قال الربيع: قال الشَّافعي: الأنفال: أن لا يخرج من رأس الغنيمة قبل الخمس شيءٌ غير السّلب.
قال أبو عبيد: والوجه الثاني من النّفل هو شيءٌ زيدوه غير الذي كان لهم، وذلك من خمس النبي ﷺ، فإنَّ له خمس الخمس من كل غنيمةٍ، فينبغي للإمام أن يجتهد، فإذا كثر العدو واشتدّت شوكتُهم وقلَّ مَن بإزائه من المسلمين، نفل منه؛ اتِّباعًا لسنة رسول الله ﷺ، وإذا لم يكن ذلك لم ينفل.
والوجه الثالث من النّفل: إذا بعث الإمامُ سريةً أو جيشًا، فقال لهم قبل اللِّقاء: مَن غنم شيئًا فهو له بعد الخمس. فهو لهم على ما شرط الإمام؛ لأنَّهم على ذلك غزوا، وبه رضوا. انتهى كلامه.
وفيما تقدّم من كلامه -وهو قوله: إنَّ غنائم بدرٍ لم تخمس- نظر.
ويرد عليه حديث علي بن أبي طالب في شارفيه اللَّذين حصلا له من الخمس يوم بدر، وقد بيّنت ذلك في كتاب السيرة بيانًا شافيًا، ولله الحمد والمنّة.
وقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ [الأنفال:1] أي: اتَّقوا الله في أموركم، وأصلحوا فيما بينكم.
الشيخ: والسُّنة واضحة في هذا: أنَّ الغنيمة تُخمّس أخماسًا: أربعة للغانمين، وخمس يتولَّاه وليُّ الأمر، وهو نصّ الآية: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [الأنفال:41]، هذا نصّ الآية الكريمة، والبقية للغانمين يقسم بينهم.
وقد جاءت الأحاديث الصَّحيحة واضحة في قسم الغنائم: للراجل سهم، وللفارس ثلاثة أسهم: سهمُ له، وسهمان لفرسه، ولولي الأمر أن ينفل من الخمس ما يرى فيه المصلحة، وهكذا السَّرايا له أن ينفلهم الثلث والربع فيما يتعلّق بالغنائم: الثلث في الرجعة، والربع في البدأة.
والمقصود أنَّ ولي الأمر يكون تنفيله من الخمس، ويكون أيضًا بالسّلب لمن قتل قتيلًا، كما جاء في السنة: مَن قتل قتيلًا له عليه بينة فله سلبه، وهكذا كلّه فيه تشجيعٌ للغانمين، وحثّهم على الإقدام والصَّبر؛ لأنَّ المساعدة المالية وما يحصل لهم من الغنائم يُشجّعهم على الاستمرار في الجهاد؛ ليقوموا بما يلزمهم ويسدّ حاجة عوائلهم، وغير ذلك من شؤونهم.
س: شارفيه؟
ج: بعيريه.
س: بالنسبة للسّلب: الرسول ﷺ هل شرعه للأمّة، أو بصفته الإمام حكم به؟
ج: للأمّة، عامّ، ولي الأمر مَن بعده يقول هكذا.
ولا تظالموا، ولا تخاصموا، ولا تشاجروا، فما آتاكم اللهُ من الهدى والعلم خيرٌ مما تختصمون بسببه، وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأنفال:1] أي: في قسمه بينكم على ما أراده الله، فإنَّه إنما يقسمه كما أمره الله من العدل والإنصاف.
وقال ابنُ عباسٍ: هذا تحريجٌ من الله ورسوله على المؤمنين.
الشيخ: حرج عليهم: شدد عليهم.
أن يتَّقوا، ويُصلحوا ذات بينهم. وكذا قال مجاهد.
وقال السدي: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ أي: لا تستبوا.
