الشيخ: فيه عنعنة الأعمش، ولكن الأصل السَّلامة من التَّدليس، وكان عمر قد أشكلت عليه الكلالة كثيرًا، وسأل عنها كثيرًا، وقال له النبي ﷺ: تكفيك آية الصيف يعني: الآية في سورة النِّساء، آخر سورة النساء، والأمر فيه إشكال على عمر، أمر غريب –يعني-؛ لأنَّ أمرها واضح، ولكن وقع في نفسه شيء أشكل عليه، وهي لمن تأمّل ليس فيها إشكال، فهي مَن لا ولد له ولا والد ذكر، هذه الكلالة، يعني: تكلل بالحواشي، ما فيه فرع، ولا أصل من الذكور، فحكمها أنَّ الأخت تُعطى النصف إذا كانت شقيقةً أو لأب، والباقي للعصبة، وإن كن اثنتين لهما الثلثان، كما بيَّنه الله، وإن كانوا إخوةً لأمٍّ سبق في أول السورة .....، فالأمر في هذا واضحٌ جدًّا.
ولهذا أجمع أهلُ العلم على أنَّ الميت إذا مات عن غير ولدٍ، أو عن غير أبٍ: أنَّ الأخوات يرثن والإخوة .....، فإذا مات عن ولدٍ ذكرٍ، أو عن أبٍ، سقط الإخوةُ جميعًا بإجماع المسلمين، إنما الخلاف في الجدِّ فقط: هل يسقط به الإخوة الأشقاء والإخوة لأب؟ إذ سبق غير مرةٍ في أول السورة أيضًا، والأمر الذي عليه الفتوى -وهو الحقّ والصواب- أنَّ الجدَّ كالأب يحجب الإخوة، وأنَّ المسألة كلالة، والأعدل أنَّ الجدّ هو سبب الإشكال على عمر، لعلَّ مسألة الجدّ هي سبب الإشكال.
وقال الحاكمُ أبو عبدالله النَّيسابوري: حدَّثنا علي بن محمد بن عقبة الشَّيباني بالكوفة: حدثنا الهيثم بن خالد: حدثنا أبو نُعيم: حدثنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار: سمعتُ محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة يُحدِّث عن عمر بن الخطاب، قال: "لأن أكون سألتُ رسول الله ﷺ عن ثلاثٍ أحبّ إليَّ من حمر النَّعَم: مَن الخليفة بعده؟ وعن قومٍ قالوا: نُقرّ بالزكاة في أموالنا، ولا نُؤدّيها إليك، أيحلّ قتالهم؟ وعن الكلالة". ثم قال: صحيحُ الإسناد على شرط الشيخين، ولم يُخرجاه.
ثم رُوي بهذا الإسناد إلى سفيان بن عيينة، عن عمرو، عن مرّة، عن عمر.
الشيخ: عمرو يعني: ابن دينار، ومرّة الهمداني.
مُداخلة: عمرو بن مرّة.
قارئ المتن: صححناها في قراءةٍ سابقةٍ.
الشيخ: طيب، ماشٍ.
الشيخ: أمَّا الخلافة فقد أوضح ﷺ في أحاديث كثيرةٍ ما يدلّ على أنَّ الخليفة هو الصّديق؛ ولهذا أجمع عليه الصحابة يُبايعوه ، ومن أعظم الأدلة أنَّه جعله الخليفة بعده في الصَّلاة، كان يُصلي بالناس مدّة مرضه -عليه الصلاة والسلام-، فدلّ ذلك على أنَّه أحقّ الناس بالإمامة، كما أنَّه أحقّ الناس بالصّلاة، ولسابقته العظيمة، وعلمه العظيم، وجهاده العظيم -رضي الله عنه وأرضاه-.
والزكاة شرح اللهُ صدر أبي بكر فقاتل مانعيها، فتابعه عمرُ والصَّحابة على ذلك وقاتلوهم حتى دخلوا في دين الله، وقاتلوا أصحاب مُسيلمة أيضًا.
أمَّا الكلالة فقد أشكلت عليه، ولكنَّها أوضحها النبي ﷺ له ولغيره، كما أوضحها القرآن، وفي روايةٍ: وباب من أبواب الربا أيضًا أشكل عليه.
