تفسير قوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}

وقوله: فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:3] أي: فمَن احتاج إلى تناول شيءٍ من هذه المحرّمات التي ذكرها الله تعالى لضرورةٍ ألجأته إلى ذلك، فله تناوله، والله غفورٌ رحيمٌ له؛ لأنَّه تعالى يعلم حاجةَ عبده المضطر وافتقاره إلى ذلك، فيتجاوز عنه، ويغفر له.

وفي "المسند" و"صحيح ابن حبان" عن ابن عمر مرفوعًا قال: قال رسولُ الله ﷺ: إنَّ الله يُحبّ أن تُؤتى رُخصته، كما يكره أن تُؤتى معصيته، لفظ ابن حبان.

وفي لفظٍ لأحمد: مَن لم يقبل رُخصة الله كان عليه من الإثم مثل جبال عرفة.

ولهذا قال الفُقهاء: قد يكون تناول الميتة واجبًا في بعض الأحيان، وهو ما إذا خاف على نفسه ولم يجد غيرها، وقد يكون مندوبًا، وقد يكون مُباحًا بحسب الأحوال.

الشيخ: ومن هذا قوله -جلَّ وعلا-: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعام:119] هذا عامٌّ، فإذا اضطر إلى الميتة أو الخنزير أو غيرها من المحرّمات أخذ منها ما يسدّ الحاجة، فتارةً يخشى الموت فيجب عليه، وتارةً لا يخشى الموت، لكنه مُضطر، ويُستحبّ له، وتارةً يكون من باب المباحات؛ لأنَّه ..... قد يتحمل، وقد يصبر، لعله يحصل له شيء من المباح، وليس على خطرٍ، ولكن الضَّرورة حاصلة.

المقصود أنَّ الرخص التي رخّص اللهُ لعباده يحب أن تُؤتى: إنَّ الله يُحبّ أن تُؤتى رُخصه، كما يكره أن تُؤتى معصيته، ويُحبّ للمُسافر أن يقصر، ويُحبّ للمريض أن يُفطر، ويُحبّ لمن اضطر في المخمصة أن يأكل من الميتة، ولا يقتل نفسه، وهكذا، نعم.

س: ضابط الضَّرورة؟

ج: ألا يجد حلالًا يدفعها به.

س: لفظ الإمام أحمد: مَن لم يقبل رُخصة الله كان عليه من الإثم؟

ج: هذا يحتاج إلى مُراجعة سنده، نعم.

مُداخلة: في تعليق عليه يقول: هذا الحديث في "مسند أحمد" من حديث ابن عمر، وهو من طريق ابن لهيعة .....، وهو ضعيف.

الشيخ: إذا كان من طريق ابن لهيعة فهو ضعيف، نعم .....

س: قوله: كما يكره الكاف هنا للتَّعليل أو للتَّشبيه؟

ج: لتأكيد محبّته ، كما يكره إتيان المعاصي يُحبّ أن تُؤتى الرُّخص التي تفضّل بها على عباده وأحسن بها إليهم؛ فضلًا منه، فيقبل رُخصته، كما يبتعد عن معصيته.

س: مَن كان مُضطرًّا إلى أكل الميتة ولم يأكل، هل يُعدّ من قتل النَّفس؟

ج: نعم، ما يجوز.

واختلفوا: هل يتناول منها قدر ما يسدّ به الرَّمق، أو له أن يشبع، أو يشبع ويتزوّد؟

على أقوالٍ كما هو مُقرر في كتاب "الأحكام".

وفيما إذا وجد ميتةً وطعام الغير، أو صيدًا وهو مُحرم، هل يتناول الميتة، أو ذلك الصّيد ويلزمه الجزاء، أو ذلك الطَّعام ويضمن بدله؟

على قولين، هما قولان للشَّافعي -رحمه الله.

