تفسير قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ..}

وقال ابنُ جرير: حدَّثنا ابنُ بشار: حدثنا محمد بن جعفر: حدثنا عوف، عن أبي المغيرة، عن عبدالله بن عمرو، قال: إنَّ ابني آدم اللذين قرَّبا قُربانًا فتُقبل من أحدهما، ولم يُتقبّل من الآخر، كان أحدُهما صاحبَ حرثٍ، والآخر صاحب غنمٍ، وإنَّهما أُمِرَا أن يُقرِّبا قربانًا، وإنَّ صاحب الغنم قرَّب أكرم غنمه وأسمنها وأحسنها، طيبةً بها نفسه، وإنَّ صاحبَ الحرث قرَّب أشرّ حرثه: الكودن والزّوان، غير طيبةٍ بها نفسه، وإنَّ الله تقبّل قربان صاحب الغنم، ولم يتقبل قربان صاحب الحرث، وكان من قصّتهما ما قصَّ الله في كتابه، قال: وايم الله، إن كان المقتولُ لأشدّ الرجلين، ولكن منعه التَّحرج أن يبسط يده إلى أخيه.

وقال إسماعيل بن رافع المدني القاصّ: بلغني أنَّ ابني آدم لما أُمِرَا بالقربان، كان أحدُهما صاحب غنمٍ، وكان أنتج له حمل في غنمه، فأحبّه حتى كان يُؤثره بالليل، وكان يحمله على ظهره من حبِّه، حتى لم يكن له مالٌ أحبّ إليه منه، فلمَّا أُمِرَ بالقربان قرّبه لله  فقبله الله منه، فما زال يرتع في الجنة حتى فدى به ابن إبراهيم . رواه ابنُ جرير.

الشيخ: وفيما قصَّه الله الكفاية، فأخبار بني إسرائيل مثلما قال ﷺ: حدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، فما قصّه الله وبيَّنه لعباده فيه الكفاية: أنَّ أحدهما تقبّل منه، والآخر لم يتقبّل منه، وهذا لحكمةٍ بالغةٍ، الذي تقبّل منه كان أهلًا لذلك، والذي لم يتقبّل منه لم يكن أهلًا للقبول؛ لأسبابٍ اقتضت ذلك، فحمله البغي والحسد على قتل أخيه ظلمًا وعدوانًا، والله  يُحبّ من عباده أن يتقرَّبوا إليه بالطّيبات، لا بالأسوأ من أموالهم، قال -جلَّ وعلا-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ [البقرة:267]، وقال النبي ﷺ: إنَّ الله تعالى طيّبٌ لا يقبل إلا طيّبًا.

فأحدهما تقبّل منه لإخلاصه، وصدقه، وعنايته بما تقرّب به، والآخر لأسبابٍ ضدّ ذلك، والمقصود من هذا التَّحذير من الظلم، والتَّحذير من البغي، والحثّ على الصدق، والإخلاص لله، والعناية بما يتقرّب به العبد إلى ربه، وأنَّ الله غني حميد -جلَّ وعلا-، إنما يتقبّل من عباده المتّقين الذين يتّقونه ويُخلصون له ويعتنون بقُربانهم، فهذا استقام على طاعة الله، واتَّقى ربَّه في قُربانه؛ فقبل منه، والآخر بخلاف ذلك، نعم.

وقال ابنُ أبي حاتم: حدَّثنا أبي: حدثنا الأنصاري: حدثنا القاسم بن عبدالرحمن: حدثنا محمد بن علي بن الحسين، قال: قال آدم لهابيل وقابيل: إنَّ ربي عهد إليَّ أنه كائنٌ من ذُريتي مَن يُقرّب القربان، فقرّبا قربانًا حتى تقرّ عيني إذا تقبّل قُربانكما. فقرّبا، وكان هابيلُ صاحب غنمٍ، فقرّب أكولة.

الشيخ: الأكولة: الجيدة التي تأكل كثيرًا، السَّمينة.

