سورة الأنفال:
وهي مدنية، آياتها سبعون وستّ آيات، كلماتها ألف كلمة وستمئة كلمة وإحدى وثلاثون كلمة، حروفها خمسة آلاف ومئتان وأربعة وتسعون حرفًا، والله أعلم.
بسم الله الرحمن الرحيم: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [الأنفال:1].
قال البخاري: قال ابنُ عباسٍ: الأنفال: المغانم.
حدثنا محمد بن عبدالرحيم: حدثنا سعيد بن سليمان.
الشيخ: انظر "التقريب".
الطالب: سعيد بن سليمان الضّبي، أبو عثمان، الواسطي، نزيل بغداد، البزاز، لقبه: سعدويه، ثقة، حافظ، من كبار العاشرة، مات سنة خمسٍ وعشرين وله مئة سنة. (ع).
الشيخ: غيره أحد: سعيد؟
الطالب: سعيد بن سليمان، البصري، النَّشيطي -بفتح النون وكسر المعجمة- نُسب إلى جدِّه لأمه: نشيط، ضعيف، من التاسعة، وهم ابنُ عساكر في تسمية جدِّ الذي قبله: نشيطًا، كأنَّه التبس عليه بهذا تمييز.
الشيخ: غيره؟
الطالب: سعيد بن سليمان تقدّم في ابن سلمان.
الشيخ: انظر: ابن سلمان.
الطالب: سعيد بن سلمان -أو ابن سليمان- الربعي، مقبول، من السابعة. (ت).
أخبرنا هشيم: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير قال: قلتُ لابن عباسٍ -رضي الله عنهما-: سورة الأنفال؟ قال: نزلت في بدرٍ.
أمَّا ما علَّقه عن ابن عباسٍ فكذلك رواه علي ابن أبي طلحة، عن ابن عباسٍ أنَّه قال: الأنفال: الغنائم، كانت لرسول الله ﷺ خالصةً، ليس لأحدٍ منها شيء.
وكذا قال مجاهد، وعكرمة، وعطاء، والضَّحاك، وقتادة، وعطاء الخراساني، ومقاتل بن حيان، وعبدالرحمن بن زيد بن أسلم، وغير واحدٍ: أنها المغانم.
وقال الكلبي: عن أبي صالح، عن ابن عباسٍ أنَّه قال: الأنفال: الغنائم، قال فيها لبيد:
إنَّ تقوى ربنا خير نفل | وبإذن الله ريثي وعجل |
وقال ابنُ جرير: حدَّثني يونس: أخبرنا ابنُ وهبٍ: أخبرني مالك بن أنس، عن ابن شهابٍ، عن القاسم بن محمد قال: سمعتُ رجلًا يسأل ابن عباسٍ عن الأنفال، فقال ابن عباسٍ -رضي الله عنهما-: الفرس من النَّفل، والسّلب من النَّفل. ثم عاد لمسألته، فقال ابنُ عباسٍ ذلك أيضًا، ثم قال الرجل: الأنفال التي قال اللهُ في كتابه ما هي؟ قال القاسم: فلم يزل يسأله حتى كاد يُحرجه. فقال ابن عباسٍ: أتدرون ما مثل هذا؟ مثل صبيغ الذي ضربه عمرُ بن الخطَّاب.
وقال عبدُالرزاق: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن القاسم بن محمد قال: قال ابن عباسٍ: كان عمرُ بن الخطاب إذا سُئل عن شيءٍ قال: لا آمرك، ولا أنهاك. ثم قال ابنُ عباسٍ: والله ما بعث اللهُ نبيَّه ﷺ إلا زاجرًا، آمرًا، مُحلِّلًا، مُحرِّمًا.
قال القاسم: فسلّط على ابن عباسٍ رجلٌ، فسأله عن الأنفال، فقال ابنُ عباسٍ: كان الرجلُ ينفل فرس الرجل وسلاحه. فأعاد عليه الرجلُ، فقال له مثل ذلك، ثم أعاد عليه حتى أغضبه، فقال ابنُ عباسٍ: أتدرون ما مثل هذا؟ مثل صبيغ الذي ضربه عمرُ بن الخطاب حتى سالت الدِّماء على عقبيه، أو على رجليه. فقال الرجلُ: أما أنت فقد انتقم اللهُ لعمر منك.
وهذا إسنادٌ صحيحٌ إلى ابن عباسٍ: أنَّه فسّر النَّفل بما ينفله الإمام لبعض الأشخاص من سلبٍ أو نحوه بعد قسم أصل المغنم، وهو المتبادر إلى فهم كثيرٍ من الفُقهاء من لفظ النَّفل، والله أعلم.
