تفسير قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ..}

أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [التوبة:16].

يقول تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أيها المؤمنون أن نترككم مُهملين، لا نختبركم بأمورٍ يظهر فيها أهلُ العزم الصَّادق من الكاذب؟ ولهذا قال: وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً أي: بطانة ودخيلة، بل هم في الظاهر والباطن على النُّصح لله ولرسوله، فاكتفى بأحد القسمين عن الآخر، كما قال الشاعر:

وما أدري إذا يممت أرضًا أريد الخير أيّهما يليني

وقد قال الله تعالى في الآية الأخرى: الم ۝ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ۝ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:1-3]، وقال تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ [آل عمران:142]، وقال تعالى: مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ الآية [آل عمران:179].

والحاصل أنَّه تعالى لما شرع لعباده الجهاد بيّن أنَّ له فيه حكمة، وهو اختبار عبيده: مَن يُطيعه، ممن يعصيه، وهو تعالى العالم بما كان، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، فيعلم الشَّيء قبل كونه، ومع كونه على ما هو عليه، لا إله إلا هو، ولا ربَّ سواه، ولا رادّ لما قدّره وأمضاه.

الشيخ: وهذا يُوجب للمؤمن التَّفطن والانتباه، وأنه مُبتلى، وأنه يمتحن، فليصدق مع الله، وليحذر أن تكون أعماله الظَّاهرة غير الباطنة، فإنَّه يبتلي عباده بالسّراء والضّراء، والشّدة والرّخاء، فمَن صدق مع الله في الشّدة والرّخاء فهو وليه حقًّا، وهو الموعود بالجنة والكرامة والسَّعادة والنَّصر، أما مَن كان ظاهره خلاف باطنه، وإنما يعمل لمقاصد أخرى، أو أسباب أخرى، فهو يفتضح، ويعلم الله ما لديه، وتسوء عاقبته؛ ولهذا يقول -جلَّ وعلا: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء:35]، وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الأعراف:168]، وفي أول العنكبوت يقول -جلَّ وعلا: الم ۝ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ما يُختبرون، الفتنة: الاختبار والامتحان، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ، فقد يُفتن بمرضٍ، وقد يُفتن بالمال والثروة الكثيرة، وقد يُفتن بالأمر بالجهاد، قد يُفتن بغير ذلك، فلينتبه، وليكن على المنهج القويم في الشّدة والرّخاء، في المرض صابرٌ، ثابت، مستقيم على الحقِّ، وهكذا في الصحّة ثابتٌ، مستقيم على الحقِّ، شاكرٌ لله ، وهكذا في المال شاكرٌ لله في الفقر، صابر، مستقيم على طاعة الله، وهكذا في جميع الأحوال ينتبه لجميع ما يُبتلى به من شدّةٍ ورخاء، من مالٍ وفقرٍ، من صحّةٍ ومرضٍ، من جاهٍ وغيره، حتى يكون مع الله في كل شيءٍ، يعني: مع شرعه، مع ما يُريده –سبحانه- شرعًا وقدرًا، لا مع الهوى، نعم.

مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ ۝ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ [التوبة:17-18].

يقول تعالى: ما ينبغي للمُشركين بالله أن يعمروا مساجد الله التي بُنيت على اسمه وحده لا شريكَ له.

ومَن قرأ "مسجد الله" فأراد به المسجد الحرام أشرف المساجد في الأرض، الذي بُني من أول يومٍ على عبادة الله وحده لا شريكَ له، وأسّسه خليلُ الرحمن، هذا وهم شاهدون على أنفسهم بالكفر، أي: بحالهم.

وقال لهم كما قال السّدي: لو سألت النَّصراني: ما دينك؟ لقال: نصراني، ولو سألت اليهودي: ما دينك؟ لقال: يهودي، والصَّابئ لقال: صابئ، والمشرك لقال: مشرك.

أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ أي: بشركهم، وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ، وقال تعالى: وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [الأنفال:34].