فقرّب أكولة غنم، خير ماله، وكان قابيلُ صاحب زرعٍ، فقرّب مشاقةً من زرعه، فانطلق آدمُ معهما، ومعهما قربانهما، فصعدا الجبل، فوضعا قُربانهما، ثم جلسوا ثلاثتهم: آدم وهما ينظران إلى القربان، فبعث الله نارًا حتى إذا كانت فوقهما دنا منها عنق، فاحتمل قربان هابيل، وترك قربان قابيل، فانصرفوا، وعلم آدمُ أنَّ قابيل مسخوطٌ عليه، فقال: ويلك يا قابيل! ردَّ عليك قربانك؟! فقال قابيل: أحببتَه فصلّيتَ على قربانه، ودعوتَ له؛ فتقبّل قُربانه، ورُدَّ عليَّ قرباني. فقال قابيل لهابيل: لأقتلنَّك وأستريح منك، دعا لك أبوك فصلَّى على قربانك؛ فتقبّل منك. وكان يتواعده بالقتل، إلى أن احتبس هابيلُ ذات عشيةٍ في غنمه، فقال آدم: يا قابيل، أين أخوك؟ قال: وبعثتني له راعيًا! لا أدري. فقال آدم: ويلك يا قابيل! انطلق فاطلب أخاك. فقال قابيل في نفسه: الليلة أقتله. وأخذ معه حديدةً، فاستقبله وهو مُنقلب، فقال: يا هابيل، تقبّل قربانك، ورُدَّ عليَّ قرباني، لأقتلنك. فقال هابيل: قرّبتُ أطيب مالي، وقرّبتَ أنت أخبث مالك، وإنَّ الله لا يقبل إلا الطّيب، إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27]. فلمَّا قالها غضب قابيل، فرفع الحديدة وضربه بها، فقال: ويلك يا قابيل! أين أنت من الله؟! كيف يجزيك بعملك؟! فقتله، فطرحه في جوبةٍ من الأرض، وحثا عليه شيئًا من التراب.

مداخلة: في بعض الكتب: في حوبةٍ من الأرض.

الشيخ: المعنى مُتقارب، وجوبة أوضح، يعني: حُفرة، مثل: الجابية.

س: "فحثا عليه شيئًا من التراب" ما يُعارض القرآن؟

ج: هذا خبر إسرائيلي، ما يُعتمد عليه، هو خبر إسرائيلي، وهو ما حثا عليه إلا بعدما تعلّم من الغراب، نعم، أخبار بني إسرائيل فيها التَّناقض والتَّضارب؛ لأنها ليست من عند الله، يصدقون ويكذبون، نعم.

س: إذا اعتُدي على الإنسان، فأيّهما أفضل: أن يُدافع عن نفسه أم .....؟

ج: يُدافع عن نفسه، الأفضل أن يُدافع عن نفسه إلا في الفتن والاشتباه.

وقال محمد بن إسحاق: عن بعض أهل العلم بالكتاب الأول: إنَّ آدم أمر ابنه قابيل أن ينكح أخته توأمة هابيل، وأمر هابيل أن ينكح توأمة قابيل، فسلّم لذلك هابيل ورضي، وأبى ذلك قابيل وكره؛ تكرُّمًا عن أخت هابيل، ورغب بأخته عن هابيل، وقال: نحن من ولادة الجنة، وهما من ولادة الأرض، وأنا أحقّ بأختي.

ويقول بعضُ أهل العلم بالكتاب الأول: كانت أختُ قابيل من أحسن الناس، فضنَّ بها على أخيه، وأرادها لنفسه. والله أعلم أيّ ذلك كان، فقال له أبوه: يا بني، إنَّها لا تحلّ لك. فأبى قابيلُ أن يقبل ذلك من قول أبيه، قال له أبوه: يا بني، قرّب قُربانًا، ويُقرّب أخوك هابيل قُربانًا، فأيّكما تُقبّل قُربانه فهو أحقّ بها.

وكان قابيلُ على بذر الأرض، وكان هابيلُ على رعاية الماشية، فقرّب قابيلُ قمحًا، وقرّب هابيل أبكارًا من أبكار غنمه.

وبعضهم يقول: قرّب بقرةً، فأرسل الله نارًا بيضاء فأكلت قُربان هابيل، وتركت قربان قابيل، وبذلك كان يقبل القربان إذا قبله. رواه ابن جرير.

الشيخ: نعم، يعني: بأكل النار.

وقال العوفي: عن ابن عباسٍ، قال: من شأنهما أنَّه لم يكن مسكين يتصدّق عليه، وإنما كان القُربان يُقرّبه الرجل، فبينا ابنا آدم قاعدان، إذ قالا: لو قرّبنا قربانًا. وكان الرجلُ إذا قرَّب قُربانًا فرضيه الله أرسل إليه نارًا فتأكله، وإن لم يكن رضيه الله خبت النار.