وليس من شرط جواز تناول الميتة أن يمضي عليه ثلاثة أيام لا يجد طعامًا، كما قد يتوهمه كثيرٌ من العوام وغيرهم، بل متى اضطرّ إلى ذلك جاز له.

الشيخ: والصواب في هذا أنَّه يختلف: إذا كان الفرجُ قريبًا أخذ ما يكفيه من الميتة، وإذا كان يخشى ألا يحصل شيءٌ يسدّ حاجته تزود منها، فإذا وجد ما يُغنيه عنها ألقاها، يحتاط لنفسه.

فإذا كان الفرجُ قريبًا أخذ ما يكفيه، وإذا كان يخشى ألا يجد شيئًا تزوّد حتى يجد، ثم يُلقي ما بقي.

وإذا وجد طعامًا للغير، أو صيدًا وهو مُحْرِم، فلا شكَّ أنَّ طعامَ الصيد للمُحْرِم خيرٌ له من الميتة، فالصيد حرم لعارضٍ، فيأخذه، وعليه جزاؤه، وطعام الغير يستعمله ويُعطيه القيمة إذا عرفه، والمسلم أخو المسلم، نعم، خيرٌ من الميتة.

س: هل يشبع، أو يأكل ما يسدّ به الرَّمق؟

ج: له أن يشبع، الله أطلق .

س: ما يُقال أنَّه مُضطر، وليس عليه جزاء الصَّيد؟

ج: ولو، ولو، جزاء يضمنه؛ لأنَّه أخذه لمصلحته، نعم.

وقد قال الإمام أحمد: حدثنا الوليد بن مسلم: حدثنا الأوزاعي: حدثنا حسان بن عطية، عن أبي واقد الليثي: أنَّهم قالوا: يا رسول الله، إنا بأرضٍ تُصيبنا بها المخمصة، فمتى تحلّ لنا بها الميتة؟ فقال: إذا لم تصطبحوا، ولم تغتبقوا، ولم تحتفئوا بها بقلًا، فشأنكم بها. تفرد به أحمد من هذا الوجه، وهو إسنادٌ صحيحٌ على شرط "الصحيحين".

الشيخ: إذا كان حسان بن عطية سمع من أبي واقد، ولكن ولم تحتفئوا بها بقلًا هذا هو محلّ الإشكال.

مُداخلة: سيذكر يا شيخ، الحافظ سيذكرها بعد قليلٍ.

الشيخ: إي نعم، كمّل.

وكذا رواه ابنُ جرير، عن عبدالأعلى بن واصل، عن محمد بن القاسم الأسدي، عن الأوزاعي، به، لكن رواه بعضُهم عن الأوزاعي، عن حسان بن عطية، عن مسلم بن يزيد، عن أبي واقد، به.

ومنهم مَن رواه عن الأوزاعي، عن حسان، عن مرثد -أو أبي مرثد-، عن أبي واقد، به.

ورواه ابنُ جرير، عن هناد بن السري، عن عيسى بن يونس، عن حسان، عن رجلٍ قد سُمّي له، فذكره.

ورواه أيضًا عن هناد، عن ابن المبارك، عن الأوزاعي، عن حسان مرسلًا.

الشيخ: وهذا يدلّ على أنَّ حسان لم يسمعه من أبي واقد، بينهما واسطة، كما في الرواية الأخرى، ففي بعضها رجلٌ مُبهم، نعم.

وقال ابنُ جرير: حدَّثنا يعقوب بن إبراهيم: حدثنا ابنُ عُلية، عن ابن عونٍ قال: وجدتُ عند الحسن كتابَ سمرة، فقرأتُه عليه، فكان فيه: ويُجزئ من الاضطرار غبوق أو صبوح.

حدَّثنا أبو كريب: حدثنا هشيم، عن الخصيب بن زيد التَّميمي: حدثنا الحسن: أنَّ رجلًا سأل النبي ﷺ فقال: متى يحلّ الحرام؟ قال: فقال: إلى متى يُروى أهلك من اللبن، أو تجيء ميرتهم.

