تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ..} (1)

حديثٌ آخر: قال ابنُ جرير: حدَّثنا عبدالرحمن بن الوليد: حدَّثنا أحمد ابن أبي طيبة.

الشيخ: انظر "التقريب".

الطالب: أحمد ابن أبي طيبة، عيسى بن سليمان بن دينار، الدَّارمي، أبو محمد، الجرجاني، صدوق، له أفراد، من العاشرة، مات سنة ثلاثٍ ومئتين. (س).

"الخلاصة": أحمد ابن أبي ظبية -بمعجمة ثم مُوحّدة ثم تحتانية- عيسى بن سليمان، الدارمي، أبو محمد، الجرجاني، الزاهد، قاضي قومس، عن أبيه وحمزة الزيات ويونس ابن أبي إسحاق، وعنه الحسين بن عيسى الدَّامغاني وغيره، قال أبو حاتم: يُكتب حديثُه. قال البخاري: مات سنة ثلاثٍ ومئتين.

طالب آخر: في حاشيةٍ على "التقريب" يقول: كتب المصنف -رحمه الله- على الحاشية: "طاء، ياء، باء"؛ لئلا يظنّ أنَّه: أنا ظبية.

الشيخ: حطّ: نسخة.

عن سفيان بن سعيد، عن الأجلح، عن الضّحاك، عن منصور، عن مجاهد، عن عبدالله بن عمرو قال: قال رسول الله ﷺ: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [الأعراف:172]، قال: أخذ من ظهره كما يُؤخذ بالمشط من الرأس، فقال لهم: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ [الأعراف:172].

أحمد ابن أبي طيبة هذا هو أبو محمد الجرجاني، قاضي قومس، كان أحد الزُّهاد، أخرج له النَّسائي في "سننه"، وقال أبو حاتم الرازي: يُكتب حديثه. وقال ابنُ عدي: حدّث بأحاديث كثيرةٍ غرائب. وقد روى هذا الحديث عبدُالرحمن بن حمزة بن مهدي، عن سفيان الثوري، عن منصور، عن مجاهد، عن عبدالله بن عمرو قوله.

الشيخ: "قوله" يعني: من قوله، منقول يعني، منصوب بنزع الخافض.

وكذا رواه ابنُ جرير عن منصور، به، وهذا أصحّ، والله أعلم.

الشيخ: الأول فيه الأجدح، والأجدح يضعف، انظر "التقريب"، ذكر عبدالرحمن بن حمزة في "التقريب"، أو "الخلاصة": عبدالرحمن بن حمزة بن مهدي في "التقريب" أو "الخلاصة".

.........

الشيخ: حطّ نسخة: عبدالرحمن بن مهدي، بدل: عبدالرحمن بن حمزة، عبدالرحمن بن مهدي، وهو الأشبه -والله أعلم-: ابن حمزة، ما أتذكر عبدالرحمن بن حمزة، و"التقريب" ما فيه شيء؟

الطالب: ما فيه، لا، عبدالرحمن بن حمزة بن مهدي؟

الشيخ: الظاهر أنَّ "حمزة" مُقحمة: عبدالرحمن بن مهدي، نعم، حطّ: نسخة.

حديثٌ آخر: قال الإمامُ أحمد: حدَّثنا روح -هو ابن عبادة-: حدَّثنا مالك. وحدَّثنا إسحاق: حدَّثنا مالك، عن زيد ابن أبي أنيسة: أنَّ عبدالحميد بن عبدالرحمن بن زيد بن الخطاب أخبره عن مسلم بن يسار الجهني: أنَّ عمر بن الخطاب سُئل عن هذه الآية: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى الآية، فقال عمر بن الخطاب: سمعتُ رسول الله ﷺ سُئِلَ عنها، فقال: إنَّ الله خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه، فاستخرج منه ذُريةً، قال: خلقتُ هؤلاء للجنّة، وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذُريةً، قال: خلقتُ هؤلاء للنار، وبعمل أهل النار يعملون، فقال رجلٌ: يا رسول الله، ففيمَ العمل؟ قال رسولُ الله ﷺ: إذا خلق اللهُ العبدَ للجنّة استعمله بأعمال أهل الجنّة حتى يموت على عملٍ من أعمال أهل الجنّة؛ فيُدخله به الجنّة، وإذا خلق العبدَ للنار استعمله بأعمال أهل النار حتى يموت على عملٍ من أعمال أهل النار؛ فيُدخله به النار.

