تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ..} (4)

وقال الإمام أحمد: حدثنا إبراهيم ابن أبي العباس: حدثنا بقية: حدثني بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن بعض أزواج النبي ﷺ: رأى رجلًا يُصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدّرهم لم يُصبها الماء، فأمره رسولُ الله ﷺ أن يُعيد الوضوء.

ورواه أبو داود من حديث بقية، وزاد: والصّلاة. وهذا إسنادٌ جيدٌ قويٌّ صحيحٌ، والله أعلم.

الشيخ: وهو كما قال المؤلف؛ لأنَّ بحيرًا ثقة، وبقية صرّح بالسَّماع، والبقية معروفون: إبراهيم ابن أبي العباس ثقة، وخالد، المقصود أنَّه جيد، يُفسّر الروايات الأخرى: ارجع فأحسن وضوءك، وهنا أمره أن يُعيد الوضوء والصّلاة، دلّ على أنَّه لا بدَّ من الموالاة، فلو كانت الموالاة غير شرطٍ لقال له: اغسل البُقعة ويكفي. فلمَّا أمره أن يُعيد الوضوء دلَّ على أنه لا بدَّ من الموالاة، وأن يكون غسل الأعضاء مُتواليًا، وأن يكون كاملًا، لا بدَّ من غسل العضو كاملًا، ما تكون فيه بقع، فلو صلَّى بوضوءٍ ناقصٍ أعاد الوضوء، وأعاد الصَّلاة.

س: لو مسح على الخفّين ثم خلعهما يُعيد الوضوء، أم يمسح الخفّين فقط؟

ج: إذا خلعهما بعد الحدث يُعيد الوضوء عند جمهور أهل العلم.

س: إذا لم يُحدث بعد؟

ج: إذا لبسهما وخلعهما وهو على طهارةٍ يُعيدهما، يلبسهما، ما في بأس إذا خلعهما وهو على طهارته الأولى التي لبسهما عليها. نعم.

س: ويُتمّ بقية اليوم؟

ج: إذا خلعهما بعد ..... لا، بطل الوضوء.

س: إذا خلعهما وهو على طهارةٍ، وأعادهما، وأراد أن يمسح عليهما؟

ج: ما في بأس، ما صار شيء، كأنَّه لتوِّه لبسهما.

س: ومَن قال: إنَّ خلعهما ينقض المسح؟

ج: لا، لا، ما يقوله أحدٌ من العلماء، وإنما الخلاف بعد الحدث، أمَّا قبل الحدث فما في خلاف، لبستهما الآن ثم خلعتهما تُصلح فيهما شيئًا، ثم لبستهما ثانيةً وأنت على طهارةٍ؛ ما يصير شيء، كأنَّك تكون لابسهما، ما في خلاف بين العلماء، الخلاف إذا خلعهما بعد الحدث، هذا محل الخلاف.

س: طيب، الأمر –يعني- بعد مضي فترة على وضوئه، أو في الحال؟

ج: هذا إذا مضت فترة زال معها التَّوالي.

وفي حديث حمران، عن عثمان في صفة وضوء النبي ﷺ أنَّه خلل بين أصابعه.

وروى أهلُ السنن من حديث إسماعيل بن كثير، عن عاصم بن لقيط بن صبرة، عن أبيه قال: قلتُ: يا رسول الله، أخبرني عن الوضوء. فقال: أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا.

وقال الإمام أحمد: حدثنا عبدالله بن يزيد أبو عبدالرحمن المقري: حدثنا عكرمة بن عمار: حدثنا شداد بن عبدالله الدّمشقي.

الشيخ: انظر في "التقريب": شداد بن عبدالله الدّمشقي.

الطالب: شداد بن عبدالله القرشي، أبو عمار، الدّمشقي، ثقة، يُرسل، من الرابعة. (بخ، م، 4).

قال: قال أبو أمامة: حدثنا عمرو بن عبسة، قال: قلتُ: يا رسول الله، أخبرني عن الوضوء. قال: ما منكم من أحدٍ يقرب وضوءه، ثم يتمضمض ويستنشق وينتثر إلا خرَّت خطاياه من فمه وخياشيمه مع الماء حين ينتثر، ثم يغسل وجهه كما أمره الله إلا خرَّت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء، ثم يغسل يديه إلى المرفقين إلا خرَّت خطايا يديه من أطراف أنامله، ثم يمسح رأسه إلا خرَّت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء، ثم يغسل قدميه إلى الكعبين كما أمره الله إلا خرَّت خطايا قدميه من أطراف أصابعه مع الماء، ثم يقوم فيحمد الله ويُثني عليه بالذي هو له أهل، ثم يركع ركعتين؛ إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه.