حدثنا ابنُ حميد: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: حدثني عمر بن عبدالله بن عروة، عن جدِّه عروة بن الزبير، عمَّن حدَّثه: أنَّ رجلًا من الأعراب أتى النبي ﷺ يستفتيه في الذي حرَّم اللهُ عليه، والذي أحلَّ له، فقال النبي ﷺ: يحلّ لك الطّيبات، ويحرم عليك الخبائث، إلا أن تفتقر إلى طعامٍ لك، فتأكل منه حتى تستغني عنه، فقال الرجل: وما فقري الذي يحلّ لي؟ وما غنائي الذي يُغنيني عن ذلك؟ فقال النبي ﷺ: إذا كنتَ ترجو غناءً تطلبه، فتبلغ من ذلك شيئًا، فأطعم أهلك ما بدا لك حتى تستغني عنه، فقال الأعرابي: ما غنائي الذي أدعه إذا وجدته؟ فقال ﷺ: إذا أرويتَ أهلك غبوقًا من الليل، فاجتنب ما حرّم الله عليك من طعام مالك، فإنَّه ميسورٌ كلّه، فليس فيه حرامٌ.

مداخلة: في نسخة (الشعب): فاجتنب ما حرَّم اللهُ عليك من طعامٍ، وأمَّا مالك فإنَّه ميسورٌ كلّه، فليس فيه حرامٌ.

الشيخ: الذي عند (الشعب) أحسن، أصوب. سنده: حدثنا؟

حدثنا ابنُ حميد: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: حدَّثني عمر بن عبدالله بن عروة، عن جدِّه عروة بن الزبير، عن جدّته: أنَّ رجلًا من الأعراب.

الشيخ: صلّحه على ما عند (الشعب)، والحديث ضعيفٌ أيضًا؛ لأنَّ ابن حميد ضعيفٌ، ابن حميد لا يُحتجّ به، والمقصود أنَّ الآية واضحة، فمَن اضطرّ أكل من الميتة ونحوها، ومَن أغناه الله وجب عليه اجتناب ما حرّم الله، والناس يختلفون في هذا على حسب أحوالهم، فقد يضطر وهو يجد الفرج قريبًا، وقد يخشى ألا يجده قريبًا، فيتزود على حسب الحال، يجتهد ويتَّقي الله في ذلك.

س: ما يكون مُضطرًّا حتى يروي أهله على هذا الحديث؟

ج: يعني: أنه يُروى من اللبن وهم مُضطرون، لبن يكفيهم.

س: وإذا كانوا ما يروون؟

ج: يكونوا مُضطرين، إذا كان ما يسدّهم يكونوا مُضطرين، لكن فقط الحديث ضعيفٌ.

س: حديث حسان عن أبي واقد؟

ج: فيه نظر، الذي يظهر أنَّ حسان لم يسمعه من أبي واقد؛ لأنَّ الرِّواية الأخرى تدلّ على أنَّه واسطة.

س: طيب، قول الحافظ: إسناده صحيح؟

ج: صحيحٌ إن ثبت سماع الحسن من أبي واقد.

س: يكون ثابتًا على رأي ابن كثير؟

ج: ما هو، على كل حالٍ، ذكر ما يُبين عِلّة المقصود: إسناده صحيح، يعني: إن سلم.

س: عروة أدرك جدّته؟

ج: إي نعم، أسماء بنت أبي بكر.

س: سماع الحسن من سمرة؟

ج: فيه خلافٌ مشهورٌ، وقد ثبت سماعه منه في أحاديث، نعم.

ومعنى قوله: ما لم تصطبحوا يعني به الغداء، وما لم تغتبقوا يعني به العشاء، أو تحتفئوا بقلًا، فشأنكم بها فكلوا منها.

