تفسير قوله تعالى: {وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ..}

وقوله: وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ [النساء:119]، قال قتادة والسّدي وغيرهما: يعني: تشقيقها وجعلها سمة وعلامة للبحيرة والسَّائبة والوصيلة.

وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ [النساء:119]، قال ابن عباس: يعني بذلك خصي الدّواب. وقد رُوي عن ابن عمر وأنس وسعيد بن المسيب وعكرمة وأبي عياض وقتادة وأبي صالح والثوري، وقد ورد في حديث النَّهي عن ذلك.

وقال الحسن ابن أبي الحسن البصري: يعني بذلك الوشم.

وفي "صحيح مسلم" النهي عن الوشم في الوجه، وفي لفظ: لعن الله مَن فعل ذلك.

وفي الصحيح عن ابن مسعودٍ أنه قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنَّامصات والمتنمّصات، والمتفلّجات للحُسن، المغيّرات خلق الله . ثم قال: ألا ألعن مَن لعن رسول الله ﷺ وهو في كتاب الله ؟ يعني قوله: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7].

وقال ابن عباسٍ -في روايةٍ عنه- ومجاهد وعكرمة وإبراهيم النَّخعي والحسن وقتادة والحكم والسّدي والضّحاك وعطاء الخراساني في قوله: وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ يعني: دين الله ، هذا كقوله: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ [الروم:30] على قول مَن جعل ذلك أمرًا، أي: لا تُبدّلوا فطرةَ الله، ودعوا الناس على فطرتهم.

كما ثبت في "الصحيحين" عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: كل مولودٍ يُولد على الفطرة، فأبواه يُهودانه، أو يُنصّرانه، أو يُمجّسانه، كما تُولد البهيمة بهيمة جمعاء، هل تجدون بها من جدعاء؟.

وفي "صحيح مسلم" عن عياض بن حمار قال: قال رسولُ الله ﷺ: قال الله : إني خلقتُ عبادي حُنفاء، فجاءتهم الشَّياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرّمت عليهم ما أحللتُ لهم.

الشيخ: والآية عامّة، تعمّ خلق الله من جهة الخلقة، وخلق الله من جهة الدِّين، فلا يجوز لأحدٍ أن يُغير خلق الله بالدَّعوة إلى الشرك والمعاصي، ولا يجوز أيضًا تغيير خلق الله بالتّجديع -تجديع الآذان- أو النَّمص، أو التَّفليج للحُسن، أو الوشم؛ لأنَّ هذا من تغيير خلق الله، والعبث بمحارمه .....، وقد نص النبي ﷺ على هذا: لعن الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات.

والنَّمص: أخذ الحواجب؛ حواجب العيون.

والوشم: غرز الجسد بالإبر ونحوها حتى يخرج الدَّم، ثم يُوضع عليه شيء من أصباغ -كحل أو غيره-، هذا يُسمّونه: الوشم.

والمتفلّجات للحُسن: التي تحك الأسنان بالتَّفليج للحُسن، لا لمرضٍ، أمَّا إذا كان لمرض الأسنان وعِلّة في الأسنان أو غير الحسن فلا بأس؛ كطولها، أو غير ذلك مما يضرّ المرأة ويضرّ الرجل و..... التقطيع.

فالحاصل أنَّ الآية عامّة، تعمّ هذا وهذا، تعمّ تغيير الدِّين، ولا يجوز تغيير الدين بالدّعوة إلى المعاصي والبدع والشِّرك، ولا تغيير خلق الله بتقطيع الآذان، أو الوشم، أو التَّفليج للحُسن.

أما الخصاء للمصلحة فمحلّ نظرٍ، لم يزل العربُ يُخصون البهائم للمصلحة؛ لأنَّ خصيها يكون أجمل لها، وأنفع لها، وأكثر للحمها، ويكون للضّراب شيء، ويخصون شيئًا، فقد ضحَّى النبي ﷺ بغنمٍ مخصيَّةٍ موجوءةٍ، هذا محل نظرٍ لأنَّه للمصلحة، وشيء يعود على .....

س: يعني ..... إلا لحاجةٍ؟

ج: المصلحة، إذا رأى المصلحة يجعل شيئًا للضّراب، وشيئًا يُخصى؛ لينمو ويسمن ويحسن لحمه.

س: أمَّا لغير مصلحةٍ فلا يجوز؟

ج: نعم، من العبث.

س: والسّمة؟

ج: الوسم لا بأس، لكن ليس في الوجه، الوسم في الأذن، أو في الفخذ، أو في العضد، الرسول نهى عن الوسم في الوجه، أو الضّرب في الوجه، لا تضرب البهيمة في وجهها، ولا المرأة في وجهها، ولا الحدود في الوجه، الوجه لا يجوز، لا في الحدود، ولا في غيرها، هكذا الوسم في الوجه لا يجوز، والأذن من الرأس، ما هي من الوجه، الوسم فيها من الوسم في الرأس، وهكذا العضد، وهكذا الفخذ، نعم، لا بأس.

