تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ..} (3)

قوله: وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6] قُرئ وَأَرْجُلَكُمْ بالنَّصب عطفًا على فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ [المائدة:6].

قال ابنُ أبي حاتم: حدَّثنا أبو زرعة: حدثنا أبو سلمة: حدثنا وهيب، عن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ: أنَّه قرأها: وأرجلكم، يقول: رجعت إلى الغسل.

ورُوي عن عبدالله بن مسعود وعروة وعطاء وعكرمة والحسن ومجاهد وإبراهيم والضَّحاك والسّدي ومُقاتل بن حيان والزّهري وإبراهيم التّيمي نحو ذلك.

وهذه قراءة ظاهرة في وجوب الغسل، كما قاله السَّلف، ومن هاهنا ذهب مَن ذهب إلى وجوب التَّرتيب في الوضوء، كما هو مذهب الجمهور، خلافًا لأبي حنيفة، حيث لم يشترط التَّرتيب، بل لو غسل قدميه، ثم مسح رأسَه، وغسل يديه، ثم وجهه، أجزأه ذلك؛ لأنَّ الآية أمرت بغسل هذه الأعضاء، والواو لا تدلّ على الترتيب.

وقد سلك الجمهورُ في الجواب عن هذا البحث طرقًا: فمنهم مَن قال: الآية دلَّت على وجوب غسل الوجه ابتداءً عند القيام إلى الصَّلاة؛ لأنَّه مأمورٌ به بفاء التَّعقيب، وهي مُقتضية للترتيب، ولم يقل أحدٌ من الناس بوجوب غسل الوجه أولًا، ثم لا يجب الترتيب بعده، بل القائل اثنان: أحدهما بوجوب الترتيب كما هو واقعٌ في الآية، والآخر يقول: لا يجب التَّرتيب مطلقًا، والآية دلَّت على وجوب غسل الوجه ابتداءً، فوجب التَّرتيب فيما بعده بالإجماع حيث لا فارقَ.

ومنهم مَن قال: لا نُسلّم أنَّ الواو لا تدلّ على الترتيب، بل هي دالّة كما هو مذهب طائفةٍ من النُّحاة وأهل اللُّغة وبعض الفُقهاء، ثم نقول: بتقدير تسليم كونها لا تدلّ على الترتيب اللُّغوي، هي دالّة على الترتيب شرعًا فيما من شأنه أن يرتّب، والدليل على ذلك أنَّه ﷺ لما طاف بالبيت خرج من باب الصَّفا وهو يتلو قوله تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة:158]، ثم قال: أبدأ بما بدأ اللهُ به، لفظ مسلمٍ، ولفظ النسائي: ابدؤوا بما بدأ اللهُ به، وهذا لفظ أمرٍ، وإسناده صحيحٌ، فدلّ على وجوب البداءة بما بدأ اللهُ به، وهو معنى كونها تدلّ على الترتيب شرعًا، والله أعلم.

الشيخ: ومما يدلّ على هذا أنَّه ﷺ هو المفسّر لكلام الله، وهو المبين لأحكام الله، وقد توضّأ مُرتبًا: فغسل وجهه، ثم يديه، ثم مسح رأسه، ثم غسل رجليه على ترتيب الآية، فدلّ ذلك على وجوب الترتيب؛ لأنَّه مُبين عن الله، فقد قال الله -جلَّ وعلا-: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31]، وقال ﷺ: ابدؤوا بما بدأ اللهُ به، وقال: صلُّوا كما رأيتُموني أُصلِّي فهكذا على الوضوء؛ ولهذا ذهب الجمهور إلى وجوب الترتيب، وهو الحقّ، يجب أن يرتّب الوضوء كما رتّبه الله: يغسل وجهه، ثم يديه، ثم يمسح رأسه، ثم يغسل رجليه.

ومما يؤكد ذلك أيضًا أنَّه جعل سبحانه الممسوح بين المغسولات، فلم يُؤخّره، بل جعله بينهم؛ لوجوب الترتيب: غسل الوجه، ثم اليدين، ثم مسح الرأس مع الأذنين، ثم غسل الرِّجلين، وهذا هو الحقّ الذي ذهب إليه أكثرُ أهل العلم، خلافًا لأبي حنيفة -رحمه الله.

.............

س: لو توضّأ بغير ترتيبٍ وضوؤه غير صحيحٍ؟

ج: لا شكّ، إذا بدأ باليدين قبل الوجه، أو بالرأس قبلهم؛ بطل، لا يُعتبر وضوءًا حتى يُرتّب .....، يبدأ بالوجه، ثم يغسل يديه، ثم يمسح رأسه، ثم يغسل رجليه، هذا هو الوضوء الشَّرعي.

