الشيخ: والآية الكريمة تدلّ على أنَّ قُطَّاع الطريق إذا تابوا قبل القُدرة عليهم تُركوا؛ ولهذا يقول -جلَّ وعلا-: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:34] بعدما ذكر أعمالهم وما يجب عليهم: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:33-34]، إذا تابوا قبل القُدرة سقط عنهم حكم الله -جلَّ وعلا- من تحتّم قتلهم أو صلبهم، وتقطيع أيديهم وأرجلهم، وبقي حقّ المخلوقين، ما كان لله من قتلٍ أو صلبٍ أو قطع أيدي أو أرجل هذا يسقط بالتوبة، أمَّا إذا كانت عليه حقوق للناس فإنها تُؤخذ منه: إن قتل يُؤخذ بالقصاص بشروطه، قطع يُؤخذ بالقصاص بشروطه، أخذ المال يُلزموه بردِّ المال.
فالحقوق التي للآدميين تبقى عليهم، مثل غيرهم، توبتهم تُسقط عنهم حقّ الله من تحتّم القتل والصّلب وقطع الأيدي والأرجل، هذه حقوق الله تسقط بالتوبة، ويبقى عليهم حقّ المخلوقين، ما كان عليهم من حقٍّ للمخلوقين فإنه يؤخذ منهم كغيرهم من الناس، فلو أنَّ إنسانًا قتل عمدًا ثم تاب، فلا يسقط القود، أو قطع، أو غصب مالًا، أو شبه ذلك، حقّ يبقى عليه، توبته تُسقط عنه الإثم الذي تعلّق بالله -جلَّ وعلا-، أما حقّ المخلوقين فيُعطون حقوقهم، نعم.
س: طيب، هذا علي الأسدي؟
ج: هذا إن صحَّ، يحتاج إلى تأملٍ، هذا محل نظرٍ، نعم.
.............
الشيخ: هذا إن صحَّ فالمراد: سقط عنه ما كان لله، هذا المراد، نعم.
ومن هذا المقام يُعرف أنَّ المؤلف -رحمه الله- ما وفى المقام حقّه في هذه المسألة، ما اعتنى بها كما ينبغي، كان ينبغي له التَّفصيل، وأن يذكر كلام أهل العلم في ذلك -رحمه الله.
وهكذا ابن آدم تارةً يستوفي، وتارةً ينقص، وتارةً يزيد، والله المستعان.
.............
س: الحدود التي تُقام عليه في الدنيا تكفر عنه؟
ج: نعم، كفَّارة له، الحدود كفَّارة له، حقّ الله كفَّارة له الحدّ، لكن حقّ المخلوق يبقى، يُؤدّى حقّ القصاص والدّية وغير ذلك.
.............
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ [المائدة:35-37].
يقول تعالى آمرًا عباده المؤمنين بتقواه، وهي إذا قُرنت بطاعته كان المرادُ بها الانكفاف عن المحارم وترك المنهيات، وقد قال بعدها: وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ، قال سفيان الثوري: حدثنا أبي: عن طلحة، عن عطاء، عن ابن عباسٍ: أي: القُربة.
وكذا قال مجاهد، وأبو وائل، والحسن، وقتادة، وعبدالله بن كثير، والسّدي، وابن زيد، وغير واحدٍ.
وقال قتادة: أي: تقرَّبوا إليه بطاعته والعمل بما يُرضيه.
وقرأ ابن زيد: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ [الإسراء:57].
وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمّة لا خلافَ بين المفسّرين فيه.
وأنشد عليه ابنُ جرير قول الشاعر:
إذا غفل الواشون عدنا لوصلنا | وعاد التَّصافي بيننا والوسائل |
الشيخ: هذا هو الحقّ، المراد به القُربة، يقول -جلَّ وعلا-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ هي القُربة إليه بطاعته، هذا محل إجماعٍ من أهل العلم، يعني: دعوا محارم الله، وتقرَّبوا إليه بطاعته -جلَّ وعلا-، فالتقوى: ترك المحارم، والوسيلة: أداء الفرائض.
وتُطلق التَّقوى على الدِّين كلِّه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ [النساء:1] يعني: اعبدوه واستقيموا على طاعته بأداء فرائضه، وترك محارمه، فإذا أُفردت التَّقوى أُريد بها جميع الدِّين: أداء الفرائض، وترك المحارم، فإذا قُرنت مع غيرها صار المراد بذلك ترك المحارم، وأداء الفرائض.
اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ يعني: تقرَّبوا إليه بطاعته، والوسائل: هي القُربة بالطاعة بأداء الفرائض.
