لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [المائدة:78-81].
يُخبر تعالى أنَّه لعن الكافرين من بني إسرائيل من دهرٍ طويلٍ فيما أنزله على داود نبيه ، وعلى لسان عيسى ابن مريم، بسبب عصيانهم لله، واعتدائهم على خلقه.
قال العوفي: عن ابن عباسٍ: لُعنوا في التَّوراة، والإنجيل، وفي الزبور، وفي الفرقان.
ثم بيّن حالهم فيما كانوا يعتمدونه في زمانهم، فقال تعالى: كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ أي: كان لا ينهى أحدٌ منهم أحدًا عن ارتكاب المآثم والمحارم، ثم ذمَّهم على ذلك؛ ليُحذر أن يُرتكب مثل الذي ارتكبوه، فقال: لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ.
الشيخ: وهذا تحذيرٌ لهذه الأمّة من عمل اليهود، كما قال بعضُ السلف: "مضى القومُ ولم يُعْنَ به سواكم"، فالله -جلَّ وعلا- حين يلعن بني إسرائيل -كفَّار بني إسرائيل- وحين يذمّ اليهود والنَّصارى وغيرهم، فالمقصود من ذلك تحذيرنا أن نعمل بعملهم، وأن نسير على نهجهم في عدم التَّناهي عن المنكر، وعدم الأمر بالمعروف، وفي العصيان لله -جلَّ وعلا- والاعتداء على خلقه.
فالواجب على جميع المكلَّفين من الجنِّ والإنس أن يتَّقوا الله، وأن يُراقبوا الله بأداء فرائضه، وترك محارمه، وأن يتآمروا بالمعروف، وأن يتناهوا عن المنكر، وأن يحذروا ظلم العباد، والاعتداء على العباد بغير حقٍّ، وأن يحذروا معاصي الله أينما كانوا، هذا هو الواجب على المكلَّفين من بني إسرائيل، ومن غيرهم من الثَّقلين: الجنّ والإنس، فالله أنزل الكتابَ تذكيرًا لهم، ونذارةً، وبشارةً، ومُحرِّضًا على الخير، ومُحذِّرًا من الشَّر للجميع.
فالواجب على كل مؤمنٍ، وعلى كل مؤمنةٍ، من الرجال والنِّساء، من الجنِّ والإنس، الواجب على الجميع أن يتَّقوا الله، وأن يستفيدوا من كلام ربهم ، وأن يُراقبوه سبحانه، وأن يقفوا عند حدوده، فالقرآن أُنزل للعمل، لا لمجرد التِّلاوة، فالتلاوة وسيلة، وفيها أجرٌ عظيمٌ، لكنَّها وسيلة، المقصود من تلاوة القرآن ومن إنزاله هو العمل بما فيه من الأوامر، والانتهاء عمَّا فيه من النَّواهي، والاعتبار بالقصص الذي قصَّه الله علينا عن بني إسرائيل، وعن غيرهم، وأن نستفيد مما ذكره الله من صفات أهل الجنّة، وصفات أهل النار، وما قصّه الله علينا من أخبار الأمم، علينا أن نستفيد من هذا وذاك بالتَّواصي بالحقِّ، والتواصي بالصبر، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والمبادرة إلى ما أوجب الله، والحذر مما حرَّم الله أينما كنت حتى تلقى ربَّك، نعم.
الشيخ: يعني: حتى تُلزموهم بالحقِّ، لا بدَّ من إلزامهم بالحقِّ: أمرٌ ونهيٌ وإلزامٌ بالحقِّ، حتى يأخذوا بالحقِّ، ويدعوا الباطل، ولا تشبّهوا ببني إسرائيل، فالله -جلَّ وعلا- قال: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة:71] هذه صفة المؤمنين، وهذه أخلاقهم.
والحديث في سنده انقطاعٌ؛ لأنَّ أبا عبيدة لم يسمع من أبيه، لكن معنى الحديث صحيحٌ، وهو معنى الآية، معنى الآية: الحذر من التَّشبه بهم، قصَّ الله علينا أخبارهم لنحذر التَّشبه بهم، نعم.