ثم قال: صحيحٌ على شرط الشيخين، ولم يُخرجاه.
وبهذا الإسناد إلى سفيان بن عيينة قال: سمعتُ سليمان الأحول يُحدّث عن طاوس، قال: سمعتُ ابن عباسٍ قال: كنتُ آخر الناس عهدًا بعمر، فسمعتُه يقول: القول ما قلت. قلت: وما قلت؟ قال: قلت: الكلالة: مَن لا ولد له. ثم قال: صحيحٌ على شرطهما، ولم يُخرجاه.
وهكذا رواه ابنُ مردويه من طريق زمعة بن صالح، عن عمرو بن دينار. وسليمان الأحول، عن طاوس، عن ابن عباسٍ، قال: كنتُ آخر الناس عهدًا بعمر بن الخطاب. قال: اختلفتُ أنا وأبو بكر في الكلالة، والقول ما قلت. قال: وذكر أنَّ عمر شرّك بين الإخوة للأم والأب وبين الإخوة للأم في الثلث إذا اجتمعوا، وخالفه أبو بكر -رضي الله عنهما-.
الشيخ: وهذه المسألة قضى فيها عمرُ قضاءين: القضاء الأول: إسقاطهم؛ إسقاط الإخوة الأشقاء في مسألة المشرّكة. والقضاء الثاني: أنه شرّك بينهم وبين الإخوة لأم.
والصواب أنَّهم يسقطون في المشرّكة، وهي الحمارية: زوج، وأم، أو جدّة، وإخوة لأم، وإخوة أشقاء، يسقطون؛ لأنَّ الزوج إذا أخذ النصف، والأم أو الجدّة السدس، والإخوة لأم أخذوا الثلث، ما بقي شيء، وقد قال -عليه الصلاة والسلام: ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأولى رجلٍ ذكرٍ، ولم يبقَ شيء، نعم.
وقال ابنُ جرير: حدَّثنا ابنُ وكيع: حدَّثنا محمد بن حميد العُمري، عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب: أنَّ عمر كتب في الجدِّ والكلالة كتابًا، فمكث يستخير الله يقول: "اللهم إن علمتَ فيه خيرًا فأمضه"، حتى إذا طُعِنَ دعا بكتابٍ فمُحِيَ، ولم يدرِ أحدٌ ما كتب فيه، فقال: "إني كنتُ كتبتُ كتابًا في الجدِّ والكلالة، وكنتُ أستخير الله فيه، فرأيتُ أن أترككم على ما كنتم عليه".
قال ابنُ جرير: وقد رُوي عن عمر أنَّه قال: "إني لأستحي أن أُخالف فيه أبا بكر"، وكان أبو بكر يقول: "هو ما عدا الولد والوالد".
وهذا الذي قاله الصّديق عليه جمهور الصّحابة والتابعين والأئمّة في قديم الزمان وحديثه، وهو مذهب الأئمّة الأربعة، والفُقهاء السَّبعة، وقول علماء الأمصار قاطبةً، وهو الذي يدلّ عليه القرآن، كما أرشد اللهُ أنَّه قد بيّن ذلك ووضّحه في قوله: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [النساء:176]، والله أعلم.
الشيخ: والأمر كما قال الحافظ -رحمه الله-؛ لأنَّ الأمر واضحٌ، وهو الذي عليه أئمّة المسلمين؛ الأئمّة الأربعة وغيرهم: أنَّ الكلالة: مَن لا ولد له ولا والد ذكر، نعم.
وقوله: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا يدلّ على أنَّ هذا بيانٌ واضحٌ وكافٍ.
سورة المائدة:
قال الإمام أحمد: حدثنا أبو النَّضر: حدثنا أبو معاوية شيبان، عن ليث، عن شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد، قالت: إني لآخذةٌ بزمام العضباء -ناقة رسول الله ﷺ- إذ نزلت عليه المائدةُ كلّها، وكادت من ثقلها تدقّ عضد النَّاقة.
وروى ابنُ مردويه من حديث صالح بن سهل، عن عاصم الأحول، قال: حدَّثتني أمُّ عمرو، عن عمِّها: أنَّه كان في مسيرٍ مع رسول الله ﷺ، فنزلت عليه سورةُ المائدة، فاندقّ عنقُ الراحلة من ثقلها.