وقال ابنُ جرير: يُروى هذا الحرف -يعني قوله: أو تحتفئوا- على أربعة أوجه: "تحتفئوا" بالهمزة، و"تحتفيوا" بتخفيف الياء والحاء، و"تحتفّوا" بتشديد الفاء، و"تحتفُوا" بالحاء وبالتَّخفيف، ويحتمل الهمز. كذا رواه في "التفسير".

الشيخ: المعنى -والله أعلم- يعني: ما لم يُوجد بقل يُغني، العبارة، كلمة "تحتفئوا" فيها بعض الغموض، لكن المعنى يدلّ على ما لم –يعني- يتحصّلوا على بقلٍ -على نباتٍ- يُغنيهم –يسدّهم- عن الميتة مما يُؤكل، لو صحَّ، نعم.

مداخلة: في حاشية (الشعب) قال -أحسن الله إليك-: ويُروى "تحتفوا بقلًا" أي: تُظهرونه، يُقال: احتفيت الشَّيء، إذا أظهرته، وأخفيته إذا سترته، كما يُروى "تحتفؤوا" بالحاء، من الحفاء، وهو ..... يُقال: احتفأ الحفاء، اقتلعه من منبته، وسيذكر ابنُ كثير روايات أخرى لهذه الكلمة عن الطَّبري، قال .....، وصوابه: "وتحتفوا" بتخفيف الفاء، من غير همزٍ، وكل شيءٍ استُؤصل فقد احتفي، ومنه إحفاء الشعر، قال: "واحتفى البقل" إذا أخذه من وجه الأرض بأطراف أصابعه من قصره وقِلّته.

الشيخ: نعم.

س: عفا الله عنك، أسماء جدّة عروة أو أمّه؟

ج: عروة أمّه أسماء.

س: هو يروي عن جدّته؟

ج: هذا عمر.

س: عن عروة، عن جدّته؟

ج: عن عمر أيش؟

س: عن جدّه عروة بن الزبير، عن جدّته.

ج: والله أعلم أنَّها مُصحّفة: عن أمّه، عن عمر أيش؟

قارئ المتن: عن عمر بن عبدالله بن عروة، عن جدّه عروة بن الزبير، عن جدّته.

الشيخ: أو أنها: عن أبيه عبدالله، عن جدّته. يُراجع ابن جرير.

.............

قال أبو داود: حدثنا هارون بن عبدالله: حدثنا الفضل بن دكين: حدثنا عقبة بن وهب العامري: سمعتُ أبي يُحدِّث عن الفجيع العامري: أنَّه أتى رسول الله ﷺ فقال: ما يحلّ لنا من الميتة؟ قال: ما طعامكم؟ قلنا: نصطبح ونغتبق. قال أبو نعيم: فسّره لي عقبة: قدح غدوة، وقدح عشية. قال: ذاك وأبي الجوع، وأحلّ لهم الميتة على هذه الحال. تفرد به أبو داود.

وكأنَّهم كانوا يصطبحون ويغتبقون شيئًا لا يكفيهم، فأحلّ لهم الميتة لتمام كفايتهم.

وقد يحتجّ به مَن يرى جواز الأكل منها حتى يبلغ حدّ الشّبع، ولا يتقيّد ذلك بسدِّ الرَّمق، والله أعلم.

الشيخ: وهذا عجبٌ من المؤلف -رحمه الله-: عدم العناية بالسند، وتصحيح السند، ويُقرر على الحديث أحكامه، والسند يغفل عنه! ما دام وهب بن عقبة مقبولًا فالمقبول ما يحتجّ به، ثم يُنظر إلى أبيه أيضًا؛ لأنَّه يروي عن أبيه.

الطالب: قال تعليقًا: كوفي، من مستور من .....

الشيخ: هذا ضعف أشدّ، المستور أشدّ ضعفًا من المقبول، المستور مجهول الحال، والمقبول الذي قد زكَّاه بعضُ مَن لا يُعتمد، كانفراده: كابن حبَّان ونحوه.

