تفسير قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ..}

وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدَّثنا إبراهيم بن عبدالله بن محمد أبو شيبة الكوفي: حدثنا بكر بن عبدالرحمن: حدثنا عيسى بن المختار، عن ابن أبي ليلى، عن فضيل بن عمرو، عن أبي وائل، عن عبدالله قال: قال رسولُ الله ﷺ: الدال على الخير كفاعله، ثم قال: لا نعلمه يُروى إلا بهذا الإسناد.

قلتُ: وله شاهد في الصَّحيح: مَن دعا إلى هدًى كان له من الأجر مثل أجور مَن اتَّبعه إلى يوم القيامة، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومَن دعا إلى ضلالةٍ كان عليه من الإثم مثل آثام مَن اتَّبعه إلى يوم القيامة، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا.

الشيخ: وهذا ثابتٌ في "صحيح مسلم"، وهذا أيضًا حديث ..... من حديث أبي مسعودٍ الأنصاري في "الصحيحين" أيضًا، يقول النبي ﷺ: مَن دلَّ على خيرٍ فله مثل أجر فاعله. رواه مسلمٌ من حديث أبي مسعودٍ الأنصاري.

والحديث الثاني: يقول ﷺ: مَن دعا إلى هدًى كان له من الأجر مثل أجور مَن تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومَن دعا إلى ضلالةٍ كان عليه من الإثم مثل آثام مَن تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا أخرجه مسلم أيضًا.

ما هو معناه: الدال على خيرٍ كفاعله، لكن لفظ النبي ﷺ الثابت أوضح، أمَّا هذا ففي سنده ضعفٌ؛ لأنَّه من حديث .....: الدال على خيرٍ كفاعله، معناه صحيحٌ، لكن سنده ضعيف، أمَّا مَن دلَّ على خيرٍ فله مثل أجر فاعله فهذا مثلما تقدّم أخرجه مسلمٌ من حديث أبي مسعودٍ الأنصاري، وكذلك مَن دعا إلى هُدًى كان له من الأجر مثل أجور مَن تبعه صحيحٌ، رواه مسلمٌ أيضًا.

المقصود فيه الحثّ على الدَّعوة إلى الله، وهذه الدار دار العمل، والناس في حاجةٍ إلى التعاون والتَّواصي بالحقِّ، فالعالم يُعلّم الجاهل، والذاكر يُعلّم الناسي، ويحصل التَّعاون، وتبليغ الدَّعوة، ونشر العلم؛ ولهذا يقول : وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة:2]، ويقول سبحانه: وَالْعَصْرِ ۝ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ۝ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر].

فالرابحون هم أهل الإيمان الصَّادق، والعمل الصَّالح، والتواصي والتَّناصح بالحقِّ والصَّبر عليه، وهم المتعاونون على البرِّ والتَّقوى، ويقول -جلَّ وعلا-: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103].

فطالب العلم يُبلّغ غيره: مع أهله، ومع جُلسائه، ومع جيرانه، ومع زُملائه، في أي مكانٍ كان يُبلّغ العلم، إذا كان على بصيرةٍ، لا يغفل: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ [يوسف:108]، والله يقول: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ يعني: بالعلم، ووضع الشَّيء في مواضعه، والموعظة الحسنة، وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125] حتى المجادلة، إذا دعت حاجةٌ إلى المجادلة فجادل بالتي هي أحسن حتى يتّضح الحقّ، وحتى يبين الرُّشد، وحتى تزول الشُّبهة.

ويقول -جلَّ وعلا-: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [العنكبوت:46] حتى أهل الكتاب -اليهود والنصارى- يُجادلون بالتي هي أحسن، إلا مَن ظلم: إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ [العنكبوت:46]؛ لأنَّ المقصود من المجادلة ليس إظهار الفهم والمفاخرة والمراءة، لا، المقصود إظهار الحقّ والدّلالة عليه، ولا يكون ذلك إلا بالتي هي أحسن.

