تفسير قوله تعالى: {وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ..}

قال ابنُ أبي حاتم: حدَّثنا أبو عتبة أحمد بن الفرج الحمصي: حدثنا أبو حيوة –يعني: شريح بن يزيد المقري-: حدثنا سعيد بن سنان، عن ابن غريب –يعني: يزيد بن عبدالله بن غريب.

مداخلة: عبدالله بن عريب.

الشيخ: انظر "التقريب".

الطالب: "اللسان": عبدالله بن عريب المليكي.

أخرج ابنُ منده في "المعرفة" من طريق أبي عتبة أحمد بن الفرج، عن بقية، عنه، عَن أبيه، عن جَدِّه رفعه: لن يختل الشيطانُ أحدًا في داره فرس عتيق.

وأخرجه ابنُ قانع من طريق أبي حيوة، عن سعيد بن سنان، عن عَمْرو بن عريب، عَن أبيه، عن جَدِّه.

وأخرج الطّبراني من طريق أبي جعفر النفيلي، عن سعيد بن سنان، عن يزيد بن عبدالله بن عريب، عَن أبيه، عن جَدِّه حديثًا آخر في الخيل.

قال العلائي: هذا اختلافٌ شديدٌ مع ما في رواته من الجهالة، يعني: عبدالله ويزيد وعمرًا.

الشيخ: حطّ نسخة: ابن عريب.

عن أبيه، عن جدِّه: أنَّ رسول الله ﷺ كان يقول في قول الله تعالى: وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ [الأنفال:60] قال: هم الجنّ.

ورواه الطّبراني عن إبراهيم بن دحيم، عن أبيه، عن محمد بن شعيب، عن سنان بن سعيد بن سنان، عن يزيد بن عبدالله بن غريب، به، وزاد: قال رسولُ الله ﷺ: لا يخبل بيتٌ فيه عتيقٌ من الخيل، وهذا الحديث مُنكر، لا يصحّ إسناده ولا متنه.

وقال مقاتل بن حيان وعبدالرحمن بن زيد بن أسلم: هم المنافقون. وهذا أشبه الأقوال، ويشهد له قوله تعالى: وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ [التوبة:101].

وقوله: وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ [الأنفال:60] أي: مهما أنفقتم في الجهاد فإنَّه يُوفّى إليكم على التَّمام والكمال؛ ولهذا جاء في الحديث الذي رواه أبو داود: أنَّ الدِّرهم يُضاعف ثوابه في سبيل الله إلى سبعمئة ضعف، كما تقدّم في قوله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:261].

الشيخ: وهذا أمرٌ معلومٌ من الكتاب والسُّنة، فالله -جلَّ وعلا- يُضاعف النَّفقات لأوليائه الصَّادقين، فهو -جلَّ وعلا- ذو الجود والكرم والفضل، فهو يُضاعف للمُجاهدين، ويُضاعف لغير المجاهدين على حسب الإخلاص والصّدق وطيب الكسب، والله المستعان.

وقال ابنُ أبي حاتم: حدَّثنا أحمد بن القاسم بن عطية: حدثنا أحمد بن عبدالرحمن الدّشتكي: حدثنا أبي، عن أبيه: حدثنا الأشعث بن إسحاق، عن جعفر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباسٍ، عن النبي ﷺ: أنَّه كان يأمر أن لا يتصدق إلا على أهل الإسلام، حتى نزلت: وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ، فأمر بالصّدقة بعدها على كل مَن سألك من كل دينٍ. وهذا أيضًا غريبٌ.

الشيخ: والأصل في هذا قوله تعالى: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ [الممتحنة:8]، فالصّدقة في المسلم والكافر غير الحربي: المستأمن، والمعاهد، والذّمي، الصّدقة جائزة فيهم، صدقة تطوع، أما الزكاة فتكون للمُؤلّفة وإن كانوا كفَّارًا، نعم.