س: إذا نُوصِح ولم يرتدع، فهل لي ألا أُجالسه، ولا أُشاربه؟
ج: الأصل الهجر، إلا إذا رأى المصلحة في المعاودة معه؛ لعله يهتدي، لعله يستقيم، يقول ابنُ عبدالقوي -رحمه الله- في قصيدته المعروفة في .....:
وهجران من أبدى المعاصي سنة | وقد قيل: إن يردعه أوجب وأكد |
وقيل: على الإطلاق ما دام مُعلنًا | ولاقه بوجهٍ مُكفهر مربد |
"وقيل: على الإطلاق" يعني: يجب على الإطلاق.
أقوال العلماء ثلاثة:
أحدها: أنَّ الهجر سنة مُطلقة.
والقول الثاني: إذا رأى أنه يردعه يجب الهجر ليرتدع.
والثالث: أنَّه واجبٌ مُطلقًا، يجب الهجر مطلقًا ما دام مُعلنًا، وهذا ظاهر السُّنة، الرسول ﷺ هجر الثلاثة الذين تخلَّفوا عن غزوة تبوك، هجرهم خمسين ليلةً حتى تاب اللهُ عليهم، فإذا رأى المؤمنُ الهجرَ الدَّائم لأنَّه أظهر المعاصي ولم يرجع، فذلك أقلّ أحواله أنه سنة، إلا إذا رأى أنَّ المعاودة يُرجا فيها خير؛ فليُعاود لعله يهتدي، لعله يقبل، نعم.
س: لكن أنا آثم إذا جالسته مرةً أخرى ولم أُناصحه؟
ج: نعم، ما يجوز، هذا عمل بني إسرائيل، نسأل الله العافية.
وقال أبو داود: حدثنا عبدالله بن محمد النّفيلي: حدثنا يونس بن راشد، عن علي بن بذيمة، عن أبي عبيدة، عن عبدالله بن مسعودٍ قال: قال رسولُ الله ﷺ: إنَّ أول ما دخل النَّقصُ على بني إسرائيل كان الرجلُ يلقى الرجلَ فيقول: يا هذا، اتَّقِ الله ودع ما تصنع، فإنَّه لا يحلّ لك. ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلمَّا فعلوا ذلك ضرب اللهُ قلوبَ بعضهم ببعضٍ، ثم قال: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ إلى قوله: فَاسِقُونَ، ثم قال: كلا والله لتأمرنَّ بالمعروف، ولتنهونَّ عن المنكر، ولتأخذنَّ على يد الظالم، ولتأطرنَّه على الحقِّ أطرًا، أو تقصرنه على الحقِّ قصرًا.
وكذا رواه الترمذي وابن ماجه من طريق علي بن بذيمة، به، وقال الترمذي: حسنٌ غريبٌ.
الشيخ: وتمامه في الرِّواية الأخرى: أو ليضربنَّ اللهُ بقلوب بعضكم على بعضٍ، ثم يلعنكم كما لعنهم، كما في الرِّواية الأخرى، وكلّها من طريق أبي عبيدة، عن أبيه، نعم.
ثم رواه هو وابن ماجه عن بندار، عن ابن مهدي، عن سفيان، عن علي بن بذيمة، عن أبي عبيدة مرسلًا.
وقال ابنُ أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشجّ، وهارون بن إسحاق الهمداني، قالا: حدَّثنا عبدُالرحمن بن محمد المحاربي، عن العلاء بن المسيب، عن عبدالله بن عمرو بن مرّة، عن سالم الأفطس، عن ابن أبي عبيدة، عن عبدالله بن مسعودٍ قال: قال رسولُ الله ﷺ: إنَّ الرجل من بني إسرائيل كان إذا رأى أخاه على الذَّنب نهاه عنه تعذيرًا، فإذا كان من الغد لم يمنعه ما رأى منه أن يكون أكيلَه وخليطَه وشريكَه، وفي حديث هارون: وشريبه، ثم اتَّفقا في المتن: فلمَّا رأى اللهُ ذلك منهم ضرب قلوبَ بعضهم على بعضٍ، ولعنهم على لسان نبيهم داود وعيسى ابن مريم ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ، ثم قال رسولُ الله ﷺ: والذي نفسي بيده، لتأمرنَّ بالمعروف، ولتنهونَّ عن المنكر، ولتأخذنَّ على يد المسيء.
