مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:178].
يقول تعالى: مَن هداه الله فإنَّه لا مُضلَّ له، ومَن أضلّه فقد خاب وخسر وضلَّ لا محالةَ، فإنَّه تعالى ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن؛ ولهذا جاء في حديث ابن مسعود: إنَّ الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستهديه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهدِ الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضلل الله فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله الحديث بتمامه رواه الإمام أحمد وأهل السُّنن وغيرهم.
الشيخ: ولا شكَّ أنَّ الهداية بيد الله -جلَّ وعلا-، وهي هداية التوفيق وقذف النور في القلب حتى يقبل الحقَّ، هذه الهداية بيده سبحانه، ليست في أيدي الرسل ولا غيرهم: مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ، وفي الآية الأخرى: وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا [الكهف:17]، وهي المذكورة في قوله -جلَّ وعلا-: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [البقرة:272]، وفي قوله سبحانه: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56] يعني: الهداية التي معناها التَّوفيق لقبول الحقِّ وإيثاره والرِّضا به، هذه بيد الله، لا يملكها أحدٌ.
وقد حاول النبيُّ ﷺ مع عمِّه أبي طالب أن يهتدي فلم يقبل، وقال له عند موته: يا عمّ، قل: لا إله إلا الله، كلمة أُحاجّ لك بها عند الله، فقال له جُلساء السُّوء: أترغب عن ملّة عبدالمطلب؟! فقال عند موته: هو على ملّة عبدالمطلب، فقال النبي ﷺ: لأستغفرنَّ لك ما لم أُنه عنك، فأنزل الله في ذلك سبحانه: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [التوبة:113]، فالكافر لا يُستغفر له.
وهذه الهداية التي أرادها النبيُّ ﷺ من عمِّه أبي طالب بيد الله، لم تُكتب لأبي طالب، ولا لأبي لهب، ولا لجمعٍ كثيرٍ من رؤساء قريش: كعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأبي جهل، وآخرين قُتلوا يوم بدر أصرُّوا على الضَّلالة.
أمَّا هداية البلاغ والبيان فهذه بيد الله، وبيد رسله وأوليائه والدُّعاة إليه، جعلها في أيديهم، ومنحهم إياها؛ فضلًا منه، ومعناها البيان والبلاغ والإيضاح والدَّعوة، وهي المذكورة في قوله -جلَّ وعلا-: وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى:52] يعني: تدلّ وتُرشد وتدعو، وهي المذكورة في قوله تعالى: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى [فصلت:17]، وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ يعني: بلغناهم، ودللناهم، وأرشدناهم، وأوضحنا لهم الأمر، لكن أبوا، واستمرُّوا على الطُّغيان، وهكذا جميع المدعوين كلّهم هُدوا، بُيِّن لهم من طريق الرسل، ولكن مَن سبقت له الشَّقاوة لم يقبل، واستمرَّ على طُغيانه، ولم يقبل من الرسل دعوتهم وهدايتهم، لكن على المؤمن الدَّعوة، وعليه الصَّبر، عليه الدَّعوة والهداية التي هي البلاغ والبيان، وعليه الصَّبر في ذلك، وله الأجر العظيم: وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [البقرة:213] .
ويقول في هذا الباب ﷺ: مَن دلَّ على خيرٍ فله مثل أجر فاعله، ويقول ﷺ: مَن دعا إلى هُدًى كان له من الأجر مثل أجور مَن تبعه، لا ينقص من أجورهم شيئًا، وبهذا يُعلم أنَّ الرسل -عليهم الصلاة والسلام- لهم من الأجور مثل أتباعهم، ولنبينا ﷺ من الأجر مثل أتباعه، وهذا خيرٌ عظيمٌ، وفضلٌ كبيرٌ.
وهكذا كل داعيةٍ يدعو إلى الله له مثل أتباعه، ولو بلغوا الملايين له مثل أجورهم، إذا كانت هدايتُهم بأسباب دعوته.