س: عملية التَّجميل من تغيير خلق الله؟

ج: يختلف التَّجميل؛ إذا كان وشمًا يُزال، إذا كان بقعةً سوداء زالت .....، أو أصبع زائدة لا بأس، نعم.

س: إذا كانت حواجب المرأة مقرونة، وهي عريضة جدًّا؟

ج: ظاهر النَّص أنها لا تتعرض لها، النَّمص هو تحسين الحواجب، نتف شيءٍ منها بالمنقاش وغيره.

س: قصّ الحواجب؟

ج: أقبح، إذا حرّم النتف اليسير فالقصّ أقبح.

س: قصّة حديث النَّهي عن الخصاء؟

ج: هذا إذا ثبت وجب الأخذُ به، لكني شاكٌّ في ثبوته، أحدكم يجمع طرقَه الاثنين الآتي، أو الأحد، حديث النّهي عن الخصاء وكلام أهل العلم فيه.

س: الخصيّ في الغالب يصير أكثر شحمًا ولحمًا من غيره؟

ج: نعم، نعم، معروف.

ثم قال تعالى: وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا [النساء:119] أي: فقد خسر الدنيا والآخرة، وتلك خسارة لا جبرَ لها، ولا استدراك لفائتها.

وقوله تعالى: يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا [النساء:120]، وهذا إخبارٌ عن الواقع، فإنَّ الشيطان يعد أولياءه ويُمنّيهم بأنَّهم هم الفائزون في الدنيا والآخرة، وقد كذب وافترى في ذلك.

الشيخ: كما فعل مع قريش، ومع الشيوعيين، ومع غيرهم، يعدهم ويُمنيهم، يعدهم الباطل، ويُمنيهم الباطل والمحال، والعقول الفاسدة الخالية من العلم تُصدّق بالأماني والوعود الكاذبة، ويسرّها الوعد الكاذب، يعني: يُغريها بالباطل، وأكثر الخلق هكذا؛ أكثر الخلق ليس عندهم حصانة من العلم، ليس عندهم بصيرة؛ ولهذا يتقبّلون من الشياطين الوعد والأماني، كما قال -جلَّ وعلا-: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [سبأ:20]، وقال تعالى عن إبليس: وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ [الأعراف:17] قاله عن ظنٍّ، فصدق عليهم ظنّه، اتَّبعوه لجهلهم وضلالهم: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103]، إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ [النجم:23] كما جرى لهم يوم بدر، وكما جرى لهم يوم الأحزاب، ولكن الله خيّب ظنّهم، وخيّب أعمالهم، وأبطل كيدهم ونصر المؤمنين، وابتلاهم يوم أحد ليعلموا أنَّ النصر بيد الله؛ وليخضعوا لله، وليعظّموه، وليُنيبوا إليه، وليقفوا عند حدوده، يعلمون أنَّه الناصر، بيده النصر، بيده الضّر والنَّفع، بيده العطاء والمنع.

فالمؤمن يتّقيه ويخافه، ويقف عند حدوده، والكافر إذا أراد الله له الهداية اهتدى ورجع إلى الصواب، وتاب من الباطل، لكن أكثر الخلق يتابع ظنّه الفاسد وهواه، وما يُزينه دُعاة الباطل، ويضيع عقله، ولا يلتفت إليه، وهكذا: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر:6]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [لقمان:33]، وهكذا مشى معهم يوم بدر: وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ [الأنفال:48]، نسأل الله العافية.

ولهذا قال الله تعالى: وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا [النساء:120]، كما قال تعالى مُخبرًا عن إبليس يوم المعاد: وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إلى قوله: إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [إبراهيم:22].

وقوله: أُولَئِكَ أي: المستحسنون له فيما وعدهم ومنَّاهم مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ أي: مصيرهم ومآلهم يوم القيامة، وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا [النساء:121] أي: ليس لهم عنها مندوحة، ولا مصرف، ولا خلاص، ولا مناص.

ثم ذكر تعالى حال السُّعداء الأتقياء وما لهم في مآلهم من الكرامة التَّامة، فقال تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أي: صدقت قلوبهم، وعملت جوارحهم بما أُمروا به من الخيرات، وتركوا ما نهوا عنه من المنكرات: سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أي: يصرفونها حيث شاءوا، وأين شاءوا: خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا أي: بلا زوالٍ، ولا انتقالٍ، وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا أي: هذا وعدٌ من الله، ووعد الله معلومٌ حقيقةً أنَّه واقعٌ لا محالة؛ ولهذا أكّده بالمصدر الدال على تحقيق الخبر، وهو قوله: حَقًّا، ثم قال تعالى: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا [النساء:122] أي: لا أحدَ أصدق منه قولًا، أي: خبرًا، لا إله إلا هو، ولا ربّ سواه.

