تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ..}

وقال الطبراني أيضًا: حدثنا العباس بن مُقاتل الأسفاطي.

مُداخلة: العباس بن الفضل.

الشيخ: حطّ نسخة: ابن الفضل، والذي عنده "ابن الفضل" يحطّ: مُقاتل.

مُداخلة: وفي نسخة: "مفضل" بالميم.

الشيخ: يراجع "الميزان"، ومُقبل ما علّق عليه بشيء؟ حاشية مُقبل معكم؟

الطالب: ما علّق.

الشيخ: نعم.

حدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا حفص بن عمر السّني.

مُداخلة: الشّني.

الشيخ: لعلها: الشني، انظر: "التقريب"، الأقرب أنها "الشّني" بالشين، نعم.

حدَّثني عمرو بن مرّة قال: سمعتُ بلال بن يسار بن زيد مولى رسول الله ﷺ قال: سمعتُ أبي يُحدِّث عن جدِّي قال: قال رسولُ الله ﷺ: مَن قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو وأتوب إليه؛ غفر له وإن كان قد فرَّ من الزَّحف.

وهكذا رواه أبو داود عن موسى بن إسماعيل، به.

وأخرجه الترمذي عن البخاري، عن موسى بن إسماعيل، به. وقال: غريبٌ لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

قلتُ: ولا يُعرف لزيد مولى النبي ﷺ عنه سواه.

الشيخ: أيش عندك؟ الشّني؟

الطالب: ذكر ثلاثةً فقط، ما ذكر الشّني.

الشيخ: حفص بن عمر أيش؟

الطالب: حفص بن عمر البزاز، شامي، مجهول، من الثامنة. (ق).

حفص بن عمر، أبو عمران، الرازي، الإمام، وهو الواسطي، النَّجار، ضعيف، من التاسعة.

حفص بن عمر بن مرّة، الشني -بفتح المعجمة وتشديد النون- البصري، مقبول، من السابعة. (د، ت).

الشيخ: صلّحه: الشني، وانظر: بلال بن يسار بن زيد.

الطالب: بلال بن يسار بن زيد، القرشي مولاهم، بصري، مقبول، من السابعة. (د، ت).

الشيخ: انظر: يسار، أبوه: يسار بن زيد.

على كل حالٍ الحديث هذا وإن صحَّ فهو المراد، يعني: مع التوبة، قال: "أستغفر الله الذي لا إله إلا هو وأتوب إليه"، يعني: مع التوبة، مع الصدق؛ لأنَّ التوبة تجُبّ الذنوب كلّها: الكبائر والصَّغائر، إذا استغفر العبدُ ربَّه تائبًا، نادمًا، مُقلعًا عن ذنوبه؛ غفر اللهُ له، أمَّا الاستغفار باللِّسان مع الإقامة على المعاصي فما ينفع، مثلما قال ربنا -جلَّ وعلا-: وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا [آل عمران:135].

فإذا قال: "أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحيّ القيوم وأتوب إليه"، أو "أستغفر الله وأتوب إليه"، أو "اللهم اغفر لي وتُبْ عليَّ"، أو "اللهم إني أتوب إليك"، أو ما أشبه ذلك، إذا قال هذه الأشياء عن صدقٍ، وعن ندمٍ على الذُّنوب الماضية، وإقلاعٍ منها، ورغبةٍ فيما عند الله، وصدقٍ وخوفٍ من الله، وإخلاصٍ له؛ تاب اللهُ عليه.

أمَّا "أستغفر الله" من دون ندمٍ، ومن دون إقلاعٍ، ومن دون عزمٍ على عدم العودة، هذا يكون مجرد قولٍ، ما يكفي، كما قال -جلَّ وعلا-: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا [آل عمران:135]، لا بدَّ من عدم الإصرار، والإصرار معناه: الإقامة، وعدم النَّدم، وعدم العزم على عدم العود.

فالواجب على مَن أجرم جرمًا، أو قدم ذنبًا أن يُبادر بالتوبة، وأن يعزم العزم الصَّادق ألا يعود، وأن يُقلع من هذا الذَّنب ويحذره؛ خوفًا من الله، وتعظيمًا له، ورغبةً لمرضاته، هكذا يكون الصَّادقون، وهكذا يكون التَّائبون حقًّا، فلو صحَّ فهذا هو المعنى، لكن بهذا السَّند لا يصحّ؛ لأنَّ بلالًا مقبول، والشّني مقبول، والمقبول لا تقوم به حُجّة، ولو صحَّ معناه هذا، يعني: مَن قال: "أستغفر الله الذي لا إله إلا هو" وهو صادق، نادم، مُقلع، نعم.