س: لو خلع الخفَّين اللَّذين كان قد مسح عليهما أيُعيد الوضوء ثانيةً أو .....؟

ج: إذا لبسهما على طهارةٍ ثم خلعهما، هو على طهارته، يُعيدهما، لا بأس، أمَّا إذا لبسهما على طهارةٍ، ثم أحدث، ثم خلعهما؛ يبطل المسح، يبطل الوضوء إذا خلعهما بعد الحدث.

س: والمسح لا يزال باقيًا، لو خلع الجورب على طهارةٍ؟

ج: قبل أن يُحْدِث لا بأس.

ومنهم مَن قال: لما ذكر الله تعالى هذه الصِّفة في هذه الآية على هذا الترتيب، فقطع النَّظير عن النَّظير، وأدخل الممسوح بين المغسولين، دلَّ ذلك على إرادة الترتيب.

ومنهم مَن قال: لا شكّ أنَّه قد روى أبو داود وغيره من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه: أنَّ رسول الله ﷺ توضّأ مرةً مرةً، ثم قال: هذا وضوءٌ لا يقبل اللهُ الصلاةَ إلا به، قالوا: فلا يخلو إمَّا أن يكون توضّأ مُرتبًا فيجب الترتيب، أو يكون توضّأ غير مُرتّبٍ فيجب عدم الترتيب، ولا قائلَ به، فوجب ما ذكرناه.

وأمَّا القراءة الأخرى، وهي قراءة مَن قرأ: وأرجلِكم بالخفض، فقد احتجَّ بها الشِّيعة في قولهم بوجوب مسح الرِّجلين؛ لأنَّها عندهم معطوفة على مسح الرأس.

وقد رُوي عن طائفةٍ من السَّلف ما يُوهم القول بالمسح؛ فقال ابنُ جرير: حدَّثني يعقوب بن إبراهيم: حدثنا ابن عُلية: حدثنا حميد، قال: قال موسى بن أنس لأنسٍ ونحن عنده: يا أبا حمزة، إنَّ الحجاج خطبنا بالأهواز ونحن معه، فذكر الطّهور فقال: "اغسلوا وجوهكم وأيديكم، وامسحوا برؤوسكم وأرجلِكم، وإنَّه ليس شيءٌ من بني آدم أقرب من خبثه من قدميه، فاغسلوا بطونهما وظهورهما وعراقيبهما"، فقال أنس: صدق اللهُ، وكذب الحجاجُ؛ قال الله تعالى: وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ [المائدة:6]. قال: وكان أنسٌ إذا مسح قدميه بلَّهما. إسنادٌ صحيحٌ إليه.

وقال ابنُ جرير: حدَّثنا علي بن سهل: حدثنا مؤمل: حدثنا حماد: حدثنا عاصم الأحول، عن أنسٍ قال: نزل القرآنُ بالمسح، والسُّنة بالغسل. وهذا أيضًا إسنادٌ صحيحٌ.

وقال ابنُ جرير: حدَّثنا أبو كريب: حدثنا محمد بن قيس الخراساني، عن ابن جُريج، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ قال: الوضوء غسلتان ومسحتان.

وكذا روى سعيد ابن أبي عروبة، عن قتادة.

وقال ابنُ أبي حاتم: حدَّثنا أبي: حدثنا أبو معمر المنقري: حدثنا عبدالوهاب: حدثنا علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباسٍ: وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ قال: هو المسح.

ثم قال: ورُوي عن ابن عمر وعلقمة وأبي جعفر محمد بن علي والحسن -في إحدى الرِّوايات- وجابر بن زيد ومجاهد -في إحدى الرِّوايات- نحوه.

وقال ابنُ جرير: حدَّثنا يعقوب: حدثنا ابنُ عُلية: حدثنا أيوب، قال: رأيتُ عكرمة يمسح على رجليه. قال: وكان يقوله.

وقال ابنُ جرير: حدَّثني أبو السَّائب: حدثنا ابنُ إدريس، عن داود ابن أبي هند، عن الشَّعبي قال: نزل جبريلُ بالمسح. ثم قال الشَّعبي: ألا ترى أنَّ التيمم أن يمسح ما كان غسلًا، ويلغي ما كان مسحًا؟

وحدَّثنا ابنُ أبي زياد: أخبرنا إسماعيل: قلتُ لعامر: إنَّ ناسًا يقولون: إنَّ جبريل نزل بغسل الرِّجلين؟ فقال: نزل جبريلُ بالمسح.