ويقول : وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33]، ما هناك أحدٌ أحسن قولًا من هذا، الاستفهام استفهام تقريري، يعني: لا أحسن قولًا ممن دعا إلى الله وعمل صالحًا، وهم الرسل -عليهم الصلاة والسلام-، وأتباعهم بإحسانٍ هم الدُّعاة إلى الله بالإحسان، وهم أئمّة الهدى، ويتبعهم في ذلك أهلُ العلم الموفَّقون الذين ينشرون العلم، ويُبَيِّنون للناس الشُّبَه، ويُزيلون الشُّبَه، ويُوضِّحون الحقَّ فيما يتعلق بالتوحيد والشِّرك، وفيما يتعلَّق بالبدع والمعاصي، فالرسل بُعثوا ليُوضِّحوا الحقَّ والدِّين والهدى والتوحيد والشِّرك، ويُوضِّحوا أيضًا للناس ما نُهوا عنه وما أُمروا به.

فهكذا يجب على أهل العلم بعدهم؛ لأنَّهم خُلفاؤهم، يُوضِّحون ذلك للناس أينما كانوا من طريق الدروس، ومن طريق الخطب والمواعظ والمحاضرات والنَّدوات، ومن طريق المكاتبة والمحادثة الشَّفهية، ومن جميع الطرق التي يتمكّن منها أهلُ العلم لإبلاغ دين الله ونشر دين الله في عباد الله.

س: ما هو الضَّعف في سند البزار؟

ج: ابن أبي ليلى، محمد ابن أبي ليلى ضعيف، نعم.

س: حديث: مَن سنَّ في الإسلام سُنَّةً حسنةً فله أجرها وأجر مَن عمل بها .....؟

ج: هذا هو الحديث المتقدم، صحيحٌ، يعني: أظهرها، بيَّنها للناس، ما يبتدع في الدِّين، يعني: يُبين السُّنة، يُوضِّحها للناس، يُظهرها، نعم.

س: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ هل تفسيرها بالأذان قاله أحدٌ من أهل العلم؟

ج: المؤذِّنون من ذلك، المؤذِّنون منهم؛ لأنهم دُعاة إلى الله.

وقال أبو القاسم الطَّبراني: حدَّثنا عمرو بن إسحاق بن إبراهيم بن زبريق الحمصي: حدثنا أبي: حدثنا عمرو بن الحارث، عن عبدالله بن سالم، عن الزبيدي: قال عباس بن يونس: إنَّ أبا الحسن نمران بن صخر حدَّثه: أنَّ رسول الله ﷺ قال: مَن مشى مع ظالمٍ ليُعينه وهو يعلم أنَّه ظالم فقد خرج من الإسلام.

الشيخ: هذا يُنظر في صحّته أولًا، وهو من بعيد الوعيد، ويكفي في هذا قوله -جلَّ وعلا-: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2].

مُداخلة: هنا تصحيف، صوابه: عياش بن مؤنس، كما في "الجرح"، وكذلك "نمران بن مخمر" كما في "الجرح والتعديل".

ولكم تعليق سابق -عفا الله عنكم-: هذا الخبر مُرسل ضعيف؛ لأنَّ نمران تابعي، وعياش بن مؤنس مجهول الحال، وفي المتن نكارة.

الشيخ: طيب.

مداخلة: في تعليق يقول: الحديث في سنده إسحاق بن إبراهيم بن العلاء، ضعيف، قال النسائي: ليس بثقةٍ، وصورته هنا صورة المرسل، وقد تكلّم عليه الشيخُ الألباني في "السلسلة الضَّعيفة"، والسَّند الذي نقله عن الطَّبراني، عن عباس بن مؤنس: أنَّ أبا الحسن نمران بن مخمر حدَّثه: أنَّ أوس بن شرحبيل -أحد بني المجمع- حدَّثه به مرفوعًا. وذكره ابنُ الأثير في "أسد الغابة" وقال: أخرجه ثلاثة، يعني: ابن مندة، وأبو نعيم، وأبو عمرو ابن عبدالبرِّ.

تنبيه: عباس بن يونس صوابه: "عياش" بياء مُشددة مُعجمة باثنتين من تحتها، وآخره شين مُعجمة، كما في "الإكمال" لابن ماكولا، وقال البخاري: عياش بن مؤنس. وقال الدَّارقطني .....

قال الشيخ الألباني: وعياش بن مؤنس وشيخه أبو الحسن عمران بن مخمر لم أعرفهما.