ولنذكر هاهنا حديثًا أورده الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي -رحمه الله- في "مسنده"، فإنَّه قال: حدثنا مجاهد بن موسى: حدثنا عبدالله بن بكر: حدثنا عباد بن شيبة الحبطي، عن سعيد بن أنس، عن أنسٍ قال: بينا رسول الله ﷺ جالسٌ إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه، فقال عمر: ما أضحكك يا رسول الله بأبي أنت وأمي؟ فقال: رجلان من أمّتي جثيا بين يدي ربِّ العزة -تبارك وتعالى-، فقال أحدُهما: يا ربّ، خذ لي مظلمتي من أخي. فقال الله تعالى: أعطِ أخاك مظلمته. قال: يا ربّ، لم يبقَ من حسناتي شيء. قال: ربّ، فليحمل عني من أوزاري. قال: ففاضت عينا رسول الله ﷺ بالبكاء، ثم قال: إنَّ ذلك ليوم عظيم، يوم يحتاج الناسُ إلى مَن يتحمّل عنهم من أوزارهم، فقال الله تعالى للطالب: ارفع بصرك وانظر في الجنان. فرفع رأسه فقال: يا ربّ، أرى مدائن من فضّة، وقصورًا من ذهبٍ مُكللة باللؤلؤ، لأي نبيٍّ هذا؟ لأي صدّيقٍ هذا؟ لأي شهيدٍ هذا؟ قال: هذا لمن أعطى ثمنه. قال: ربّ، ومَن يملك ثمنَه؟! قال: أنت تملكه. قال: ماذا يا ربّ؟! قال: تعفو عن أخيك. قال: يا ربّ، فإني قد عفوتُ عنه. قال الله تعالى: خذ بيد أخيك فادخلا الجنة. ثم قال رسولُ الله ﷺ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ، فإنَّ الله تعالى يُصلح بين المؤمنين يوم القيامة.
الشيخ: انظر "التقريب": عباد بن شيبة.
وهذا فيه فضل العفو، فالله -جلَّ وعلا- يقول: وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [البقرة:237]، ويقول -جلَّ وعلا-: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى:40]، ويقول النبي ﷺ: ما زاد اللهُ عبدًا بعفوٍ إلا عِزًّا، فالرجل إذا عفا عن أخيه بعض المظالم التي له عليه يرجو ما عند الله فله الخير العظيم، فالناس يوم القيامة في حاجةٍ إلى حسنةٍ، وفي حاجةٍ إلى تحمّل سيئةٍ.
فالواجب الحذر في هذه الدار من تحمّل الأوزار، وقد ثبت في الحديث الصحيح: يقول ﷺ لأصحابه ذات يومٍ: ما تعدّون المفلس فيكم؟ قالوا: المفلس عندنا مَن لا درهمَ له ولا متاع. قال: لكن المفلس يوم القيامة الذي يأتي بأعمالٍ من صلاةٍ وصومٍ وصدقةٍ، ويأتي وقد ضرب هذا، وشتم هذا، وسفك دم هذا، وأخذ مال هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإذا فنيت حسناته ولم يقضِ ما عليه أُخذ من سيئاته فطُرح عليه، ثم طُرح في النار، أو كما قال -عليه الصلاة والسلام.
هذا يدلّ على عِظم الخطر، وأنَّ الإنسان قد يتحمّل من سيئات غيره إذا أساء إليهم وظلمهم، ولم يبقَ من حسناته شيء، حمل من أوزارهم، فإذا اجتهد وابتعد عن الشَّر، وأحسن إلى الناس، وعفا وأصلح؛ وجد الخيرَ العظيم.
س: العفو في الدنيا أم في الآخرة؟
ج: في الدنيا، وفي الآخرة.
الطالب: عباد بن بشر ما هو بموجودٍ.
الشيخ: انظر سعيد بن أنس.
الطالب: ما هو بموجود: لا سعيد، ولا عباد.
الشيخ: "التعجيل" موجود؟
الطالب: غير موجود في "التعجيل".
الشيخ: نعم.
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الأنفال:2-4].
قال علي بن أبي طلحة: عن ابن عباسٍ في قوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ قال: المنافقون لا يدخل قلوبهم شيءٌ من ذكر الله عند أداء فرائضه، ولا يؤمنون بشيءٍ من آيات الله، ولا يتوكلون، ولا يصلون إذا غابوا، ولا يُؤدّون زكاة أموالهم، فأخبر الله تعالى أنَّهم ليسوا بمؤمنين.
الشيخ: والمقصود من هذا بيان المؤمنين الكُمّل لما قال: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [الأنفال:1]، كأنَّ السائل قال: مَن هم المؤمنون؟ فبين سبحانه أنَّ المؤمنين هم هؤلاء: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ يعني: حقًّا الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ يعني: الكُمّل، أهل الإيمان الكامل، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، بخلاف أهل النِّفاق، ليس عندهم إيمانٌ تُوجل منه القلوب، وليس عندهم إيمانٌ يزيد وينقص، بل لا إيمانَ لهم؛ لكفرهم في الباطن، وليس عندهم توكّل، بل هم أعداء الإسلام، وأعداء الدِّين، وإنما يُجاملون الناس في الظَّاهر.