فهذه آثار غريبة جدًّا، وهي محمولة على أنَّ المراد بالمسح هو الغسل الخفيف؛ لما سنذكره من السنة الثابتة في وجوب غسل الرِّجلين، وإنما جاءت هذه القراءة بالخفض: إمَّا على المجاورة وتناسب الكلام، كما في قول العرب: "جُحر ضبٍّ خرب"، وكقوله تعالى: عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ [الإنسان:21]، وهذا ذائعٌ شائعٌ في لغة العرب، سائغٌ.

ومنهم مَن قال: هي محمولة على مسح القدمين إذا كان عليهما الخفّان. قاله أبو عبدالله الشَّافعي -رحمه الله.

ومنهم مَن قال: هي دالّة على مسح الرِّجلين، ولكن المراد بذلك الغسل الخفيف كما وردت به السُّنة.

وعلى كل تقديرٍ، فالواجب غسل الرِّجلين فرضًا، لا بدَّ منه للآية والأحاديث التي سنُوردها.

الشيخ: وهذا هو الحقّ الذي لا ريبَ فيه؛ لأنَّ الرسول ﷺ غسلهما، وهو يُبين عن الله، لو كان المسحُ يجزي لفعله ولو مرة، فدلّ ذلك على أنَّه لا بد من غسلهما، والعطف: وَأَرْجُلَكُمْ عطفٌ على قوله: وُجُوهَكُمْ على المغسول، ومَن جرَّه فهو من باب المجاورة، المجانسة فقط، ولا حُجَّة للشيعة ومَن قال بقولهم، هذا قولٌ باطلٌ، مخالفٌ للسُّنة، فالسنة الصَّحيحة المتواترة عن النبي ﷺ أنَّه كان يغسل وجهه ويديه ورجليه، ويمسح الرأس فقط، هذا هو الحقّ، نعم.

س: والمضمضة؟

ج: تبع الوجه، المضمضة تبع الوجه، نعم.

س: قول الشَّعبي: ألا ترى أنَّ التيمم أن يمسح ما كان مغسولًا .....؟

ج: هذه شُبهة ما تُفيد شيئًا، هذا من باب التَّخفيف، يتيمم للوجه والكفَّين فقط من باب التَّخفيف والتَّيسير من الله -جلَّ وعلا.

س: ...............؟

ج: إذا كان على جنابةٍ ونواهما جميعًا، والأفضل أن يتوضّأ، السنة أن يتوضّأ أولًا، ثم يغتسل، كما فعل النبي ﷺ.

س: حديث: هذا وضوءٌ لا يقبل اللهُ صلاةً إلا به صحيح؟

ج: نعم.

ومن أحسن ما يُستدلّ به على أنَّ المسح يُطلق على الغسل الخفيف: ما رواه الحافظ البيهقي حيث قال: أخبرنا أبو علي الروذباري: حدَّثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن حمويه العسكري: حدثنا جعفر بن محمد القلانسي: حدثنا آدم: حدثنا شُعبة: حدثنا عبدالملك بن ميسرة: سمعت النزال بن سبرة يُحدّث عن علي بن أبي طالب: أنَّه صلَّى الظهر، ثم قعد في حوائج الناس في رحبة الكوفة حتى حضرت صلاةُ العصر، ثم أُتي بكوزٍ من ماءٍ، فأخذ منه حفنةً واحدةً، فمسح بها وجهه ويديه ورأسه ورجليه، ثم قام فشرب فضلته وهو قائم، ثم قال: إنَّ ناسًا يكرهون الشّرب قائمًا، وإنَّ رسول الله ﷺ صنع كما صنعتُ، وقال: هذا وضوء مَن لم يُحْدِث. رواه البخاري في "الصحيح" عن آدم ببعض معناه.

ومَن أوجب من الشّيعة مسحهما كما يمسح الخفّ فقد ضلَّ وأضلَّ، وكذا مَن جوّز مسحهما وجوّز غسلهما فقد أخطأ أيضًا.