الشيخ: وهذا فيه تحريض المؤمنين على الاستقامة والعمل الصالح، وأنَّ مأواهم الجنة والكرامة والسَّعادة، وعدٌ من الله، وهو لا أصدقَ منه: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا، وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا.

فالواجب على أهل الإيمان أن يتحققوا ذلك، وأن يُحققوه بالقول والعمل، وهو وعد صادق من ملكٍ عظيمٍ قادرٍ، لا أحدَ أصدق منه، فمتى حققوا ما طلب منهم حقق لهم ما وعدوا به، الجزاء من جنس العمل: إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ [الإسراء:7].

فالواجب على المكلّف أن يصدق الله في عمله، وأن يتّقي الله في عمله؛ إيمانًا وعملًا، إيمانًا بالقلوب، وإيمانًا بالألسن، وإيمانًا بالعمل، فيُؤدِّي حقَّ الله، ويبتعد عن محارم الله، ويقف عند حدود الله، يرجو ثواب الله، ويخشى عقاب الله، فهو في إخلاصه قد جاهد نفسه في إخلاص العمل لله، وحارب الوساوس من خطرات الشيطان في جميع أعماله: من صلاةٍ، وصوم، وزكاة، وصدقات، وجهاد، ودعوة إلى الله، وأمرٍ بالمعروف، ونهي عن المنكر، ويُجاهد حتى تكون أعماله لله خالصةً، صادق في ذلك، ثم عمل.

كذلك يُجاهد نفسه في أداء العمل الواجب، ولا يتساهل، فهو يُسابق إلى الصلاة، يُحافظ عليها في أوقاتها في الجماعة، في جميع الأوقات يُسابق إليها؛ لأنَّ هذه علامة صدق الإيمان، فالعمل يصدق ما في القلوب، وهو مع المسارعين؛ ولهذا قال -جلَّ وعلا-: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ۝ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ [المؤمنون:60-61]، ويقول سبحانه: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا [المائدة:48]، ويقول: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ [الحديد:21]، ويقول:وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [آل عمران:133].

هكذا المؤمن يُحقق ما في قلبه بالعمل الظَّاهر الذي يلمسه الناس، ويراه الناس، ويُقتدى به فيه، فهو مع المسارعين إلى الخيرات، ومع الحذرين من السّيئات، فتجده مُسارعًا للصلاة، مُحافظًا عليها، خاشعًا فيها، يُؤدّيها كما أمر الله؛ يُصلِّي كما صلَّى رسول الله ﷺ: صلُّوا كما رأيتُموني أُصلِّي، يتفقّه في ذلك كما قال ﷺ: مَن يُرد الله به خيرًا يُفقهه في الدِّين، فيُصليها كما أمر الله: بالخشوع والإقبال عليها، والطُّمأنينة فيها، وأدائها كما شرع الله في قراءته، وفي ركوعه، وفي سجوده، واعتداله بعد الركوع، وجلوسه بين السّجدتين عن طمأنينةٍ وإخلاصٍ، وهكذا في تحري الأعمال: رفع اليدين عند الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه، وعند القيام للتّشهد الأول، ووضع يديه على صدره خاشعًا لله، ووضع اليدين في الأرض عند سجوده، حذاء منكبيه، أو حذاء أذنيه، ووضعهما على فخذيه إذا جلس، وهكذا إشارته بالسّبابة وعقد الأصابع إذا جلس للتّشهد الأول والأخير، فهو يُلاحظ جميع هيئة الصلاة.

وهكذا في زكاته يُلاحظ بدقّة ويعتني حتى يُبرئ ذمّته، وهكذا في صومه: يصوم عن محارم الله، إذا صام صامت جوارحه عن محارم الله، وهكذا في حجّه يصوم عن الرَّفث والفسوق، وهكذا في جهاده، وأمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر، والدَّعوة إلى الله يصونها عن الرياء والسّمعة، وتكون بإخلاصٍ، يريد وجه الله والدار الآخرة، وهكذا في برِّه والديه، والعناية بوالديه، وصلة رحمه، وإكرام جاره، وإكرام جليسه، والعناية بالدعوة والتعليم أينما كان عن إخلاصٍ وصدقٍ؛ ولهذا قال: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، الصَّالحات تشمل جميع الأعمال والأقوال.

وفي سورة العصر قال: وَالْعَصْرِ ۝ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ۝ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3] نبّه على التواصي؛ لأنه داخلٌ في الإيمان، داخلٌ في العمل، لكن نبّه عليه لعظم شأنه.