الشيخ: والصَّحيح الأول، والمقصود من الأنفال هي المغانم، فإنَّ الله نفلها المسلمين، وأعطاهم إياها من عدوهم، فهي للرسول يتصرف فيها، ثم إنَّ الله حكم فيها وبيَّن في قوله في أثناء السورة: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [الأنفال:41]، بيَّن تقسيمها بعد ذلك، فهي لله وللرسول، ثم الله فصَّلها وبيَّنها بعد ذلك، فجعل الخمس لولي الأمر، ثم جعل الأربعة الأخماس للغانمين.
س: وجه ..... على ابن عباس؟ هل كان مُعترضًا على عمر ولم يقبل منه؟
ج: ..... قول: "لا آمرك، ولا أنهاك" لما ألحّ عليه، أو من جهة صبيغ لما أكثر للناس الشَّهوات والشُّبهات، العبارة فيها بعض الاشتباه، والأقرب -والله أعلم- أنَّه مثل صبيغ، وإلا "لا آمرك، ولا أنهاك" ما فيها تكلّف، هذه الكلمة تُقال في الشيء المباح: لا يأمر، ولا ينهى، مَن فعل فلا بأس، ومَن ترك فلا بأس، كلامه صحيح، كلام عمر ما فيه شيء، لكن لعله أراد بهذا ما ابتُلي به عمر من جهة صبيغ الذي كان يُشبه على الناس، ويأتي بأسئلةٍ فيها شُبهات، فنهاه عمر عن ذلك، فلمَّا لم ينتهِ عاقبه وأمر الناس بهجره حتى تاب.
.............
وقال ابنُ أبي نجيح: عن مجاهد: إنَّهم سألوا رسول الله ﷺ عن الخمس بعد الأربعة من الأخماس، فنزلت: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ [الأنفال:1].
وقال ابنُ مسعودٍ ومسروق: لا نفلَ يوم الزحف، إنما النَّفل قبل التقاء الصُّفوف. رواه ابنُ أبي حاتم عنهما.
وقال ابنُ المبارك وغير واحدٍ: عن عبدالملك ابن أبي سليمان، عن عطاء ابن أبي رباح في الآية: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قال: يسألونك فيما شذَّ من المشركين إلى المسلمين في غير قتالٍ من دابَّةٍ، أو عبدٍ، أو أمةٍ، أو متاعٍ، فهو نفلٌ للنبي ﷺ يصنع به ما يشاء. وهذا يقتضي أنَّه فسّر الأنفال بالفيء، وهو ما أُخِذَ من الكفَّار من غير قتالٍ.
قال ابنُ جرير: وقال آخرون: هي أنفال السَّرايا. حدَّثني الحارث: حدثنا عبدالعزيز: حدثنا علي بن صالح بن حيي، قال: بلغني في قوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قال: السرايا. ومعنى هذا ما ينفله الإمامُ لبعض السَّرايا زيادةً على قسمهم مع بقية الجيش.
وقد صرَّح بذلك الشَّعبي، واختار ابنُ جرير أنَّها زيادة على القسم.
ويشهد لذلك ما ورد في سبب نزول الآية، وهو ما رواه الإمام أحمد، حيث قال: حدثنا أبو معاوية: حدثنا أبو إسحاق الشَّيباني، عن محمد بن عبيدالله الثَّقفي، عن سعد ابن أبي وقاص قال: لما كان يوم بدر وقُتِل أخي عمير، قتلتُ سعيد بن العاص وأخذتُ سيفه، وكان يُسمّى: ذا الكتيفة، فأتيتُ به النبي ﷺ فقال: اذهب فاطرحه في القبض، قال: فرجعتُ وبي ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخي وأخذ سلبي. قال: فما جاوزتُ إلا يسيرًا حتى نزلت سورةُ الأنفال، فقال لي رسولُ الله ﷺ: اذهب فخذ سلبك.
وقال الإمامُ أحمد أيضًا: حدثنا أسود بن عامر: أخبرنا أبو بكر، عن عاصم ابن أبي النَّجود، عن مصعب بن سعد، عن سعد بن مالك قال: قلتُ: يا رسول الله، قد شفاني الله اليوم من المشركين، فهب لي هذا السيف. فقال: إنَّ هذا السيف لا لك ولا لي، ضعه، قال: فوضعته، ثم رجعتُ فقلت: عسى أن يُعطي هذا السيف مَن لا يُبلي بلائي. قال: فإذا رجلٌ يدعوني من ورائي. قال: قلت: قد أنزل اللهُ فيَّ شيئًا؟ قال: كنتَ سألتني السيف وليس هو لي، وإنَّه قد وهب لي، فهو لك. قال: وأنزل الله هذه الآية: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ.
