كذا رواه الترمذي عن قتيبة بن سعيد، وقال: هذا حديثٌ حسنٌ، وفي الباب عن أبي هريرة، وخباب بن الأرت، وأبي بكر، وابن مسعود، وأبي واقد، وأبي موسى، وخرشة.
ورواه بعضُهم عن الليث بن سعد، وزاد في الإسناد رجلًا، قال الحافظ ابن عساكر: الرجل هو حسين الأشجعي.
قلتُ: وقد رواه أبو داود من طريقه فقال: حدثنا يزيد بن خالد الرّملي: حدثنا الفضل، عن عياش بن عباس، عن بكير، عن بشر بن سعيد، عن حسين بن عبدالرحمن الأشجعي: أنَّه سمع سعد بن أبي وقاص، عن النبي ﷺ في هذا الحديث قال: فقلتُ: يا رسول الله، أرأيت إن دخل بيتي وبسط يده ليقتلني؟ قال: فقال رسول الله ﷺ: كن كابن آدم، وتلا يزيد: لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ [المائدة:28].
قال أيوب السّختياني: إنَّ أول مَن أخذ بهذه الآية من هذه الأمّة: لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ لعثمان بن عفان . رواه ابن أبي حاتم.
وقال الإمام أحمد: حدثنا مرحوم: حدثني أبو عمران الجوني.
الشيخ: مرحوم؟! أيش الذي عندكم؟
طالب: حدثنا ابنُ حزم.
طالب آخر: ونسخة ثالثة: ابن حرم.
الشيخ: الذي عندك: مرحوم؟
قارئ المتن: نعم.
الشيخ: أيش بعده؟
الشيخ: حطّ عليه إشارة، وراجع "المسند": مسند أبي ذر.
مداخلة: أحسن الله إليكم يا شيخ، في "الخلاصة" يا شيخ: مرحوم بن عبدالعزيز العطار، أبو محمد، البصري، عن أبيه وأبي عمران الجوني، وعنه ابن المديني وخليفة، وثَّقه النَّسائي.
الشيخ: هذا يُؤيد أنَّه مرحوم؛ لأنَّ أبا عمران الجوني هو شيخه الآن.
طالب: في "المسند": مرحوم.
الشيخ: صلّحوها مثل الذي عند الشيخ عمر، الذي عنده .....، أو ابن حزم كذلك، مرحوم اتَّضح من "المسند"، واتَّضح من "الخلاصة"، نعم.
..............
س: الصَّبر على ظلم الولاة هل يشمل الأعراض؟
ج: الأصل المدافعة، هذا الأصل، المسلم يدفع عن نفسه، هذا هو الأصل، المظلوم يدفع عن نفسه إلا عند اشتباه الأمور، وكون الفتنة عظيمة وكبيرة، ويغلب على ظنِّه أنَّ الرجل الذي جاءه يعتقد أنَّه مُصيب، وأنه مُحقّ، وإلا فالأصل المدافعة، هذا هو الأصل، إذا اشتبهت الأمور فالمسلم يُدافع عن عِرْضِه، وعن نفسه جميعًا، هذا هو الأصل، هذا الثابت، هذا الأصل، نعم.
............
الشيخ: يراجع الأصل ..... بالعدِّ، يعني: يموت فيه الجماعة، يعني: يكون موتٌ في الناس، حتى يكون البيتُ مقبرةً للجماعة، أما "بالعبد": يكون البيت فيه بالعبد؟! ضع عليه إشارة، يُراجع الأصل، معك "المسند"؟ أيش قال في "المسند"؟
الطالب: بالعبد.
الشيخ: بـ"المسند"؟
الطالب: نعم، أحسن الله إليك.
الشيخ: ما يُخالف.
الطالب: بالعبد، يعني: بالقبر.
قارئ المتن: ذكر فيه حاشية، يقول: والمعنى: أنَّ مواضع القبور تضيق فيبتاعون كل قبرٍ بعبدٍ.