مُداخلة: في نسخة (الشعب): صالح بن سُهيل.
الشيخ: حطّ نسخة، الذي عنده "سهل" يحطّ: "سهيل" نسخة.
مُداخلة أخرى: عندنا صباح بن سهل.
الشيخ: أيش بعده؟ نعم، انظر: صالح بن سهل في "التقريب" أو "التعجيل": صالح بن سهل، أو صباح بن سهل، الذي عنده "صباح" يحطّ نسخة: صالح، والذي عنده "صالح" يحطّ نسخة: صباح.
الطالب: صالح بن سهيل بـ"التقريب"، يقول: صالح بن سهيل، النخعي، أبو أحمد، الكوفي، مولى ابن أبي زائدة، مقبول، من كبار الحادي عشر.
الشيخ: مُتأخّر، أيش بعده؟
الطالب: هو المذكور فقط.
الشيخ: فيه صباح أيضًا في "التقريب"؟ نعم، أيش عندك يا شيخ عمر: حدَّثنا؟
وروى ابنُ مردويه من حديث صالح بن سهل، عن عاصم الأحول، قال: حدَّثتني أمُّ عمرو، عن عمِّها: أنَّه كان في مسيرٍ مع رسول الله ﷺ، فنزلت عليه سورةُ المائدة، فاندقّ عنقُ الراحلة من ثقلها.
وقال أحمد أيضًا: حدثنا حسن: حدثنا ابنُ لهيعة: حدَّثني حيي بن عبدالله، عن أبي عبدالرحمن الحبلي، عن عبدالله بن عمرو، قال: أُنزلت على رسول الله ﷺ سورةُ المائدة وهو راكبٌ على راحلته، فلم تستطع أن تحمله، فنزل عنها. تفرد به أحمد.
وقد روى الترمذي عن قُتيبة، عن عبدالله بن وهب، عن حيي، عن أبي عبدالرحمن، عن عبدالله بن عمرو، قال: آخر سورةٍ أنزلت سورة المائدة والفتح. ثم قال الترمذي: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
الشيخ: انظر في "التقريب": حيي بن عبدالله الجعفي.
وقد رُوِيَ عن ابن عباسٍ أنَّه قال: آخر سورةٍ أنزلت: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر].
وقد روى الحاكم في "مستدركه" من طريق عبدالله بن وهب بإسناده نحو رواية الترمذي، ثم قال: صحيحٌ على شرط الشَّيخين، ولم يُخرجاه.
الطالب: حُيي -بضمّ أوله وياءين من تحت، الأولى مفتوحة- بن عبدالله بن شريح، المعافري، المصري، صدوق، يَهِمُ، من السادسة، مات سنة ثمانٍ وأربعين. الأربعة.
الشيخ: طيب، جزاك الله خيرًا.
مُداخلة: في نسخة (الشعب): حدثنا بحر بن نصر.
الشيخ: يُراجع الحاكم، حطّ نسخة، ويُراجع الحاكم، حطّ نسخة: بحر بن نصر، ويُراجع الأصل: الحاكم.
س: الأصل فيه تصحيفات؟
الشيخ: موجودٌ الأصل؟
قارئ المتن: غير موجودٍ.
الشيخ: نعم.
قال: قرئ على عبدالله بن وهب: أخبرني معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير، قال: حججتُ فدخلتُ على عائشة، فقالت لي: يا جبير، تقرأ المائدة؟ فقلت: نعم. فقالت: أما إنها آخر سورةٍ نزلت، فما وجدتم فيها من حلالٍ فاستحلّوه، وما وجدتم فيها من حرامٍ فحرِّموه. ثم قال: صحيحٌ على شرط الشيخين، ولم يُخرجاه.
ورواه الإمامُ أحمد، عن عبدالرحمن بن مهدي، عن معاوية بن صالح، وزاد: وسألتها عن خلق رسول الله ﷺ فقالت: القرآن.
الشيخ: انظر أبا الزاهرية في الكُنى.