قال أبو أمامة: يا عمرو، انظر ما تقول، سمعتَ هذا من رسول الله ﷺ؟! أيُعطى هذا الرجل كلّه في مقامه؟! فقال عمرو بن عبسة: يا أبا أمامة، لقد كبرت سني، ورقَّ عظمي، واقترب أجلي، وما بي حاجة أن أكذب على الله وعلى رسول الله ﷺ، لو لم أسمعه من رسول الله ﷺ إلا مرة أو مرتين أو ثلاثًا، لقد سمعتُه سبع مرات أو أكثر من ذلك.

وهذا إسنادٌ صحيحٌ، وهو في "صحيح مسلم" من وجهٍ آخر، وفيه: ثم يغسل قدميه كما أمره الله، فدلّ على أنَّ القرآن يأمر بالغسل.

الشيخ: والأحاديث في هذا كثيرة في فضل الوضوء؛ منها حديث عثمان في "الصحيحين": أنَّ النبي توضّأ، وتمضمض، واستنشق، وغسل وجهه ثلاثًا، وغسل يديه، ومسح رأسه، وغسل رجليه، ثم قال: مَن توضّأ نحو وضوئي هذا ثم صلَّى ركعتين لا يُحدِّث فيهما نفسَه؛ غفر اللهُ له ما تقدّم من ذنبه.

وفي أحاديث كثيرة تدلّ على فضل الوضوء، وأن السُّنة للمؤمن إذا توضّأ أن يُصلي ركعتين، وأنَّ هذا من أسباب المغفرة لمن عقلهما وأقبل عليهما بقلبه، فالوضوء والصلاة من أسباب المغفرة إذا فعل المؤمنُ ذلك عن احتسابٍ، وعن صدقٍ، وعن رغبةٍ فيما عند الله ، حتى ولو كان في وقت النَّهي؛ لأنَّها من ذوات الأسباب، سنة الوضوء من ذوات الأسباب، وسنة الطّواف من ذوات الأسباب، وتحية المسجد من ذوات الأسباب، وصلاة الكسوف من ذوات الأسباب، فالمؤمن يحتسب كما في حديث عمرو بن عبسة، وحديث عثمان، وغيرهما، نعم، والله المستعان.

س: شداد بن عبدالله أدرك أبا أُمامة؟

ج: يقول: في السنة الرابعة. وأبو أمامة تأخّرت وفاته، أدركه، وأدرك مَن هو أصغر منه.

س: السّنة في غسل الرِّجلين أن يبدأهما من الأصابع؟ هنا يقول: من أطراف أصابعه؟

ج: عند نهاية غسلهما.

س: .............؟

ج: يُخلل، نعم، التَّخليل لا بدَّ منه حتى يعمّ الماء يديه ورجليه، لا بدَّ من التَّخليل حتى يعمّ، فإذا عمم الماء ولو ما خلل يكون التَّخليلُ سنةً، لكن المقصود بالتَّخليل إبلاغ الماء.

س: في الحديث يقول: ثم يقوم .....، هل السّنة الوضوء جالسًا أو واقفًا؟

ج: هذا مُجمل يُفسّره حديث عمر: ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التَّوابين، واجعلني من المتطهرين؛ إلا فُتحت له أبواب الجنة الثَّمانية يدخل من أيّها شاء، أخرجه مسلم في "الصحيح"، وزاد الترمذي: اللهم اجعلني من التَّوابين، واجعلني من المتطهرين، ومن حديث الاستفتاح .....

س: زيادة: "ومن عبادك الصالحين" بعد قوله: "اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين، ومن عبادك الصالحين"؟

ج: لا بأس: "اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين"، هكذا جاء الحديث، رواه الترمذي من حديث عمر.

س: قوله: "سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت"؟

ج: هذا استفتاحٌ.

س: قوله: "اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين" كثيرٌ من الحفَّاظ يُضعّفها؟

ج: لا، ثابتة، رواها الترمذي بإسنادٍ صحيحٍ.

