تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ..}

وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ۝ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ۝ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ ۝ قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ۝ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ۝ قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ۝ قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ [المائدة:20-26].

يقول تعالى مُخبرًا عن عبده ورسوله وكليمه موسى بن عمران فيما ذكر به قومه من نِعم الله عليهم وآلائه لديهم في جمعه لهم خير الدنيا والآخرة لو استقاموا على طريقتهم المستقيمة، فقال تعالى: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ أي: كلما هلك نبيٌّ قام فيكم نبيٌّ من لدن أبيكم إبراهيم إلى مَن بعده، وكذلك كانوا لا يزال فيهم الأنبياء يدعون إلى الله ويُحذِّرون نقمته حتى خُتموا بعيسى ابن مريم ، ثم أوحى الله إلى خاتم الأنبياء والرسل على الإطلاق محمد بن عبدالله المنسوب إلى إسماعيل بن إبراهيم ، وهو أشرف من كلِّ مَن تقدّمه منهم ﷺ.

وقوله: وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا قال عبدالرزاق: عن الثوري، عن منصور، عن الحكم أو غيره، عن ابن عباسٍ في قوله: وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا قال: الخادم والمرأة والبيت.

وروى الحاكم في "مستدركه" من حديث الثوري أيضًا، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباسٍ قال: المرأة والخادم، وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ قال: الذين هم بين ظهرانيهم يومئذٍ.

ثم قال الحاكم: صحيحٌ على شرط الشَّيخين، ولم يُخرجاه.

وروى ميمون بن مهران، عن ابن عباسٍ قال: كان الرجلُ من بني إسرائيل إذا كان له الزوجة والخادم والدار سُمِّي: ملكًا.

وقال ابنُ جرير: حدثنا يونس بن عبدالأعلى: أنبأنا ابنُ وهبٍ: أنبأنا أبو هانئ: أنَّه سمع أبا عبدالرحمن الحبلي يقول: سمعتُ عبدالله بن عمرو بن العاص، وسأله رجلٌ فقال: ألسنا من فُقراء المهاجرين؟ فقال عبدالله: ألك امرأةٌ تأوي إليها؟ قال: نعم. قال: ألك مسكنٌ تسكنه؟ قال: نعم. قال: فأنت من الأغنياء. فقال: إنَّ لي خادمًا. قال: فأنت من الملوك.

وقال الحسن البصري: هل الملك إلا مركب وخادم ودار. رواه ابنُ جرير. ثم رُوي عن الحكم ومجاهد ومنصور وسفيان الثوري نحو من هذا. وحكاه ابنُ أبي حاتم عن ميمون بن مهران.

وقال ابنُ شوذب: كان الرجلُ من بني إسرائيل إذا كان له منزلٌ وخادمٌ واستُؤذِن عليه، فهو ملكٌ.

وقال قتادة: كانوا أول مَن اتّخذ الخدم.

وقال السّدي في قوله: وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا قال: يملك الرجلُ منكم نفسَه ومالَه وأهلَه. رواه ابنُ أبي حاتم.

وقال ابنُ أبي حاتم: ذكر عن ابن لهيعة، عن دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيدٍ الخدري، عن رسول الله ﷺ قال: كان بنو إسرائيل إذا كان لأحدهم خادمٌ ودابَّةٌ وامرأةٌ كُتِبَ ملكًا. وهذا حديثٌ غريبٌ من هذا الوجه.

وقال ابنُ جرير: حدثنا الزبير بن بكار: حدثنا أبو ضمرة أنس بن عياض: سمعتُ زيد بن أسلم يقول: وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا فلا أعلم إلا أنَّه قال: قال رسولُ الله ﷺ: مَن كان له بيتٌ وخادمٌ فهو ملكٌ. وهذا مُرْسَلٌ غَريبٌ.

وقال مالك: بيتٌ وخادم وزوجة.

وقد ورد في الحديث: مَن أصبح منكم مُعافًى في جسده، آمنًا في سِرْبِه، عنده قوت يومه، فكأنما حِيزت له الدنيا بحذافيرها.