وهكذا الصبر؛ لأنه أمرٌ لا بد منه، كيف تُؤدّى الأعمال إلا بالله ثم بالصبر؟ والتواصي وسيلة لذلك: التواصي بين الإخوان، بين الجيران، بين الأقارب، يتواصون بالصلاة والزكاة، وبإكرام الجار، وببرّ الوالدين، وصلة الرحم، والدعوة إلى الله، والمسابقة إلى الصلاة، والمسارعة إلى الخيرات، تواصٍ، تناصح.

ويقول سبحانه: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2] هذا شأن المؤمنين أينما كانوا: في مجالسهم، في أسفارهم، في مراكبهم، في طيارة، أو سيارة، أو باخرة، أو غير ذلك، في أسفارهم، وفي إقامتهم، وفي اجتماعهم لأي مناسبةٍ، كل يتفقد أحوال إخوانه، ويحرص أن يبذل المعروف، وأن ينهى عن كلِّ ما يُخالف أمر الله، يريد وجه الله، لا رياء، ولا سمعة، يريد وجه الله والدار الآخرة، يعلم الله من قلبه أنَّه مُخلصٌ لله، ليس قصده مدح الناس، ولا رياء الناس، ولا طمعًا بما عند الناس، وإنما يعمل يريد وجه الله والدار الآخرة، يريد أن ينفع إخوانه، ويُبرئ ذمّته أينما كان، نعم.

وكان رسولُ الله ﷺ يقول في خُطبته: إنَّ أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ ﷺ، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكلَّ مُحدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النَّار.

الشيخ: هذا رواه مسلم في "الصحيح" عن جابرٍ، قال: كان يقول في خُطبته: أمَّا بعد، فإنَّ خير الحديث كتاب الله -وفي روايةٍ: خير الكلام كلام الله- وخير الهدي هدي محمدٍ ﷺ، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، خرّجه مسلم في "الصحيح" في خطبه -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنَّ هذا يثبت القلوب، وفي مجامع الناس.

زاد النسائي: وكل ضلالةٍ في النار بإسنادٍ حسنٍ، الزيادة من النسائي -رحمه الله-.

وفي حديث العرباض: إياكم ومُحدثات الأمور، فإنَّ كل محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وفي حديث عائشة: مَن عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ، والمقصود اتِّباع الشَّريعة، وتعظيمها، والاستقامة عليها، والحذر مما يُخالفها من أقوالٍ وأعمالٍ.

س: يُكررها -عليه الصلاة والسلام- في كل خطبةٍ؟

ج: هكذا جاء عن جابرٍ: كان يقول في خطبته: أمَّا بعد، فإنَّ خير الحديث كلام الله.

س: هذا في الخطبة الثانية؟

ج: ما فصل، في خطبه -عليه الصلاة والسلام-، ما فصل جابر: هذه أم هذه.

س: .............؟

ج: خطب الحاجة كذلك، طيب، حديث ابن مسعود، نعم.

س: إذا كانت أسنانُ المرأة كبيرة أو طويلة، فأرادت أن تقصرها؛ تجمّلًا للزوج؟

ج: هذا لا يُسمّى: تفليجًا، إذا كان لها طول زائد، أو شواذ، هذا من باب العلاج، التَّفليج: تحكيكها للحُسن وهي على حالها.

س: بعضهم يشدّ الجلد المتجعد للجمال؟

ج: الظاهر أنَّه يجوز، هذا من العلاج، إذا صار الجلدُ يُخالف العادة من العلاج: عباد الله، تداووا، ولا تداووا بحرامٍ ..... قبيح الخلقة: فيه بثور، فيه وشم، يُزيل إذا تيسر له ذلك، لا بأس.

س: المرأة التي تقصّ رأسها وتُصلح رأسها، هل هو من تغيير خلق الله؟

ج: هذا فيه تفصيلٌ؛ إذا كان فيه طولٌ تأخذ منه لا بأس، تخفيفٌ منه لا بأس، أما جعل ..... ما يصلح، يُسمّى: قزعًا، ما يصلح، أمَّا إذا أخذت من طوله ما يشقّ عليها لا بأس، ثبت أنَّ أزواج النبي ﷺ أخذوا من طول شعورهنَّ بعد وفاته؛ تخفيفًا له.

س: عملية التَّطويل إذا كان الإنسانُ قصيرًا؟

ج: هذا ما يصلح، هذه بلغنا أمس ..... سيقانه، هذا منكر قبيح، نسأل الله العافية.

س: .............؟

ج: السّنة بالحمد لله مطلقًا، يحمد ربَّه ويُثني عليه بأي نوعٍ من المحامد ..... يبدأ الخطب بحمد الله والثناء عليه، يتنوع.

س: .............؟

ج: إذا كانت تقوي البصر .....، أمَّا للجمال فتركها أحوط.