المقصود أنَّ سند الحديث ضعيف، والقاعدة: أنَّ الضَّعيف لا يُحتجّ به في مقام الحلِّ والحُرمة، قد يُستشهد به في الترغيب والترهيب.

ثم أيضًا عندهم غبوق، عندهم قدح صباحًا ومساءً، هؤلاء عندهم ما يُغنيهم، عندهم اللَّبن صباحًا ومساءً، هذا خيرٌ عظيمٌ.

حين كنتُ في القضاء جاءني بدوي وتغدّى معنا قبل أربعين سنة، قال لي: أنا ما ذقتُ الطَّعام: لا أرز، ولا تمر، ولا غيره منذ كذا وكذا شهر –شهور- فقلت له: فما كان يعيشكم؟ قال: ما عندي إلا اللبن صباحًا ومساءً، أشرب لبنًا فقط، وعندي ناقة، وأنا مع الإبل، وفيها لبن، وأشرب منها الصبح، وأشرب منها .....، ولا أعرف تمرًا، ولا لحمًا، ولا أرزًا، ولا غيره أبدًا من شهورٍ، قال: ستة أو سبعة أشهر. فالذي عنده غبوق –صبوح- ما عليه خطر، ما هو في مخمصةٍ.

المقصود أنَّ السند هذا ضعيفٌ، والعجب من المؤلف -رحمه الله.

س: لو وجد رجلٌ إنسانًا ميتًا في الصحراء هل يأكل منه؟

ج: إذا كان مُضطرًّا نعم.

س: يأكل من لحم الإنسان؟!

ج: للضَّرورة -الحمد لله- داخلٌ في الآية.

مُداخلة: سند عروة بن الزبير في ابن جرير، قال: حدثنا ابنُ حميد قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: حدَّثني عمر بن عبدالله بن عروة، عن جدِّه عروة بن الزبير، عمَّن حدَّثه.

الشيخ: ما في سند ثانٍ؟

الطالب: هذا فقط.

الشيخ: هذا يقول: عن جدّته، وعندك: عمَّن حدَّثه، تكون تصحّفت: "حدَّثه" إلى "جدّته"، تصحّفت: "حدّثه" على مَن كتب ابن كثير إلى "جدّته"، "حدّثه" جعل الثاء تاء، وجعل الحاء جيمًا ..... تصحيف .....؛ لأنَّ أسماء بنت أبي بكر أمّ عروة -رضي الله عنها-، وليست جدّته، فتصحيف .....

س: ..... السَّند يُعتبر مجهولًا، وإلا صحابي؟

ج: لا، المقصود فقط أنه تصحيف إلى "جدّته"، عمَّن حدَّثه بعده عن النبي ﷺ .....، هذا محتمل، مَن حدّثه ما قال أنَّه سمع النبي، فالمحدّث قد يكون تابعيًّا، وقد يكون صحابيًّا، وقد يكون مرسلًا، وقد يكون متصلًا، فهو ضعيفٌ على كل حالٍ .....

س: عفا الله عنك يا شيخ، حُرمة المؤمن ميتًا كحُرمته حيًّا، فكيف يأكله؟

ج: إذا اضطرّ، شاةُ أخيك ما هي بحرامٍ عليك؟!

السائل: بلى.

الشيخ: شاته ودجاجه وبعيره، وإذا اضطررت ما تأكل؟!

السائل: بلى.

س: أحسن الله إليك، قوله: "ذاك وأبي الجوع" يكون هذا قسمًا منهيًّا عنه؟

ج: هذا لو صحَّ قبل النَّهي، لو صحَّ قبل النَّهي عن الحلف بغير الله، يُحمل على هذا؛ لأنَّهم كانوا يحلفون على آبائهم في أول الإسلام، وفي أول الهجرة، ثم نُسخ ذلك وحرّم اللهُ الحلف بغيره، نعم.