ومَن نقل عن أبي جعفر ابن جرير: أنَّه أوجب غسلهما للأحاديث، وأوجب مسحهما للآية، فلم يُحقق مذهبه في ذلك، فإنَّ كلامه في تفسيره إنما يدلّ على أنَّه أراد أنه يجب دلك الرِّجلين من دون سائر أعضاء الوضوء؛ لأنهما يليان الأرض والطّين وغير ذلك، فأوجب دلكهما ليذهب ما عليهما، ولكنَّه عبَّر عن الدَّلك بالمسح، فاعتقد مَن لم يتأمّل كلامه أنَّه أراد وجوب الجمع بين غسل الرِّجلين ومسحهما، فحكاه مَن حكاه كذلك؛ ولهذا يستشكله كثيرٌ من الفُقهاء، وهو معذورٌ، فإنَّه لا معنى للجمع بين المسح والغسل، سواء تقدّمه، أو تأخّر عليه؛ لاندراجه فيه، وإنما أراد الرجلُ ما ذكرته، والله أعلم.

الشيخ: .....؛ فلهذا أراد الدَّلك مع الغسل حتى يُنظفهما، والنبي ﷺ اكتفى بغسلهما بغير دلكٍ، فيغسلهما كما يغسل وجهه ويديه، وإذا كان بهما أذًى أزال الأذى، نعم.

س: إذا بقيت بقعةٌ من الجسد لم تُغسل؟

ج: لا بدّ أن يُرتّب، إذا بقيت بُقعة في يده ما غسلها يُعيد الوضوء إذا كان الفصلُ طويلًا، وأمَّا إذا كان الفصلُ ما هو بطويلٍ، تذكّرها الآن، يغسل يديه، يُكمل يديه، ثم يمسح رأسه، ويغسل رجليه، أمَّا إذا طال الفصلُ بطل الوضوء؛ لعدم الترتيب.

س: ..............؟

ج: إذا ذكره في الحال يغسل العضو، ثم ما بعده: يمسح الرأس، ثم يغسل الرِّجلين على الترتيب، أمَّا لو انتبه وهو يغسل رجليه أنَّ بعض اليد ما جاءها شيء ..... وجب أن يرجع فيغسل الذِّراع الذي أخلَّ به، ثم يُعيد المسح، ثم يغسل رجليه، أمَّا لو طال الفصلُ، ما تنبّه إلا بعدما طال الفصلُ؛ فإنه يُعيد الوضوء من أوَّله، نعم.

ثم تأمّلت كلامه أيضًا فإذا هو يُحاول الجمع بين القراءتين في قوله: وأرجلكم خفضًا على المسح، وهو الدَّلك، ونصبًا على الغسل، فأوجبهما أخذًا بالجمع بين هذه وهذه.

ذكر الأحاديث الواردة في غسل الرِّجلين، وأنَّه لا بدَّ منه:

قد تقدّم حديثُ أميري المؤمنين: عثمان وعلي، وابن عباس ومعاوية وعبدالله بن زيد بن عاصم والمقداد بن معديكرب: أنَّ رسول الله ﷺ غسل الرِّجلين في وضوئه إمَّا مرة، وإمَّا مرتين أو ثلاثًا، على اختلاف رواياتهم.

وفي حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه: أنَّ رسول الله ﷺ توضّأ فغسل قدميه، ثم قال: هذا وضوءٌ لا يقبل اللهُ الصلاةَ إلَّا به.

وفي "الصحيحين" من رواية أبي عوانة، عن أبي بشر، عن يوسف بن ماهك، عن عبدالله بن عمرو قال: تخلّف عنا رسولُ الله ﷺ في سفرةٍ سافرناها، فأدركنا وقد أرهقتنا الصَّلاة -صلاة العصر- ونحن نتوضّأ، فجعلنا نمسح على أرجلنا، فنادى بأعلى صوته: أسبغوا الوضوء، ويلٌ للأعقاب من النار. وكذلك هو في "الصحيحين" عن أبي هريرة.

وفي "صحيح مسلم" عن عائشةَ، عن النبي ﷺ أنَّه قال: أسبغوا الوضوء، ويلٌ للأعقاب من النار.

وروى الليث بن سعد، عن حيوة بن شريح، عن عقبة بن مسلم، عن عبدالله بن الحارث بن جرز: أنَّه سمع رسول الله ﷺ يقول: ويلٌ للأعقاب وبطون الأقدام من النار. رواه البيهقي والحاكم، وهذا إسنادٌ صحيحٌ.

وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر: حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق: أنَّه سمع سعيد ابن أبي كرب، أو شعيب ابن أبي كرب قال: سمعتُ جابر بن عبدالله وهو على جبلٍ يقول: سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: ويلٌ للعراقيب من النار.

وحدثنا أسود بن عامر: أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سعيد ابن أبي كرب، عن جابر بن عبدالله قال: رأى النبي ﷺ في رِجْلِ رَجُلٍ مثل الدِّرهم لم يغسله، فقال: ويلٌ للأعقاب من النار.

