المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغرِّ المحجلين نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا ومرحبًا بحضراتكم إلى درسٍ جديدٍ من دروس "المنتقى".
ضيف اللقاء هو سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، المفتي العام للمملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء.
مع مطلع هذا اللقاء نُرحب بسماحة الشيخ أجمل ترحيبٍ، أهلًا ومرحبًا يا سماحة الشيخ.
الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.
المقدم:
بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ
- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا، لَا كَفَّارَةَ لَهَا إلَّا ذَلِكَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِمُسْلِمٍ: إذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنِ الصَّلَاةِ أَوْ غَفَلَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: وَأَقِم الصَّلَاةَ لِذِكْرِي [طه:14].
- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: وَأَقِم الصَّلَاةَ لِذِكْرِي. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ.
- وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: ذَكَرُوا لِلنَّبِيِّ ﷺ نَوْمَهُمْ عَنِ الصَّلَاةِ، فَقَالَ: إنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ، فَإِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
- وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ فِي قِصَّةِ نَوْمِهِمْ عَنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ، قَالَ: ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى الْغَدَاةَ، فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
- وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: سَرَيْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، فَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ عَرَّسْنَا، فَلَمْ نَسْتَيْقِظْ حَتَّى أَيْقَظَنَا حَرُّ الشَّمْسِ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ مِنَّا يَقُومُ دَهِشًا إلَى طَهُورِهِ، ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ، ثُمَّ صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّيْنَا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، أَلَا نُعِيدُهَا فِي وَقْتِهَا مِنَ الْغَدِ؟ فَقَالَ: أَيَنْهَاكُمْ رَبُّكُمْ تَعَالَى عَنِ الرِّبَا وَيَقْبَلُهُ مِنْكُمْ؟! رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ".
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.
أما بعد: فهذه الأحاديث كلها تتعلق بالفوائت، دلَّت الأحاديث على أنَّ المسلم إذا نسي صلاةً أو نام عنها أنَّ عليه القضاء متى ذكر أو استيقظ، سواء كانت صلاةً ليليةً أو نهاريةً: الفجر، أو الظهر، أو العصر، أو غيرها، متى نام عنها أو نسيها فإنه يُصليها متى ذكر ومتى استيقظ، كما قال ﷺ: مَن نام عن الصلاة أو نسيها فليُصلها إذا ذكرها، لا كفَّارةَ لها إلا ذلك، وتلا قوله سبحانه: وَأَقِم الصَّلَاةَ لِذِكْرِي، هذا من رحمة الله وإحسانه: أن العبد إذا سها -نسي أو نام- يقضي ما ترك؛ فضلًا من الله ورحمةً منه .
فالواجب على المؤمن أن يعتني بهذا، وأن يحرص على أداء الصلاة في وقتها، فإذا غُلب بنومٍ أو نسيانٍ فالأمر إلى الله: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]، لكن ليس له أن يُفرط بأن يسهر في غير حقٍّ، هذا تفريط، أما السهر بحقٍّ مثلما فعل النبي ﷺ: أدلجوا لدعاء الحاجة عند الإدلاج، ثم ناموا عن صلاة الفجر، فلما استيقظوا صلَّوها، فالحمد لله، أما سهره في قيل وقال؛ لأنَّ الرسول زجر عن السَّهر بعد العشاء، وكذلك تفريطه في عدم إيجاد مَن يُوقظه، النبي أمر مَن يُوقظه، أمر بلالًا أن يُوقظهم إذا طلع الفجرُ، فغلبت بلالًا عينه ونام أيضًا معهم.
والمقصود أنَّ هذه الأحاديث كلها تُفيد أن المؤمن أو المؤمنة متى نام عن الصلاة أو نسيها فإنه يُصليها إذا ذكرها، وإذا كان قد فرط فعليه التَّوبة إلى الله من تفريطه، هذا هو الواجب على المؤمن؛ لفعل النبي ﷺ، ثم يُصليها كما كانت، يُصليها بسنتها، يُصلي الفجر بسنتها، والظهر بسنتها، والمغرب مع سنتها، والعشاء مع سنتها، كما فعل ﷺ؛ فإنه صلَّى السنة الراتبة، ثم صلى الفريضة بأذانٍ وإقامةٍ كما كانت في الوقت، فإذا نام عن الفجر أو نسيها ولم يذكر إلا في الضُّحى، ولم يستيقظ إلا الضحى؛ يُؤذن ويُقيم ويُصلي السنة الراتبة، ثم يُصلي الفريضة كما فعل النبيُّ ﷺ، وهكذا لو نام عن الظهر أو العصر، الحكم واحد، لكن لا يجوز للمسلم أن يُفرط فيسهر في غير حقٍّ، هذا لا يجوز، بل يجب عليه أن يفعل الأسباب: من النوم المبكر، وإيجاد الموقظ من ساعةٍ وغيرها، يفعل الأسباب التي تُعينه على أداء الفريضة.