الشيخ: أخشى أن يكون تصحيفًا، وأن يكون البيتُ بالعدِّ، يكون بالعدد من الموتى، وأيش بعده؟
كيف تصنع؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: اصبر، قال: يا أبا ذر، أرأيت إن قتل الناس بعضهم بعضًا –يعني- حتى تغرق حجارةُ الزيت من الدِّماء، كيف تصنع؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: اقعد في بيتك، وأغلق عليك بابك، قال: فإن لم أترك؟ قال: فائتِ مَن أنت منهم فكن منهم، قال: فآخذ سلاحي؟ قال: فإذًا تُشاركهم فيما هم فيه، ولكن إذا خشيتَ أن يردعك شعاع السيف فألقِ طرف ردائك على وجهك؛ كي يبوء بإثمه وإثمك.
ورواه مسلم وأهل السُّنن -سوى النَّسائي- من طرقٍ عن أبي عمران الجوني، عن عبدالله بن الصامت، به.
الشيخ: يُراجع "المسند"، شيخ عمر، تُراجع "المسند" من جهة المتن.
ورواه أبو داود وابن ماجه من طريق حماد بن زيد، عن أبي عمران، عن المشعث بن طريف، عن عبدالله بن الصامت، عن أبي ذرٍّ بنحوه، قال أبو داود: ولم يذكر المشعث في هذا الحديث غير حماد بن زيد.
وقال ابنُ مردويه: حدَّثنا محمد بن علي بن دحيم: حدثنا أحمد بن حازم: حدثنا قبيصة بن عقبة: حدثنا سفيان، عن منصور، عن ربعي، قال: كنا في جنازة حُذيفة، فسمعتُ رجلًا يقول: سمعتُ هذا يقول في ناسٍ: مما سمعتُ من رسول الله ﷺ: لئن اقتتلتم لأنظرنَّ إلى أقصى بيتٍ في داري فلَأَلِجَنَّه، فلئن دخل عليَّ فلان لأقولنَّ: ها، بُؤ بإثمي وإثمك، فأكون كخير ابني آدم.
وقوله: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ [المائدة:29]، قال ابنُ عباسٍ ومجاهد والضّحاك وقتادة والسّدي في قوله: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ أي: بإثم قتلي وإثمك الذي عليك قبل ذلك. قاله ابن جرير.
وقال آخرون: يعني بذلك أني أُريد أن تبوء بخطيئتي فتتحمّل وزرها، وإثمك في قتلك إياي. وهذا قولٌ وجدتُه عن مجاهد، وأخشى أن يكون غلطًا؛ لأنَّ الصحيح من الرواية عنه خلافه، يعني: ما رواه سفيان الثوري، عن منصور، عن مجاهد: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي قال: بقتلك إياي، وَإِثْمِكَ قال: بما كان منك قبل ذلك.
وكذا رواه عيسى ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بمثله.
وروى شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ يقول: إني أُريد أن يكون عليك خطيئتي ودمي، فتبوء بهما جميعًا.
قلتُ: وقد يتوهم كثيرٌ من الناس هذا القول، ويذكرون في ذلك حديثًا لا أصلَ له: ما ترك القاتلُ على المقتول من ذنبٍ.
وقد روى الحافظُ أبو بكر البزار حديثًا يُشبه هذا، ولكن ليس به، فقال: حدثنا عمرو بن علي: حدثنا عامر بن إبراهيم الأصبهاني: حدثنا يعقوب بن عبدالله: حدثنا عتبة بن سعيد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: قال رسولُ الله ﷺ: قتل الصَّبر لا يمرّ بذنبٍ إلا محاه، وهذا بهذا لا يصحّ، ولو صحَّ فمعناه: أنَّ الله يُكفّر عن المقتول بألم القتل ذنوبه، فأمَّا أن تُحمل على القاتل فلا، ولكن قد يتّفق هذا في بعض الأشخاص، وهو الغالب، فإنَّ المقتول يُطالب القاتل في العرصات، فيُؤخذ له من حسناته بقدر مظلمته، فإن نفدت ولم يستوفِ حقَّه؛ أُخذ من سيئات المقتول فطُرحت على القاتل، فربما لا يبقى على المقتول خطيئة إلا وُضعت على القاتل.