الشيخ: يعني: كما رواه أحمد ..... عن معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير، وهذا يُبين –الحديث- أنها سُئلت عن خلق النبي ﷺ، هذا ثابتٌ من وجوهٍ أخرى، فقالت: "كان خلقه القرآن"، يعني: في قوله -جلَّ وعلا: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]، فكان خلقُه القرآن، يعني: أنه يعمل بما في القرآن من الأوامر، وينتهي عمَّا فيه من النَّواهي، ويتخلّق بما مدحه القرآن وأثنى على أهله .....، كما قال تعالى: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9]، قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ [فصلت:44]، كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29].
فجديرٌ بالمؤمن التَّدبر لهذا الكتاب العظيم، والعمل بما أمر الله به، أو أثنى على أهله، والحذر مما نهى عنه، أو ذمّ أهله، هذا هو الخلق الكريم، هذا هو الخلق العظيم، وهذا خلق النبي ﷺ، وهو العمل بأوامر الله، والانتهاء عن نواهيه، والتَّخلق بالأخلاق التي مدحها وأثنى على أهلها، والحذر من الأخلاق التي ذمَّ أهلها وعابهم.
وجديرٌ بالمؤمن أيضًا أن يعتني بتلاوة هذا الكتاب، والإكثار منها بالتَّدبر والتَّعقل: وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأنعام:155]، وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام:19]، وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:41-42].
ومن نِعم الله العظيمة، أعظم نعمةٍ أنعم الله بها على عباده بعد هدايتهم للإسلام: أن أنزل عليهم هذا الكتاب العظيم، والله أكبر نعمة.
الطالب: حدير -بوزن الذي قبله، لكن آخره راء- الحضرمي، أبو الزاهرية، الحمصي، صدوق، من الثالثة، مات على رأس المئة. (ر، م، د، س، ق).
الشيخ: وهذا يُبين أنَّ السند جيد، السند هذا الذي رواه أحمد والنَّسائي عن جبير، عن عائشة: أنَّ آخر ما نزل هذه السورة، وأنَّ خلقه كان هو القرآن -عليه الصلاة والسلام.
.............
بسم الله الرحمن الرحيم،
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة:1-2].
قال ابنُ أبي حاتم: حدثنا أبي: حدثنا نعيم بن حماد: حدثنا عبدالله بن المبارك: حدثنا مسعر: حدثني معن وعوف -أو أحدهما- أنَّ رجلًا أتى عبدالله بن مسعود فقال: اعهد إليَّ. فقال: إذا سمعتَ الله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فأرعها سمعك، فإنَّه خيرٌ يأمر به، أو شرٌّ ينهى عنه.
الشيخ: وهذه وصية عظيمة: إذا سمع المؤمنُ الله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ينبغي الانتباه، فإنَّ ذلك إمَّا خيرٌ تُؤْمَر به، وإمَّا شرٌّ تُنْهَى عنه، وهكذا يَا أَيُّهَا النَّاسُ ينتبه، فهو من الناس: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ [النساء:1]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ [الحج:1]، إلى أمثالها: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى [الحجرات:13]، فالمؤمن ينتبه، فهو من الناس، ومن المؤمنين، إذا كان مُسلمًا ينتبه، ويرعها سمعه وقلبه، والله المستعان.
س: يَا أَيُّهَا النَّاسُ تعمّ الكافر؟
ج: تعمّ الجميع، تعمّ جميع الناس: الجنّ والإنس.
س: ويَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا .....؟
ج: تعمّ المؤمنين من الجنِّ والإنس.
الشيخ: يعني: داخلٌ في الأوامر -عليه الصلاة والسلام- إلا ما خصَّه الدليل، نعم.
وحدثنا أحمد بن سنان: حدثنا محمد بن عبيد: حدثنا الأعمش، عن خيثمة، قال: كل شيءٍ في القرآن: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فهو في التوراة: "يا أيها المساكين".
فأمَّا ما رواه عن زيد بن إسماعيل الصَّائغ البغدادي: حدثنا معاوية –يعني: ابن هشام-، عن عيسى بن راشد، عن علي بن بذيمة، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ، قال: ما في القرآن آية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إلا أنَّ عليًّا سيدها وشريفها وأميرها، وما من أصحاب النبي ﷺ أحدٌ إلا قد عُوتِب في القرآن، إلا علي بن أبي طالب، فإنَّه لم يُعاتَب في شيءٍ منه. فهو أثرٌ غريبٌ، ولفظه فيه نكارة، وفي إسناده نظر.