وهكذا رواه أبو داود عن القعنبي، والنَّسائي عن قُتيبة، والترمذي في تفسيرهما عن إسحاق بن موسى، عن معن، وابن أبي حاتم عن يونس بن عبدالأعلى، عن ابن وهب، وابن جرير عن روح بن عبادة، وسعد بن عبدالحميد بن جعفر. وأخرجه ابنُ حبان في "صحيحه" من رواية أبي مصعب الزبيري، كلّهم عن الإمام مالك بن أنس، به.

قال الترمذي: وهذا حديثٌ حسنٌ، ومسلم بن يسار لم يسمع عمر. كذا قاله أبو حاتم وأبو زُرعة، زاد أبو حاتم: وبينهما نعيم بن ربيعة. وهذا الذي قاله أبو حاتم رواه أبو داود في "سننه" عن محمد بن مصفى، عن بقية، عن عمر بن جعثم القرشي، عن زيد ابن أبي أنيسة، عن عبدالحميد بن عبدالرحمن بن زيد بن الخطاب، عن مسلم بن يسار الجهني، عن نعيم بن ربيعة قال: كنتُ عند عمر بن الخطاب وقد سُئل عن هذه الآية: وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذُرياتهم فذكره.

الشيخ: قراءة، نعم.

وقال الحافظُ الدَّارقطني: وقد تابع عمر بن جعثم يزيد بن سنان، أبو فروة، الرهاوي.

الطالب: ذكر في الحاشية قال: في المخطوطة: جعثم بن زيد بن سنان، وينظر "التهذيب"، يعني: عدله من طريق "التهذيب".

الشيخ: انظر عمر بن جعثم.

الطالب: عمر بن جعثم -بضم الجيم وسكون المهملة وضمّ المثلثة- الحمصي، مقبول، من السابعة. (د، س).

الشيخ: انظر ابن جعشم في "الخلاصة".

الطالب: هذا يزيد بن سنان: يزيد بن سنان بن يزيد، التَّميمي، [الجزري]، أبو فروة، الرهاوي، ضعيف، من كبار السابعة، مات سنة خمسٍ وخمسين وله ستٌّ وسبعون. (ت، ق).

الشيخ: عمر بن جعثم.

الطالب: عمر بن جعثم -بضم أوله والمثلثة بينهما مُهملة- الحمصي، عن خالد بن معدان، وعنه إسماعيل بن عيّاش.

الشيخ: عن يزيد، طيب.

وقد تابع عمر بن جعثم  يزيد بن سنان، أبو فروة، الرّهاوي، وقولهما أولى بالصواب من قول مالك، والله أعلم.

قلتُ: الظَّاهر أنَّ الإمام مالكًا إنما أسقط ذكر نعيم بن ربيعة عمدًا لما جهل حال نعيم بن ربيعة ولم يعرفه، فإنَّه غير معروفٍ إلا في هذا الحديث؛ ولذلك يُسقط ذكر جماعةٍ ممن لا يرتضيهم؛ ولهذا يُرسل كثيرًا من المرفوعات، ويقطع كثيرًا من الموصولات، والله أعلم.

س: ...........؟

ج: محل نظرٍ، محتمل، يمكن أن يُقال أنَّه من باب الاجتهاد؛ لينظر طالب العلم ويتتبع السَّند؛ لأنَّه ما فيه تصريح بالسّماع، إنما هو بالعنعنة، ولا يلزم السّماع، محتمل، ذكر الرِّواية على ما هي عليه أولى، وإن كان في صحّة ما قاله الحافظ نظر، محلّ نظر هذا؛ كون مالك يتعمّد هذا الشيء فيه نظر.