ثم قال: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ هذه الصِّفات تدلّ على كمال إيمانهم، وجلو قلوبهم عند ذكر الله ، وزيادة إيمانهم عند تلاوة القرآن، وتوكّلهم على الله، وإقامتهم للصلاة، وإيتاؤهم للزكاة دليلٌ على كمال إيمانهم، فالبقية من باب أولى، بقية الأعمال من باب أولى.
فمتى قام المؤمنُ بهذه الصِّفات فذلك دليلٌ على أنَّه يقوم ببقية الصِّفات التي أوجب اللهُ عليه، ويبتعد عمَّا حرَّم الله عليه؛ لأنَّ إيمانه الصَّادق الذي حصل به زيادة إيمانه عند تلاوة القرآن، ووجل قلبه عند ذكر الله، وتوكّله على الله، وأقام الصلاة كما أمر الله، وأدَّى الزكاة كما أمر الله، هذا الإيمان يحمله على بقية الطَّاعات، وعلى ترك جميع السّيئات.
ثم وصف الله المؤمنين فقال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ فأدّوا فرائضه، وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا يقول: زادتهم تصديقًا، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ يقول: لا يرجون غيره.
وقال مجاهد: وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ فرقت، أي: فزعت وخافت. وكذا قال السدي وغير واحدٍ.
وهذه صفة المؤمن، حقّ المؤمن، الذي إذا ذُكِرَ الله وجل قلبُه، أي: خاف منه، ففعل أوامره، وترك زواجره، كقوله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135]، وكقوله تعالى: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:40-41].
ولهذا قال سفيان الثوري: سمعتُ السدي يقول في قوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ قال: هو الرجل يُريد أن يظلم -أو قال: يهمّ بمعصيةٍ- فيُقال له: اتَّقِ الله؛ فيجل قلبه.
وقال الثوري أيضًا: عن عبدالله بن عثمان بن خثيم، عن شهر بن حوشب، عن أم الدَّرداء في قوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ قالت: الوجل في القلب كاحتراق السّعفة، أما تجد له قشعريرة؟ قال: بلى. قالت: إذا وجدت ذلك فادعُ الله عند ذلك، فإنَّ الدعاء يُذهب ذلك.
وقوله: وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا كقوله: وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [التوبة:124].
وقد استدلّ البخاري وغيره من الأئمّة بهذه الآية وأشباهها على زيادة الإيمان وتفاضله في القلوب، كما هو مذهب جمهور الأمّة، بل قد حكى الإجماعَ عليه غيرُ واحدٍ من الأئمّة: كالشافعي، وأحمد بن حنبل، وأبي عبيد، كما بيّنا ذلك مُستقصى في أول شرح البخاري، ولله الحمد والمنَّة.
الشيخ: وهذا قول أهل السُّنة والجماعة: أنَّ الإيمان يزيد وينقص، وما كان عليه سلفُ الأمّة من الصحابة ومَن بعدهم، يزيد بالطَّاعات، وينقص بالمعاصي؛ ولهذا عندهم العاصي لا يكفر بذلك، ولكن ينقص إيمانه، بخلاف الخوارج؛ فإنَّهم لا يزيد عندهم ولا ينقص، بل إمَّا أن يُوجد كلّه، وإمَّا أن يذهب كلّه؛ ولهذا كفَّروا العُصاة.
وهكذا المعتزلة: جعلوا العُصاة خارجين من الإيمان، ومُستحقّين الخلود في النار، هذا كلّه من جهلهم وضلالهم وقِلّة بصيرتهم.
أمَّا أهل السُّنة والجماعة فعلموا أنَّ الإيمان يزيد وينقص، يكمل ويضعف، فمَن أدَّى الواجبات، وترك المحارم؛ كمل إيمانه، ومَن أتى شيئًا من المعاصي نقص إيمانه بحسب ما يأتي من المعاصي، فإذا زنا، أو سرق، أو اغتاب أحدًا، أو عامل بالربا، أو سبَّ أحدًا؛ انتقص إيمانه، وإذا اجتهد في الطَّاعات زاد إيمانه.