الشيخ: وهذا مثلما جاء في الحديث الصحيح: أنَّ العبد إذا تعدَّى وظلم يوم القيامة يُقتصّ للمظلومين منه، من حسناته، فإذا فنيت حسناته أُخذ من سيئاتهم فحمل عليه، ثم طُرح في النار، نسأل الله العافية.
والحاصل أنَّ القاتل يبوء بإثم خطيئته السَّابقة، وبإثم المقتول؛ إثم القتل، أما المقتول فهو مظلوم، وقد تكون هذه الظلامة يُكفّر الله بها سيئاته وخطاياه؛ لكونه مظلومًا مُعتدًى عليه، كسائر المصائب، فالمصائب يُكفّر الله بها الخطايا، نعم.
وقد صحَّ الحديث بذلك عن رسول الله ﷺ في المظالم كلِّها، والقتل من أعظمها وأشدّها، والله أعلم.
وأمَّا ابن جرير فقال: والصواب من القول في ذلك أن يُقال: إنَّ تأويله: إني أريد أن تنصرف بخطيئتك في قتلك إياي، وذلك هو معنى قوله: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي، وأمَّا معنى وَإِثْمِكَ فهو إثمه بغير قتله.
مداخلة: يعني: قتله.
الشيخ: وأمَّا إثمك؟
الشيخ: يعني: المعاصي الأخرى، معاصٍ يُقابلها.
الطالب: ذكر في الحاشية: قال: "وإثمه" يعني: وقتله، والمثبت من تفسير ابن جرير الطَّبري.
الشيخ: وأيش بعده؟
الشيخ: وأنتم عندكم شيء غير هذا؟
طالب: فهو إثمه، يعني: قتله.
الشيخ: لا، لا، وأمَّا وَإِثْمِكَ؟
الشيخ: نعم، بالمعاصي الأخرى، بإثمه: بقتله، أو بإثمك يعني: بمعاصيك الأخرى وذنوبك الأخرى التي ارتكبتها، يعني: تجتمع عليك الذنوب كلّها: إثم القتل، والإثم الآخر الذي بُؤت به، فالذي عندك يا شيخ عمر طيب.
الشيخ: وهذا مُراد ابن جرير: بِإِثْمِي بقتلي، وَإِثْمِكَ معاصيك .....، ما هو بمعاصي المقتول، معاصيه هو: القاتل.
هذا لفظه، ثم أورد على هذا سؤالًا حاصله: كيف أراد هابيل أن يكون على أخيه قابيل إثمُ قتله وإثمُ نفسه، مع أنَّ قتله له مُحرّم؟!
وأجاب بما حاصله: أنَّ هابيل أخبر عن نفسه بأنَّه لا يُقاتل أخاه إن قاتله، بل يكفّ عنه يده؛ طالبًا إن وقع قتلٌ أن يكون من أخيه، لا منه.
قلت: وهذا الكلام مُتضمن موعظةً له لو اتَّعظ، وزجرًا له لو انزجر؛ ولهذا قال: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ أي: تتحمّل إثمي وإثمك، فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ [المائدة:29].
قال ابنُ عباس: خوَّفه بالنار فلم ينتهِ ولم ينزجر.
وقوله تعالى: فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ [المائدة:30] أي: فحسَّنت وسوَّلت له نفسُه وشجَّعته على قتل أخيه فقتله، أي: بعد هذه الموعظة، وهذا الزَّجر.