الشيخ: على كل حالٍ، الخبر ضعيفٌ مثلما في الحاشية، الخبر ضعيفٌ ومُنكر المتن؛ لأنَّ الإعانة على الظُّلم ..... الإسلام معصية من المعاصي، نعم؛ ولهذا قال -جلَّ وعلا-: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ.

س: الأثر الذي يقول: "إذا جار الحاكمُ فلا تكن قاضيًا، ولا جابيًا، ولا شرطيًّا" هل هو صحيح؟

ج: ما أعرفه، يقول الله -جلَّ وعلا-: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2]، فإذا أعنته على البرِّ والتقوى نفعت المسلمين، فالواجب التَّعاون مع ولاة الأمور على البرِّ والتقوى، على المعروف، لا في المعاصي، نعم.

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:3].

يُخبر تعالى عباده خبرًا مُتضمنًا النَّهي عن تعاطي هذه المحرّمات من الميتة، وهي ما مات من الحيوانات حتف أنفه من غير ذكاةٍ ولا اصطيادٍ، وما ذاك إلا لما فيها من المضرّة؛ لما فيها من الدَّم المحتقن، فهي ضارّة للدِّين وللبدن؛ فلهذا حرَّمها الله .

ويُستثنى من الميتة السَّمك، فإنَّه حلالٌ، سواء مات بتذكيةٍ أو غيرها؛ لما رواه مالك في "موطئه"، والشافعي وأحمد في "مسنديهما"، وأبو داود والترمذي والنَّسائي وابن ماجه في "سننهم"، وابن خُزيمة وابن حبان في "صحيحيهما" عن أبي هريرة: أنَّ رسول الله ﷺ سُئل عن ماء البحر، فقال: هو الطَّهور ماؤه، الحِلّ ميتته، وهكذا الجراد لما سيأتي من الحديث.

وقوله: وَالدَّمُ يعني به: المسفوح، كقوله: أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا [الأنعام:145]. قاله ابنُ عباسٍ وسعيد بن جُبير.

الشيخ: يعني: هنا الدَّم مطلق، وقيد في سورة الأنعام: مَسْفُوحًا المراق، هو ما يحصل عند ذبح الدَّابة، هذا الدَّم هو المحرّم، وهو المسفوح، أمَّا ما يكون من الدِّماء في عرض اللحم فهذا ليس فيه بأس، بل هو معفوٌّ عنه، إنما هو الدَّم الذي يكون عند ذبحها مسفوحًا، يُراق منها، نعم.

ومن هذا قصّة السّرية التي بعثها النبيُّ ﷺ إلى البحر، ورزقهم الله السَّمكة العظيمة قد نبذها البحرُ، وأكلوا منها شهرًا، وهي سمكة عظيمة، قائد الجماعة أبو عبيدة -أمير السّرية- أقعد ثلاثة عشر شخصًا في قحف عينها من كبرها، كالجبل، الله أكبر.

س: أكل اللحم ..... نيئة؟

ج: ما أعلم فيه شيئًا، لكن إذا طُبخ أو شُوي يكون أسلم، وإلا ما أعلم فيه شيئًا خاصًّا من كونه يُطبخ أو يُشوى، فهو أنفع وأسلم.

س: اللَّحم الذي يأتي من نيوزلندا وأستراليا والدَّجاج الذي يأتي من البرازيل هل هو مذبوح على .....؟

ج: إذا كان من بلاد أهل الكتاب الأصل فيه الحلّ؛ لأنَّ الله قال: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ [المائدة:5]، أمَّا إذا كان من بلاد شيوعية أو وثنية فلا.

س: طيب، النصارى عرفوا بالصّعق، طريقة غير الذَّبح؟

ج: إذا عرفتَ أنَّ هذا بالصّعق لا تأكل.

س: هذا مُشتهرٌ عنهم؟

ج: ولو، الأصل حلّ ذبائحهم، الأصل حلّ ذبائح أهل الكتاب، إلا إذا علمت أنَّهم ذبحوها على غير الشَّرع، فإذا علمت فلا تأكل، نعم.

س: "الدَّم" أهل الدَّواجن يستخدمونه طعامًا للدَّواب، يخلطونه بمواد ثم يُستخدم لإطعام الدَّواب؟

ج: لا، ما يجوز استخدامه، لكن إذا كان يسيرًا يُعفا عنه، من جنس الجلالة، لكن ما يجوز استعماله، ينبغي أن يستعملوا الطَّاهرات.