وهكذا روى أبو إسحاق السَّبيعي، عن الحارث، عن علي بن أبي طالب أنَّه قال: اغسلوا القدمين إلى الكعبين كما أُمرتم.

ومن هاهنا يتّضح لك المراد من حديث عبد خير، عن عليٍّ: أنَّ رسول الله ﷺ رشَّ على قدميه الماء وهما في النَّعلين، فدلكهما. إنما أراد غسلًا خفيفًا، وهما في النَّعلين، ولا مانع من إيجاد الغسل والرِّجل في نعلها، ولكن في هذا ردٌّ على المتعمقين والمتنطعين من الموسوسين.

وهكذا الحديث الذي أورده ابنُ جرير على نفسه، وهو من روايته عن الأعمش، عن أبي وائل، عن حُذيفة قال: أتى رسولُ الله ﷺ سُباطة قومٍ فبال عليها قائمًا، ثم دعا بماءٍ فتوضّأ ومسح على نعليه.

وهو حديثٌ صحيحٌ، وقد أجاب ابنُ جرير عنه بأنَّ الثقات الحفَّاظ رووه عن الأعمش، عن أبي وائل، عن حُذيفة قال: فبال قائمًا، ثم توضّأ ومسح على خُفّيه.

قلتُ: ويحتمل الجمع بينهما بأن يكون في رجليه خُفَّان، وعليهما نعلان.

وهكذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا يحيى، عن شعبة: حدثني يعلى، عن أبيه، عن أوس ابن أبي أوس قال: رأيتُ رسول الله ﷺ توضّأ ومسح على نعليه، ثم قام إلى الصلاة.

وقد رواه أبو داود عن مسدد وعباد بن موسى –كلاهما- عن هشيم، عن يعلى بن عطاء، عن أبيه، عن أوس ابن أبي أوس قال: رأيتُ رسول الله ﷺ أتى سُباطة قومٍ فبال، وتوضّأ ومسح على نعليه وقدميه.

وقد رواه ابنُ جرير من طريق شُعبة، ومن طريق هشيم، ثم قال: وهذا محمولٌ على أنه توضّأ كذلك وهو غير مُحدثٍ؛ إذ كان غير جائزٍ أن تكون فرائضُ الله وسنن رسوله مُتنافيةً ومُتعارضةً، وقد صحَّ عنه ﷺ الأمر بعموم غسل القدمين في الوضوء بالماء بالنَّقل المستفيض القاطع عذر مَن انتهى إليه وبلغه.

الشيخ: جوازه على القدمين محمولٌ على الرِّواية الأخرى: على النَّعلين والجوربين، مسح على نعليه وجوربيه لما توضّأ، وهكذا على الخفّين، فالرِّواية التي فيها "على القدمين" فيها ضعفٌ من جهة غلط الرواة؛ لأنَّ الأحاديث .....، المقصود المسح على الجوربين وهما في النَّعلين، كما المسح على الخفّين.

والخلاصة أنَّ الأحاديث الصَّحيحة مع الآية الكريمة كلّها تدلّ على وجوب غسل الرجلين إذا كانتا مكشوفتين، وعلى جواز المسح عليهما إذا كانتا في الخفّين، أو في الجوربين، سواء كانت الجواربُ عليهما نعلان أو بدون نعلين، هذا هو مُقتضى الأحاديث كلّها، ويجب الجمع بينهما بما يُزيل اللَّبس، أما المسح على القدمين فقط فهذا غلطٌ في الرواية، إنما هو غلط من بعض الرواة، يعني: على القدمين في الجوربين، أو في الخفّين.

س: مَن مسح على الجوربين وهو لابس النِّعال عليهما؟

ج: إذا مسح على الجوربين دون النَّعلين ما يضرّه خلع النَّعلين، أمَّا إذا مسح عليهما جميعًا مع النَّعل أو الكندرة يخلعهما جميعًا، أو يُبقيهما جميعًا إذا مسح عليهما جميعًا، الكندرة قاصرة، والنعل قاصر، ومسح على الجورب، وما ظهر من سطح النَّعل والكندرة يكون الحكمُ لهما جميعًا: يُبقيهما جميعًا، أو يخلعهما جميعًا.

أمَّا إذا مسح على الجورب وحده فالحكم للجورب، والنَّعل والكندرة يخلعها أو يُبقيها، كلّه واحد.

