تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}

الشيخ: ..... المقصود أنَّ الإيمان يزداد وينقص على حسب تقوى العبد لربِّه وقيامه بحقِّه، نعم، كلما زادت تقواه واجتهاده في الطَّاعة وحذره من المعاصي زاد إيمانه، وكلما ..... نقص الإيمان، نعم.

ثم ذكر تعالى أنَّه لو شاء لانتصر من الكافرين، فقال : وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [الفتح:4] أي: ولو أرسل عليهم ملكًا واحدًا لأباد خضراءهم، ولكنه تعالى شرع لعباده المؤمنين الجهاد والقتال؛ لما له في ذلك من الحكمة البالغة، والحجّة القاطعة، والبراهين الدَّامغة؛ ولهذا قال -جلَّت عظمته-: وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [الفتح:4].

ثم قال : لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا [الفتح:5].

قد تقدّم حديثُ أنسٍ حين قالوا: هنيئًا لك يا رسول الله، هذا لك، فما لنا؟

فأنزل الله تعالى: لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أي: ماكثين فيها أبدًا، وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ أي: خطاياهم وذنوبهم، فلا يُعاقبهم عليها، بل يعفو ويصفح، ويغفر ويستر، ويرحم ويشكر، وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا [الفتح:5]، كقوله -جلَّ وعلا-: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ الآية [آل عمران:185].

وقوله تعالى: وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ [الفتح:6] أي: يتّهمون الله تعالى في حكمه، ويظنون بالرسول ﷺ وأصحابه أن يُقتلوا ويذهبوا بالكُلية؛ ولهذا قال تعالى: عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ أي: أبعدهم من رحمته، وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [الفتح:6].

الشيخ: وما ذاك إلا لأعمالهم الخبيثة، وشركهم، وضلالهم، وسُوء ظنِّهم بالله وبرسوله؛ لهذا عاقبهم الله وأبعدهم، ونصر رسوله عليهم -عليه الصلاة والسلام.

فالواجب على المؤمنين هو الصَّبر، والاحتساب، والثَّبات على الحقِّ، والجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر، والله قادرٌ، لو شاء لهدى الناس جميعًا، ولا يحتاج لأحدٍ يأمر وينهى، لكن ابتلى هؤلاء بهؤلاء، وهؤلاء بهؤلاء؛ حتى يرفع درجات المؤمنين، ويعظم مثوبتهم، ويجزيهم عن ذلك الجزاء الأوفى، وحتى يُعذّب المنافقين والكافرين بكفرهم وصدودهم، فهذه الدار دار الابتلاء والامتحان، نعم.

ثم قال مُؤكدًا لقُدرته على الانتقام من الأعداء -أعداء الإسلام- ومن الكفرة والمنافقين: وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [الفتح:7].

إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ۝ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ۝ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [الفتح:8-10].

يقول تعالى لنبيه محمدٍ ﷺ: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا أي: على الخلق، وَمُبَشِّرًا أي: للمؤمنين وَنَذِيرًا أي: للكافرين، وقد تقدّم تفسيرها في سورة الأحزاب.

لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ قال ابنُ عباسٍ -رضي الله عنهما- وغير واحدٍ: تُعظِّموه. وَتُوَقِّرُوهُ من التوقير، وهو الاحترام والإجلال والإعظام، وَتُسَبِّحُوهُ أي: تُسبّحون الله بُكْرَةً وَأَصِيلًا.

الشيخ: هذه الآية تُفسّرها الآيات الأخرى: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ [الأعراف:157] هذه في حقِّ النبي ﷺ، وَتُسَبِّحُوهُ في حقِّ الرب -جلَّ وعلا.

بُكْرَةً وَأَصِيلًا أي: أول النَّهار وآخره.

ثم قال لرسوله ﷺ تشريفًا له وتعظيمًا وتكريمًا: إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ [الفتح:10]، كقوله -جلَّ وعلا-: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80]، يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [الفتح:10] أي: هو حاضرٌ معهم، يسمع أقوالهم، ويرى مكانهم، ويعلم ضمائرهم وظواهرهم، فهو تعالى المبايع بواسطة رسول الله ﷺ، كقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:111].

وقد قال ابنُ أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين: حدثنا الفضل بن يحيى الأنباري: حدثنا علي بن بكار، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: مَن سلَّ سيفَه في سبيل الله فقد بايع الله.

وحدثنا أبي: حدثنا يحيى بن المغيرة: أخبرنا جرير، عن عبدالله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما- قال: قال رسولُ الله ﷺ في الحجر: والله ليبعثه الله يوم القيامة له عينان ينظر بهما، ولسان ينطق به، ويشهد على مَن استلمه بالحقِّ، فمَن استلمه فقد بايع الله تعالى، ثم قرأ رسولُ الله ﷺ: إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ.

الشيخ: قف على: وقال ابن أبي حاتم.