الشيخ: والمعنى: أنَّ المشرك ليس من عُمَّار مساجد الله؛ لأنَّه ليس أهلًا لذلك؛ لأنَّ كفره يُنافي ذلك ويُبعده من ذلك، ولو دخل المسجد، ولو جلس في المسجد، لو صلَّى الصلاة التي يعتقدها، كلّ ذلك باطلٌ، وليس بعمارة المسجد، وإنما عمارة المساجد بطاعة الله، والإخلاص له، واتِّباع أمره، والدَّعوة إلى سبيله، لا عمارتها باللبن، ولا بالحصى، ولا بالإسمنت، ولا بغير ذلك، ولا بالجلوس فيها، ولا بالتَّعبد الباطل فيها، وإنما تُعمر بطاعة الله ورسوله، والإخلاص لله، والدَّعوة إليه، وإقامة أمره، هذه هي عمارة المساجد، نعم.

ولهذا قال تعالى: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فشهد تعالى بالإيمان لعُمَّار المساجد، كما قال الإمامُ أحمد: حدَّثنا سريج: حدثنا ابنُ وهب، عن عمرو بن الحارث: أنَّ دراجًا أبا السّمح حدَّثه عن أبي الهيثم، عن أبي سعيدٍ الخدري: أنَّ رسول الله ﷺ قال: إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان، قال الله تعالى: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ.

ورواه الترمذي وابن مردويه والحاكم في "مستدركه" من حديث عبدالله بن وهب، به.

الشيخ: الحديث ضعيفٌ؛ لأنَّ دراجًا هذا ليس ممن يُحتجّ به، لكن المعنى صحيح، فالمحافظة على الصّلوات في المساجد ووضوؤها من دلائل الإيمان، ومن دلائل الخير، ما لم يتبين خلاف ذلك، وإلا فالوضوء والمحافظة على الصّلوات الخمس من دلائل الإيمان، من دلائل الخير، من علامات الخير، لكن قد يفعل ذلك بعضُ الناس رياءً، ولمقاصد أخرى، ثم ينكشف، لكن الغالب على مَن حافظ على الصّلوات في المساجد من غير دافعٍ آخر أنَّه حمله الإيمانُ، حمله خوفُ الله وتقوى الله، أمَّا ما قد يقع من بعض المداهنين، ومن بعض الذين يفعلون ذلك لأغراضٍ خاصّة، ثم ينكشفون، هذا من النَّوادر، وإلا فالمشهور والغالب والواقع هو أنَّ مَن حافظ على المساجد وسارع إلى الصّلوات وعُرف بذلك فذلك من أدلة إيمانه وتقواه، ومن أدلة أنَّه من أهل الخير؛ ولهذا يقول -جلَّ وعلا: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ، هؤلاء هم عُمَّارها، لا المراؤون، ولا البنَّاؤون، قد يبنيها فاجر وغير فاجرٍ، وقد يحضر فيها مَن ليس كذلك، لكن مَن يعمرها، ويستقيم فيها، ويُحافظ عليها، ويُشهد له بالمحافظة عليها، فهذا من الدلائل على إيمانه وتقواه، إذا ما انكشف بشيءٍ، وهو من النَّادر.

س: هل المشركون ينوون عمارة المساجد الحسيّة؟

ج: لا يجوز أن يُولوا ذلك؛ لأنَّهم لا يؤمنون، ولكن لو عمروها فليس هذا دليلًا على إسلامهم، حتى لو عمروها، لكن المسلمين لا يولون الكفَّار عمارة المساجد، يعمرها المسلمون، نعم.

س: المراد بالعمارة هل هي العبادة؟

ج: العبادة نعم، لا شكَّ.

وقال عبد بن حميد في "مسنده": حدثنا يونس بن محمد: حدثنا صالح المري، عن ثابت البناني، عن ميمون بن سياه وجعفر بن زيد، عن أنس بن مالك، قال: قال رسولُ الله ﷺ: إنما عُمَّار المساجد هم أهل الله.

ورواه الحافظ أبو بكر البزار: عن عبدالواحد بن غياث، عن صالح بن بشير المري، عن ثابت، عن أنسٍ، قال: قال رسولُ الله ﷺ: إنما عُمَّار المساجد هم أهل الله. ثم قال: لا نعلم رواه عن ثابتٍ غير صالح.