س: سنة الوضوء إذا صلَّى الضُّحى هل تدخل في الصَّلاة؟

ج: يكفي، يحصل المطلوب، إذا صلَّى سنةَ الوضوء أو سنةَ الراتبة كفت عن سنة الوضوء، توضّأ وصلّى راتبة الظهر، أو راتبة الفجر؛ حصل المقصود، أو سنة الضُّحى، هي سنة الوضوء، وهي سنة الضُّحى، أو سنة الراتبة، نعم.

ولما كان القرآنُ آمرًا بغسل الرِّجلين كما في قراءة النَّصب، وكما هو الواجب في حمل قراءة الخفض عليه، توهم بعضُ السلف أنَّ هذه الآية ناسخة لرخصة المسح على الخفّين.

وقد رُوي ذلك عن علي بن أبي طالب، ولكن لم يصحّ إسناده، ثم الثابت عنه خلافه، وليس كما زعموه، فإنَّه قد ثبت أنَّ النبي ﷺ مسح على الخفَّين بعد نزول هذه الآية الكريمة.

وقال الإمام أحمد: حدثنا هاشم بن القاسم: حدثنا زياد بن عبدالله بن علاثة، عن عبدالكريم بن مالك الجزري، عن مجاهد، عن جرير بن عبدالله البجلي قال: أنا أسلمتُ بعد نزول المائدة، وأنا رأيتُ رسول الله ﷺ يمسح بعدما أسلمت. تفرد به أحمد.

وفي "الصحيحين" من حديث الأعمش، عن إبراهيم، عن همام قال: بال جرير ثم توضّأ ومسح على خفّيه، فقيل: تفعل هذا؟! فقال: نعم، رأيتُ رسول الله ﷺ بال ثم توضّأ ومسح على خفّيه.

قال الأعمش: قال إبراهيم: فكان يُعجبهم هذا الحديث؛ لأنَّ إسلام جرير كان بعد نزول المائدة. لفظ مسلم.

الشيخ: وبعض أهل العلم رأى أنَّ نزول المائدة ناسخٌ للمسح، وأنَّه لا بدَّ من غسل الرِّجلين، والصواب ليس ذلك ناسخًا، بل يغسل الرِّجلين إذا كانتا مكشوفتين، ويمسح عليهما إذا كانتا مستورتين على الخفِّ أو الجورب في مدّة المسح: في يومٍ وليلةٍ للمُقيم، وثلاثة أيام للمُسافر، ولا تنافي بين السُّنة وبين آية المائدة؛ ولهذا قال جرير: أنا رأيتُ المسح على الخفَّين بعد نزول المائدة.

وفي حديث حُذيفة الدّلالة على جواز البول قائمًا إذا دعت الحاجةُ إلى ذلك، لا بأس أن يبول قائمًا عند الحاجة؛ لأنَّ النبي ﷺ أتى سُباطة قومٍ فبال قائمًا؛ لأنَّه لو جلس لربما انحدر عليه البول وحصل به الأذى –التلويث-، فإذا أتى محلًّا لا تُرى فيه عورته، ودعت الحاجةُ إلى بوله قائمًا: إما لعجلةٍ، أو لأنَّ المكان مناسبٌ فلا بأس، لكن الأفضل الجلوس كما قالت عائشة: "ما كان النبيُّ يبول إلا قاعدًا"، هذا هو الأغلب عليه -عليه الصلاة والسلام-، فإنَّه أستر وأبعد عن التَّأثر بالبول، إلا إذا دعت الحاجةُ إلى هذا، مع ستر العورة، والبُعد عن رؤية أحدٍ له، نعم.

س: سباطة قومٍ؟

ج: القمامة.

س: المسح على الخفَّين، إذا مسح على القدمين دون الخفَّين كما يفعل الشِّيعة؟

ج: هذا من عمل الشيعة، نعم.

الطالب: زياد بن عبدالله بن عُلاثة -بضم المهملة وفتح المثلثة-، العقيلي –بالضم-، أبو سهل، الحرَّاني، ناب بالقضاء عن أخيه بها، وثَّقه ابنُ معين، من الثامنة. (ابن ماجه).

وقد ثبت بالتواتر عن رسول الله ﷺ مشروعية المسح على الخفَّين قولًا منه وفعلًا، كما هو مقرر في كتاب "الأحكام الكبير"، مع ما يحتاج إلى ذكره هناك من تأقيت المسح أو عدمه، أو التَّفصيل فيه، كما هو مبسوطٌ في موضعه.