وبهذا يُعلم فضل الدَّعوة إلى الله، وما فيها من الخير العظيم، فإنَّه جديرٌ بكل مؤمنٍ أن يحرص عليها مع أهله، وجيرانه، وجُلسائه، ومع غيرهم، يرجو أن ينفع اللهُ به، ويرجو هذا الخير العظيم أيضًا: أنَّه يحصل من الأجر مثل أجورهم إذا قبلوا واهتدوا. نعم.
س: في خطبة الحاجة لفظة: "ونستهديه" صحيحة؟
ج: ما أتذكر شيئًا في "ونستهديه" في الرِّواية، في الرِّواية المحفوظة عندي ما أتذكر في "البلوغ"، لكن تُراجع طرقه.
س: خطبة الحاجة خاصّة بالخطب، أو عامّة في جميع المواعظ؟
ج: عامّة؛ لأنَّها من خطبه ﷺ، يخطب بها الإنسانُ في الجمعة، وفي غير الجمعة، وفي الموعظة، ما في شيء، لكن ما هو خاصّ بها، بها وبغيرها، تارةً كذا، وتارةً كذا، مثلما كان النبيُّ يفعل -عليه الصلاة والسلام-، فالمقصود أنَّ السُّنة أن يبدأ بحمد الله والثَّناء عليه، والصَّلاة على نبيِّه ﷺ، ثم يتكلّم.
وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179].
يقول تعالى: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ أي: خلقنا وجعلنا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أي: هيَّأناهم لها، وبعمل أهلها يعملون، فإنَّه تعالى لما أراد أن يخلق الخلق علم ما هم عاملون قبل كونهم، فكتب ذلك عنده في كتابٍ قبل أن يخلق السَّماوات والأرض بخمسين ألف سنة، كما ورد في "صحيح مسلم" عن عبدالله بن عمرو: أنَّ رسول الله ﷺ قال: إنَّ الله قدَّر مقادير الخلق قبل أن يخلق السَّماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشُه على الماء.
وفي "صحيح مسلم" أيضًا من حديث عائشة بنت طلحة، عن خالتها عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنَّها قالت: دُعي النبي ﷺ إلى جنازة صبيٍّ من الأنصار، فقلت: يا رسول الله، طوبى له، عصفورٌ من عصافير الجنة، لم يعمل السُّوء ولم يُدركه. فقال رسولُ الله ﷺ: أو غير ذلك يا عائشة، إنَّ الله خلق الجنةَ وخلق لها أهلًا وهم في أصلاب آبائهم، وخلق النار وخلق لها أهلًا وهم في أصلاب آبائهم.
وفي "الصحيحين" من حديث ابن مسعودٍ: ثم يبعث اللهُ إليه الملك، فيُؤمَر بأربع كلمات، فيكتب رزقَه، وأجلَه، وعمله، وشقي أم سعيد.
وتقدّم أنَّ الله لما استخرج ذُرية آدم من صُلبه، وجعلهم فريقين: أصحاب اليمين، وأصحاب الشِّمال، قال: هؤلاء للجنة ولا أُبالي، وهؤلاء للنار ولا أُبالي.
والأحاديث في هذا كثيرة، ومسألة القدر كبيرة، ليس هذا موضع بسطها.
وقوله تعالى: لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا يعني: ليس ينتفعون بشيءٍ من هذه الجوارح التي جعلها الله سببًا للهداية، كما قال تعالى: وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ الآية [الأحقاف:26]، وقال تعالى: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ [البقرة:18]، هذا في حقِّ المنافقين.
وقال في حقِّ الكافرين: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ [البقرة:171]، ولم يكونوا صُمًّا، ولا بُكْمًا، ولا عُميًا إلا عن الهدى، كما قال تعالى: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [الأنفال:23]، وقال: فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج:46]، وقال: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ [الزخرف:36-37].