ورواه ابنُ ماجه، عن أبي بكر ابن أبي شيبة، عن الأحوص، عن أبي إسحاق، عن سعيدٍ، به نحوه.

الشيخ: انظر أبا الأحوص.

الطالب: سعيد ابن أبي كرب، الهمداني، وثقه أبو زرعة، من الرابعة. (ق).

...........

وكذا رواه ابنُ جرير من حديث سفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج، وغير واحدٍ، عن أبي إسحاق السّبيعي، عن سعيد ابن أبي كرب، عن جابر، عن النبي ﷺ مثله.

ثم قال: حدثنا علي بن مسلم: حدثنا عبدالصمد بن عبدالوارث: حدثنا حفص، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر: أنَّ رسول الله ﷺ رأى قومًا يتوضّؤون لم يُصب أعقابهم الماء، فقال: ويلٌ للعراقيب من النار.

...........

وقال الإمام أحمد: حدَّثنا خلف بن الوليد: حدثنا أيوب بن عتبة، عن يحيى ابن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن مُعيقيب قال: قال رسولُ الله ﷺ: ويلٌ للأعقاب من النار. تفرّد به أحمد.

وقال ابنُ جرير: حدَّثني علي بن عبدالأعلى: حدثنا المحاربي، عن مطرح بن يزيد، عن عبيدالله بن زحر، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة قال: قال رسولُ الله ﷺ: ويلٌ للأعقاب من النار، قال: فما بقي في المسجد شريفٌ ولا وضيعٌ إلا نظرتُ إليه يُقلّب عرقوبيه ينظر إليهما.

الشيخ: هذا سندٌ ضعيفٌ، والأحاديث الصَّحيحة كافية، هذا عبيدالله بن زحر ضعيف، وعلي بن يزيد أضعف وأضعف، نعم.

رحم اللهُ المؤلف، حشر الضَّعيف مع الصَّحيح، نعم.

وحدثنا أبو كريب: حدثنا حسين، عن زائدة، عن ليث: حدثني عبدالرحمن بن سابط، عن أبي أمامة، أو عن أخي أبي أمامة: أنَّ رسول الله ﷺ أبصر قومًا يُصلون وفي عقب أحدهم -أو كعب أحدهم- مثل موضع الدِّرهم -أو موضع الظّفر- لم يمسّه الماء، فقال: ويلٌ للأعقاب من النار، قال: فجعل الرجلُ إذا رأى في عقبه شيئًا لم يُصبه الماء أعاد وضوءه.

ووجه الدّلالة من هذه الأحاديث ظاهرة، وذلك أنَّه لو كان فرض الرِّجلين مسحهما، أو أنَّه يجوز ذلك فيهما لما توعد على تركه؛ لأنَّ المسح لا يستوعب جميع الرِّجْل، بل يجري فيه ما يجري في مسح الخفّ، وهكذا وجّه هذه الدّلالة على الشّيعة الإمامُ أبو جعفر ابن جرير -رحمه الله تعالى.

وقد روى مسلم في "صحيحه" من طريق أبي الزبير، عن جابر، عن عمر بن الخطاب: أنَّ رجلًا توضّأ فترك موضع ظفرٍ على قدمه، فأبصره النبي ﷺ وقال: ارجع فأحسن وضوءك.

وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو عبدالله الحافظ: أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب: حدثنا محمد بن إسحاق الصَّاغاني: حدثنا هارون بن معروف: حدثنا ابنُ وهبٍ: حدثنا جرير بن حازم: أنَّه سمع قتادة بن دعامة قال: حدثنا أنس بن مالك: أنَّ رجلًا جاء إلى النبي ﷺ قد توضّأ وترك على قدمه مثل موضع الظّفر، فقال له رسولُ الله ﷺ: ارجع فأحسن وضوءك.

وهكذا رواه أبو داود، عن هارون بن معروف، وابن ماجه، عن حرملة بن يحيى –كلاهما- عن ابن وهبٍ، به. وهذا إسنادٌ جيدٌ، رجاله كلّهم ثقات، لكن قال أبو داود: ليس هذا الحديث بمعروفٍ، لم يروه إلا ابن وهب.

وحدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا حماد: أخبرنا يونس وحميد، عن الحسن: أنَّ رسول الله ﷺ، بمعنى حديث قتادة.

س: حديث أنَّ الرسول ﷺ رأى موضع مثل الدّرهم على قدمه لم يطله الماء، فأخذ من ماء لحيته ومسح هذا الموضع، صحيح؟

ج: ما أعرفه، أقول: ما أعرفه.