تفسير قوله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ..}

وقال الإمام أحمد: حدَّثنا علي بن إسحاق: أنبأنا عبدالله بن المبارك: أنبأنا حميد الطويل، عن أنسٍ: أنَّ رسول الله ﷺ قال: أُمرتُ أن أُقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، فإذا شهدوا أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله، واستقبلوا قبلتنا، وأكلوا ذبيحتنا، وصلّوا صلاتنا؛ فقد حُرّمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقِّها، لهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم.

ورواه البخاري في "صحيحه" وأهل السنن إلا ابن ماجه، من حديث عبدالله بن المبارك به.

الشيخ: والمعنى في هذا –يعني- إذا التزموا الإسلام، مثلما في حديث ابن عمر: أُمرتُ أن أُقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله، ويُقيموا الصلاة، ويُؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقِّ الإسلام، وحسابهم على الله. متَّفقٌ على صحّته.

هكذا حديث أنسٍ: أُمرتُ أن أُقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله، فإذا شهدوا أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله، واستقبلوا قبلتنا، وصلّوا صلاتنا، وأكلوا ذبيحتنا؛ فلهم ما لنا، وعليهم ما علينا.

المعنى: أنهم كانوا مسلمين في هذا، فإذا التزم بالشَّهادتين وبحقِّهما فهو مسلمٌ؛ ولهذا في الأحاديث الأخرى: أُمرتُ أن أُقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقِّها، وفي لفظٍ: أُمرتُ أن أُقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقِّها، ومن حقِّها: شهادة أنَّ محمدًا رسول الله، ومن حقِّها: الصلاة، الزكاة، الصيام، الحج .. إلى غير هذا.

س: معنى: وأكلوا ذبيحتنا؟

ج: يعني: استحلّوا ذبيحتنا بالتّسمية، وسمّوا بمثل ما نُسمِّي، وأكلوا ما أباح الله لنا من الإبل والبقر وغير ذلك، وتركوا ما لا نأكل، معناه: تابعوا الشَّرع.

وقال الإمام أبو جعفر ابن جرير: حدثنا عبدالأعلى بن واصل الأسدي: حدثنا عبيدالله بن موسى: أخبرنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، قال: قال رسولُ الله ﷺ.

مُداخلة: عندنا يا شيخ: الربيع بن أنس، عن أنس.

الشيخ: وعندكم؟

القارئ: الربيع بن أنس.

الشيخ: يُراجع ابن جرير، كمّل.

الطالب: موجود في ابن جرير -بارك الله فيكم-: حدثنا عبدالأعلى بن واصل الأسدي: حدثنا عبيد الله بن موسى: أخبرنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع، عن أنسٍ، قال: قال رسولُ الله ﷺ .. وذكر الحديث.

الشيخ: الربيع، عن أنس، طيب، عن الربيع، عن أنس، الربيع بن أنس، عن أنس.

عن الربيع بن أنس، عن أنسٍ، قال: قال رسولُ الله ﷺ: مَن فارق الدنيا على الإخلاص لله وحده وعبادته، لا يُشرك به شيئًا؛ فارقها والله عنه راضٍ.

قال: وقال أنسٌ: هو دين الله الذي جاءت به الرسل، وبلَّغوه عن ربهم قبل هرج الأحاديث واختلاف الأهواء، وتصديق ذلك في كتاب الله في آخر ما أنزل، قال الله تعالى: فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [التوبة:5]. قال: توبتهم خلع الأوثان، وعبادة ربهم، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة. ثم قال في آيةٍ أخرى: فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة:11].

ورواه ابنُ مردويه، ورواه محمد بن نصر المروزي في كتاب "الصلاة" له: حدثنا إسحاق بن إبراهيم: أنبأنا حسان بن سلمة.

مداخلة: أحسن الله إليك، عندنا: حكام بن سلم.

الشيخ: وأيش عندكم؟

الطالب: حسان بن سلمة.

الشيخ: سلمة أو سلم؟

الطالب: سلمة.

الشيخ: أيش عندك؟

الطالب: أنبأنا حسان بن سلمة.