س: في مثل هذه الحالة يكون الدَّجاج أكله حلالًا أم حرامًا؟

ج: الشَّيء اليسير يُعفا عنه، من جنس الجلالة.

س: والكثير يحرم؟

ج: أمَّا الكثير فيجعله جلالةً.

قال ابنُ أبي حاتم: حدَّثنا كثير بن شهاب المذحجي: حدثنا محمد بن سعيد بن سابق: حدثنا عمرو –يعني: ابن قيس-، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ: أنه سُئل عن الطّحال فقال: كلوه. فقالوا: إنَّه دمٌ؟! فقال: إنما حُرّم عليكم الدَّم المسفوح.

وكذا رواه حماد بن سلمة، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم، عن عائشةَ قالت: إنما نهى عن الدَّم السَّافح.

وقد قال أبو عبدالله محمد بن إدريس الشَّافعي: حدثنا عبدالرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن ابن عمر –مرفوعًا- قال: قال رسولُ الله ﷺ: أُحلّ لنا ميتتان ودمان، فأمَّا الميتتان: فالسَّمك والجراد، وأمَّا الدَّمان: فالكبد والطّحال.

وكذا رواه أحمد بن حنبل وابن ماجه والدَّارقطني والبيهقي من حديث عبدالرحمن بن زيد بن أسلم، وهو ضعيف.

قال الحافظ البيهقي: ورواه إسماعيل ابن أبي إدريس، عن أسامة وعبدالله وعبدالرحمن بن زيد بن أسلم، عن ابن عمر مرفوعًا.

قلت: وثلاثتهم كلّهم ضُعفاء، ولكن بعضهم أصلح من بعضٍ.

الشيخ: يعني: أولاد زيد بن أسلم: عبدالرحمن وعبدالله وأسامة، كلّهم ضُعفاء، لكن عبدالله وأسامة أقوى من عبدالرحمن، نعم، المقصود أنَّه موقوفٌ، ورفعه ليس بذاك، ومعناه صحيحٌ، فالسَّمك والجراد حيًّا وميتًا، والطّحال والكبد كذلك؛ لأنها ليست دماء مسفوحًا. نعم.

فالكبد والطّحال من جملة أجزاء الحيوان المباحة إذا ذُكِّي، نعم.

س: يكون موقوفًا في حكم المرفوع؟

ج: الأقرب -والله أعلم- أنَّه في حكم المرفوع؛ لأنَّه لا يُقال من جهة الرأي، وبكل حالٍ فالمعنى واضح.

س: أليس الأولى ترك هذه الدّجاج ..... من الخارج؟

ج: الذي عنده شكٌّ فيها: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك.

وقد رواه سليمان بن بلال -أحد الأثبات- عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر. فوقفه بعضُهم عليه.

الشيخ: هذا هو الأثبت: الوقف، ولكن له حكم الرَّفع.

س: الصواب الموقوف؟

ج: هذا الصَّحيح، هذا السَّند موقوف، لكنَّه في حكم المرفوع؛ لأنَّ قوله: "أُحلّ لنا ميتتان" مَن الذي يُحلّ؟ المحلّ هو الرسول ﷺ، مثل: أُمرنا، ونُهينا، هذا يرجع إلى الآمر النَّاهي، وهو الرسول ﷺ.

قال الحافظ أبو زُرعة الرازي: وهو أصحّ.

وقال ابنُ أبي حاتم: حدَّثنا علي بن الحسن: حدثنا محمد بن عبدالملك ابن أبي الشّوارب: حدثنا بشير بن سريج.

............

عن أبي غالب، عن أبي أمامة -وهو صدي بن عجلان- قال: بعثني رسولُ الله ﷺ إلى قومي أدعوهم إلى الله ورسوله، وأعرض عليهم شرائع الإسلام، فأتيتهم، فبينما نحن كذلك إذ جاءوا بقصعةٍ من دمٍ فاجتمعوا عليها يأكلونها، فقالوا: هلمّ يا صدي فكلْ. قال: قلتُ: ويحكم! إنما أتيتُكم من عند مَن يُحرّم هذا عليكم. فأقبلوا عليه، قالوا: وما ذاك؟ فتلوت عليهم هذه الآية: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ الآية [المائدة:3].