وقوله تعالى: أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ أي: هؤلاء الذين لا يسمعون الحقَّ ولا يعونه ولا يُبصرون الهدى كالأنعام السَّارحة التي لا تنتفع بهذه الحواس منها إلا في الذي يُقيتها من ظاهر الحياة الدنيا، كقوله تعالى: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً [البقرة:171] أي: ومثلهم في حال دعائهم إلى الإيمان كمثل الأنعام إذا دعاها راعيها: لا تسمع إلا صوته، ولا تفقه ما يقول.
ولهذا قال في هؤلاء: بَلْ هُمْ أَضَلُّ أي: من الدَّواب؛ لأنَّها قد تستجيب مع ذلك لراعيها إذا أبس بها، وإن لم تفقه كلامَه، بخلاف هؤلاء.
الشيخ: والمعنى: أنَّ الضَّالين المجرمين أضلّ من الأنعام؛ لأنَّ الأنعام تهتدي لبعض الشيء، حتى ولو كان رأيُها ما هو بحاضرٍ تهتدي، تذهب للمرعى وترعى، وتذهب إلى الماء إذا عرفت محلّ الماء وتشرب، وإذا زجرها انزجرت، وإذا أناخها أناخت، وهكذا تعقل أشياء تُناسبها، لكن الكفَّار لا يقبلون، يُعاندون، بل يُقاتلون مَن دعاهم إلى الحقِّ، يُقاتلونه ويأبون، إلا مَن سبقت له من الله السَّعادة قبل، وإلا فهؤلاء أردى من الأنعام، قال -جلَّ وعلا-: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ [الفرقان:44]، وقال تعالى: فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج:46]، فهؤلاء أضلّ من الأنعام وأردى؛ لأنَّ الأنعام تقبل التَّوجيه والتَّعليم وتنقاد لمصالحها إذا قيدت، أمَّا هؤلاء فلا يقبلون شيئًا، مَن سبقت له الشَّقاوة لا يقبل، نسأل الله العافية.
س: أحسن الله إليك يا شيخ، وكان عرشه على الماء، والأرض لم تُخلق بعد، والماء جزءٌ من الأرض؟
ج: هذا ماء في السَّماء، جزاك الله خيرًا، ما هو في الأرض، هذا ماءٌ في السَّماء، فوق السماء، تحت العرش، ماء آخر غير ماء الأرض، ماء فوق.
وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأعراف:180].
عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله ﷺ: إنَّ لله تسعًا وتسعين اسمًا، مئة إلا واحدًا، مَن أحصاها دخل الجنة، وهو وترٌ يُحبّ الوتر. أخرجاه في "الصحيحين" من حديث سفيان بن عيينة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عنه.
ورواه البخاري عن أبي اليمان، عن شعيب، عن أبي حمزة، عن أبي الزناد، به.
وأخرجه الترمذي في "جامعه" عن الجوزجاني، عن صفوان بن صالح، عن الوليد بن مسلم، عن شعيب، فذكر بسنده مثله، وزاد بعد قوله: يُحبّ الوتر: هو الله الذي لا إله إلا هو، الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، البارئ، المصور، الغفار، القهار، الوهاب، الرزاق، الفتاح، العليم، القابض، الباسط، الخافض، الرافع، المعز، المذل، السَّميع، البصير، الحكم، العدل، اللَّطيف، الخبير، الحليم، العظيم، الغفور، الشكور، العلي، الكبير، الحفيظ، المقيت، الحسيب، الجليل، الكريم، الرقيب، المجيب، الواسع، الحكيم، الودود، المجيد، الباعث، الشهيد، الحقّ، الوكيل، القوي، المتين، الولي، الحميد، المحصي، المبدئ، المعيد، المحيي، المميت، الحي، القيوم، الواجد، الماجد، الواحد، الأحد، الفرد، الصّمد، القادر، المقتدر، المقدّم، المؤخّر، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، الوالي، المتعالي، البرّ، التوّاب، المنتقم، العفو، الرؤوف، مالك الملك ذو الجلال والإكرام، المقسط، الجامع، الغني، المغني، المانع، الضَّار، النافع، النور، الهادي، البديع، الباقي، الوارث، الرشيد، الصبور، ثم قال الترمذي: هذا حديثٌ غريبٌ، وقد رُوِيَ من غير وجهٍ عن أبي هريرة، ولا نعلم في كثيرٍ من الرِّوايات ذكر الأسماء إلا في هذا الحديث.