الشيخ: والمقصود من هذا: أنَّ الله -جلَّ وعلا- يُذكّرهم بنعمه التي أنعم بها عليهم: أرسل إليهم الأنبياء، وأوسع لهم في الرزق، فالواجب عليهم البدار بطاعته، والقيام بحقِّه، وهكذا كلّ مَن كان بعدهم يجب أن يشكر نِعم الله، وأن يُبادر إلى طاعته، وأن يستقيم على الهدى؛ حتى تحصل له السَّعادة في العاجل والآجل.

وقد جعل فيهم الأنبياء، وجعلهم ملوكًا، فموسى يُذكّرهم بهذه النِّعَم العظيمة: جعل فيهم أنبياء يُرشدونهم إلى الحقِّ، والنبي يشمل الرسول وغير الرسول، الأنبياء منهم المرسلون، ومنهم غير المرسلين، يُذكِّرونهم بحقِّ الله، وجعلهم ملوكًا، يعني: أعطاهم النِّعَم: البيوت، والزوجات، والخدم.

والإنسان متى رزقه الله البيتَ ليسكنه، والزوجة التي يأوي إليها، والخادم الذي يقوم على حاجته، ويقضي حاجته؛ فهو ملكٌ في المعنى، يتصرَّف تصرُّفًا عظيمًا: تُقضى حاجته، ويأوي إلى سكنٍ، هذه من النِّعَم العظيمة.

فالواجب على مَن رُزق هذه النِّعَم أن يستقيم على الطَّاعة، وأن يُحافظ على .....، وأن يقف عند الحدود، وأن يحذر غضب الله عليه في عدم شكره النِّعَم، فإذا رُزق مع هذا مالًا كثيرًا وأولادًا وغير ذلك صارت النِّعم أعظم.

والمقصود من هذا كلِّه التَّذكير بنِعَم الله، والحثِّ على شكرها: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ [البقرة:152]، وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7]، والله سبحانه يُملي ولا يغفل: وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [الأعراف:183]، فلا ينبغي لعاقلٍ أن يغترَّ بإملاء الله وإنظاره له وهو على معاصيه، وقد أنعم الله عليه، بل الواجب أن يُبادر بالتوبة والإصلاح والعمل الصالح، وأن يشكر نِعم الله عليه، وأن يقف عند حدود الله، يرجو ثوابه، ويخشى عقابه.

ومن شُكر الله: أن تأمر بالمعروف، وأن تنهى عن المنكر، وأن تُعلّم الجاهل وتنصح، هذا من شُكر النِّعَم: أن تُبلّغ دعوة ربك، وتنصح لعباده، وتأمرهم بالمعروف، وتنهاهم عن المنكر، ترجو ثوابَ ربك، وتخشى عقابه، هذا شأن الرابحين السُّعداء: وَالْعَصْرِ ۝ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ۝ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر].

وهذه دار الابتلاء، هذه الدار دار الابتلاء والامتحان، فالله ابتلى بعض الناس ببعضٍ: لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ [محمد:4]، وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء:35]، وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الأعراف:168]، وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ [محمد:31]، وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103].

فأنت مُبتلًى في هذه الدار بالنِّعَم، وبالسمع، وبالبصر، وبالعقل، وبالجيران، وبالجلساء، وبغيرهم، فلا بدَّ من عملٍ تتخلص به من هذه البلية، تُرضي به ربَّك، وتتقي به ربَّك، وتُؤدِّي به الحقَّ الذي عليك، وترجو به ثوابَ ربك وإحسانه : فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ [هود:49]، وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69]، فهذا الابتلاء يجب أن يُقابل بالصَّبر والثَّبات، واتِّباع الحقّ، وترك الباطل، في السَّراء والضَّراء، في الشّدة والرَّخاء، نعم.

..............

وقوله: وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ يعني: عالمي زمانكم، فإنَّهم كانوا أشرف الناس في زمانهم من اليونان والقبط وسائر أصناف بني آدم، كما قال: وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ [الجاثية:16]، وقال تعالى إخبارًا عن موسى لما قالوا: اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ۝ إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ۝ قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ [الأعراف:138-140].

والمقصود أنَّهم كانوا أفضل زمانهم، وإلا فهذه الأمّة أشرف منهم، وأفضل عند الله، وأكمل شريعةً، وأقوم منهاجًا، وأكرم نبيًّا، وأعظم ملكًا، وأغزر أرزاقًا، وأكثر أموالًا وأولادًا، وأوسع مملكةً، وأدوم عزًّا، قال الله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110]، وقال تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ [البقرة:143].