وقد خالفت الرَّوافض في ذلك بلا مُستندٍ، بل بجهلٍ وضلالٍ، مع أنه ثابتٌ في "صحيح مسلم" من رواية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، كما ثبت في "الصحيحين" عنه، عن النبي ﷺ النَّهي عن نكاح المتعة، وهم يستبيحونها.

وكذلك هذه الآية الكريمة دالّة على وجوب غسل الرِّجلين، مع ما ثبت بالتواتر من فعل رسول الله ﷺ على وفق ما دلّت هذه الآية الكريمة، وهم مُخالفون لذلك كلّه، وليس لهم دليلٌ صحيحٌ في نفس الأمر، ولله الحمد.

وهكذا خالفوا الأئمّة والسّلف في الكعبين اللذين في القدمين، فعندهم أنهما في ظهر القدم، فعندهم في كل رجلٍ كعب، وعند الجمهور أنَّ الكعبين هما العظمان النَّاتئان عند مفصل الساق والقدم.

قال الربيع: قال الشَّافعي: لم أعلم مُخالفًا في أنَّ الكعبين اللذين ذكرهما الله في كتابه في الوضوء هما النَّاتئان، وهما مجمع مفصل الساق والقدم. هذا لفظه.

فعند الأئمّة -رحمهم الله- في كل قدمٍ كعبان، كما هو المعروف عند الناس، وكما دلّت عليه السنة؛ ففي "الصحيحين" من طريق حمران، عن عثمان: أنَّه توضّأ فغسل رجله اليمنى إلى الكعبين، واليُسرى مثل ذلك.

وروى البخاري تعليقًا مجزومًا به، وأبو داود، وابن خُزيمة في "صحيحه" من رواية أبي القاسم الحسيني ابن الحارث الجدلي، عن النُّعمان بن بشير قال: أقبل علينا رسولُ الله ﷺ بوجهه، فقال: أقيموا صفوفكم -ثلاثًا-، والله لتقيمنَّ صفوفكم، أو ليُخالفنَّ الله بين قلوبكم، قال: فرأيتُ الرجلَ يلزق كعبَه بكعب صاحبه، وركبته بركبة صاحبه، ومنكبه بمنكبه. لفظ ابن خزيمة.

فليس يمكن أن يلزق كعبَه بكعب صاحبه إلا والمراد به العظم النَّاتئ في الساق، حتى يُحاذي كعب الآخر، فدلّ ذلك على ما ذكرناه من أنَّهما العظمان النَّاتئان عند مفصل الساق والقدم، كما هو مذهب أهل السُّنة.

الشيخ: والرَّافضة -قبَّحهم الله- لهم مُخالفات كثيرة لأهل السُّنة، فينبغي الحذر منهم ومن بدعهم الخبيثة، وأعظمها وأشدّها وأخطرها الشِّرك، فإنَّهم عبدوا عليًّا، واستغاثوا به، وبأهل البيت، وجعلوهم آلهةً مع الله بأعمالهم الخبيثة وعبادتهم لهم، نسأل الله العافية، كالإمامية وغيرهم من غُلاة الرَّافضة.

وهكذا يُخالفون أهل السُّنة في المسح على القدمين، والقرآن والسُّنة يأمران بالغسل، وهم يمسحون القدمين، وهكذا العظم الذي هو الكعب، يجعلون الكعبَ الذي ينتهي إليه الغسل: العظم الذي في ظهر القدم، معناه أنهم ما غسلوا إلا بعض القدم، فلا وضوءَ لهم، نسأل الله العافية، فقد خالفوا السُّنة والكتاب وإجماع أهل السُّنة والجماعة، ولهم بدع كثيرة لا تُحصى: من البناء على القبور وتعظيمها، والغلو في القبور، والغلو في أهل البيت، والغلو في عليٍّ، وتفضيله على الخلفاء الثلاثة، والشِّرك به وبأهل بيته.

فنسأل الله العافية والسلامة من المصائب العظيمة على المسلمين، ومن الشَّر العظيم على المسلمين، نسأل الله أن يكفينا شرَّهم، وأن يردّهم إلى الحقِّ، أو يقطع دابرهم، نسأل الله العافية.