الشيخ: هذا خبرٌ باطلٌ موضوعٌ، هذا من وضع الشِّيعة، أكرم مَن يدخل في الآيات هو النبي ﷺ، ثم الصديق، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، وليس هو عليًّا وحده، فإنَّ هؤلاء مُقدَّمون عليه -رضي الله عنهم وأرضاهم-، وأكرم مَن تعمّه الآيات وتشمله هو رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، لكن هذا من وضع الشِّيعة، أعد سنده.
الشيخ: انظر زيد بن إسماعيل. نعم، وأيش بعده؟
الشيخ: وانظر هذا: عيسى بن راشد أيضًا، زيد بن إسماعيل، وعيسى بن راشد.
قارئ المتن: الحافظ تكلّم عليه في نفس كتاب ابن كثير.
الشيخ: بعد هذا؟
قارئ المتن: إي، نعم.
الشيخ: جيد، نعم، عن عيسى بن راشد، وأيش بعده؟
الشيخ: العلة إمَّا عيسى بن راشد، أو زيد بن إسماعيل، كمّل.
وقال البخاري: عيسى بن راشد هذا مجهول، وخبره مُنكر.
قلتُ: وعلي بن بذيمة وإن كان ثقةً إلا أنَّه شيعي غالٍ، وخبره في مثل هذا فيه تُهمة فلا يُقبل.
المقصود: آفته أعظم، آفة عيسى بن راشد، ما دام مجهولًا .....، أيش قال في "التقريب" عليه.
الطالب: عيسى ابن أبي رزين يُقال: اسم أبيه راشد، ويقال .....، وهو عيسى بن إدريس الثُّمالي -بضم المثلثة- الحمصي، مقبول، من السابعة. النسائي في "خصائص علي".
الشيخ: نعم، ليس بمقبولٍ، بل مُتّهم.
س: علي بن بذيمة أليس بضعيفٍ؟
ج: الذي أعرف أنَّه ثقة، لكن يقولون أنَّه يتشيّع، فإذا كان يتشيّع فقد يُتّهم، لكن الأقرب -والله أعلم- أنَّه عيسى بن راشد. انظر: علي بن بذيمة في "التقريب". رحم الله الحافظ، أجاد وأفاد.
وقوله: "فلم يبقَ أحدٌ من الصحابة إلا عُوتِب في القرآن إلا عليًّا"، إنما يُشير به إلى الآية الآمرة بالصّدقة بين يدي النَّجوى، فإنَّه قد ذكر غيرُ واحدٍ أنَّه لم يعمل بها أحدٌ إلا عليّ، ونزل قوله: أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الآية [المجادلة:13]، وفي كون هذا عتابًا نظر؛ فإَّنه قد قيل: إنَّ الأمر كان ندبًا، لا إيجابًا، ثم قد نسخ ذلك عنهم قبل الفعل، فلم يصدر من أحدٍ منهم خلافه.
وقوله عن عليٍّ: "إنَّه لم يُعاتَب في شيءٍ من القرآن" فيه نظر أيضًا، فإنَّ الآية التي في الأنفال التي فيها المعاتبة على أخذ الفداء عمَّت جميع مَن أشار بأخذه، ولم يسلم منها إلا عمر بن الخطاب .
فعُلم بهذا وبما تقدّم ضعف هذا الأثر، والله أعلم.
الطالب: علي بن بذيمة -بفتح الموحدة، وكسر المعجمة الخفيفة، بعدها تحتانية ساكنة- الجزري، ثقة، رُمِيَ بالتَّشيّع، من السادسة، مات سنة بضع وثلاثين. (الأربعة).
الشيخ: "رُمِيَ بالتَّشيع" كأنَّ الحافظ ما عنده جزم، "رُمِيَ" بصيغة التَّمريض. أقول: جزم الحافظ؟
الشيخ: يكفي، يكفي، نعم.
س: .............؟
ج: الله أعلم، الله أعلم.
س: .............؟
ج: وَلَا تَرْكَنُوا [هود:113] الميل إلى الكفَّار ومُناصرتهم على المسلمين، نسأل الله العافية.