الشيخ: في الرِّواية الأخرى: السَّفيه، والرِّواية الثالثة: الظالم.
ولتأطرنَّه على الحقِّ أطرًا، أو ليضربنَّ اللهُ قلوبَ بعضكم على بعضٍ، أو ليلعنكم كما لعنهم، والسياق لأبي سعيدٍ. كذا قال في رواية هذا الحديث.
وقد رواه أبو داود أيضًا عن خلف بن هشام، عن أبي شهاب الخياط، عن العلاء بن المسيّب، عن عمرو بن مرّة، عن سالم -وهو ابن عجلان الأفطس-، عن أبي عبيدة ابن عبدالله بن مسعود، عن أبيه، عن النبي ﷺ بنحوه.
ثم قال أبو داود: كذا رواه خالد، عن العلاء، عن عمرو بن مرّة، به.
ورواه المحاربي عن العلاء بن المسيب، عن عبدالله بن عمرو بن مرّة، عن سالم الأفطس، عن أبي عبيدة، عن عبدالله.
قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي: وقد رواه خالد بن عبدالله الواسطي، عن العلاء بن المسيب، عن عمرو بن مرّة، عن أبي عبيدة، عن أبي موسى.
والأحاديث في الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر كثيرة جدًّا، ولنذكر منها ما يُناسب هذا المقام:
قد تقدّم حديثُ جابرٍ عند قوله: لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ [المائدة:63]، وسيأتي عند قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105] حديث أبي بكر الصّديق وأبي ثعلبة الخشني.
فقال الإمام أحمد: حدثنا سليمان الهاشمي: أنبأنا إسماعيل بن جعفر: أخبرني عمرو ابن أبي عمرو، عن عبدالله بن عبدالرحمن الأشهلي، عن حُذيفة بن اليمان: أنَّ النبي ﷺ قال: والذي نفسي بيده، لتأمرنَّ بالمعروف، ولتنهونَّ عن المنكر، أو ليُوشكنَّ الله أن يبعث عليكم عقابًا من عنده، ثم لتدعنَّه فلا يستجيب لكم.
ورواه الترمذي عن علي بن حجر، عن إسماعيل بن جعفر، به، وقال: هذا حديثٌ حسنٌ.
الشيخ: أعد، أعد.
انظر في "التقريب": عبدالله بن عبدالرحمن الأشهلي، أو "الخلاصة".
مُداخلة: أحسن الله إليك يا شيخ، في حاشيةٍ يقول: الحديث ضعيفٌ بهذا السَّند؛ لجهالة عبدالله بن عبدالرحمن الأشهلي.
الشيخ: انظر "التقريب".
س: الطريق الذي ذكره المزي ألا يُعتبر شاهدًا لحديث أبي عبيدة؟
ج: محل نظرٍ، نعم، نعم.
وقال أبو عبدالله محمد بن يزيد بن ماجه: حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة: حدثنا معاوية بن هشام، عن هشام بن سعد، عن عمرو بن عثمان، عن عاصم بن عمر بن عثمان، عن عروة، عن عائشةَ قالت: سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، قبل أن تدعوا فلا يُستجاب لكم. تفرَّد به، وعاصم هذا مجهول.
وفي الصحيح من طريق الأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن أبيه، عن أبي سعيدٍ. وعن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن أبي سعيدٍ الخدري قال: قال رسولُ الله ﷺ: مَن رأى منكم مُنكرًا فليُغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.
الشيخ: وتقدّم حديثُ أبي بكر الصّديق : لما تولّى خطب الناس وقال: أيّها الناس، إنَّكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها في غير موضعها، وهي قوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ، وإني سمعتُ النبي ﷺ يقول: إنَّ الناس إذا رأوا المنكر فلم يُغيروه أوشك أن يعمّهم الله بعقابه. وهو حديثٌ صحيحٌ عن أبي بكر .