والمؤمن يجب عليه هذا وهذا؛ يجب عليه أن يتَّقي الله بترك المحارم، وبأداء الفرائض، والوقوف عند الحدود، ومن هذا قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا [الأحزاب:70]، اتَّقوا الله بترك المحارم، وأداء الفرائض، وحفظ اللِّسان عمَّا لا ينبغي، وهكذا .....، ويقول -جلَّ وعلا-: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ يعني: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ أهل الشِّرك مثل: عيسى، وأمّه، والحسين، وغيرهم من الصَّالحين، هم يُدْعَون من دون الله، والدَّاعي كافر بالله، وهؤلاء المدعوون: يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ هم بأنفسهم يتقرَّبون إلى الله: وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ [الإسراء:57]، فكيف يُدْعَون مع الله؟! كيف يُدْعَون وهم عبيدٌ يتقرَّبون ..... بالوسيلة، بالقُربة إليه بطاعته: وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ؟! كيف يُدْعَون مع الله وهم عبيدٌ خائفون، وَجِلون، مُشفقون، مُتقرّبون إلى ربهم؟! لولا جهل المشركين وضلالهم.
مداخلة: .............
الشيخ: سقفها عرش الرحمن، الله أكبر، نعم.
وقد ثبت في "صحيح البخاري" من طريق محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبدالله، قال: قال رسولُ الله ﷺ: مَن قال حين يسمع النِّداء: اللهم ربّ هذه الدَّعوة التَّامة، والصلاة القائمة، آتِ محمدًا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته، إلا حلَّت له الشَّفاعة يوم القيامة.
حديثٌ آخر في "صحيح مسلم": من حديث كعب بن علقمة، عن عبدالرحمن بن جبير، عن عبدالله بن عمرو بن العاص: أنَّه سمع النبي ﷺ يقول: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول، ثم صلّوا عليَّ، فإنَّه مَن صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى الله عليه عشرًا، ثم سلّوا لي الوسيلة، فإنَّها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبدٍ من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمَن سأل لي الوسيلة حلَّت عليه الشَّفاعة.
الشيخ: عليه شيء؟
قارئ المتن: نعم، أحسن الله إليك.
الشيخ: يُراجع "صحيح مسلم"، الذي أذكر حلَّت له، حطّ عليه إشارة، ويُراجع الأصل.
............
الشيخ: كلّهم أولاد سعيد: سفيان الثوري، وعمر، ومبارك، كلهم أولاد سعيد، نعم، أيش بعده؟
...........
الشيخ: ما ذكره من شيوخ طلحة، أقول: ما ذكر طلحة في شيوخه، يُراجع "التهذيب"، أصل "التهذيب" ترجمة طلحة، ما ذكر من شيوخه طلحة، طلحة هذا محتمل، يراجع فيمَن اسمه طلحة، الذي عنده طلحة يحطّ عليه إشارة: عن طلحة، نعم.
قارئ المتن: الأثر في ابن جرير، وهو بين يدي، أقرأه -أحسن الله إليك؟
الشيخ: نعم، جيد.
قارئ المتن: قال ابنُ جرير -رحمه الله تعالى-: حدثنا هناد: حدثنا وكيع. ح، وحدثنا سفيان، قال: حدثنا أبي، عن طلحة، عن عطاء: وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ قال: القربة.
الشيخ: هذا صريحٌ، ابن جرير صريحٌ في أنَّه سفيان بن وكيع، لعلّ الوهم من ابن كثير -رحمه الله-، أقول: لعلّ كونه سفيان الثوري يكون صوابه: سفيان بن وكيع، وهذا وهمٌ من بعض النُّساخ، أو من المؤلف، أو من بعض الطُّبَّاع، نعم، يكون صوابه: سفيان بن وكيع، بدل: الثوري. نعم.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا عبدالرزاق: أخبرنا سفيان، عن ليث، عن كعب، عن أبي هريرة: أنَّ رسول الله ﷺ قال: إذا صلّيتم عليَّ فسلوا لي الوسيلة، قيل: يا رسول الله، وما الوسيلة؟ قال: أعلى درجةٍ في الجنة، لا ينالها إلا رجلٌ واحدٌ، وأرجو أن أكون أنا هو.
ورواه الترمذي عن بندار، عن أبي عاصم، عن سفيان الثوري، عن ليث ابن أبي سليم، عن كعبٍ، قال: حدَّثني أبو هريرة. ثم قال: غريبٌ، وكعب ليس بمعروفٍ، لا نعرف أحدًا روى عنه غير ليث ابن أبي سليم.
حديثٌ آخر عن أبي هريرة : قال أبو بكر ابن مردويه: حدثنا عبدالباقي بن قانع: حدثنا محمد بن نصر الترمذي: حدثنا عبدالحميد بن صالح: حدثنا ابن شهاب، عن ليث، عن المعلى، عن محمد بن كعب، عن أبي هريرة –رفعه-، قال: صلّوا عليَّ صلاتكم، وسلوا الله لي الوسيلة، فسألوه، أو أخبرهم أنَّ الوسيلة درجةٌ في الجنة ليس ينالها إلا رجلٌ واحدٌ، وأرجو أن أكون أنا.