س: ...........؟

ج: هذا موجودٌ في المراسيل، المراسيل والمقطوعات كثيرة، لكن كونه يتعمّدها محل نظرٍ، قد يكون هذا من نفس شيخه، ما هو منه.

س: تحسين الترمذي لحديث عمر للمُتابعات، أو لأخذ السَّند الذي عن طريق .....؟

ج: لعله بالمتابعة، نعم.

س: حديث عمر صحيح؟

ج: معناه صحيح، وإلا فهناك أحاديث غيره، وهو مُنقطع؛ لأنَّ مسلم لم يسمع من عمر، لكن الأحاديث كثيرة في "الصحيحين": أنَّه يُؤتى بالعبد يوم القيامة، فيقول له الربُّ -جلَّ وعلا-: لو كان لك مثل الأرض هل تفتدي به من عذاب الله؟ قال: نعم. قال: قد أردتُ منك ما هو أقلّ من ذلك وأنت في ظهر أبيك: ألا تُشرك بي، فأبيتَ إلا الشّرك، هذا في "الصحيحين"، هذا يدلّ على أنَّه أخذ عليه في ظهر أبيه، والله المستعان.

حديثٌ آخر: قال الترمذي عند تفسيره هذه الآية: حدَّثنا عبد بن حميد: حدَّثنا أبو نُعيم: حدَّثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله ﷺ: لما خلق اللهُ آدم مسح ظهره، فسقط من ظهره كلُّ نسمةٍ هو خالقها من ذُريته إلى يوم القيامة، وجعل بين عيني كل إنسانٍ منهم وَبِيصًا من نورٍ، ثم عرضهم على آدم، فقال: أي ربّ، مَن هؤلاء؟ قال: هؤلاء ذُريتك، فرأى رجلًا منهم فأعجبه وبيصُ ما بين عينيه، قال: أي ربّ، مَن هذا؟ قال: هذا رجلٌ من آخر الأمم من ذُريتك يُقال له: داود. قال: ربّ، وكم جعلت عمره؟ قال: ستين سنةً. قال: أي ربّ، وقد وهبتُ له من عمري أربعين سنةً. فلمَّا انقضى عمرُ آدم جاءه ملكُ الموت، قال: أولم يبقَ من عمري أربعون سنةً؟ قال: أولم تُعطها ابنك داود؟ قال: فجحد آدمُ فجحدت ذُريته، ونسي آدمُ فنسيت ذُريته، وخطئ آدمُ فخطئت ذُريته.

الشيخ: هذا سندٌ جيدٌ؛ لأنَّ هشام بن سعد، عن زيد ثقة، لا بأس به، وشاهد هذا قوله -جلَّ وعلا-: وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا [طه:115]، وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ۝ ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى [طه:121-122].

ثم قال الترمذي: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، وقد رُوِيَ من غير وجهٍ عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ.

ورواه الحاكم في "مُستدركه" من حديث أبي نعيم الفضل بن دكين، به، وقال: صحيحٌ على شرط مسلمٍ ولم يُخرجاه.

ورواه ابنُ أبي حاتم في "تفسيره" من حديث عبدالرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه: أنَّه حدَّث عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة ، عن رسول الله ﷺ فذكر نحو ما تقدّم، إلى أن قال: ثم عرضهم على آدم، فقال: يا آدم، هؤلاء ذُريتك، وإذا فيهم الأجذم، والأبرص، والأعمى، وأنواع الأسقام، فقال آدم: يا ربّ، لم فعلتَ هذا بذُريتي؟ قال: كي تشكر نعمتي.

الشيخ: يعني: مَن رُزق السَّلامة شكر نعمةَ الله عليه أنَّه سلم، ومَن ابتُلي فعليه الصَّبر، والحديث ضعيفٌ؛ لأنَّ عبدالرحمن بن زيد بن أسلم ليس بشيءٍ في الرِّواية.