الطالب: يسار بن زيد، أبو بلال، مولى النبي ﷺ، مقبول، من الرَّابعة.

الشيخ: كلّهم مقبولون: حفص وبلال ويسار، نعم، الله المستعان.

س: الاستغفار مع الإقامة على المعصية هل يُعتبر استهزاءً؟

ج: دعاء، هذا من باب الدعاء، قد يُقبل، وقد يُردّ، قد يُقبل الدعاء ويُغفر له؛ رحمةً من الله، وفضلًا من الله، وقد يُردّ ولا يُقبل، نعم.

مُداخلة: في حاشية يسيرة من طلبة الشيخ مقبل: الحديث أخرجه أبو داود والترمذي، وحفص بن عمر الشّني وأبوه، وبلال بن يسار، ويسار بن زيد، كلهم مقبولون، والسَّند مسلسل بالمقبولين، وكل مقبولٍ يحتاج إلى مُتابعٍ.

الشيخ: صدق، نعم.

س: ما صحّة حديث: "طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارًا كثيرًا"؟

ج: ما أدري، ما أتذكره.

وقد ذهب ذاهبون إلى أنَّ الفرار إنما كان حرامًا على الصحابة؛ لأنَّه كان فرض عينٍ عليهم، وقيل: على الأنصار خاصَّةً؛ لأنَّهم بايعوا على السَّمع والطَّاعة في المنشط والمكره.

وقيل: المراد بهذه الآية أهل بدر خاصّة. يُروى هذا عن عمر وابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيدٍ وأبي نضرة ونافع مولى ابن عمر وسعيد بن جبير والحسن البصري وعكرمة وقتادة والضَّحاك وغيرهم، وحُجّتهم في هذا أنَّه لم تكن عصابة لها شوكة يفيئون إليها إلا عصابتهم تلك، كما قال النبيُّ ﷺ: اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تُعبد في الأرض.

ولهذا قال عبدالله بن المبارك: عن مبارك بن فضالة، عن الحسن في قوله: وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ [الأنفال:16] قال: ذلك يوم بدر، فأمَّا اليوم فإن انحاز إلى فئةٍ أو مصرٍ. أحسبه قال: فلا بأسَ عليه.

وقال ابنُ المبارك: عن المبارك أيضًا، عن ابن لهيعة: حدَّثني يزيد ابن أبي حبيب قال: أوجب اللهُ تعالى لمن فرَّ يوم بدرٍ النار، قال: وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ [الأنفال:16]، فلمَّا كان يوم أحدٍ بعد ذلك قال: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إلى قوله: وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ [آل عمران:155]، ثم كان يوم حنين بعد ذلك بسبع سنين قال: ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ [التوبة:25]، ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ [التوبة:27].

الشيخ: هذا لا يمنع عموم الآية، فضله وتوبته على مَن تاب عليه وعفا عنه لا يمنع، والآية عامَّة للمؤمنين: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا [الأنفال:45].

المقصود أنَّ التَّولي يوم الزَّحف عامّ لأهل بدر ولغيرهم، ويعفو الله عمَّن يشاء : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ ۝ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ [الأنفال:15-16]، فهو خطابٌ للمؤمنين في عصره ﷺ وبعد عصره، وفي يومنا هذا، الواجب عند اللِّقاء الثَّبات والصَّبر إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ، ولا يجوز أن يخذل أصحابه، نعم.

وفي "سنن أبي داود" والنَّسائي و"مستدرك الحاكم" و"تفسير ابن جرير" وابن مردويه من حديث داود ابن أبي هند، عن أبي نضرة، عن أبي سعيدٍ: أنَّه قال في هذه الآية: وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إنما أنزلت في أهل بدر.

وهذا كلّه لا ينفي أن يكون الفرارُ من الزحف حرامًا على غير أهل بدر، وإن كان سببُ نزول الآية فيهم.

الشيخ: هذا هو الصواب، هذا ما قاله المؤلف، هو الصواب، نعم.

كما دلَّ عليه حديث أبي هريرة المتقدّم من أنَّ الفرار من الزَّحف من الموبقات.

الشيخ: وهو حديث "الصحيحين": اجتنبوا السَّبع الموبقات، قلنا: وما هنَّ يا رسول الله؟ قال: الشِّرك بالله، والسِّحر، وقتل النَّفس التي حرَّم الله إلا بالحقِّ، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتَّولي يوم الزَّحف، وقذف المحصنات، الغافلات، المؤمنات، نعم.

كما هو مذهب الجماهير، والله أعلم.

فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ۝ ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ [الأنفال:17-18].