ورواه ابنُ حبان في "صحيحه" من طريق صفوان، به.
وقد رواه ابنُ ماجه في "سننه" من طريقٍ آخر عن موسى بن عقبة، عن الأعرج، عن أبي هريرة مرفوعًا، فسرد الأسماء كنحوٍ مما تقدّم بزيادةٍ ونقصانٍ.
والذي عوّل عليه جماعةٌ من الحُفَّاظ أنَّ سرد الأسماء في هذا الحديث مُدرجٌ فيه، وإنما ذلك كما رواه الوليد بن مسلم وعبدالملك بن محمد الصّنعاني، عن زهير بن محمد: أنَّه بلغه عن غير واحدٍ من أهل العلم أنَّهم قالوا ذلك، أي: أنهم جمعوها من القرآن، كما رُوِيَ عن جعفر بن محمد، وسفيان بن عيينة، وأبي زيد اللُّغوي، والله أعلم.
الشيخ: وهذا الذي رواه الترمذي وجماعة مُدرج عند أهل التَّحقيق، ليس بثابتٍ عن النبي ﷺ، كما قال الحافظ وغيره: مُدرج، لكن يمكن إحصاء ما تيسر منها من نفس القرآن الكريم، ومن الأحاديث الصَّحيحة.
والمعنى: أنَّ له تسعةً وتسعين من الأسماء، وأسماؤه كثيرة، لكن منها هذا العدد: إنَّ لله تسعةً وتسعين اسمًا، مَن أحصاها دخل الجنة، فإذا أحصى الإنسانُ الأسماء الحسنى من القرآن العظيم ومن السُّنة يُرجى أن يحصل له هذا الخير، مع تدبّرها وتعقّلها والعمل بمعناها، ولكن الجزم بأنَّه أحصاها هو محلّ نظرٍ، ليس هناك جزمٌ، فقد يفوته شيء منها.
س: في بعض النُّسخ: إنَّ لله تسعًا؟
ج: تسعة.
س: تسعة واضحة، لكن "تسعًا" صحيح؟
ج: ما أعرف لها أصلًا، متى ذكرت ذكر تسعة وتسعين، ومتى أنث أنث العدد.
س: خطأ مطبعي؟
ج: نعم.
س: "المحسن" من أسماء الله الحُسنى؟
ج: وردت فيه بعض الأحاديث: "المحسن"، نعم.
س: "النَّاصر والعاطي" من أسماء الله؟
ج: "الناصر" ما ورد من الأسماء الحُسنى.
س: والعاطي؟
ج: والعاطي كذلك، جاء "المعطي": إنما أنا قاسمٌ، والله هو المعطِي.
س: التَّسمِّي بعبدالناصر؟
ج: ما يجوز التَّسمي بعبدالناصر؛ لأنَّه ليس من الأسماء.
س: وعبدالمحسن؟
ج: ورد فيه الحديث، "عبدالمحسن" لا بأس به.
س: الصَّبور؟
ج: الظاهر أنَّه ورد في بعض الرِّوايات: "الصبور".
المهم وجود النَّص، متى وُجِدَ النَّص دخل في الأسماء، لكن كونه مرادًا في التّسعة والتّسعين قد يكون مرادًا فيها، وقد يكون مرادًا غيره، "تسعة وتسعين" مُنكرة، قد يحفظها إنسانٌ من القرآن العظيم والسُّنة، ويكون المراد غيرها.