حديثٌ آخر: قال الحافظ أبو القاسم الطّبراني: أخبرنا أحمد بن علي الأبار: حدثنا الوليد بن عبدالملك الحراني: حدثنا موسى بن أعين، عن ابن أبي حبيب.
الشيخ: ونسخة: عن ابن أبي ذئب -رحمه الله.
حديث جابرٍ وحديث عبدالله بن عمرو كافيان عن هذه الرِّواية التي ما تعرف حالها، حديث جابر في البخاري، وحديث عبدالله بن عمرو في مسلم كافيان في بيان أنَّ الوسيلة منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبدٍ من عباد الله، ويرجو أن يكون هو -عليه الصلاة والسلام.
فرواية الطّبراني ورواية ابن مردويه شواهد، لكن العُمدة على الحديثين الصَّحيحين: حديث عبدالله بن عمرو، وحديث جابر، نعم.
س: قوله: وأرجو أن أكون أنا هو قبل أن يعلم يقينًا؟
ج: ظاهر السياق أنَّه يرجو رجاء؛ ولهذا أمر الأمّة أن تطلبها له.
..............
عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن ابن عباسٍ، قال: قال رسولُ الله ﷺ: سلوا الله لي الوسيلة، فإنَّه لم يسألها لي عبدٌ في الدنيا إلا كنتُ له شهيدًا أو شفيعًا يوم القيامة.
ثم قال الطّبراني: لم يروه عن ابن أبي ذئب إلا موسى بن أعين. كذا قال.
الشيخ: تقدّم أنَّه ابن أبي ذئب، أو ابن أبي حبيب؟
قارئ المتن: ابن أبي حبيب.
الشيخ: مثلما عندهم .....، صلّحه: ابن أبي ذئب، آخره يدلّ على أوَّله.
وقد رواه ابنُ مردويه: حدثنا محمد بن علي بن دحيم: حدثنا أحمد بن حازم: حدثنا عبيدالله بن موسى: حدثنا موسى بن عبيدة، عن محمد بن عمرو بن عطاء. فذكر بإسناده نحوه.
حديثٌ آخر: روى ابنُ مردويه بإسناده عن عمارة بن غزية، عن موسى بن وردان: أنَّه سمع أبا سعيدٍ الخدري يقول: قال رسولُ الله ﷺ: إنَّ الوسيلة درجةٌ عند الله ليس فوقها درجة، فسلوا الله أن يُؤتيني الوسيلة على خلقه.
حديثٌ آخر: روى ابنُ مردويه أيضًا من طريقين عن عبدالحميد بن بحر: حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن عليٍّ، عن النبي ﷺ قال: في الجنة درجةٌ تُدعى: الوسيلة، فإذا سألتم الله فسلوا لي الوسيلة، قالوا: يا رسول الله، مَن يسكن معك؟ قال: عليّ وفاطمة والحسن والحسين. هذا حديثٌ غريبٌ مُنكرٌ من هذا الوجه.
الشيخ: والحارث ليس بشيءٍ، الحارث هذا الأعور ليس بشيءٍ .....
حديث جابرٍ وحديث عبدالله بن عمرو مثلما تقدّم كافيان، نعم.
............
س: إذا تعارض حديثان صحيحان لا يمكن الجمع بينهما؟
ج: يُنظر في الأدلة الأخرى حتى تُؤيد أحدهما، ويُقدّم الأصح على الصَّحيح.
س: دخول النبي ﷺ الكعبة، هل صلَّى فيها؟
ج: ..... هذه زيادة، وزيادة الثِّقة مقبولة، زيادة الثقة: "أنَّ النبي صلَّى فيها" مقبولة؛ لأنَّ بلالًا أعلم من ابن عباسٍ بهذا، وهو مع النبي ﷺ، فالزيادة مقبولة: صلَّى فيها ..... هذا ما يُسمّى: تعارضًا، زيادة الثِّقة مقبولة.
والتَّعارض إذا قال هذا: أمرنا النبيّ بكذا. والآخر يقول: نهى عن كذا. هذا التَّعارض.
س: المقام المحمود ما الصَّواب فيه؟
ج: مقام الشَّفاعة هو المقام المحمود.
س: ما ورد في النَّسائي أنه .....؟
ج: لا، الصواب أنَّه مقام الشَّفاعة، أما البقية ففيها نظر، كونه ..... يُجلسه معه على العرش هذا في صحّته نظر، والصواب أنَّ المقام المحمود هو شفاعته العظمى -عليه الصلاة والسلام.