الشيخ: الظاهر أنَّه ابن سلم، انظر "التقريب" أو "الخلاصة".

الطالب: حكام بن سلم -بإسكان اللام- الكناني، أبو عبدالرحمن، الرازي، عن حميد وإسماعيل ابن أبي خالد، وعنه: إسحاق بن إسماعيل الطالقاني، وأبو بكر ابن أبي شيبة، ومحمد بن عمر –زنيج- وخلق، وثَّقه ابنُ معين وأبو حاتم، مات سنة تسعين ومئة بمكة.

الشيخ: غيره أحد؟

الطالب: ما في غيره، هو فقط، بارك الله فيك.

الشيخ: هذا هو: حكام بن سلم.

الطالب: في "التقريب" أحسن الله إليك، يقول: حكام -بفتح أوله والتَّشديد- بن سلم -بسكون اللام- أبو عبدالرحمن الرازي، الكناني –بنونين- ثقة، له غرائب، من الثامنة، مات سنة تسعين ومئة. (خت، م، 4).

الشيخ: هو هذا.

حدثنا إسحاقُ بن إبراهيم: أنبأنا حكام بن سلم: حدثنا أبو جعفرٍ الرَّازيُّ به سواءً.

وهذه الآيةُ الكريمةُ هي آيةُ السَّيف التي قال فيها الضَّحَّاكُ بنُ مُزَاحم: إنَّها نَسَخَتْ كُلَّ عَهْدٍ بين النبيِّ ﷺ وبين أحدٍ من المشركين، وكلَّ عقدٍ، وكلَّ مُدَّةٍ.

وقال العوفيُّ: عن ابن عَبَّاسٍ.

مُداخلة: عندنا: على كل عهدٍ.

الشيخ: على ما تقدّم.

س: يعني: عقد وعهد، لا مانع منها؟ مُتقاربة؟

ج: نعم، نعم.

س: في نسخةٍ: عقد؟

ج: وأيش عندكم؟

القارئ: وكل عقدٍ، وكل مدّةٍ.

الطالب: في نسخةٍ: عهد، وفي نسخةٍ: عقد.

الشيخ: المعنى مُتقارب: العهد والعقد هما شيء واحد.

وقال العوفيُّ: عن ابن عبَّاسٍ في هذه الآية: لم يبقَ لأحدٍ من المشركين عهدٌ ولا ذِمَّةٌ منذ نزلتْ براءة، وانْسِلَاخِ الأشهر الحُرُمِ، ومدَّة مَن كان له عهدٌ من المشركين قبل أن تنزل براءة أربعة أشهرٍ من يومِ أُذِّنَ.

الشيخ: كذا عندكم؟

الطالب: إي، نعم.

الشيخ: قال الضَّحاك أيش؟

وقال العوفيُّ: عن ابن عباسٍ في هذه الآية: لم يبقَ لأحدٍ من المشركين عهدٌ ولا ذِمَّةٌ منذ نزلتْ براءةُ، وانسلاخِ الأشهر الحُرُمِ، ومدَّةُ مَن كان له عهدٌ من المشركين قبل أن تنزل براءة أربعة أشهرٍ، مِن يومِ أُذِّنَ ببراءة إلى عشرٍ من أوَّلِ شهر ربيع الآخر.

الشيخ: هذا في إطلاقه نظر؛ لأنَّ مَن كان له عهدٌ فهو على مدّته، ومَن ليس له عهدٌ فمدّته أربعة أشهر، كما تقدّم، نعم.

وقال علي ابن أبي طلحة: عن ابن عباسٍ في هذه الآية قال: أمره اللهُ تعالى أن يضع السيفَ فيمَن عاهد إن لم يدخلوا في الإسلام، ونقض ما كان سمَّى لهم من العهد والميثاق، وأذهب الشرط الأول.

وقال ابنُ أبي حاتم: حدَّثنا أبي: حدَّثنا إسحاق بن موسى الأنصاري، قال: قال سفيانُ بن عيينة: قال علي بن أبي طالب: بعث النبي ﷺ بأربعة أسياف: سيف في المشركين من العرب، قال الله تعالى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [التوبة:5]. هكذا رواه مختصرًا.