الشيخ: صالح من الوعاظ، وهو ضعيف في الرواية، صالح المري من الوعاظ والقُصّاص، لكنه ضعيف في الرواية، لكن له شاهد فيما قبله، وكلا الحديثين ضعيف، لكن المعنى صحيح، المعنى هو أنَّ عُمَّار المساجد بطاعة الله والمحافظة على الصلاة هم أهل الله، وهم أهل الخير، هذا هو المعروف، هذا هو الغالب إلا ما ندر.

س: أحسن الله إليك، عمارة المساجد؟

ج: بطاعة الله، والمحافظة على الصّلوات في الجماعة.

س: ما تشمل الحسيّة والمعنويّة؟

ج: لا، المقصود هنا عمارتها بطاعة الله، أما البناء فله فضلٌ آخر: مَن بنى لله مسجدًا بنى اللهُ له بيتًا في الجنة.

س: الحديث يكون حسنًا؟

ج: الحديث ضعيف؛ لأنَّ صالحًا ودراجًا ليسا بذاك، ما يقوى إلى الحسن، وقد يُقال: حسنٌ لغيره من جهة المعنى أيضًا.

وقد روى الدَّارقطني في "الأفراد" من طريق حكامة بنت عثمان بن دينار، عن أبيها، عن أخيه مالك بن دينار، عن أنسٍ مرفوعًا: إذا أراد اللهُ بقومٍ عاهةً نظر إلى أهل المساجد فصرف عنهم، ثم قال: غريبٌ.

وروى الحافظ البهائي في "المستقصى".

مداخلة: وروى الحافظ البهاء في "المستقصى".

الشيخ: شيخ عمر، أو أحد الإخوان، انظروا لنا ترجمة هذا، ما أعرفه، ما أذكر الحافظ البهاء، واحدٌ منكم يلتمس ترجمته.
 

وروى الحافظ البهائي في "المستقصى" عن أبيه بسنده إلى أبي أُمية الطّرسوسي: حدثنا منصور بن صقير: حدثنا صالح المري، عن ثابت، عن أنسٍ مرفوعًا: يقول الله: وعزّتي وجلالي إني لأهمّ بأهل الأرض عذابًا، فإذا نظرتُ إلى عُمَّار بيوتي وإلى المتحابين فيَّ وإلى المستغفرين بالأسحار صرفتُ ذلك عنهم.

ثم قال ابنُ عساكر: حديثٌ غريبٌ.

 

الشيخ: بين هنا البهاء مُراده، ابن عساكر المعروف، لعله هذا، نعم.

وقال الإمام أحمد: حدثنا روح: حدثنا سعيد، عن قتادة: حدثنا العلاء بن زياد، عن معاذ بن جبل: أنَّ النبي ﷺ قال: إنَّ الشيطان ذئبُ الإنسان، كذئب الغنم، يأخذ الشَّاة القاصية والنَّاحية، فإياكم والشّعاب، وعليكم بالجماعة والعامّة والمسجد.

الشيخ: وهذا له شواهد: وعليكم بالجماعة، هذا هو المطلوب، إلا عند الضَّرورة وعند الفتن ..... الإنسان أسباب النَّجاة، لكن عند وجود العامّة ووجود الأخيار يكون معهم، ويبتعد عن الشّعاب .....، فإنَّ هذا فيه خطر، لكن عند شدّة الغُربة مثلما جاء في حديث ..... عند شدّة الغُربة يلتمس الحقَّ وأهله ولو قلُّوا.

انظر: العلاء بن زياد في "التقريب"، قد يكون مُنقطعًا، قد يكون العلاء ما أدرك معاذًا، لكن المعنى صحيحٌ، والله أعلم.

وقال عبدالرزاق: عن معمر، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون الأودي، قال: أدركتُ أصحابَ محمدٍ ﷺ وهم يقولون: إنَّ المساجد بيوت الله في الأرض، وإنَّه حقٌّ على الله أن يُكرم مَن زاره فيها.

وقال المسعودي: عن حبيب ابن أبي ثابت وعدي بن ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما- قال: مَن سمع النِّداء بالصّلاة ثم لم يُجب ولم يأتِ المسجد ويُصلي فلا صلاةَ له، وقد عصى الله ورسوله.