فقرّبا قربانًا، وكان أحدُهما راعيًا، وكان الآخر حرَّاثًا، وإن صاحبَ الغنم قرّب خير غنمه وأسمنها، وقرّب الآخرُ بعض زرعه، فجاءت النارُ فنزلت بينهما، فأكلت الشاة، وتركت الزرع.

وإنَّ ابن آدم قال لأخيه: أتمشي في الناس وقد علموا أنَّك قرّبت قربانًا فتُقبّل منك ورُدَّ عليَّ! فلا والله لا ينظر الناس إليَّ وأنت خيرٌ مني. فقال: لأقتلنك. فقال له أخوه: ما ذنبي؟ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27]. رواه ابن جرير.

فهذا الأثر يقتضي أنَّ تقريب القُربان كان لا عن سببٍ، ولا عن تدارؤ في امرأةٍ كما تقدّم عن جماعةٍ ممن تقدّم ذكرهم، وهو ظاهر القرآن: إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27]، فالسياق يقتضي أنَّه إنما غضب عليه وحسده بقبول قُربانه دونه.

ثم المشهور عند الجمهور أنَّ الذي قرّب الشاة هو هابيل، وأنَّ الذي قرّب الطعام هو قابيل، وأنَّه تقبّل من هابيل شاته، حتى قال ابنُ عباسٍ وغيره: إنَّه الكبش الذي فُدي به الذَّبيح. وهو مناسبٌ، والله أعلم، ولم يتقبّل من قابيل.

كذلك نصَّ عليه غير واحدٍ من السلف والخلف، وهو المشهور عن مجاهد أيضًا، ولكن روى ابنُ جرير عنه أنَّه قال: الذي قرّب الزرع قابيل، وهو المتقبّل منه. وهذا خلاف المشهور، ولعله لم يحفظ عنه جيدًا، والله أعلم.

الشيخ: يكفي ما ذكره الله، والتَّفصيل: كونه بسبب أخت هذا، أو أخت هذا، أو بسبب كذا أو كذا، هذا شيء آخر يرجع إلى النص، لا يجزم بشيءٍ إلا بالنص عن الله وعن رسوله ﷺ، ولكن يكفي ما نصّ الله عليه: أنهما قرّبا فتقبّل من هذا، ولم يُتقبّل من هذا، والله سبحانه حكيمٌ عليمٌ، إنما تقبّل ممن تقبّل منه لتوفر الشروط ..... للقبول فيه، وذاك ردّ عليه لتقصيره، نعم.

س: هل ثبت خبرٌ في اسم قابيل وهابيل؟

ج: ما أعلم شيئًا في هذا إلا الحديث الصَّحيح: ما قُتلت نفسٌ ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول كفلٌ من دمها؛ لأنَّه أول مَن سنَّ القتل، أما قابيل وهابيل فهو مشهورٌ بين المفسّرين والمؤرخين.

س: ..............؟

ج: ما عليه دليل، هذا من أخبار بني إسرائيل.

ومعنى قوله: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ أي: ممن اتَّقى الله في فعله ذلك.

الشيخ: والمعنى: إنما يتقبّل الله ممن توفّرت فيه الشروط: مَن أخلص لله، ووافق شرعه، فهو متَّقٍ، المتَّقي هو الذي يستقيم على أمر الله، ويتقرّب إليه؛ إخلاصًا ومحبَّةً وتعظيمًا ومُوافقةً للشرع، هذا الذي يتقبّل منه، الذي تُوافق أعماله الشّرع، مع الإخلاص لله، والتعظيم، والمحبّة، فالمتقون هم الذين آمنوا بالله ورسوله، وتقرَّبوا إليه عن إخلاصٍ وصدقٍ وإيمانٍ، لا عن رياءٍ، ولا عن سمعةٍ، نعم.

وقال ابنُ أبي حاتم: حدثنا أبي: حدثنا إبراهيم بن العلاء بن زبريق: حدثنا إسماعيل بن عياش: حدثني صفوان بن عمرو، عن تميم –يعني: ابن مالك- المقري، قال: سمعت أبا الدَّرداء يقول: لأن أستيقن أنَّ الله قد تقبّل لي صلاةً واحدةً أحبّ إليَّ من الدنيا وما فيها، إنَّ الله يقول: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ.