س: قوله: وَأَقِمْ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي هل هذا من تفسير السنة للقرآن الكريم؟
الشيخ: نعم، المعنى واضح، لكن هذا مزيد تفسير.
س: عند العامَّة أنَّ مَن ذكر صلاةً في وقت النَّهي ينتظر حتى يزول النَّهي؟
الشيخ: لا، هذا غلط، يُصلي من حين يذكر، ولو في وقت النَّهي، لو استيقظ بعد اصفرار الشمس صلَّى العصر.
س: وإذا تذكر النَّاسي الصلاة وهو يُؤدي الفريضة التي بعدها فما العمل؟
الشيخ: يُكملها، ثم يقضي الفائتة، ثم الحاضرة، أو يقطعها، إذا تيسر له القطع يقطعها ويُصلي الحاضرة، يقطع الحاضرة ويُصلي الفائتة، ثم يُصلي الحاضرة، هذا الواجب عليه، مثلما فعل النبيُّ يوم الأحزاب: لما شُغل عن صلاة العصر صلَّى العصر، ثم المغرب، ثم العشاء، فإذا شرع في العصر ثم تذكر أنه ما صلَّى الظهر يقطع بالنية، يقطع العصر، ثم يُكبر من جديدٍ بنية الظهر، ثم يُصلي العصر.
س: وبالنسبة للصلاة إذا نسيها الإنسانُ وأدَّاها بعد الذكر، هل تكون أداءً أم قضاءً؟
الشيخ: لا، لها حكم الأداء في الفرض، هذا الواجب عليه.
س: ومَن عليه فوائت كثيرة لا يدري كم عددها، ما الذي يلزمه؟
الشيخ: يتحرى حتى يعلم أنه أدَّى الواجب، إذا شكَّ في خمسٍ أو ستٍّ يجعلها ستًّا، إذا شكَّ: عشر أو خمسة عشر، يجعلها خمسة عشر، وهكذا يحتاط.
س: حديث أبي قتادة ألا يمكن أن يحتجَّ به أهلُ الكسل والنوم الذين يرقدون في فرشهم قرب الأذان، ثم يقولون: ليس في النوم تفريط؟
الشيخ: لا، هذا غلط، ليس في النوم تفريط إذا نام الوقت المعتاد، أما إذا تساهل وسهر فهذا مفرط.
س: الصلاة الجهرية إذا قُضيت في النهار هل يقرأها جهريةً؟
الشيخ: يقرأها جهرية، وإذا قضى السرية في الليل قضاها سريةً.
بَابُ التَّرْتِيبِ فِي قَضَاءِ الْفَوَائِتِ
- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ: أَنَّ عُمَرَ جَاءَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ بَعْدَمَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا كِدْتُ أُصَلِّي الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا»، فَتَوَضَّأَ وَتَوَضَّأْنَا، فَصَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَمَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: حُبِسْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ بِهَوِيٍّ مِنَ اللَّيْلِ كُفِينَا، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ : وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا [الأحزاب:25]، قَالَ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِلَالًا، فَأَقَامَ الظُّهْرَ فَصَلَّاهَا فَأَحْسَنَ صَلَاتهَا، كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعَصْرَ فَصَلَّاهَا فَأَحْسَنَ صَلَاتَهَا، كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْمَغْرِبَ فَصَلَّاهَا كَذَلِكَ.
قَالَ: وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا [البقرة:239]. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَلَمْ يَذْكُر الْمَغْرِبَ.
الشيخ: هذا الواجب على مَن فاتته الفوائت: أن يُرتبها؛ يُصلي الأولى فالأولى: الظهر، ثم العصر، ثم المغرب، ثم العشاء، كما وجبت عليه هكذا، وكما فعل النبيُّ يوم الأحزاب، المشركون حاصروا المدينة يوم الأحزاب، ثم أرسل الله عليهم جنودًا وريحًا لم يُطيقوها، حتى قلعت خيامهم، وأطفأت نيرانهم، فانقلعوا عن المدينة، وكفى الله المؤمنين القتال .