والمراد من هذا الحثُّ على تدبّر الأسماء، والرسول ﷺ أراد من هذا حثّ الناس على تدبّر الأسماء، والاستفادة منها، وتأمّل معانيها، والاستفادة من ذلك، والعمل بمُقتضى ذلك، يتدبّر أسماء الله حتى يستفيد: الرحمن، الرحيم، العزيز، الغفور، السَّميع، البصير، تدبّرها يُوجِب له الخشوع لله، والانكسار بين يديه، ودعاءه، وسؤاله بها -جلَّ وعلا-، إلى غير هذا من الفوائد التي تحصل له من تدبّرها وتعقّلها، يعني: أسماء الله -جلَّ وعلا-، أمَّا الجزم بأنَّها هي المحفوظة عنده، لا، قد يفوته بعضُها، قد يحفظ شيئًا ليس مُرادًا منها، ليس هو منها.
وهذا يدعو إلى العناية لعله يُوافقها، العناية لعله يحصل له هذا، نعم.
س: هذه الزيادة المدرجة ما أُخذت من الكتاب والسُّنة؟
ج: أخذها بعضُهم مما يظنّه من السُّنة، ولكن في أخذه لها نظر؛ لأنَّه قد يكون الحديثُ ضعيفًا ولا يُعوّل عليه.
س: قول بعضهم: يا فرد، يا صمد .....؟
ج: ما أذكر فيه شيئًا من الرِّوايات، أما الصّمد بنصِّ القرآن: اللَّهُ الصَّمَدُ [الإخلاص:2]، أمَّا الفرد فما أتذكر فيه من الأحاديث الصَّحيحة، والمعنى صحيحٌ؛ هو فردٌ -جلَّ وعلا-، لكن كونه ورد في حديثٍ صحيحٍ ما أتذكر شيئًا.
س: والدُّعاء بها؟
ج: ما في مانع.
س: أيش معنى: يحفظ الأسماء؟
ج: مَن أحصاها مَن حفظها، يعني: حفظها عن ظهر قلبٍ، واعتنى بمعناها، واستفاد من معناها.
س: قول الرسول لعائشة أو غير ذلك عن الصَّبي الأنصاري وهو مات .....؟
ج: هذا عند العلماء يعني: الشهادة لمعينٍ، وإلا فقد أجمع المسلمون على أنَّ أولاد المسلمين في الجنة، أولاد المسلمين تبع أهلهم في الجنة؛ لأنَّ الشَّهادة لمعينٍ: لا يشهد لمعينٍ إلا بالنصِّ.
س: ما جاء عن شيخ الإسلام -رحمه الله- الشّهادة لمعينين: كأحمد والأئمّة؟
ج: هذا قولٌ آخر، وهو الشّهادة لمن شهد له المسلمون: أنتم شُهداء الله في الأرض، كما في الحديث لما مرّ بجنازةٍ أثنوا عليها خيرًا، قال: وجبت لها الجنة، وأثنوا على الأخرى شرًّا، قال: وجبت لها النار، فلمَّا قيل له في ذلك قال: أنتم شُهداء الله في الأرض، فهذا أثنيتم عليه خيرًا فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرًّا فوجبت له النار.
فهذا جمعٌ من أهل العلم يقولون: إنها تثبت الخيرية والشّرية بشهادة الأخيار، شهادة الأخيار أنَّ هذا من الأخيار، أو هذا من الأشرار، أما المعروف عند أهل السُّنة في العقائد: أنَّه لا يُشهد لأحدٍ بالجنّة والنار إلا بالنصِّ: إما بالقرآن كأبي لهب، أو السُّنة الصَّحيحة الثابتة الدَّالة على أنَّ هذا من أهل النَّار.
س: .............؟
ج: لا، "المنتقم" ما أعلم فيه حديثًا صحيحًا، و"الرشيد" محل نظرٍ، يلتمس.