ورواه الحافظ أبو بكر ابن مردويه من حديث ابن أبي الشَّوارب بإسناده مثله، وزاد بعد هذا السياق قال: فجعلتُ أدعوهم إلى الإسلام ويأبون عليَّ، فقلتُ: ويحكم! اسقوني شربةً من ماءٍ، فإني شديد العطش. قال: وعليَّ عباءتي. فقالوا: لا، ولكن ندعك حتى تموت عطشًا. قال: فاغتممتُ وضربتُ برأسي في العباء، ونمتُ على الرَّمضاء في حرٍّ شديدٍ. قال: فأتاني آتٍ في منامي بقدحٍ من زجاجٍ لم يرَ الناسُ أحسن منه، وفيه شرابٌ لم يرَ الناسُ ألذَّ منه، فأمكنني منه فشربته، فلمَّا فرغتُ من شرابي استيقظتُ، فلا والله ما عطشتُ ولا عريتُ بعد تيك الشَّربة.

الشيخ: وهذا إذا صحَّ فهو من كرامة الله لأوليائه، هذا القدح كما جرى لأم هانئ: أرادت الهجرة وظمئت، فوجدت دلوًا دُلي بين السَّماء والأرض حتى وصل إليها، فشربت. ذكروا هذا في هجرتها -رضي الله عنها.

المقصود أنَّ كرامات الأولياء حقٌّ عند أهل السُّنة والجماعة، وهي خرق العادة لهم عند الحاجة، فهي ثابتة ..... من جنس هذا إذا صحَّ، والله -جلَّ وعلا- يلطف بعباده وأوليائه، ويسهل لهم المخارج من الضيق إذا احتاجوا إلى ذلك، ومن هذا قصّة أهل الكهف، ومن هذا قصّة عباد بن بشر وأُسيد بن حُضير لما خرجا من عند النبي ﷺ في ليلةٍ مُظلمةٍ، أضاء لهما سوطُهما في الطريق، نعم.

س: قصّة أم هانئ في اليقظة؟

ج: في اليقظة نعم، وهي في الطَّريق.

ورواه الحاكم في "مستدركه" عن علي بن حماد، عن عبدالله بن أحمد بن حنبل: حدَّثني عبدالله بن سلمة بن عياش العامري: حدثنا صدقة بن هرمز، عن أبي غالب، عن أبي أمامة. وذكر نحوه، وزاد بعد قوله: "بعد تيك الشَّربة": فسمعتُهم يقولون: أتاكم رجلٌ من سُراة قومكم فلم تمجعوه بمذقةٍ.

الشيخ: والسّراة: الأشراف:

لا يصلح الناسُ فوضى لا سَراةَ لهم ولا سَراةَ إذا جُهَّالهم سادوا

أما السُّراة –بالضم- فهم جمع سارٍ، سارٍ جمع سُراة، مثل: قُضاة جمع قاضٍ، وهُداة جمع هادٍ، بالضم جمع السَّاري، وبالفتح الشَّريف والأشراف، نعم.

فآتوني بمذقةٍ، فقلتُ: لا حاجةَ لي فيها، إنَّ الله أطعمني وسقاني. وأريتُهم بطني، فأسلموا عن آخرهم.

وما أحسن ما أنشد الأعشى في قصيدته التي ذكرها ابنُ إسحاق:

وإياك والميتات لا تقربنَّها ولا تأخذن عظمًا حديدًا فتفصدا

أي: لا تفعل فعل الجاهلية، وذلك أنَّ أحدهم كان إذا جاع يأخذ شيئًا مُحددًا من عظمٍ ونحوه، فيفصد به بعيره، أو حيوانًا من أي صنفٍ كان، فيجمع ما يخرج منه من الدَّم فيشربه؛ ولهذا حرَّم اللهُ الدَّم على هذه الأمّة.

ثم قال الأعشى:

وذا النَّصب المنصوب لا تأتينه ولا تعبد الأوثان والله فاعبدا

وقوله: وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ يعني: إنسيه ووحشيه.

س: .............؟

ج: هذا شعرٌ عظيمٌ في التوحيد يقتضي إسلامه وفقهه في الدِّين.