يُبين تعالى أنَّه خالق أفعال العباد، وأنَّه المحمود على جميع ما صدر منهم من خيرٍ؛ لأنَّه هو الذي وفَّقهم لذلك وأعانهم عليه؛ ولهذا قال: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ أي: ليس بحولكم وقوّتكم قتلتم أعداءكم، مع كثرة عددهم، وقِلّة عددكم، أي: بل هو الذي أظفركم عليهم، كما قال: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ الآية [آل عمران:123]، وقال تعالى: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ [التوبة:25]، يعلم -تبارك وتعالى- أنَّ النصر ليس على كثرة العدد، ولا بلبس اللأمة والعدد، وإنما النَّصر من عنده تعالى، كما قال تعالى: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:249].

الشيخ: ولكنَّها أسباب يعلم عباده ألا يعتمدوا عليها، وأن يعتمدوا على الله، ويستنصروه، ويضرعوا إليه، ويتبرؤوا من حولهم وقوتهم؛ ولهذا قال: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى، فالنَّصر بيده -جلَّ وعلا-، ومن هذا قوله كما تقدّم: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ۝ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى يعني: هذا المدد وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [الأنفال:9-10].

وفي آية آل عمران: وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [آل عمران:126]، والله جعل المدد الذي أمدَّهم به بُشرى لهم؛ طمأنينةً لقلوبهم، والنَّصر بيده، ينصر القليل تارةً، والكثير تارةً، ويهزم الكثير بالقليل، وتارةً يهزم القليل والكثير، فالأمر بيده ، ولكن كون الفئة القليلة تغلب الفئة الكثيرة ويحصل النَّصر هذا بيده -جلَّ وعلا-، لا بيد الجيش، أو مَن لبس اللامة والعدد الكثيرة، ولكنها أسباب، وهم مأمورون بهذا، كما قال سبحانه: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ [النساء:71]، فهم مأمورون بأخذ الحذر، وبالإعداد، ولبس اللامة، والعناية بأسباب القتال، ولكن مع الثِّقة بالله، مع الاعتماد على الله، مع الاستنصار به، والبراءة من الحول والقوة، لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله، نعم.

س: اللأمة بالهمزة؟

ج: تُهمز وتُسهل، يقال: لأمة، ولامة.

س: القدرية الذين قالوا: إنَّ الله لم يخلق أفعال العباد؟

ج: هؤلاء القدرية النُّفاة، هذا ردٌّ عليهم.

س: ما رواه سعيد بن منصور بسندٍ صحيحٍ: أنَّ خالدًا كان يضع شعرات في قلنسوته من شعرات النبي -عليه الصلاة والسلام؟

ج: ما أدري والله، ما أعرفه.

ثم قال تعالى لنبيِّه ﷺ أيضًا في شأن القبضة من التراب التي حصب بها وجوه الكافرين يوم بدرٍ، حين خرج من العريش، بعد دُعائه وتضرعه واستكانته، فرماهم بها وقال: شاهت الوجوه، ثم أمر أصحابه أن يصدُقوا الحملة إثرها، ففعلوا، فأوصل اللهُ تلك الحصباء إلى أعين المشركين، فلم يبقَ أحدٌ منهم إلا ناله منها ما شغله عن حاله؛ ولهذا قال تعالى: وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى [الأنفال:17] أي: هو الذي بلَّغ ذلك إليهم وكبتهم بها، لا أنت.

قال علي بن أبي طلحة: عن ابن عباسٍ: رفع رسولُ الله ﷺ يديه –يعني: يوم بدر- فقال: يا ربّ، إن تهلك هذه العصابة فلن تُعبد في الأرض أبدًا، فقال له جبريلُ: خُذْ قبضةً من التراب فارمِ بها في وجوههم، فأخذ قبضةً من التراب فرمى بها في وجوههم، فما من المشركين أحدٌ إلا أصاب عينيه ومنخريه وفمه ترابٌ من تلك القبضة؛ فولّوا مُدبرين.

وقال السّدي: قال رسولُ الله ﷺ لعليٍّ يوم بدرٍ: أعطني حصبًا من الأرض، فناوله حصبًا عليه تراب، فرمى به في وجوه القوم، فلم يبقَ مُشركٌ إلا دخل عينيه من ذلك التراب شيء، ثم ردفهم المؤمنون.

الشيخ: يعني: هم تولّوا والمسلمون في إثرهم، يعني: في تباعهم، نعم.

ثم ردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم، وأنزل الله: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى [الأنفال:17].

