تفسير قوله تعالى: {وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ..}

حديث الأعرابي في تقبيل الولد:

قال مسلم: حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة وأبو كريب قالا: حدثنا أبو أسامة وابن نمير، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت: قدم ناسٌ من الأعراب على رسول الله ﷺ فقالوا: أتُقبّلون صبيانكم؟ قالوا: نعم. قالوا: لكنَّا والله ما نُقبّل. فقال رسولُ الله ﷺ: وأملك أن كان اللهُ نزع منكم الرَّحمة؟! وقال ابنُ نمير: من قلبك الرَّحمة.

وقوله: وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة:97] أي: عليمٌ بمَن يستحقّ أن يعلمه الإيمان والعلم، حكيمٌ فيما قسم بين عباده من العلم والجهل والإيمان والكفر والنِّفاق، لا يُسأل عمَّا يفعل لعلمه وحكمته.

الشيخ: وهذا يُبين لنا أن تقبيل الأولاد من التَّواضع، ومما جبل اللهُ عليه المسلمين محبة الولد والرحمة له، إذا قبَّل ولده فهو من الرحمة، ومن الحنو، ومن العطف؛ ولهذا لما قدم بعضُ الأعراب قالوا للنبي ﷺ: أتُقبّلون أولادكم؟ قال النبي: نعم، قالوا: لكننا لا نُقبل أولادنا. فقال -عليه الصلاة والسلام-: أوأملك أن نزع اللهُ من قلوبكم الرحمة؟! دلَّ على أنَّ تقبيل الأولاد من باب الرحمة، من باب العطف، من باب الإحسان، وكان يُقبّل الحسن والحسين -عليه الصلاة والسلام-، فدلّ ذلك على أنَّ تقبيل الأولاد لا بأسَ به، بل هو من الرحمة، ومن العطف، ومن حُسن الخلق، ومن التواضع، نعم.

وأخبر تعالى أنَّ منهم مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ أي: في سبيل الله مَغْرَمًا أي: غرامةً وخسارةً، وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ أي: ينتظر بكم الحوادث والآفات، عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ أي: هي مُنعكسة عليهم، والسوء دائرٌ عليهم، وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [التوبة:98] أي: سميعٌ لدعاء عباده، عليمٌ بمَن يستحقّ النصر ممن يستحقّ الخذلان.

وقوله: وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ هذا هو القسم الممدوح من الأعراب، وهم الذين يتَّخذون ما يُنفقون في سبيل الله قربةً يتقرَّبون بها عند الله، ويبتغون بذلك دعاء الرسول لهم، أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ أي: ألا إنَّ ذلك حاصلٌ لهم، سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التوبة:99].

الشيخ: والأعراب فيهم المنافق، وفيهم غير المنافق، من المنافقين مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا غرامةً تُسيئه، ويرى أنَّ الزكاة وأشباهها ونفقة الجهاد من الغرامات والمجاملات، وَيَتَرَبَّصُ بالمسلمين الدَّوَائِرَ يعني: يرجو أن تدور عليهم الدَّائرة، وأن يُغلبوا ويُهزموا؛ لخُبثه، وفساد إيمانه، وعدم صحّة دعواه الإسلام.

ومنهم -من الأعراب- مَن هو مؤمن، يتَّخذ قُرُبَاتٍ عِندَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ.

فالأعراب فيهم المنافق، وفيهم المجاهر، وفيهم البصير؛ ولهذا قال -جلَّ وعلا-: الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ [التوبة:97]، فيغلب عليهم الجهل وعدم البصيرة، وهذا يشهد لحديث: مَن بدا جفا؛ لأنَّ البداوة والبُعد عن حلقات العلم وعن سماع الذكر وسماع القرآن من أسباب الجفاء والجهل.

فجديرٌ بالمؤمن أن يكون حريصًا على سماع الذكر، وحضور حلقات العلم، والاستفادة مما قال الله ورسوله، وأن يعتني بالقرآن، ويُكثر من قراءة القرآن بالتَّدبر والتَّعقل؛ حتى يزداد إيمانه، ويزداد علمه.

وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:100].

يُخبر تعالى عن رضاه عن السَّابقين من المهاجرين والأنصار والتَّابعين لهم بإحسانٍ، ورضاهم عنه بما أعدَّ لهم من جنات النَّعيم والنَّعيم المقيم.

قال الشَّعبي: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مَن أدرك بيعة الرِّضوان عام الحديبية.

وقال أبو موسى الأشعري وسعيد بن المسيّب ومحمد بن سيرين والحسن وقتادة: هم الذين صلّوا إلى القبلتين مع رسول الله ﷺ.

وقال محمد بن كعب القرظي: مرَّ عمر بن الخطاب برجلٍ يقرأ هذه الآية: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فأخذ عمرُ بيده، فقال: مَن أقرأك هذا؟ فقال: أُبي بن كعب. فقال: لا تُفارقني حتى أذهب بك إليه. فلمَّا جاءه قال عمرُ: أنت أقرأتَ هذا هذه الآية هكذا؟ قال: نعم. قال: وسمعتَها من رسول الله ﷺ؟ قال: نعم. قال: لقد كنتُ أرى أنا رفعنا رفعةً لا يبلغها أحدٌ بعدنا. فقال أبي: تصديق هذه الآية في أول سورة الجمعة: وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الجمعة:3]، وفي سورة الحشر: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ الآية [الحشر:10]، وفي الأنفال: وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ الآية [الأنفال:75].