وأظنّ أنَّ السيف الثاني هو: قتال أهل الكتاب؛ لقوله تعالى: قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة:29].

والسيف الثالث: قتال المنافقين في قوله: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ الآية [التوبة:73].

والرابع: قتال الباغين في قوله: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ [الحجرات:9].

ثم اختلف المفسّرون في آية السيف هذه: فقال الضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ: هي منسوخة بقوله تعالى: فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً [محمد:4]. وقال قتادة بالعكس.

س: ما في سيف خامس؛ وهو قتال المرتدين، أو داخل في المشركين؟

ج: الظاهر أنَّه بدل المنافقين: قتال المرتدين؛ لأنَّ المنافقين ما يُقاتلون إن أظهروا الإسلام، فالسيف الرابع: قتال المرتدين غير المشركين الأصول، نعم.

س: المراد بقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ؟

ج: جهاد الكفار بالسيف، والمنافقين بالغلظة لهم، إلا إذا أظهروا نفاقهم، فإذا أظهروه صاروا كفَّارًا صُرحاء؛ ولهذا لم يقتل النبيُّ ﷺ عبدالله بن أُبي ولا جماعته.

س: الصواب في هذه الآية أنها منسوخة: آية السيف؟

ج: آية السيف ما هي بمنسوخة، نعم.

ثم اختلف المفسّرون في آية السيف هذه: فقال الضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ: هي منسوخة بقوله تعالى: فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً [محمد:4]. وقال قتادة بالعكس.

الشيخ: ليست منسوخةً، ولكنَّها مُخصصة لآية الجزية، أدّوا الجزية أهل الكتاب، ومُخصصة بما إذا رأى ولي الأمر الصُّلح: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا [الأنفال:61]، إذا اقتضت المصلحةُ الصُّلح، كما صالح النبيُّ ﷺ أهلَ أوثانٍ من أهل مكة في يوم الحُديبية، إذا رأى المصلحة صالحهم لمدّةٍ معلومةٍ، فهي آية عامَّة، ولكنَّها مخصوصة بأنواع من التَّخصيص بأهل الكتاب إذا رأى المصلحة في ذلك: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ.

س: المشركون المنتسبون للإسلام يُعاملون معاملة المرتدين، أم معاملة الكفَّار الأصليين؟

ج: مَن كان شركه أصيلًا فهو كالمشركين، ومَن كان شركه طارئًا فيُعامل معاملة المرتدين، مَن طرأ عليه الشِّرك فهو من المرتدين، ومَن كان عاش على الشِّرك ونشأ على الشِّرك فهو من الكفَّار الأصليين، نسأل الله العافية.

وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ [التوبة:6].

يقول تعالى لنبيِّه –صلوات الله وسلامه عليه-: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الذين أمرتُك بقتالهم، وأحللتُ لك استباحة نفوسهم وأموالهم اسْتَجَارَكَ أي: استأمنك فأجبه إلى طلبته حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ أي: القرآن تقرأه عليه، وتذكر له شيئًا من أمر الدِّين تُقيم به عليه حُجّة الله، ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ أي: وهو آمنٌ مُستمرُّ الأمان حتى يرجع إلى بلاده وداره ومأمنه، ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ أي: إنما شرعنا أمان مثل هؤلاء ليعلموا دين الله، وتنتشر دعوة الله في عباده.

وقال ابنُ أبي نجيح: عن مجاهدٍ في تفسير هذه الآية قال: إنسانٌ يأتيك ليسمع ما تقول، وما أُنزل عليك، فهو آمنٌ حتى يأتيك فتُسمعه كلام الله، وحتى يبلغ مأمنه حيث جاء، ومن هذا: كان رسولُ الله ﷺ يُعطي الأمان لمن جاءه مُسترشدًا أو في رسالةٍ، كما جاءه يوم الحديبية جماعةٌ من الرسل من قريش، منهم: عروة بن مسعود، ومكرز بن حفص، وسهيل بن عمرو، وغيرهم، واحدًا بعد واحدٍ، يترددون في القضية بينه وبين المشركين، فرأوا من إعظام المسلمين رسول الله ﷺ ما بهرهم، وما لم يُشاهدوه عند ملكٍ ولا قيصر، فرجعوا إلى قومهم وأخبروهم بذلك، وكان ذلك وأمثاله من أكبر أسباب هداية أكثرهم.