س: .............؟
ج: لا، ما يصلح، ما تشتقّ من الصِّفة الأسماء، ولكن تُشتقّ من الاسم صفة، من الأسماء تُشتق الصِّفات: "الرحمن" يدلّ على الرحمة، "العزيز" يدلّ على العزّة، "السَّميع" يدلّ على السمع، أمَّا أن يُشتقّ من "يرضى ويغضب" أنَّه يقال: "الغضبان، والراضي"، لا، ما تُؤخذ من الصِّفات أسماء، إنما تُؤخذ من الأسماء الصِّفات، أمَّا الصِّفات فلا يُؤخذ منها أسماء لله -جلَّ وعلا-.
س: المتكبّر؟
ج: هذا جاء بالنَّص.
س: المعنى؟
ج: المتنزّه، المتقدّس عن صفات غيره.
ثم ليعلم أنَّ الأسماء الحسنى غير مُنحصرة في تسعةٍ وتسعين، بدليل ما رواه الإمامُ أحمد في "مسنده" عن يزيد بن هارون، عن فُضيل بن مرزوق، عن أبي سلمة الجهني، عن القاسم، عن عبدالرحمن، عن أبيه، عن عبدالله بن مسعود ، عن رسول الله ﷺ أنَّه قال: ما أصاب أحدًا قطّ همٌّ ولا حزنٌ فقال: اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدلٌ فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسمٍ هو لك، سمّيتَ به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علّمته أحدًا من خلقك، أو استأثرتَ به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآنَ العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همِّي، إلا أذهب اللهُ حزنَه وهمَّه، وأبدل مكانه فرحًا، فقيل: يا رسول الله، أفلا نتعلَّمها؟ فقال: بلى، ينبغي لكل مَن سمعها أن يتعلّمها.
وقد أخرجه الإمام أبو حاتم ابن حبان البستي في "صحيحه" بمثله.
وذكر الفقيه الإمام أبو بكر ابن العربي -أحد أئمة المالكية- في كتابه "الأحوذي في شرح الترمذي": أنَّ بعضهم جمع من الكتاب والسُّنة من أسماء الله ألف اسمٍ، فالله أعلم.
الشيخ: حديث ابن مسعودٍ هذا فيه بعض النَّظر؛ لأنَّ القاسم، عن عبدالرحمن، عن أبيه، عبدالرحمن قيل: إنَّه لم يسمع من أبيه. فيحتاج إلى جمع أسانيده حديث ابن مسعودٍ، فلعلَّ أحد الإخوان يعتني بهذا: حديث ابن مسعودٍ؛ لأنَّ الإسناد هذا الذي ذكره المؤلف فيه عبدالرحمن، عن أبيه، وعبدالرحمن المعروف عند أهل العلم أنَّه لم يسمع من أبيه، مات أبوه وهو صغيرٌ.
مُداخلة: في تعليق على الحديث، يقول: الحديث أخرجه الإمامُ أحمد في "المسند"، والحاكم، وابن حبان، كلّهم من طريق أبي سلمة الجهني، قال الذَّهبي في "الميزان": لا يُعرف. قلتُ: لكن أبا سلمة هذا وإن لم يكن معروفًا عند الذَّهبي، فهو معروفٌ عند غيره، وقد نقل الألباني في "السلسلة" في تخريج هذا الحديث عن الشيخ أحمد شاكر احتمال أن يكون هو موسى بن عبدالله، أو ابن عبد، عن القاسم بن عبدالرحمن. حديثًا آخر: ابن عبد الجهني يكنى: أبا سلمة، فإنَّه من هذه الطَّبقة، وجزم الألباني بأنَّه هو، استدلّ على ذلك بأنَّ موسى هذا روى عن القاسم بن عبدالرحمن حديثًا آخر ذكره الألباني قبل الكلام على هذا الحديث، والذي يبدو أنَّ الذَّهبي لم يعرفه بسبب ذكره بكُنيته، كما يقع ذلك كثيرًا، وأظنّه فرّق بينهما، والله أعلم.