ورواه ابنُ جرير، قال: وذُكر عن الحسن البصري أنَّه كان يقرأها برفع الأنصار عطفًا على وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ، فقد أخبر الله العظيم أنَّه قد رضي عن السَّابقين الأوَّلين من المهاجرين والأنصار والذين اتَّبعوهم بإحسانٍ، فياويل مَن أبغضهم، أو سبَّهم، أو أبغض أو سبَّ بعضهم، ولا سيّما سيد الصحابة بعد الرسول وخيرهم وأفضلهم، أعني: الصّديق الأكبر والخليفة الأعظم أبا بكر ابن أبي قحافة ، فإنَّ الطائفة المخذولة من الرَّافضة يُعادون أفضل الصَّحابة ويبغضونهم ويسبّونهم -عياذًا بالله من ذلك-، وهذا يدلّ على أنَّ عقولهم معكوسة، وقلوبهم منكوسة، فأين هؤلاء من الإيمان بالقرآن إذ يسبّون مَن رضي الله عنهم؟!

الشيخ: هذه الآية تُبشّر المؤمنين، وأنَّ أتباع الصحابة من المؤمنين لهم هذا الوعد العظيم إلى يوم القيامة: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ في عصر التابعين، وأتباع التابعين، ومَن بعدهم إلى يومنا هذا، وبعد يومنا هذا، هذا من فضله وكرمه : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، هذا فضله -جلَّ وعلا- على الصحابة ومَن تبعهم بإحسانٍ.

وضدّهم الرافضة -قبَّحهم الله- الذين يُعادون الصَّحابة ويسبّونهم، ولا سيما أبا بكر وعمر، ويقولون في أبي بكر وعمر: إنَّهما صنما قريش! وإنهما الجبت والطَّاغوت! وهذا أقبح الكلام، ومن أفسد الكلام، نسأل الله العافية، نعم.

س: .............؟

ج: سبّ الصحابة كفرٌ مُستقلٌّ -نسأل الله العافية-، لا شكَّ أنَّ مَن أبغضهم فهو كافر.

وأمَّا أهل السُّنة فإنهم يترضون عمَّن رضي الله عنه، ويسبّون مَن سبّه الله ورسوله، ويُوالون مَن يُوالي الله، ويُعادون مَن يُعادي الله، وهم مُتَّبعون، لا مُبتدعون، ويقتدون، ولا يبتدئون؛ ولهذا هم حزب الله المفلحون وعباده المؤمنون.

س: سبّ أفراد الصَّحابة؟

ج: من المعاصي، من الكبائر، مَن سبَّ الصحابة أو غالبهم كالرَّافضة كفر، كفر مُستقلّ، أمَّا مَن سبَّ واحدًا -كسبِّ معاوية أو عثمان- فهي كبيرة يستحقّ عليها أن يُؤدّب ويُعاقَب.

س: .............؟

ج: ذكر العلماء غالب الصَّحابة، إذا سبَّ الصحابة أو غالبهم كفر، صرَّح بهذا الشيخُ تقي الدين في "الصارم المسلول على شاتم الرسول"، وفي "منهاج السنة"، وفي "الردِّ على الرافضة".

س: مَن سبَّ أبا بكر وعمر؟

ج: والله الأقرب عندي أنه يكفر؛ لأنَّه مُكذِّبٌ لله ورسوله، الله يرضى عنهم وهو يسبّهم! فهو عدوٌّ لهما، وعدوٌّ للذي رضي عنهما، وهو الله ، فالقول بكفر مَن سبَّ الصّديق وعمر، أو كفَّرهما، أو قال: إنَّهما صنما قريش .....، أو سبّ الخلفاء الراشدين، نسأل الله العافية.

س: .............؟

ج: لا، المقصود الخلفاء الراشدين.

س: مَن أنكر خلافة الثلاثة فهل يكفر؟

ج: لا شكَّ أنَّ مَن أنكر خلافتهم فهو كافرٌ ضالٌّ مُكذّبٌ لما ثبت في النُّصوص.

س: عوامّ الرافضة؟

ج: تبع رؤسائهم، مثل: عوام اليهود، وعوام النَّصارى، العامَّة تبع رؤسائهم، مثل: عوام اليهود والنصارى تبع رؤسائهم، كفار مثلهم، الصحابة قاتلوا الفرس، وقاتلوا الروم، ولم يُفرِّقوا بين الرؤساء والعامّة.

س: المفاضلة بين الصَّحابة؟

ج: على حسب ما جاء في النُّصوص.

وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ [التوبة:101].

س: شيخ الإسلام يُفرّق بين مَن يسبّ الصحابة اعتقادًا، ومَن يسبّهم تغيظًا؟

ج: ما عندي في هذا تفصيلٌ، يُراجع "منهاج السنة".