وهذا حديث أبي سعيدٍ: مَن رأى منكم مُنكرًا فليُغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. أخرجه مسلمٌ أيضًا -رحمه الله.
وهكذا حديثٌ آخر أخرجه مسلمٌ عن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ما بعث اللهُ من نبيٍّ في أمَّةٍ قبلي إلا كان له من أُمّته حواريون وأصحاب يأخذون بسُنته، ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوفٌ يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يُؤمرون، فمَن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومَن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومَن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبَّة خردل، نسأل الله السَّلامة.
فالمقصود أنَّ الواجب على المسلمين التَّواصي بالحقِّ والتناصح، لو لم يكن في هذا إلا قوله -جلَّ وعلا-: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر] لكان ذلك كافيًا عظيمًا، فكيف والآيات والأحاديث الكثيرة كلّها دالّة على وجوب هذا الأمر، وهو التَّواصي والتَّناصح، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والأخذ على يد السَّفيه، إلى غير هذا، نعم، الله المستعان.
الطالب: في "التعجيل" قال: عبدالله بن عبدالرحمن ابن أبي حبيبة، الأنصاري، الأشهلي، قال: جاءنا رسولُ الله ﷺ فصلَّى بنا في مسجد بني عبد الأشهل. الحديث رواه عنه إسماعيل بن إبراهيم ابن أبي حبيبة، وهذا الحديث قد اختُلف في إسناده؛ فقال ابنُ أبي أويس: عن إسماعيل بن إبراهيم ابن أبي حبيبة، عن عبدالله بن عبدالرحمن بن ثابت بن الصامت، عن أبيه، عن جدِّه. وهذا أولى بالصَّواب. قاله المزي.
الشيخ: ما تكلّم عليه؟
الطالب: ما تكلّم.
الشيخ: و"التقريب" ما هو فيه؟
الطالب: ما وجدته.
الشيخ: في "مسند أحمد" هو؟
قارئ المتن: إي، نعم، أحسن الله إليك.
الشيخ: ماشٍ، نعم.
وقال الإمام أحمد: حدثنا ابن نمير: حدثنا سيف -هو ابن أبي سليمان-: سمعتُ عدي بن عدي الكندي يُحدّث عن مجاهدٍ قال: حدَّثني مولى لنا أنَّه سمع جدِّي –يعني: عدي بن عميرة - يقول: سمعتُ النبي ﷺ يقول: إنَّ الله لا يُعذّب العامّة بعمل الخاصّة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن يُنكروه فلا يُنكرونه، فإذا فعلوا ذلك عذّب اللهُ الخاصَّة والعامَّة.
ثم رواه أحمد عن أحمد بن الحجاج، عن عبدالله بن المبارك، عن سيف ابن أبي سليمان، عن عيسى بن عدي الكندي.
..............
حدَّثني مولى لنا أنَّه سمع جدِّي يقول: سمعتُ رسول الله ﷺ يقول. فذكره، هكذا رواه الإمام أحمد من هذين الوجهين.
قال أبو داود: حدَّثنا أبو العلاء: حدثنا أبو بكر: حدثنا المغيرة بن زياد الموصلي، عن عدي بن عدي، عن العرس –يعني: ابن عميرة-، عن النبي ﷺ قال: إذا عُملت الخطيئة في الأرض كان مَن شهدها فكرهها -وقال مرةً: فأنكرها- كان كمَن غاب عنها، ومَن غاب عنها فرضيها كان كمَن شهدها. تفرد به أبو داود.
ثم رواه عن أحمد بن يونس، عن ابن شهاب، عن مُغيرة بن زياد، عن عدي بن عدي مرسلًا.
وقال أبو داود: حدَّثنا سليمان بن حرب وحفص بن عمر، قالا: حدَّثنا شعبة -وهذا لفظه-، عن عمرو بن مرّة، عن أبي البختري قال: أخبرني مَن سمع النبي ﷺ. وقال سليمان: حدَّثني رجلٌ من أصحاب النبي ﷺ: أنَّ النبي ﷺ قال: لن يهلك الناس حتى يعذروا، أو يعذروا من أنفسهم.