س: قول مَن قال بأنَّ الأحاديث ..... لا يُستشهد بها حتى في فضائل الأعمال؟

ج: هذا قول بعض أهل العلم، لكن الذي عليه الجمهور أنَّه يُستشهد بها في الفضائل، يقول الحافظُ العراقي -رحمه الله- في ألفيته:

وسهلوا في غير موضوع رووا من غير تبيينٍ لضعفٍ ورأوا
بيانه في الحكم والعقائد عن ابن مهدي وغير واحد

س: يكون مُنقطعًا عمَّن حدَّثه .....؟

ج: محتمل أنَّه صحابي، ومحتمل أنَّه غير صحابي، فيصير مرسلًا، وشيخ المؤلف ضعيف، نعم.

لكن الحافظ -رحمه الله- له مواضع كثيرة يذكر فيها الأحاديث ولا يتكلّم فيها، ولا يعتني بها -رحمه الله-، نعم.

الطالب: في "تحفة الأشراف" ذكر فجيع العامري.

الشيخ: وأيش قال؟ حدَّثنا، أو عن جدّته؟

الطالب: لا، غير هذا، السَّند الثَّاني.

الشيخ: أيش قال؟

الطالب: حديث: أنَّه أتى النبيَّ ﷺ فقال: ما يحلّ لنا من الميتة؟ قال: ما طعامكم؟ ... الحديث. رواه أبو داود في "الأطعمة" عن هارون بن عبدالله الحمّال، عن أبي نعيم الفضل بن دكين، عن عقبة بن وهب بن عقبة العامري قال: سمعتُ أبي يُحدّث عن الفجيع به.

الشيخ: انظر "التقريب": فجيع.

الطالب: نُصححه إلى: عقبة بن وهب؟

الشيخ: نعم.

الطالب: في "الخلاصة": وهب بن عقبة، العامري، البكائي -بفتح الموحدة-، عن فجيع العامري، وعنه ابنه عقبة، وثَّقه ابن حبان.

الشيخ: انظر فجيعًا.

الطالب: فجيع -بجيم مُصغر- بن عبدالله، العامري، صحابي، نزل الكوفة، له حديثٌ واحدٌ. (د).

الشيخ: يصلح: فجيع بالفاء، كما في "التقريب"، وكما في "التحفة".

حديثٌ آخر: قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا حماد: حدثنا سماك، عن جابر بن سمرة: أنَّ رجلًا نزل الحرّة ومعه أهله وولده، فقال له رجلٌ: إنَّ ناقتي ضلَّت، فإن وجدتَها فأمسكها، فوجدها، ولم يجد صاحبها، فمرضت، فقالت له امرأتُه: انحرها. فأبى، فنفقت.

الشيخ: يعني: ماتت.

فقالت له امرأته: اسلخها حتى تقدد شحمها ولحمها فنأكله. قال: لا، حتى أسأل رسول الله ﷺ، فأتاه فسأله، فقال: هل عندك غنًى يُغنيك؟ قال: لا. قال: فكلوها، قال: فجاء صاحبُها فأخبره الخبر، فقال: هلا كنتَ نحرتها؟! قال: استحييتُ منك. تفرَّد به، وقد يحتجّ به مَن يجوز الأكل والشّبع والتَّزود منها مدّة يغلب على ظنِّه الاحتياج إليها، والله أعلم.

الشيخ: هذا فيه نظر؛ لأنَّها ناقة تامّة، فكونها ميتة وتقدد ويأكلون منها، وفي الحرّة! الحرّة على طرف المدينة، أخشى أنه من أوهام سماك، فسماك ليس بالضَّابط، وإن كان لا بأسَ به بالجملة، لكن ليس من المتقنين، فله أغلاط، أخشى أنَّه وهم في هذا، إمَّا من أوهامه، وإمَّا من أوهام حماد بن سلمة. حدَّثنا أيش؟

حدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا حماد: حدثنا سماك، عن جابر بن سمرة.