وقد تقدّم في الرواية عن أبي جعفر الباقر -وهو محمد بن علي بن الحسين- أنَّه قتله بحديدةٍ في يده.
وقال السّدي: عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباسٍ. وعن مرة بن عبدالله، وعن ناسٍ من أصحاب النبي ﷺ: فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فطلبه ليقتله، فراغ الغلامُ منه في رؤوس الجبال، فأتاه يومًا من الأيام وهو يرعى غنمًا له، وهو نائم، فرفع صخرةً فشدخ بها رأسه فمات، فتركه بالعراء. رواه ابنُ جرير.
وعن بعض أهل الكتاب أنَّه قتله خنقًا وعضًّا كما تقتل السِّباع.
الشيخ: الأمر في هذا ..... ما فيه حاجة للتَّكلف، قتله وانتهينا، سواء قتله بحجرٍ، أو بعصا، أو بحديدةٍ، أو بخنقٍ، ما يُخالف، ما في حاجة للتَّكلف لمعرفة النوع، المهم أنَّه قتله، نسأل الله العافية، والله المستعان.
الشيخ: كل هذا من خُرافات بني إسرائيل، ما يُلتفت إليها، المهم أنَّه قتله وانتهى الأمر، والله المستعان.
وقال عبدالله بن وهب: عن عبدالرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: أخذ برأسه ليقتله، فاضطجع له، وجعل يغمز رأسه وعظامه، ولا يدري كيف يقتله، فجاءه إبليسُ فقال: أتُريد أن تقتله؟ قال: نعم. قال: فخذ هذه الصَّخرة فاطرحها على رأسه. قال: فأخذها فألقاها عليه فشدخ رأسه، ثم جاء إبليسُ إلى حواء مُسرعًا فقال: يا حواء، إنَّ قابيل قتل هابيل. فقالت له: ويحك! وأي شيءٍ يكون القتل؟ قال: لا يأكل، ولا يشرب، ولا يتحرك. قالت: ذلك الموت. قال: فهو الموت. فجعلت تصيح حتى دخل عليها آدمُ وهي تصيح، فقال: ما لكِ؟ فلم تُكلّمه، فرجع إليها مرتين فلم تُكلّمه، فقال: عليك الصَّيحة وعلى بناتك، وأنا وبني منها برآء. رواه ابن أبي حاتم.
وقوله: فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ أي: في الدنيا والآخرة، وأي خسارةٍ أعظم من هذه؟!
وقد قال الإمامُ أحمد: حدثنا أبو معاوية ووكيع، قالا: حدثنا الأعمش، عن عبدالله بن مرة، عن مسروق، عن عبدالله بن مسعود، قال: قال رسولُ الله ﷺ: لا تُقتل نفسٌ ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول كفلٌ من دمها؛ لأنَّه كان أول مَن سنَّ القتل.
وقد أخرجه الجماعة سوى أبي داود من طرقٍ عن الأعمش، به.
الشيخ: نسأل الله العافية.
س: ما ذهب إليه ابنُ جرير في قوله: وَإِثْمِكَ أي: الخطايا الأخرى ..... القتل؟
ج: وَإِثْمِكَ المعنى: خطاياك، خطايا قابيل، ما هو بخطاياه هو، خطايا قابيل، بِإِثْمِي بقتلي، وَإِثْمِكَ يعني: خطاياك السَّابقة، نسأل الله العافية.
س: هذا اختيار ابن جرير؟
ج: إيه، نعم .....، يعني: يحمل خطايا هابيل زيادة، غير القتل، يعني: عليه إثم القتل، وعليه إثم خطايا هابيل. وهذا غلطٌ: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164].
س: إذا قتل رجلٌ ابنته من أجل العار، ثم أسلم، فهل الإسلام يجبّ هذا .....؟
ج: الإسلام يجُبّ ما قبله، مثلما قال ﷺ: الإسلام يجُبّ ما قبله إذا تاب توبةً صادقةً، نعم.