والمقصود أنهم في بعض الأيام شُغلوا حتى لم يُصلوا الظهر والعصر حتى غابت الشمسُ، فصلَّاها مُرتبةً ﷺ: صلى الظهر، ثم العصر، ثم المغرب، ثم العشاء، وهذا هو الواجب: مَن فاتته فوائت يُصليها مُرتبةً: لمرضٍ أو غيره.
س: حديث جابرٍ هل هو قبل نزول آية الخوف؟
الشيخ: محتمل.
أَبْوَابُ الْأَذَانِ
بَابُ وُجُوبِهِ وَفَضِيلَتِهِ
- عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ لَا يُؤَذِّنُونَ وَلَا تُقَامُ فِيهِم الصَّلَاةُ إلَّا اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِم الشَّيْطَانُ رَوَاهُ أَحْمَدُ.
- وَعَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: إذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
- وَعَنْ مُعَاوِيَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: إنَّ الْمُؤَذِّنِينَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وابنُ ماجه.
- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الْإِمَامُ ضَامِنٌ، وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ، اللَّهُمَّ أَرْشِد الْأَئِمَّةَ، وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ.
- وعن عقبة بن عامر قال: سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: يعجب ربُّك عزَّ وجلَّ من راعي غنمٍ في شظيةٍ بجبلٍ يُؤذن للصلاة ويُصلي، فيقول الله عزَّ وجلَّ: انظروا إلى عبدي هذا يُؤذن ويُقيم الصلاة، يخاف مني، قد غفرتُ لعبدي وأدخلتُه الجنة رواه أحمد وأبو داود والنَّسائي.
الشيخ: هذه الأحاديث كلها تدل على شرعية الأذان والإقامة، ولو كان واحدًا، فالواجب على المؤمن أن يعتني بالشرع، فالأذان مشروع للواحد والجماعة، وإذا كانوا ثلاثةً ولم يُقيموا الأذانَ فهذا فيه الوعيد الشَّديد، كما في الحديث، وظاهر حديث مالك بن الحويرث أنهما كانا اثنين، قال: إذا حضرت فأذِّنا وأقيما، حتى ولو واحد، كما في حديث صاحب الشظية، فإذا كان أعرابي في البرِّ، وليس عنده أحد، فالسنة له أن يُقيم ويُؤذن، ولو كان واحدًا.
فالمقصود أنَّ هذا هو الواجب على الجميع: أن يُؤذنوا ويُقيموا، الواحد والجماعة، ولا يجوز التَّساهل في هذا الشيء؛ لأنَّ هذه من شعائر الصلاة الظاهرة، فالواجب على المسلم العناية بها وعدم إهمالها.
والحديث الآخر: يقول ﷺ يُوصي بعض الأعراب: إذا كنتَ في غنمك ..... وأذنت فارفع صوتك بالنِّداء؛ فإنه لا يسمع صوت المؤذن شجرٌ ولا حجرٌ ولا جنٌّ ولا إنسٌ إلا شهد له يوم القيامة.
فالمقصود أنَّ المؤذن يُحافظ على الأذان والإقامة ولو كان واحدًا.
س: ونحن في باب الأذان، ما هو تعريف الأذان لغةً وشرعًا؟
الشيخ: الإعلام، الأذان: الإعلام، كما قال تعالى: وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [التوبة:3] يعني: إعلام، سُمي الأذانُ أذانًا لأنه يُعلم الناس بدخول الوقت وحضور الصلاة، والإقامة: إعلام بحضورها وإقامتها والدخول فيها.
وتكبيراته معلومة، وألفاظه معلومة، الأذان خمس عشرة جملةً: أربع تكبيرات في أوله، والشَّهادتان: شهادة أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، والحيعلة، ثم التكبير مرتان، ثم كلمة التوحيد مرة واحدة.
والإقامة إحدى عشرة جملة: التكبير مرتان في أولها، ثم الشَّهادة: شهادة أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، ثم حي على الصلاة، حي على الفلاح، ثم قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، ثم الله أكبر، الله أكبر، ولا إله إلا الله.
س: متى شُرع الأذان؟
الشيخ: بعد الهجرة بمدةٍ يسيرةٍ.