ولكن المعنى صحيح، إنَّ ربَّك حكيم، عليم، خلق عباده مُتفاوتين؛ فيهم الأسود والأبيض، وتامّ الخلقة، وناقص الخلقة، والأعمى، والأكمه، والأبرص، وغير ذلك؛ ليحمد ويشكر، وليعرف العبدُ أنَّ الله سبحانه اختار له هذا الخير، ورزقه هذه النِّعمة، فليشكر ربَّه، وليصبر المبتلى، ويعلم أنَّ ربَّه -جلَّ وعلا- حكيم، عليم، وأنَّه متى صبر فله الأجر العظيم والخير الكثير، كما قال -جلَّ وعلا-: وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46]، وقال تعالى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ [إبراهيم:7]، وقال: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10].

وقال النبي ﷺ: عجبًا لأمر المؤمن، إنَّ أمره كلَّه له خير، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابته سرَّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيرًا له، وليس ذلك إلا للمؤمن رواه مسلم في "الصحيح" عن صهيب ، لكن السَّند من رواية عبدالرحمن بن زيد ضعيف.

س: مَن رأى مُبتلًى فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به غيري؟

ج: ما أعرف حاله.

س: كل الأمم عُرضت على آدم؟

ج: الله أعلم، السَّند هذا ضعيفٌ، وقد يكون مثلما عُرضت الأمم على محمدٍ ﷺ، لكن هذا يحتاج إلى حديثٍ صحيحٍ.

.........

س: في حديث سمرة في "الصحيحين" في الإسراء: أنَّ رجلًا إذا نظر عن يمينه .....؟

ج: الأسودة، هذا ثابتٌ في الإسراء: عن يمينه أسودة، وعن يساره أسودة، فإذا نظر عن يمينه ضحك، وإذا نظر عن يساره بكى، فسأل النبي ﷺ عن ذلك، فقال: الأسودة التي عن يمينه نسم بنيه المؤمنين، والأخرى  نسم بنيه الكافرين. نسأل الله العافية، أرواحهم.

وقال آدم: يا ربّ، مَن هؤلاء الذين أراهم أظهر الناس نورًا؟ قال: هؤلاء الأنبياء يا آدم من ذُريتك، ثم ذكر قصّة داود كنحو ما تقدّم.

س: في سورة الكهف في قصّة الخضر أنَّه وجد غلامًا فقتله، ما يشهد أنَّ الصِّغار الذين يكونون كُفَّارًا في النَّار؟

ج: هذا شيء خاصّ ..... بالكفر، هذا شيء خاصّ، أولاد المسلمين في الجنة بإجماع المسلمين، وأولاد الكفَّار على الصَّحيح في الجنَّة أيضًا؛ لأنَّهم لم يُكلَّفوا.

س: الحجّة هل تقوم بالميثاق الأول؟

ج: الحجّة تقوم بالأخير إذا وُلِدَ وما بلغ التَّكليف.

س: حديث أنس الذي مرَّ معنا .....؟

ج: يعني: بعدما يُكلّف، يعني: في الدنيا، نعم.

...........

ينبغي لطالب العلم أن يفهم أنَّ العُمدة على الأصول والقواعد، ما هو على الأحاديث الضَّعيفة والمختلفة، إذا اختلفت الرِّوايات فالعُمدة على الأصول والقواعد، فالله -جلَّ وعلا- رفع الأحكامَ عن المكلَّف حتى يُكلَّف، رفع القلمَ عن ثلاثةٍ: المجنون، والصَّغير حتى يبلغ. وهذا محلّ إجماعٍ، ومَن لم يبلغ ما عليه تكليف، إنما الخلاف في أولاد المشركين، والصَّحيح أنَّهم إمَّا يُمتحنون يوم القيامة، وهو قولٌ قويٌّ، والصَّواب والأصح منه أنَّهم من أهل الجنة؛ لأنَّ الرسول قال: ما من مولودٍ يُولد إلا على الفطرة، وقال: يقول الله: إني خلقتُ عبادي حُنفاء، فاجتالتهم الشَّياطين عن دينهم، فالاجتهاد بعد البلوغ، أمَّا قبل البلوغ ما عليه عملٌ، غير مُكلَّفٍ.