س: لكن الأفضل أن يتصدّق على الكافر أو لا؟

ج: على حسب الأحوال؛ إذا كان الكافرُ فقره شديد، أو يُرجى إسلامه بالصّدقة عليه، وإذا كان المسلمُ أشدّ فقرًا، وأشدّ حاجةً فهو أولى، لكن ينبغي للمؤمن أن تكون نفقاته مُتوسعةً، تنفع هؤلاء وهؤلاء؛ لأنَّه قد يهديه الله بسبب الإحسان إليه، نعم.

س: ..............؟

ج: لا، ما هو بشرط، الشرط أنَّه ما يكون حربيًّا فقط، قال الله -جلَّ وعلا-: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ، وثبت في "الصحيحين": أنَّ أم أسماء بنت أبي بكر وفدت إلى المدينة وهي كافرة في الصُّلح تطلب من بنتها أسماء الرّفد، فسألت أسماءُ النبيَّ ﷺ: هل تُحسن إليها وتصلها؟ قال: نعم، صليها، نعم.

س: مَن قال: إنَّ المسلم أولى بكل حالٍ، ومع ذلك يجوز أن يدفع للكافر؟

ج: ما هو على كل حالٍ، قد تشتدّ حاجة الكافر، وقد يُرجى إسلامه، وقد تشتدّ حاجته، والمسلم فقير، أقل فقرًا، وأقل حاجةً، ينظر الأصلح، ينظر المسلمُ الأصلح وما يرجو فيه الفائدة، نعم.

طالب: ابن غريب ليس موجودًا في "التقريب".

الشيخ: الأمر سهل، حديث منكر، والأمر سهل.

وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ۝ وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ۝ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال:61-63].

يقول تعالى: إذا خفت من قومٍ خيانةً فانبذ إليهم عهدهم على سواء، فإن استمرّوا على حربك ومُنابذتك؛ فقاتلهم، وَإِنْ جَنَحُوا أي: مالوا لِلسَّلْمِ أي: المسالمة والمصالحة والمهادنة، فَاجْنَحْ لَهَا أي: فَمِلْ إليها، واقبل منهم ذلك؛ ولهذا لما طلب المشركون عام الحُديبية الصُّلح ووضع الحرب بينهم وبين رسول الله ﷺ تسع سنين.

الشيخ: الصواب: عشر سنين.

أجابهم إلى ذلك، مع ما اشترطوا من الشُّروط الأخر.

وقال عبدُالله ابن الإمام أحمد: حدثنا محمد ابن أبي بكر المقدمي: حدثني فضيل بن سليمان –يعني: النّميري-: حدثنا محمد ابن أبي يحيى، عن إياس بن عمرو الأسلمي، عن علي بن أبي طالب قال: قال رسولُ الله ﷺ: إنَّه سيكون اختلافٌ أو أمرٌ، فإن استطعت أن يكون السّلم فافعل.

وقال مجاهد: نزلت في بني قُريظة. وهذا فيه نظر؛ لأنَّ السياق كلّه في وقعة بدر، وذكرها مُكتنف لهذا كلّه.

الشيخ: والمعنى عام: إن جنحوا للسلم سواء كانوا من الوثنيين، أو من أهل الكتاب، إذا جنحوا للسلم شرع أن يجنح لها إذا رأى المصلحة في ذلك، إذا رأى المصلحة في الجنوح لها، وإن رأى الحرب حارب؛ ولهذا لما جنحوا للسّلم في الحُديبية جنح لها -عليه الصلاة والسلام-، وصالحهم على وضع الحرب عشر سنين، يأمن فيها الناس، ويكفّ بعضُهم عن بعضٍ، ورجاء أن يهدي الله مَن يهدي منهم، كما قد وقع؛ فإنَّه أسلم جمٌّ غفيرٌ في هذه الهدنة، أسلم جمٌّ غفيرٌ والتحقوا بالمدينة، وأمن الناس، وكان صلحًا عظيمًا، نافعًا، مباركًا، وإن كان فيه غضاضة على المسلمين، فإنَّ الصلح فيه غضاضة؛ شرطوا أنَّ مَن جاء من الكفَّار إلى المسلمين يُردّ، وشرطوا أنَّ مَن جاء من المسلمين إلى الكفَّار لا يُردّ، وقالوا: اكتب: "باسمك اللهم"، ولا تكتب "محمد رسول الله"، اكتب "محمد بن عبدالله"، ومع هذا قبل النبي ﷺ للمصلحة العامَّة.