الشيخ: الرِّواية المشهورة بالضمِّ وكسر الذَّال، يعني: حتى يعترفوا بأنَّهم مُستحقّون للعقوبة، نسأل الله العافية.
وقال ابنُ ماجه: حدثنا عمران بن موسى: حدثنا حماد بن زيد: حدثنا علي بن زيد بن جدعان، عن أبي نضرة، عن أبي سعيدٍ الخدري: أنَّ رسول الله ﷺ قام خطيبًا، فكان فيما قال: ألا لا يمنعن رجلًا هيبةُ الناس أن يقول الحقَّ إذا علمه. قال: فبكى أبو سعيدٍ، وقال: قد والله رأينا أشياء فهبنا.
وفي حديث إسرائيل، عن عطية، عن أبي سعيدٍ قال: قال رسولُ الله ﷺ: أفضل الجهاد كلمة حقٍّ عند سُلطانٍ جائرٍ.
الشيخ: أعد السند الذي قبل هذا.
الشيخ: وهذا هو الواجب على مَن استطاع أن يقول الحقَّ، وإن كان السندُ ضعيفًا؛ لأنَّ علي بن زيد بن جدعان ضعيفٌ، لكن معناه صحيح، تشهد له الأدلة، فلا ينبغي لعاقلٍ أن يسكت عن الحقِّ وهو يقدر؛ لأنَّ الله أوجب بيان الحقِّ، وإيضاح الحقّ، والدَّعوة إليه، والتَّواصي بالحقِّ، والتَّناصح في كتابه العظيم: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2]، إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة:159-160]، وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر]، هذه النصوص المجملة تشرحها النصوص المفصّلة، الله المستعان، نعم.
وفي حديث إسرائيل، عن عطية، عن أبي سعيدٍ قال: قال رسولُ الله ﷺ: أفضل الجهاد كلمة حقٍّ عند سلطانٍ جائرٍ. ورواه أبو داود والترمذي وابن ماجه، وقال الترمذي: حسنٌ غريبٌ من هذا الوجه.
وقال ابنُ ماجه: حدثنا راشد بن سعيد الرَّملي: حدَّثنا الوليد بن مسلم: حدثنا حماد بن سلمة، عن أبي غالب، عن أبي أمامة قال: عرض لرسول الله ﷺ رجلٌ عند الجمرة الأولى، فقال: يا رسول الله، أيّ الجهاد أفضل؟ فسكت عنه، فلمَّا رمى الجمرة الثانية سأله، فسكت عنه، فلمَّا رمى جمرة العقبة ووضع رجلَه في الغرز ليركب، فقال: أين السَّائل؟ قال: أنا يا رسول الله. قال: كلمة حقٍّ تُقال عند ذي سلطانٍ جائر. تفرد به.
الشيخ: انظر: راشد بن سعيد في "التقريب"، وأبو غالب كذلك، نعم، أعد.
الشيخ: هو رمى الجمَّار ماشيًا -عليه الصلاة والسلام-، كان يرمي الجمَّار ماشيًا، لم يركب في الجمَّار إلا جمرة العقبة، جمرة يوم العيد، وبقية الجمَّار رماها ماشيًا، ذاهبًا، وراجعًا، اللهم صلِّ عليه وسلّم.
مُداخلة: أحسن الله إليك، في حاشية: قال البُوصيري في "الزوائد": هذا إسنادٌ فيه مقال، أبو غالب مُختلفٌ فيه: ضعَّفه ابنُ سعد وأبو حاتم والنَّسائي، ووثَّقه الدَّارقطني، وقال ابنُ عدي: لا بأس به. وراشد بن سعيد قال فيه أبو حاتم: صدوق. وباقي رجال الإسناد ثقات.