ولهذا أيضًا لـمَّا قدم رسولُ مُسيلمة الكذَّاب على رسول الله ﷺ قال له: أتشهد أنَّ مُسيلمة رسول الله؟ قال: نعم. فقال رسولُ الله ﷺ: لولا أنَّ الرسل لا تُقتل لضربتُ عنقك، وقد قيَّض اللهُ له ضرب العنق في إمارة ابن مسعودٍ على الكوفة، وكان يُقال له: ابن النَّواحة، ظهر عنه في زمان ابن مسعود أنَّه يشهد لمسيلمة بالرسالة، فأرسل إليه ابنُ مسعودٍ فقال له: إنَّك الآن لستَ في رسالةٍ. وأمر به فضُربت عنقه، لا رحمه الله ولعنه.

الشيخ: ومن هذا الوفود الذين يفدون على النبي ﷺ، فإنَّه يُقرّهم ويعلمهم ويرجعهم إلى مأمنهم، مثل: وفود أهل الطائف، ووفود أهل نجران، سمع منهم وعلمهم وأرشدهم وبلّغهم وردّهم إلى مأمنهم.

س: بالنسبة للأمان: ما يُعطى إلا للمُسترشد والوفود والرُّسل فقط؟

ج: الذي يأتي لحاجةٍ، أو يرى وليُّ الأمر مجيئه لحاجةٍ، لمصلحةٍ.

س: لكن لو كان في حربٍ وانتصر المسلمون، وجاء أحدُ الكفرة يستأمن يؤمن؟

ج: يرى ولي الأمر رأيه، ينظر فيه ولي الأمر: إن رأى قتله قتله، وإن رأى أمّنه، على حسب ما يراه ولي الأمر.

س: لعن الكفَّار؟

ج: يقول النبي ﷺ: لا تسبّوا الأموات، فإنَّهم قد أفضوا إلى ما قدَّموا، لكن كثيرًا من أهل العلم إذا مرّ ذكره للكافرين من شدّة البغضاء يلعنونهم، مثل: ابن كثير -رحمه الله- في بعض الأحيان، والرسول قال: لا تسبّوا الأموات، فإنَّهم قد أفضوا إلى ما قدَّموا، نعم.

والغرض أنَّ مَن قدم من دار الحرب إلى دار الإسلام في أداء رسالةٍ، أو تجارةٍ، أو طلب صلحٍ، أو مُهادنةٍ، أو حمل جزيةٍ، أو نحو ذلك من الأسباب، وطلب من الإمام أو نائبه أمانًا أُعطي أمانًا ما دام مُتردِّدًا في دار الإسلام، وحتى يرجع إلى مأمنه ووطنه، لكن قال العلماء: لا يجوز أن يُمكّن من الإقامة في دار الإسلام سنة، ويجوز أن يُمكّن من إقامة أربعة أشهر. وفيما بين ذلك فيما زاد على أربعة أشهر ونقص عن سنةٍ قولان عن الإمام الشافعي وغيره من العلماء –رحمهم الله.

الشيخ: والصواب في هذا أنَّه يُقرّهم ولي الأمر ما رأى من المدّة التي يرى فيها المصلحة؛ لأنَّ هذه الجزيرة أولًا ما هي محل كفّار، والبلاد الأخرى محل نظرٍ لولي الأمر: كمصر والشام والعراق، يسكنها الكفَّار، فالذي يأتي من بلاد الكفَّار إلى بلاد المسلمين ولي الأمر ينظر في أمره، فيرى رأيه: شهرًا، شهرين، أربعة أيام، ثلاثة أيام، خمسة أيام، على حسب ما تحصل به المصلحة، نعم.

س: طالت المدّة أو قصرت؟

ج: بشرط مُراعاة المصلحة الشَّرعية.