س: الكافر يُعطى من الزكاة، أم هذا خاصٌّ بالصّدقة؟

ج: يُعطى من الزكاة إذا كان مُؤلَّفًا، كما قال الله -جلَّ وعلا-: وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ [التوبة:60]، يُعطون من الزكاة كرؤساء العشائر والناس الذين يُرجى بإسلامهم إسلام نُظرائهم، نعم.

س: ..............؟

ج: زكاة الفطر لأهل بلده المسلمين؛ لأنهم محتاجون؛ لأنَّ أمرها بسيط، التأليف، وعلى القاعدة: يجوز أن يُعطاها المؤلّف على القاعدة الشَّرعية.

س: آحاد الكفرة يدخلون في الكفرة، أم هذا خاصٌّ بالرؤساء؟

ج: المعروف عند العلماء أنهم الرؤساء والسَّادة الذين يُرجى بإسلامهم إسلام نُظرائهم، ويُرجى بإعطائهم قوة إيمانهم، وكفّ شرّهم، أما آحاد الكفرة فالأحوط ألا يُعطون؛ لأنَّهم لا يترتب على إعطائهم كبير شيءٍ، لكن يُعطون من غير الزكاة.

وقال ابنُ عباسٍ ومجاهد وزيد بن أسلم وعطاء الخراساني وعكرمة والحسن وقتادة: إنَّ هذه الآية منسوخة بآية السيف في براءة: قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ الآية [التوبة:29].

وفيه نظر أيضًا؛ لأنَّ آية براءة فيها الأمر بقتالهم إذا أمكن ذلك، فأمَّا إن كان العدو كثيفًا فإنَّه يجوز مُهادنتهم، كما دلَّت عليه هذه الآية الكريمة، وكما فعل النبي ﷺ يوم الحُديبية، فلا مُنافاة، ولا نسخ، ولا تخصيص، والله أعلم.

وقوله: وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ أي: صالحهم وتوكل على الله، فإنَّ الله كافيك وناصرك ولو كانوا يُريدون بالصُّلح خديعة؛ ليتقووا ويستعدوا، فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ أي: كافيك وحده.

ثم ذكر نعمته عليه مما أيّده به من المؤمنين المهاجرين والأنصار، فقال: هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ۝ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ أي: جمعها على الإيمان بك، وعلى طاعتك ومُناصرتك ومُؤازرتك.

لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ أي: لما كان بينهم من العداوة والبغضاء، فإنَّ الأنصار كانت بينهم حروب كثيرة في الجاهلية، بين الأوس والخزرج، وأمور يلزم منها التَّسلسل في الشَّر، حتى قطع اللهُ ذلك بنور الإيمان، كما قال تعالى: وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران:103].

وفي "الصحيحين": أنَّ رسول الله ﷺ لما خطب الأنصار في شأن غنائم حنين قال لهم: يا معشر الأنصار، ألم أجدكم ضُلَّالًا فهداكم الله بي، وعالةً فأغناكم الله بي، وكنتم مُتفرقين فألَّفكم الله بي؟ كلَّما قال شيئًا قالوا: الله ورسوله أمنّ.

ولهذا قال تعالى: وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ أي: عزيز الجناب، فلا يُخيب رجاء مَن توكّل عليه، حكيمٌ في أفعاله وأحكامه.

وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو عبدالله الحافظ: أنبأنا علي بن بشر الصّيرفي القزويني في منزلنا: أنبأنا أبو عبدالله محمد بن الحسين القنديلي الإستراباذي: حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن النّعمان الصّفار: حدثنا ميمون بن الحكم: حدثنا بكر بن الشّرود، عن محمد بن مسلم الطّائفي، عن إبراهيم بن ميسرة، عن طاوس، عن ابن عباسٍ قال: قرابة الرّحم تُقطع، ومِنّة النّعمة تُكفر، ولم يرَ مثل تقارب القلوب، يقول الله تعالى: لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وذلك موجودٌ في الشِّعر:

إذا مدّ ذو قُربى إليك بزلّةٍ فغشّك واستغنى فليس بذي رحم
ولكن ذا القربى الذي إن دعوته أجاب ومَن يرمي العدو الذي ترمي

قال: ومن ذلك قول القائل:

ولقد صحبتُ الناس ثم سبرتهم وبلوتُ ما وصلوا من الأسباب
فإذا القرابة لا تُقرّب قاطعًا وإذا المودّة أقرب الأسباب

الشيخ: المهم من هذا كلِّه أنَّ الرحم قد تُقطع، والجوار قد يُخان، إلى غير هذا، ولكن إذا جمع اللهُ القلوبَ على المحبَّة والهدى فلا مثيلَ لهذا؛ ولهذا كان الأنصارُ بينهم القرابات العظيمة، ومع هذا تقاطعوا وتقاتلوا، لكن لما جمعهم الله بالإيمان والمحبَّة في الله؛ انتهت تلك الحروب، وتآلفت القلوب، الله المستعان، نعم.

قال البيهقي: لا أدري هذا موصولًا بكلام ابن عباسٍ، أو هو من قول مَن دونه من الرُّواة.

الشيخ: "مَن دونه من الرُّواة" دون ابن عباسٍ –يعني.

وقال أبو إسحاق السّبيعي: عن أبي الأحوص، عن عبدالله بن مسعود ، سمعه يقول: لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ الآية، قال: هم المتحابّون في الله.

وفي روايةٍ: نزلت في المتحابّين في الله. رواه النَّسائي، والحاكم في "مستدركه" وقال: صحيح.

وقال عبدالرزاق: أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباسٍ قال: إنَّ الرحم لتُقطع، وإنَّ النِّعمة لتُكفر، وإنَّ الله إذا قارب بين القلوب لم يُزحزحها شيء.

الشيخ: هذا هو الأمر العظيم: إذا تقاربت القلوبُ بالإيمان والهدى ما يُزحزحها شيء، أما القرابة فقد يقطعونها، والنعمة قد يكفرونها، ولا يُبالون، لكن متى جمع اللهُ القلوبَ على المحبَّة في الله والإيمان بالله استقامت الأحوال، وتعاونوا على البرِّ والتقوى، وزال كلُّ شرٍّ، كما جرى للأنصار وغيرهم.

ثم قرأ: لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ. رواه الحاكم أيضًا.

وقال أبو عمرو الأوزاعي: حدثني عبدة ابن أبي لبابة، عن مجاهد، ولقيتُه فأخذ بيدي فقال: إذا التقى المتحابّان في الله، فأخذ أحدُهما بيد صاحبه، وضحك إليه؛ تحاتت خطاياهما كما تحاتّ ورقُ الشجر.

قال عبدة: فقلتُ له: إنَّ هذا ليسير. فقال: لا تقل ذلك؛ فإنَّ الله يقول: لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ. قال عبدة: فعرفتُ أنَّه أفقه مني.

س: الأثر؟

ج: هذا عن مجاهد، لكن جاء معناه في الحديث الصحيح: إذا التقى المسلمان وتصافحا تحاتت ذنوبهما كما يتحاتّ عن الشّجرة ورقها، وكان الصحابةُ إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفرٍ تعانقوا، فالمصافحة سنة وقُربى عند اللِّقاء.

س: الحديث ثابت: إذا التقى المسلمان فتصافحا؟

ج: في سنده بعض المقال، لكن تشهد له أخبار كثيرة، ويحتاج إلى جمع أسانيده، لكن ثبت عن أنسٍ ، وعن الشَّعبي -رحمه الله- أنَّهما قال: كان الصحابةُ إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفرٍ تعانقوا. والله المستعان، نعم.