قال الله تعالى: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ الآية. رواه ابنُ مردويه، وقد رُوِيَ مرفوعًا من وجهٍ آخر، وله شواهد من وجوهٍ أُخر، ليس هذا موضع بسطها.

الشيخ: رواه ابنُ ..... بسندٍ صحيحٍ عن ابن عباسٍ مرفوعًا: مَن سمع النِّداء فلم يأتِ فلا صلاةَ له إلا من عذرٍ، كما ذكره الحافظ في "البلوغ"، حديثٌ عظيمٌ، كذلك حديث الأعمى، قال: يا رسول الله، ليس لي قائدٌ يقودني إلى المسجد، فهل لي من رخصةٍ أن أُصلي في بيتي؟ فقال ﷺ: هل تسمع النِّداء بالصلاة؟ قال: نعم. قال: فأجب. أخرجه مسلمٌ في "صحيحه".

ويقول ابنُ مسعودٍ : "لقد رأيتنا وما يتخلّف عنها إلا مُنافق معلوم النِّفاق أو مريض". نعم.

س: قوله: "فلا صلاةَ له"، المقصود الكمال، أو بُطلان الصَّلاة؟

ج: بيان كمالها، وأنها واجبة الحضور في الجماعة، مثلما قال الشيخ تقي الدين -رحمه الله: إنَّ الله لا ينفي شيئًا من أسماء الدِّين إلا لنقص بعض واجباته. فالمعنى: أنَّ من الواجب في الصّلاة الخروج في الجماعة، مثلما أنَّ الأذان واجب .....، لكن ما تبطل الصلاة بتركه، فإنَّه لو صلّى وحده صحّت، لكن يكون عاصيًا، آثمًا.

الطالب: العلاء بن زياد بن مطر العدوي، أبو نصر، البصري، أحد العُبَّاد، ثقة، من الرابعة، مات سنة أربعٍ وتسعين. (خت، مد، س، ق).

الشيخ: هذا يدلّ على أنه ما أدرك معاذًا، مُنقطع، نعم.

س: شيخ الإسلام ما يرى أنَّ الجماعة شرطٌ لصحّة الصلاة؟

ج: له قولان: أحدهما: الوجوب، والثاني: أنه يرى أنها شرطٌ، والمعروف عند أهل العلم أنها واجبة فقط، ليست شرطًا؛ ولهذا لم يأمر النبي ﷺ الذين تخلَّفوا عن الجماعة أن يُعيدوا، نعم.

وقوله: وَأَقَامَ الصَّلَاةَ أي: التي هي أكبر عبادات البدن، وَآتَى الزَّكَاةَ أي: التي هي أفضل الأعمال المتعدية إلى برِّ الخلائق.

وقوله: وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ أي: ولم يخف إلا من الله تعالى، وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ.

قال علي ابن أبي طلحة: عن ابن عباسٍ في قوله: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يقول: مَن وحّد الله وآمن باليوم الآخر، يقول: مَن آمن بما أنزل الله، وَأَقَامَ الصَّلَاةَ يعني: الصّلوات الخمس، وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ، يقول: لم يعبد إلا الله.

ثم قال: فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ يقول تعالى: إنَّ أولئك هم المفلحون، كقوله لنبيه ﷺ: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء:79]، وهي الشَّفاعة، وكل "عسى" في القرآن فهي واجبة.

الشيخ: يعني "عسى" أنَّ هذا واجب، والمعنى: فأولئك، يعني: الله سيبعثه مقامًا محمودًا، ومن هذا قوله -جلَّ وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [التحريم:8]، "عسى" من الله واجبة، مَن أتى بالشَّرط حصل له المعلّق.

وقال محمدُ بن إسحاق بن يسار -رحمه الله: وعسى من الله حقٌّ.

س: رجلٌ كان لا يُصلي، ثم تاب الله عليه، فهل يُعيد ما تركه؟

ج: لا، التوبة تجُبّ ما قبلها، الكافر إذًا لا يقضي، تجُبّ ما قبلها، التوبة تكفي: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الأنفال:38]، والله أكبر.