س: ولو زادت على سنة؟

ج: التحديد بسنةٍ ما عليه دليل.

س: وهذا عامٌّ حتى في الجزيرة؟

ج: لا، الجزيرة بلا شكّ، لكن ظاهر كلام ابن كثير حتى في غير الجزيرة لولي الأمر أن ينظر في الأمر؛ لأنَّه قد يكون جاسوسًا، قد يكون لمقاصد خبيثة، فينظر ولي الأمر في إقامته، فإن رأى المصلحة وإلا أبعده.

س: سياق كلام ابن كثير -رحمه الله- كأنَّ أكثر من سنةٍ محل اتِّفاقٍ؛ لأنَّه قال: فيما دون ذلك فيه ...؟

ج: ما هو بالظَّاهر.

س: عليهم أن يلتزموا؟

ج: ما يُظهروا كفرهم.

س: قول الأشاعرة في صفة الكلام؟

ج: الكلام كلام الله حرفًا ومعنًى، لا المعتزلة، ولا الجهمية، ولا الأشاعرة، ولا الكلابية، ولا غيرهم، الحقّ كلام أهل السُّنة، كلام أهل السُّنة قول ومعنى، قول كلامه -جلَّ وعلا- لفظًا ومعنًى .

كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [التوبة:7].

يُبين تعالى حكمته في البراءة من المشركين ونظرته إياهم أربعة أشهر، ثم بعد ذلك السيف المرهف أين ثُقفوا، فقال تعالى: كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ أي: أمانٌ، ويُتركون فيما هم فيه وهم مشركون بالله، كافرون به وبرسوله: إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ يعني: يوم الحُديبية، كما قال تعالى: هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ الآية [الفتح:25]، فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ أي: مهما تمسَّكوا بما عاقدتُموهم عليه وعاهدتُموهم من ترك الحرب بينكم وبينهم عشر سنين، فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ.

وقد فعل رسولُ الله ﷺ ذلك والمسلمون، استمرّ العقدُ والهدنةُ مع أهل مكّة من ذي القعدة في سنة ستٍّ إلى أن نقضت قريشٌ العهد، ومالؤوا حُلفاءهم -وهم بنو بكر- على خُزاعة أحلاف رسول الله ﷺ، فقتلوهم معهم في الحرم أيضًا، فعند ذلك غزاهم رسولُ الله ﷺ في رمضان سنة ثمانٍ، ففتح الله عليه البلد الحرام، ومكَّنه من نواصيهم -ولله الحمد والمنَّة-، فأطلق مَن أسلم منهم بعد القهر والغلبة عليهم، فسُمّوا: الطُّلقاء، وكانوا قريبًا من ألفين، ومَن استمرَّ على كفره وفرَّ من رسول الله ﷺ بعث إليه بالأمان والتَّسيير في الأرض أربعة أشهرٍ يذهب حيث شاء، ومنهم: صفوان بن أمية، وعكرمة ابن أبي جهل، وغيرهما، ثم هداهم الله بعد ذلك إلى الإسلام التَّام، والله المحمود على جميع ما يُقدّره ويفعله.

الشيخ: سبحانه، لا إله إلا هو، لا إله إلا هو.

س: حتى جزيرة العرب في بقاء هؤلاء اليهود والنَّصارى؟

ج: لا، الجزيرة ما يبقى فيها أحدٌ، هذا في خارج الجزيرة.

س: بعض الكفَّار تكون عندهم حصانة دبلوماسية، فلا يُتعرض لهم؟

ج: على كل حالٍ، هذا إلى ولي الأمر، ينظر في الأمر وليُّ الأمر، إذا رأى المصلحة في ذلك يُقيمون مدّةً يراها ولي الأمر لمصلحة المسلمين، لكن لا يُظهروا كفرهم، فعليهم أن يلتزموا بما قيل لهم، وألا يُظهروا كفرهم، بل يُمنعوا.

س: وإذا أظهروا المنكر؟

ج: يجب أن يُمنعوا ويُؤدّبوا إذا أظهروه، وليُّ الأمر يمنعهم.