ورواه أبو داود والترمذي والنَّسائي من طرقٍ عن أبي بكر ابن عياش، به، وقال الترمذي: حسنٌ صحيحٌ.
وهكذا رواه أبو داود الطيالسي: أخبرنا شعبة: أخبرنا سماك بن حرب قال: سمعتُ مصعب بن سعد يُحدِّث عن سعدٍ، قال: نزلت فيَّ أربع آيات؛ أصبتُ سيفًا يوم بدر، فأتيتُ النبي ﷺ فقلتُ: نفّلنيه. فقال: ضعه من حيث أخذته مرتين، ثم عاودتُه، فقال النبي ﷺ: ضعه من حيث أخذته، فنزلت هذه الآية: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ الآية، وتمام الحديث في نزول: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا [العنكبوت:8]، وقوله تعالى: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ [المائدة:90]، وآية الوصية.
وقد رواه مسلم في "صحيحه" من حديث شعبة، به.
وقال محمدُ بن إسحاق: حدَّثني عبدالله ابن أبي بكر، عن بعض بني ساعدة قال: سمعتُ أبا أسيد مالك بن ربيعة يقول: أصبتُ سيف ابن عائذ يوم بدر، وكان السيفُ يُدعى بالمرزبان، فلمَّا أمر رسولُ الله ﷺ الناس أن يردّوا ما في أيديهم من النَّفل أقبلتُ به فألقيتُه في النَّفل، وكان رسولُ الله ﷺ لا يمنع شيئًا يُسأله، فرآه الأرقم ابن أبي الأرقم المخزومي، فسأله رسول الله ﷺ فأعطاه إياه.
ورواه ابنُ جرير من وجهٍ آخر.
الطالب: محمد بن عبيدالله بن سعيد، أبو عون، الثقفي، الكوفي، الأعور، ثقة، من الرابعة. (خ، م، د، ت، س).
الشيخ: صلّح، الذي عنده: عبدالله، يصلح: عبيدالله.
سببٌ آخر في نزول الآية:
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبدالرحمن، عن سليمان بن موسى، عن مكحول، عن أبي أمامة قال: سألتُ عبادة عن الأنفال، فقال: فينا أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في النَّفل، وساءت فيه أخلاقنا، فانتزعه الله من أيدينا، وجعله إلى رسول الله ﷺ، فقسمه رسولُ الله ﷺ بين المسلمين عن بواء. يقول: عن سواء.
وقال الإمام أحمد أيضًا: حدثنا معاوية بن عمرو: أخبرنا أبو إسحاق، عن عبدالرحمن بن الحارث بن عبدالله بن عياش ابن أبي ربيعة، عن سليمان بن موسى، عن أبي سلامة، عن أبي أمامة، عن عبادة بن الصامت قال: خرجنا مع رسول الله ﷺ فشهدتُ معه بدرًا، فالتقى الناسُ، فهزم اللهُ تعالى العدو، فانطلقت طائفةٌ في آثارهم يهزمون ويقتلون، وأقبلت طائفةٌ على العسكر يحوزونه ويجمعونه، وأحدقت طائفةٌ برسول الله ﷺ لا يُصيب العدو منه غِرّة، حتى إذا كان الليلُ وفاء الناسُ بعضُهم إلى بعضٍ، قال الذين جمعوا الغنائم: نحن حويناها، فليس لأحدٍ فيها نصيب. وقال الذين خرجوا في طلب العدو: لستم بأحقّ به منا، نحن منعنا عنه العدو وهزمناهم. وقال الذين أحدقوا برسول الله ﷺ: خفنا أن يُصيب العدو منه غِرّة فاشتغلنا به. فنزلت: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ، فقسمها رسولُ الله ﷺ بين المسلمين.
وكان رسولُ الله ﷺ إذا أغار في أرض العدو نفل الربع، فإذا أقبل راجعًا نفل الثلث، وكان يكره الأنفال.
ورواه الترمذي وابن ماجه من حديث سفيان الثوري، عن عبدالرحمن بن الحارث، به، نحوه، قال الترمذي: هذا حديثٌ حسنٌ.
ورواه ابنُ حبان في "صحيحه"، والحاكم في "مستدركه"، من حديث عبدالرحمن بن الحارث، وقال الحاكم: صحيحُ الإسناد على شرط مسلم، ولم يُخرجاه.
وروى أبو داود والنَّسائي وابن جرير وابن مردويه -واللفظ له- وابن حبان والحاكم من طرقٍ عن داود ابن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ قال: لما كان يوم بدر قال رسولُ الله ﷺ: مَن صنع كذا وكذا فله كذا وكذا، فتسارع في ذلك شبان القوم، وبقي الشيوخ تحت الرايات، فلمَّا كانت المغانم جاءوا يطلبون الذي جعل لهم، فقال الشيوخ: لا تستأثروا علينا؛ فإنا كنا ردءًا لكم، لو انكشفتم لفئتم إلينا. فتنازعوا، فأنزل الله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ إلى قوله: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [الأنفال:1].