س: حديث النُّعمان لما يقول: "الكعب بالكعب" مرفوعٌ إلى النبي ﷺ؟

ج: هذا كلام الصحابة، كل واحدٍ يلصق كعبَه، لكن الرسول ﷺ أمره بالتَّراص وسدِّ الخلل -عليه الصلاة والسلام- وسدِّ الفُرَج، وكان الصحابة يتحرون هذا، يلصق قدمه بقدم صاحبه؛ لئلا تكون فُرجة، ما هو معناه أنَّه يُؤذيه ويحاكّه، معناه أنَّه يسدّ الفُرجة؛ ولهذا قال ﷺ: سدُّوا الفُرَج، ولا تذروا فُرجات للشيطان، نعم.

س: أليس معنى الإلصاق: المماسّة؟

ج: بعض الناس يُؤذيه، يحاكّه ويُؤذيه حتى يشغله، لا، المقصود سدّ الفُرجة فقط، حتى لا تكون بينهم فُرَج.

س: وإن كان برؤوس الأصابع؟

ج: المقصود سدّ الفُرَج، وأن تتساوى الأقدام: لا يتقدّم، ولا يتأخّر عليه، وأمَّا الركب فقد لا تتساوى، قد تكون ركبة هذا أطول، لكن الكعبان ممكنان، أما الركب فما هو بلازم أن تستوي، المقصود سدّ الفُرَج كما قال ﷺ: سدُّوا الفُرَج، ولا تذروا فُرجات للشيطان.

مُداخلة: ابن القيم في "تهذيب السنن" ذكر حديث مسح الرِّجلين في الوضوء، وأجاب عنه بستة أوجهٍ.

الشيخ: غفر الله له، نعم.

س: الرَّوافض هل يُسلّم عليهم ويأكل معهم؟

ج: يستحقّون الهجر، يُنصحون ويستحقّون الهجر.

..............

وقال ابنُ أبي حاتم: حدثنا أبي: حدثنا إسماعيل بن موسى: أخبرنا شريك، عن يحيى بن عبدالله بن الحارث التّيمي –يعني: الخابر.

مُداخلة: في نسخة (الشعب): الجابر.

الشيخ: انظر "التقريب" أو "الخلاصة"، هذا لقب غريب.

الطالب: يحيى بن عبدالله بن الحارث الجابر -بالجيم والموحدة-، أبو الحارث، الكوفي، لين الحديث، من السادسة، وروايته عن المقداد مرسلة. (أبو داود، والترمذي، وابن ماجه).

الشيخ: صلّحها: الجابر، بالجيم.

عن يحيى بن عبدالله بن الحارث التيمي –يعني: الجابر-، قال: نظرتُ في قتلى أصحاب زيد.

الشيخ: زيد بن علي.

فوجدتُ الكعبَ فوق ظهر القدم.

وهذه عقوبة عُوقِب بها الشِّيعة بعد قتلهم؛ تنكيلًا بهم في مُخالفتهم الحقّ وإصرارهم عليه.

الشيخ: هذا لو صحَّ، ما دام يحيى ضعيف الرواية، مقبول، ما يُحتجّ به، نعم.

س: هذا رجلٌ امرأته حامل في الشهر السابع، وذهبوا بها إلى المستشفى، وفحصوا الجنين، فوجدوه بلا جُمجمةٍ، وقالوا: الأفضل توليدها الآن؛ لأنَّه حتى لو تُرك إلى موعد ولادته فإنَّه لن يعيش أكثر من نصف ساعة، ويخشى أن يُؤثر في رحم المرأة؟

ج: لا، لا يطرح، كثيرٌ ممن يفعلون هذا هم ما عندهم خبر، يظنون، ولا ..... باقي مدّة يمكن فيها صلاح الرأس، فلا يسقط.

س: ..............؟

ج: السّقط إذا كان في الخامس وما بعده يُسمّى ويعقّ عنه، نعم، إذا كان في الخامس وما بعده؛ لأنَّها نُفخت فيه الروح.

س: يعني: لا يجوز؟

ج: لا يجوز إلا إذا كان عليها خطرٌ منه، أمَّا مجرد أنَّه قد لا يعيش، أو كذا، أو كذا، هذه ظنون من الأطباء، وكثيرًا ما يُخطئون فيها ويُعافيها الله وييسر.

س: .............؟

ج: لا يسقط، ولا يسلم لهم.

س: الأم إذا أسقطته تكون عليها كفَّارة؟

ج: إذا تعمّدت لا، عليها التوبة، الكفَّارة في الخطأ وشبه العمد، العمد ما فيه إلا التوبة.