س: ما الفرق بين أذان ابن أم مكتوم وأبي محذورة؟
الشيخ: أذان أبي محذورة فيه التَّرجيع؛ يُرجع الشَّهادتين، يأتي بهما بصوتٍ منخفضٍ، ثم بصوتٍ مرتفعٍ، يقال له: ترجيع.
وأذان بلالٍ ما فيه ترجيع، وهو الذي كان يُؤذن بين يدي النبي ﷺ، وهو الأفضل: عدم التَّرجيع، ولو رجَّع فلا بأس: يأتي بالشَّهادتين بصوتٍ منخفضٍ، ثم يرفع بهما صوته، يُسمَّى: الترجيع، علَّمه النبيُّ أبا محذورة، وهو المؤذن في مكة.
س: إذًا هذا يجعلنا نستفسر عن الأذان، هل هو فرض أم سنة؟
الشيخ: فرض كفايةٍ، إذا قام به واحدٌ كفى، والإقامة كذلك فرض كفايةٍ، يُؤذن واحدٌ ويكفي في المسجد، وفي القرية الصغيرة كفى واحد، وفي الكبيرة كل مسجدٍ يكون له مُؤذن.
س: هل يُشترط في المؤذن شروط؟
الشيخ: يُشترط العدالة، المؤذن لا بدَّ أن يكون عدلًا، يُعرف بالخير والاستقامة؛ لأنه يُعتمد عليه، فلا بدّ أن يكون عدلًا حتى يعتمد عليه الناس في صلاتهم وإفطارهم وصومهم.
س: الذين يُؤذنون بأجرةٍ وليس لهم إلا ذلك؟
الشيخ: إذا دعت الحاجةُ لا بأس، إذا دعت الحاجةُ إلى أن يُعطوا الأجرة من بيت المال أو من الأوقاف لا بأس، وإن أذَّن هو تبرعًا فهو أفضل، كما في حديث عثمان بن أبي العاص: واتَّخذ مُؤذِّنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا، إذا تيسر مُؤذن يتطوع فهو أفضل، وإن دعت الحاجةُ إلى أن يُساعَد من بيت المال أو من الأوقاف أو من بعض المحسنين فلا بأس؛ لأنَّ بعض الناس قد لا يستطيع أن يُواظب على الأذان وهو ما له مُساعدة.
س: المؤذنون يرجون كلمةً، وهل من كلمةٍ لهم؛ وذلك للحرص على الأوقات وعدم التَّأخر؟
الشيخ: نعم، نُوصيهم بتقوى الله، والحفاظ على الأوقات، والعناية وعدم التَّساهل، فلا يُؤذن إلا بعد دخول الوقت، بعد التأكد من دخول الوقت، ويحرص على المحافظة على ذلك، ورفع الصوت حسب الطاقة، كل هذا مما يجب على المؤذن، نسأل الله للجميع التوفيق والهداية.
بَابُ صِفَةِ الْأَذَانِ
- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ قَالَ: لَمَّا أَجْمَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَضْرِبَ بِالنَّاقُوسِ، وَهُوَ لَهُ كَارِهٌ؛ لِمُوَافَقَتِهِ النَّصَارَى، طَافَ بِي مِنَ اللَّيْلِ طَائِفٌ وَأَنَا نَائِمٌ، رَجُلٌ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ، وَفِي يَدِهِ نَاقُوسٌ يَحْمِلُهُ، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا عَبْدَاللَّهِ، أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ؟ قَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَدْعُو بِهِ إلَى الصَّلَاةِ، قَالَ: أَفَلَا أَدُلُّك عَلَى خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ: بَلَى، قَالَ: تَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ.
قَالَ: ثُمَّ اسْتَأْخَرَ غَيْرَ بَعِيدٍ، قَالَ: ثُمَّ تَقُولُ إذَا أَقَمْتَ الصَّلَاةَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ.
قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إنَّ هَذِهِ الرُّؤْيَا حَقٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَمَرَ بِالتَّأْذِينِ، فَكَانَ بِلَالٌ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ يُؤَذِّنُ بِذَلِكَ، وَيَدْعُو رَسُولَ اللَّهِ ﷺ إلَى الصَّلَاةِ.
قَالَ: فَجَاءَهُ فَدَعَاهُ ذَاتَ غَدَاةٍ إلَى الْفَجْرِ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَائِمٌ، فَصَرَخَ بِلَالٌ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ.
قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: فَأُدْخِلَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ فِي التَّأْذِينِ إلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ.