وقال الثوري: عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباسٍ قال: لما كان يوم بدر قال رسولُ الله ﷺ: مَن قتل قتيلًا فله كذا وكذا، ومَن أتى بأسيرٍ فله كذا وكذا، فجاء أبو اليسر بأسيرين، فقال: يا رسول الله، صلَّى الله عليك، أنت وعدتنا. فقام سعد بن عُبادة فقال: يا رسول الله، إنَّك لو أعطيتَ هؤلاء لم يبقَ لأصحابك شيء، وإنَّه لم يمنعنا من هذا زهادة في الأجر، ولا جبن عن العدو، وإنما قمنا هذا المقام محافظةً عليك مخافة أن يأتوك من ورائك. فتشاجروا، ونزل القرآن: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ، قال: ونزل القرآن: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ [الأنفال:41]، إلى آخر الآية.
وقال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام -رحمه الله- في كتاب "الأموال الشَّرعية وبيان جهاتها ومصارفها": أما الأنفال فهي المغانم وكل نيلٍ ناله المسلمون من أموال أهل الحرب، فكانت الأنفالُ الأولى لرسول الله ﷺ، يقول الله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ، فقسمها يوم بدرٍ على ما أراه الله، من غير أن يُخمسها على ما ذكرناه في حديث سعدٍ، ثم نزلت بعد ذلك آيةُ الخمس فنسخت الأولى.
قلت: هكذا روى علي ابن أبي طلحة، عن ابن عباسٍ سواء، وبه قال مجاهد وعكرمة والسّدي.
وقال ابنُ زيد: ليست منسوخةً، بل هي مُحكمة.
قال أبو عبيد: وفي ذلك آثار، والأنفال أصلها جماع الغنائم، إلا أنَّ الخمس منها مخصوصٌ لأهله على ما نزل به الكتاب وجرت به السُّنة.
ومعنى الأنفال في كلام العرب: كل إحسانٍ فعله فاعلٌ تفضُّلًا، من غير أن يجب ذلك عليه، فذلك النَّفل الذي أحلّه الله للمؤمنين من أموال عدوهم، وإنما هو شيء خصَّهم الله به تطولًا منه عليهم بعد أن كانت الغنائمُ مُحرَّمةً على الأمم قبلهم، فنفلها اللهُ تعالى هذه الأمّة، فهذا أصل النَّفل.
قلتُ: شاهد هذا ما في "الصحيحين" عن جابرٍ : أنَّ رسول الله ﷺقال: أعطيتُ خمسًا لم يُعطهنَّ أحدٌ قبلي فذكر الحديثَ إلى أن قال: وأُحلّت لي الغنائم، ولم تُحلّ لأحدٍ قبلي. وذكر تمام الحديث.
ثم قال أبو عبيد: ولهذا سُمّي ما جعل الإمامُ للمُقاتلة: نفلًا، وهو تفضيله بعض الجيش على بعضٍ بشيءٍ سوى سهامهم، يفعل ذلك بهم على قدر الغناء عن الإسلام والنِّكاية في العدو.
وفي النَّفل الذي ينفله الإمامُ سنن أربع، لكل واحدةٍ منهنَّ موضعٌ غير موضع الأخرى:
فإحداهنَّ: في النَّفل لا خمسَ فيه، وذلك السّلب.
والثانية: النَّفل الذي يكون من الغنيمة بعد إخراج الخمس، وهو أن يُوجّه الإمامُ السَّرايا في أرض الحرب، فتأتي بالغنائم، فيكون للسَّرية مما جاءت به الربع أو الثلث بعد الخمس.
والثالثة: في النَّفل من الخمس نفسه، وهو أن تُحاز الغنيمة كلّها، ثم تُخمس، فإذا صار الخمسُ في يدي الإمام نفّل منه على قدر ما يرى.
والرابعة: في النَّفل في جملة الغنيمة قبل أن يُخمس منها شيء، وهو أن يُعطى الأدلاء ورعاة الماشية والسّواق لها.
وفي كل ذلك اختلافٌ.
قال الربيع: قال الشَّافعي: الأنفال: أن لا يخرج من رأس الغنيمة قبل الخمس شيءٌ غير السلب.
قال أبو عبيد: والوجه الثاني من النَّفل هو شيء زيدوه غير الذي كان لهم.
الشيخ: قف على قول أبي عبيدٍ: الوجه الثاني -رحمه الله.