإن كانا شاهدين أو أكثر ماذا يصنع؟

ج: الأحوط له ألا يُصلِّ عليه.

س: لكن لا يُخبر الناس؟

ج: ما هو بلازمٍ، الظَّاهر أنَّه ما هو بلازمٍ.