وأمَّا القاسم، عن أبيه، فقد أثبت سماعه منه جماعةٌ من العلماء، ومَن أثبت مُقدّم على مَن نفى، راجع "السلسلة الصَّحيحة".
الشيخ: مَن هذا؟
الطالب: هذا الشيخ مُقبل.
الشيخ: يتأمل، لا بدَّ أن يجمع الطرق.
وقال العوفي: عن ابن عباسٍ في قوله تعالى: وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ قال: إلحاد الملحدين أن دعوا اللَّات في أسماء الله.
وقال ابنُ جُريج: عن مجاهد: وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ قال: اشتقّوا اللَّات من الله، والعُزَّى من العزيز.
وقال قتادة: يُلْحِدُونَ يُشركون في أسمائه.
وقال علي ابن أبي طلحة: عن ابن عباسٍ: الإلحاد: التَّكذيب، وأصل الإلحاد في كلام العرب: العدول عن القصد، والميل، والجور، والانحراف، ومنه اللَّحد في القبر؛ لانحرافه إلى جهة القبلة عن سمت الحفر.
الشيخ: المقصود بالإلحاد هو الميل عن الحقِّ، يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ يعني: يميلون عن الحقِّ تارةً بالتَّكذيب، وتارةً بالشرك، وتارةً باشتقاق أسماء لله لا أساسَ لها، كتسمية اللَّات من الإله، والعُزَّى من العزيز، فالإلحاد هو الميل عن الحقِّ، ومن هذا قوله -جلَّ وعلا- في مكّة: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ [الحج:25] يعني: يميل عن الحقِّ بشيءٍ من المعاصي، فالملحد: المائل عن الحقِّ، والميل قد يكون كفرًا، وقد يكون معصيةً.
س: كيف يجمع بين إنكار الرسول ﷺ على عائشة، وبين شُهداء الله في أرضه؟
ج: هذا ما فيه مُنافاة؛ عائشة قالت: "عصفورٌ من عصافير الجنة"، شهدت له وهي ما تدري، مات وما له عمل، وهؤلاء شهدوا على أعماله، أعمال الخير، شهدوا له بأعمال الخير، فصار من أهل الجنة: أنتم شُهداء الله في الأرض، فهذا عصفورٌ، ما يُدرى أيش عمله؟ .....، وقد دلّت السنة على أنَّ الأطفال تبع أهلهم: ما من مولودٍ إلا يُولد على الفطرة، فأبواه يُهوّدانه، أو يُنصّرانه.
فالصحيح عند أهل العلم -وهو إجماع أهل السُّنة- أنَّ أولاد المسلمين تبعٌ لأهلهم، إذا كان والداه مسلمين فهو تبعٌ لهما، وهكذا لو كان أحدُهما فهو تابعٌ له، لكن أنكر النبيُّ الشَّهادة على التَّعيين، وأمَّا في الجملة فقد أجمع المسلمون على أنَّ أولاد المسلمين تبعهم.
س: وأولاد الكفَّار؟
ج: أولاد الكفَّار في أحكام الدنيا تبع أهلهم، أمَّا في أحكام الآخرة فالصَّواب أنَّهم من أهل الجنة؛ لأنَّهم وُلدوا على الفطرة.
س: ابنٌ مجنونٌ، أبواه مسلمان؟
ج: الأقرب -والله أعلم- أنَّه تبع أبويه، ما دام جُنَّ قبل البلوغ فهو تبع أبويه، كالفرط.
س: قوله: يا حنّان، يا منّان؟
ج: "منّان" ثبت في الحديث، أمَّا "حنان" فما أعرف فيه حديثًا ثابتًا، أمَّا "منّان" فقد ثبت أنَّه من أسماء الله.