فلا يقال: إنَّه إذا زنا كفر، أو إذا سرق كفر، لا، يكون ناقص الإيمان إذا لم يستحلّها، وهو يعرف أنَّ الزنا حرام، والسرقة حرام، ولكن زيّن له الشيطانُ ذلك ففعل، هذا نقصٌ في الإيمان، وضعفٌ في الإيمان، ومعصية، وهكذا إذا أتى الربا، أو اغتاب الناس، أو أتى النَّميمة، أو سبَّ أحدًا، أو غشَّ أحدًا؛ كان كلّ هذا نقصًا في الإيمان، وضعفًا في الإيمان.
وكل مَن أتى شيئًا من الطَّاعات زاد الإيمان: بالصلاة يزيد الإيمان، بذكر الله يزيد الإيمان، بالصّدقة يزيد الإيمان، بالصوم يزيد الإيمان، وهكذا، نعم.
س: قول بعض علماء السُّنة: أنَّه يزيد فقط؟
ج: لا، غلط، يزيد وينقص، كل شيءٍ يزيد وينقص، هذا الذي عليه أهل السُّنة والجماعة: يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية.
الشيخ: ولهذا يُنزلون حاجاتهم بالله، يسألونه حاجاتهم، وغفران ذنوبهم، وأن يمنّ عليهم بالرزق الحلال، ولا يدعون معه أحدًا؛ لتوكّلهم عليه، وإيمانهم بأنَّه يُدبر الأمور، ويُصرّف الأمور؛ ولهذا توكّلوا عليه، واستقاموا على طاعته وعبادته، بخلاف عُبَّاد القبور، وعُبَّاد الأصنام، فإنَّهم لم يتوكّلوا عليه، بل أنزلوا حاجاتهم بغيره، فعبدوا أصحابَ القبور، وعبدوا الملائكة، وعبدوا الجنَّ، واستغاثوا بهم، ونذروا لهم، وذبحوا لهم، وما ذاك إلا لكفرهم وضلالهم، وعدم إيمانهم الصَّحيح الرادع لهم عن هذا الشِّرك، نسأل الله العافية.
وقوله: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ يُنَبّه تعالى بذلك على أعمالهم بعدما ذكر اعتقادهم، وهذه الأعمال تشمل أنواع الخير كلّها، وهو إقامة الصَّلاة، وهو حقّ الله تعالى.
وقال قتادة: إقامة الصَّلاة: المحافظة على مواقيتها، ووضوئها، وركوعها، وسجودها.
وقال مقاتل بن حيان: إقامتها المحافظة على مواقيتها، وإسباغ الطّهور فيها، وتمام ركوعها، وسجودها، وتلاوة القرآن فيها، والتَّشهد والصَّلاة على النبي ﷺ، هذا إقامتها.
الشيخ: وهذا هو .....، هو إقامتها، أن تُؤدّى كما شرع اللهُ، إقامة الصَّلاة أن يُؤدّيها كما شرع الله: بإخلاصٍ، وعنايةٍ، وإقبالٍ عليها، واستكمال ما شرع اللهُ فيها، وإتيانها على طهارةٍ، كلّ هذا داخلٌ في إقامتها، يُصليها بطهارةٍ، وأن يُحافظ على ما فرض اللهُ فيها، ويجتنب ما حرَّم الله فيها، ويُقبل عليها بقلبه، يرجو ثوابَ الله، ويخشى عقابَ الله، هكذا المقيم للصَّلاة، المحافظ عليها، يُؤدّيها كما أمر الله، نعم.
والإنفاق مما رزقهم الله يشمل: إخراج الزكاة وسائر الحقوق للعباد، من واجبٍ ومُستحبٍّ.
والخلق كلّهم عيال الله، فأحبّهم إلى الله أنفعهم لخلقه.
الشيخ: ومعنى "عيال الله" يعني: يعولهم، "عيال الله" يعني: أنهم في رزقه، وفي إعالته، هو الذي يعولهم، ويُنفق عليهم، ويدرّ لهم الأرزاق ، ليس المرادُ الأولاد كما يقول العامّة: عيال فلان، أولادهم، لا، لم يتّخذ صاحبةً ولا ولدًا سبحانه، فعيال الله معناه: يعولهم، هم فُقراء إليه، وهو الذي يقوم بحاجاتهم، ويُنفق عليهم، ويرزقهم: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا [هود:6]، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3].
س: وردت في السُّنة كلمة "عيال الله"؟
ج: فيها آثار ضعيفة: الخلق عيال الله، وأحبّهم إليه أنفعهم لعياله.