الشيخ: على كل حالٍ، من جهة أبي غالب، ومن جهة المتن لما أراد أن يركب بعد أن رمى الجمرة الثالثة، وثبت عنه ﷺ أنَّه كان يذهب إلى الجمرات في حجّة الوداع ماشيًا، ويرجع ماشيًا -عليه الصلاة والسلام-، ثم كونه أخَّره وما أجابه عند الجمرة الأولى، ولا أجابه عند الجمرة الثانية، هذا قد يكون لتأخّر الوحي لو ثبت، نعم.
المقصود أنَّ الواجب على المسلمين التَّعاون على البرِّ والتقوى، وإنكار المنكر، وبيان الحقّ للسلطان، إذا استطاع أن يُبين الحقّ وجب أن يُبيّنه، لعلَّ الله ينفع به.
س: ضعيفٌ بهذا السَّند؟
ج: نعم، بهذا السَّند ضعيفٌ.
مُداخلة: في حاشية على الحديث، يقول: الحديث أخرجه ابنُ ماجه وأحمد في "المسند" من طريق حماد، ومن طريق يعلى بن زياد –كلاهما-، عن أبي غالب، وهو حزورة، يحسن حديثه، قال الحافظ في "التقريب": صدوقٌ يُخطئ.
الشيخ: نعم.
وقال ابنُ ماجه: حدثنا أبو كريب: حدثنا عبدالله بن نمير وأبو معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن أبي البختري، عن أبي سعيدٍ قال: قال رسولُ الله ﷺ: لا يحقر أحدُكم نفسَه، قالوا: يا رسول الله، كيف يحقر أحدُنا نفسه؟ قال: يرى أمرًا لله فيه مقال، ثم لا يقول فيه، فيقول اللهُ له يوم القيامة: ما منعك أن تقول في كذا وكذا وكذا؟ فيقول: خشية الناس، فيقول: فإياي كنت أحقّ أن تخشى. تفرّد به.
وقال أيضًا: حدثنا علي بن محمد: حدثنا محمد بن فُضيل: حدثنا يحيى بن سعيد: حدثنا عبدالله بن عبدالرحمن أبو طوالة: حدثنا نهار العبدي: أنَّه سمع أبا سعيدٍ الخدري يقول: سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: إنَّ الله يسأل العبد يوم القيامة حتى يقول: ما منعك إذا رأيت المنكر أن تُنكره؟ فإذا لقن اللهُ عبدًا حُجَّته قال: يا ربّ، رجوتُك، وفرقت الناس. تفرّد به أيضًا ابن ماجه، وإسناده لا بأسَ به.
الشيخ: انظر: نهار العبدي، وعبدالله بن عبدالرحمن أبا طوالة. عندك عليه حاشية؟
الطالب: ما في شيء.
الطالب: نهار العبدي يصلح حديثه في الشَّواهد والمتابعات.
الشيخ: انظر "التقريب"، وعبدالله بن عبدالرحمن أبو طوالة.
س: نرى بعض مَن ينتسب للعلم عليه معاصٍ، مثلًا: يصبغ لحيته بالسواد، وإذا أنكرنا عليه ..... ندخل في هذا الوعيد؟
ج: بالكلام، ..... الوعيد، وإلا يُخشى عليه، إذا استطاع يقول له: ترى الصّبغ بالسّواد لا يجوز، من باب النَّصيحة بالكلام الطَّيب.
س: هل من شرط النَّهي عن المنكر أن يكون المنكرُ واقعًا في الحال، أم يجوز لي أن أنهى فاعل المنكر عن مُنكره وقد فعله من فترةٍ؟
ج: إذا علمت أنَّه فعل المنكر تنصحه، تُنكر عليه المنكر، وإذا كان قد تاب -الحمد لله- انتهى الموضوع، لكن إذا كان باقيًا على المنكر تنصحه، تُنكره عليه ما دام يفعله، نعم.
الطالب: نهار العبدي، عن أبي سعيدٍ، وعنه أبو طوالة، ومحمد بن يحيى بن حبان، ثقة. (ق).
الشيخ: مَن ذا؟
الطالب: "الكاشف".
الشيخ: و"التقريب" ما هو بحاضرٍ؟ ما يُخالف، انظر: عبدالله بن عبدالرحمن أبا طوالة. نعم.
الشيخ: قف على هذا.