الشيخ: وهذا هو المشروع، المشروع في الأذان هو هذا كما بيَّنه النبيُّ ﷺ، وأقرَّ رؤيا عبدالله بن زيد، وقد رأى مثل ذلك عمرُ ، وكانت هذه الرؤيا من أسباب شرعية الأذان، وكان النبي ﷺ قد نظر في هذا، وهمَّ أن يضرب بالنَّاقوس، ثم أُري عبدالله بن زيد هذه الرؤيا العظيمة، وأُريها عمر أيضًا، فأمر بها ﷺ وقال: إنها رؤيا حقٌّ، وكانت سبب شرعية الأذان، وكان بلال يُؤذن بذلك بين يدي النبيِّ ﷺ، وعلَّم أبا محذورة عام الفتح الأذان وفيه الترجيع، فهذا الأذان هو الذي يجب، والأفضل ما فعله بلال، ما كان يُؤذن به بلال؛ لأنه هو الذي أذَّن بين يدي النبيِّ ﷺ، ومَن أذَّن بالترجيع فلا بأس، والترجيع أن يأتي بالشَّهادتين بصوتٍ منخفضٍ، ثم يأتي بهما بصوتٍ مرتفعٍ، والسنة في أذان الفجر أن يقول في الأذان الأخير: الصلاة خير من النوم، كما فعله النبيُّ ﷺ.
س: سماحة الشيخ، ما حكم تسجيل الأذان وتشغيله عند وقت الصلاة عند دخول الوقت؟
الشيخ: لا، الواجب أن يتولى المؤذنُ، ما هو بالتَّسجيل، أن يتولى المؤذنُ بنيته، يعتني بهذا، ويتولى الأذان الإنسان بنفسه، لا بالتَّسجيل.
س: في حديث مالك حفظكم الله: أمر الرسول ﷺ أن يأمَّهم أكبرهم، مع العلم بأنَّ الذي يأمّ القوم أقرأهم للقرآن؟
الشيخ: الأحاديث يُفسر بعضُها بعضًا، كانوا مُتقاربين فقال: أكبرهم، وإن كان بعضُهم أفضل من بعضٍ يأمّهم أقرأهم لكتاب الله، قال: كنا مُتقاربين فأمر أن يأمَّهم أكبرهم، والنبي ﷺ قال: يأمّ القوم أقرأهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرةً، فإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سنًّا، فلو صادف أنهم متقاربون فصار أكبرهم سنًّا هو الذي يُصلي بهم، فالنصوص يُفسر بعضُها بعضًا.
س: سماحة الشيخ حفظكم الله، ما معنى حديث: أطول الناس أعناقًا يوم القيامة ..؟
الشيخ: إظهارًا لفضلهم بين الملأ يوم القيامة.
س: أيّهم أفضل يا سماحة الشيخ: الأذان أم الإقامة؟
الشيخ: الله أعلم.
س: حفظكم الله، بالنسبة لأذان المحدِث حدثًا أصغر أو أكبر؟
الشيخ: لا حرج، ليس من شرطه الطَّهارة، ليس من شرط الأذان الطَّهارة.
س: ما صحة حديث: مَن أذَّن فليُقم؟
الشيخ: ضعيف، وحديث لا يُؤذن إلا مُتوضئ ضعيف أيضًا، فيجوز أن يتولى الأذان شخصٌ، ويتولى الإقامة شخصٌ آخر، لكن الأفضل أن يتولاهما واحدٌ، كما كان يتولاهما بلالٌ .
س: عادة يحدث نزاعٌ أو خلافٌ بين المؤذن والإمام، هل من توجيهٍ لهما؟
الشيخ: الواجب التعاون على البرِّ والتقوى، والتواصي بالحقِّ، والتسامح بين الإمام والمؤذن، والتعاون على الخير، والإمام يُعين المؤذن، والمؤذن يُعين الإمام، يتعاونان على الخير والهدى، هذا هو الواجب عليهم جميعًا، فالمؤذن يُذكر الإمام إذا تأخَّر ويُلاحظ، والإمام يعتني بالمؤذن إذا كان يتأخَّر في بعض الأحيان، أو يُسيئ ألفاظ الأذان، يُعلِّمه، الواجب التعاون بينهما على الخير، الله يقول: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2].
المقدم: شكر الله لكم يا سماحة الشيخ، وبارك الله فيكم وفي علمكم، ونفع بكم الإسلام والمسلمين.