وحدثنا أبي: حدثنا عبدالله بن عمران: حدثنا إسحاق بن سليمان –يعني: الرازي-، عن المغيرة بن مسلم، عن ميمون ابن أبي حمزة، قال: كنتُ جالسًا عند أبي وائل، فدخل علينا رجلٌ يُقال له: أبو عفيف، من أصحاب معاذٍ، فقال له شقيق بن سلمة: يا أبا عفيف، ألا تُحدّثنا عن معاذ بن جبل؟ قال: بلى، سمعتُه يقول: يُحبس الناسُ في بقيعٍ واحدٍ، فيُنادي مُنادٍ: أين المتّقون؟ فيقومون في كنفٍ من الرحمن، لا يحتجب اللهُ منهم ولا يستتر. قلت: مَن المتّقون؟

قال: قومٌ اتّقوا الشِّرك وعبادة الأوثان، وأخلصوا العبادة، فيمرّون إلى الجنّة.

الشيخ: وقال في القرآن الكريم: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ [الحجر:45]، إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ [الطور:17]، إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ [القلم:34]، نصّ القرآن، والمتّقي هو الذي اتّقى الله: اتَّقى غضبه، اتَّقى عقابه، وأخلص له العمل، وصدق في العمل، ووافق الشرع، والمتَّقون هم المؤمنون، وهم الصَّالحون، وهم الصَّادقون، وهم الأبرار، هم الذين توافرت فيهم الشروط: فأخلصوا لله العمل، ووافقوا شرعه، نعم، يقول الله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ [النساء:1]، وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّه [النساء:131].

فالمؤمنون والمتقون والمقسطون والمهتدون هم أهل الإيمان، هم أهل الهدى، هم المسلمون حقًّا، فالعبارات متنوعة، والمؤدّى واحد، المرجع واحد، وهو الإخلاص لله، والصدق في العمل، والإخلاص في العمل، ومُوافقة الشرع، فمَن توافر فيه هذا فهو متَّقٍ، وهو مسلم حقًّا، وهو مؤمن، وهو مُهتدٍ، وهو برٌّ، وهو صالحٌ، والله المستعان.

..............

س: كلام معاذ في مثل هذه الأمور المغيبة ألا يُقال: إنَّ هذا لا يُقال، إنَّ هذا من اجتهاده، وإنما هو مرفوعٌ إلى النبي ﷺ بأن المتقين ..؟

ج: الله أعلم، المقصود أنَّ أمر المتقين واضحٌ في القرآن، ويكفي.

وقوله: لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ [المائدة:28]، يقول له أخوه الرجل الصَّالح الذي تقبّل الله قُربانه لتقواه حين توعده أخوه بالقتل على غير ما ذنبٍ منه إليه: لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ أي: لا أُقابلك على صنيعك الفاسد بمثله، فأكون أنا وأنت سواء في الخطيئة، إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ أي: من أن أصنع كما تُريد أن تصنع، بل أصبر وأحتسب.

قال عبدالله بن عمرو: وايم الله، إن كان لأشدّ الرجلين، ولكن منعه التَّحرج. يعني: الورع؛ ولهذا ثبت في "الصحيحين" عن النبي ﷺ أنَّه قال: إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قالوا: يا رسول الله، هذا القاتل، فما بال المقتول؟! قال: إنَّه كان حريصًا على قتل صاحبه.

الشيخ: وهذا الحديث في الظالمين المتقاتلين، كل واحدٍ حريص على قتل صاحبه، فيهم الوعيد، أمَّا المعتدى عليه فلا حرج عليه إذا قتل مَن ظلمه، فلا حرج عليه بالدِّفاع، كما قال -جلَّ وعلا-: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الحجرات:9]، فالظلم يجب ردعه، والمظلوم معذورٌ إذا دافع عن نفسه.

س: رجلٌ يقول: أنَّ رجلًا ظلمه رجلٌ آخر، فجاء يتشفّع إليَّ أن أذهب إلى الجهات المختصّة؛ لأنَّه أعطاه شيكًا بدون رصيدٍ، فيقول: أُريدك أن تتشفع لي بالجهات المختصّة حتى أردّ مالي. ولكن هذا المال بمعنى: أنه يبيع ذهبًا ربًا، بمعنى: أنه يبيعه بدَينٍ.

ج: اشفعوا تُؤْجَروا، إن كان بحقٍّ يشفع، وإن كان بباطلٍ لا يشفع، إن كان حقًّا يشفع بحقٍّ، وإن كان باطلًا لا يشفع.

س: هو حقّه؟

ج: يشفع فيه على الوجه الشَّرعي.