وقال أبو معشر المدني: عن محمد بن قيس ومحمد بن كعب القرظي قالا: لما دنا القومُ بعضهم من بعضٍ أخذ رسولُ الله ﷺ قبضةً من ترابٍ فرمى بها في وجوه القوم، وقال: شاهت الوجوه، فدخلت في أعينهم كلّهم، وأقبل أصحابُ رسول الله ﷺ يقتلونهم ويأسرونهم، وكانت هزيمتُهم في رمية رسول الله ﷺ، فأنزل الله: وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى.

وقال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم: وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى قال: هذا يوم بدرٍ، أخذ رسولُ الله ﷺ ثلاث حصيات، فرمى بحصاةٍ ميمنة القوم، وحصاةٍ في ميسرة القوم، وحصاةٍ بين أظهرهم، وقال: شاهت الوجوه، فانهزموا.

وقد رُوي في هذه القصّة عن عروة، عن مجاهد وعكرمة وقتادة وغير واحدٍ من الأئمّة: أنَّه أنزلت في رمية النبي ﷺ يوم بدرٍ، وإن كان قد فعل ذلك يوم حنين أيضًا.

وقال أبو جعفر ابن جرير: حدَّثنا أحمد بن منصور بن يعقوب بن محمد.

الشيخ: كذا عندكم؟

الطالب: حدثنا أحمد بن منصور: حدثنا يعقوب.

الشيخ: ابن جرير موجود؟

الطالب: معي ترجمة: أحمد بن منصور.

الشيخ: ابن جرير معك؟

الطالب: نعم.

الشيخ: وأيش يقول؟

الطالب: أحمد بن منصور بن سيار.

الشيخ: لا، ابن جرير، "تفسير ابن جرير".

الطالب: أحمد شاكر؟

الشيخ: أقول: معك؟

الطالب: ناقل الحديث نفسه.

الشيخ: أيش يقول؟

الطالب: أحمد بن منصور بن سيار بن .....، الرمادي، أبو بكر، البغدادي، شيخ الطبري، ثقة، حافظ، من الطبقة الحادية عشرة، وثَّقه أبو حاتم والدَّارقطني ومسلمة بن قاسم والخليل وابن حبان، ولم يتحدّث عنه أبو داود؛ لأنَّه رآه يصحب الرَّافضة، مات سنة 265 وله ثلاثٌ وثمانون. ابن ماجه في "الجرح" و"الميزان" و"التهذيب".

وعلّق على الحديث: وهذا الخبر ضعيف الإسناد؛ لضعف عبدالعزيز بن عمران الزهري، وذكره ابنُ كثير وقال: غريبٌ من هذا الوجه. فقصر في بيان إسناده .....

الشيخ: نعم، مثل ما عنده.

وقال أبو جعفر ابن جرير: حدَّثنا أحمد بن منصور: حدثنا يعقوب بن محمد: حدثنا عبدالعزيز بن عمران: حدثنا موسى بن يعقوب بن عبدالله بن ربيعة.

مُداخلة: ابن زمعة.

الشيخ: أيش عندك؟

الطالب: في "التقريب" يقول: موسى بن يعقوب بن عبدالله بن وهب بن زمعة، المطلبي، الزمعي، أبو محمد، المدني، صدوق، سيئ الحفظ، من السابعة، مات بعد الأربعين. (البخاري في "الأدب" والأربعة).

الشيخ: وأيش عندك أنت؟

الطالب: موسى بن يعقوب بن عبدالله بن وهب بن زمعة، الأسود، الزمعي -بسكون الميم-، المدني، أبو محمد، وثَّقه ابنُ معين وابنُ القطَّان وابنُ حبان، وقال ابنُ المديني: ضعيف الحديث، منكر الحديث. وقال أحمد: لا يُعجبني حديثه.

الشيخ: هذا "التهذيب"؟

الطالب: حاشية أحمد شاكر.

الشيخ: طيب، يكفي: الزمعي، نعم.

حدثنا موسى بن يعقوب بن عبدالله بن زمعة، عن يزيد بن عبدالله، عن أبي بكر ابن سليمان ابن أبي حثمة، عن حكيم بن حزام قال: لما كان يوم بدر سمعنا صوتًا وقع من السَّماء، كأنَّه صوت حصاةٍ وقعت في طست، ورمى رسولُ الله ﷺ تلك الرَّمية، فانهزمنا. غريبٌ من هذا الوجه.

وهاهنا قولان آخران غريبان جدًّا:

أحدهما: قال ابنُ جرير: حدَّثني محمد بن عوف الطائي: حدثنا أبو المغيرة: حدثنا صفوان.

الشيخ: قف على قوله: "حدثني" -رحمه الله.

.............