الشيخ: انظر الكلام على حماد بن سلمة وسماك، حماد وإن كان من رجال الشَّيخين، لكن له أوهام وأغلاط، وكذلك سماك، المتن فيه غرابة كبيرة، كونه سمَّاه مُضطرًّا وهو في طرف المدينة، وعنده المسلمون، وعنده الرسول ﷺ، ثم ناقة بجُملتها يُقال له: كُلْ منها، وهي ميتة! نعم.

الطالب: حماد بن سلمة بن دينار، البصري، أبو سلمة، ثقة، عابد، أثبت الناس في ثابت، تغير حفظه بآخرة، من كبار التابعين، مات سنة سبعٍ وستين. (الجماعة).

الشيخ: يخشى أن يكون هذا بعدما تغير حفظه .....، انظر سماك بن حرب.

الطالب: سماك -بكسر أوله وتخفيف الميم- بن حرب بن أوس بن خالد، الذهلي، البكري، الكوفي، أبو المغيرة، صدوق، وروايته عن عكرمة خاصّة مُضطربة، وقد تغيّر في آخره، فكان ربما يُلقّن، من الرابعة، مات سنة ثلاثٍ وعشرين. (البخاري تعليقًا، ومسلم، والأربعة).

الشيخ: المقصود أنَّ فيه نظرًا، فقد يكون من أوهامه، أو أوهام حماد، المتن فيه نكارة، ولعله من أوهام حماد، أو سماك، بعدما تغيّر حفظهما، الله المستعان. نعم.

وقوله: غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ [المائدة:3] أي: مُتعاطٍ لمعصية الله، فإنَّ الله قد أباح ذلك له، وسكت عن الآخر، كما قال في سورة البقرة: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:173]، وقد استدلّ بهذه الآية مَن يقول بأنَّ العاصي بسفره لا يترخّص بشيءٍ من رُخص السَّفر؛ لأنَّ الرخص لا تُنال بالمعاصي، والله أعلم.

الشيخ: وهذا فيه نظر أيضًا؛ لأنَّ الآية عامّة، والعاصي مسلم تعمّه الآيات، فإذا صار عاصيًا ولكن اضطرّ، فالصواب أنها تعمّه، ويقصر في السَّفر، ويُفطر في السَّفر، فمعصيته إثمها عليه، والأحكام تعمّه وتعمّ جميع المسلمين، ولعلَّ أخذه بالرُّخص من أسباب توبته ورجوعه إلى الله الذي يسّر له الرُّخصة، نعم.

س: إذا صام في السفر .....؟

ج: مُرادهم أنَّه ليس له أن يُفطر، هذا مرادهم، إذا كان سافر لمعصيةٍ؛ سافر مثلًا ليشرب الخمر، أو ليزني، أو لمعصيةٍ أخرى، معناه: أنَّه ليس له القصر في السَّفر، ولا الفطر في السفر، ولا الأكل من الميتة إذا اضطرّ؛ لأنَّه عاصٍ.

وذهب قومٌ آخرون -وهو الصواب- إلى أنَّ له ذلك، فالآيات عامّة، والرُّخص عامّة، وهو مسلم، نعم.

س: قوله: غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ؟

ج: يعني: قاصدًا للإثم، يأكل بقدر الضَّرورة فقط، قدر الحاجة، إذا كان مُضطرًّا يأخذ ضرورته ويكفي.

س: مَن سافر لأجل الفطر؟

ج: هذا ما يجوز، هذا عاصٍ، هذا يتلاعب، نسأل الله العافية.

س: إذا كانت لا توجد المشقّة في السَّفر؟

ج: ما في بأس، الصوم جائز، النبي صام في السفر -عليه الصلاة والسلام-، الفطر أفضل، ومَن صام فلا حرج.