وقد ذكرنا الأحاديث المتواترة في فضل هذه الأمّة وشرفها وكرمها عند الله عند قوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ من سورة آل عمران.

الشيخ: يعني: الواجب على هذه الأمّة أن تقوم بشكر هذه النِّعمة؛ الله جعلها خير أمّةٍ، وجعلها شاهدةً لمن قبلها: أُمَّةً وَسَطًا، تشهد على الناس، وتشهد أنَّ الرسل بلَّغوا بإبلاغ الله لهم، فهم خير الأمم، وهم الشُّهداء على الأمم، فالواجب عليهم عظيم، وهم أفضل ممن قبلهم.

بنو إسرائيل فُضِّلوا على عالمي زمانهم، وهذه الأمّة فُضلت على الأمم كلِّها؛ لما أعطاها اللهُ من الدِّين والعلم والفضل، وشرف نبيها، وكونه خير رسولٍ أُرسل في الأرض، وكونه أُعطي كتابًا هو أفضل الكتب، وشريعةً هي أفضل الشَّرائع وأكملها، فالواجب عليها أن تشكر نِعم الله، وأن تقوم بالواجب الذي أُسند إليها، من: التعليم، والتَّوجيه، والإرشاد، والدَّعوة، والصَّبر: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ [العنكبوت:2].

قد مضى قدرُ الله وحكمته أنَّ هذه الدنيا دار الابتلاء ودار الامتحان، فمَن نجح فيها سعد غاية السَّعادة، والآخرة دار الجزاء، فالله لحكمةٍ عظيمةٍ ابتلى الناس بالشَّرائع، والأوامر، والنَّواهي، والأمراض، والفقر، والحاجة، وغير ذلك، فمَن صبر واتَّقى، وجاهد نفسَه لله، وعمل بما أمره الله به؛ صارت له السَّعادة والشَّرف والمنزلة العالية يوم القيامة، ومَن تأخّر وتابع الهوى وأخلد إلى الأرض؛ باء بالخيبة والخسارة.

هذه دار الامتحان، ميدان، هذه الدار ميدان سباقٍ: إمَّا إلى الجنة، وإمَّا إلى النار؛ ولهذا يقول -جلَّ وعلا-: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ [الحديد:21]، ويقول: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ الآية [آل عمران:133]، ويقول: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ [البقرة:148]، فهذه الدار دار المسابقة والمسارعة إلى دار العافية: إلى الجنة والكرامة، إلى اتِّباع الرسول، والاستقامة على دينه، ونفع عباده ورحمتهم والإحسان إليهم، وأداء الواجب، والحذر مما حرَّم الله ، نعم.

س: بالنسبة لكونهم أمّة وسطًا، ثم قال بعدها: شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ الشَّهادة الدّنيوية، أو الأُخرويّة؟

ج: يشهدون عليهم أنَّ الرسل بلَّغوهم: بلّغ نوحٌ قومه، وبلّغ هودٌ قومه، كما أخبرنا اللهُ في كتابه، وهو القرآن، هم شُهداء على الناس، تُدعا الأمم يوم القيامة، يُقال لهم: هل بلَّغكم نوح؟ هل بلَّغكم هود؟ يقولون: لا. فيُقال لنوحٍ: هل لك من شهيدٍ؟ ولهود وغيره: نعم، محمدٌ وأمّته. قال: فيُؤتى بنا فنشهد أنَّ نوحًا بلَّغ، وأنَّ هودًا بلَّغ، وأنَّ صالحًا بلَّغ، وأنَّ شُعيبًا بلَّغ، وهكذا. نعم.

وروى ابنُ جرير، عن ابن عباسٍ وأبي مالك وسعيد بن جبير: أنَّهم قالوا في قوله: وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ يعني: أمّة محمدٍ ﷺ، فكأنَّهم أرادوا أنَّ هذا الخطابَ في قوله: وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مع هذه الأمّة.

والجمهور على أنَّه خطابٌ من موسى لقومه، وهو محمولٌ على عالمي زمانهم كما قدّمنا.

وقيل: المراد وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ يعني بذلك ما كان تعالى نزّله عليهم من المنِّ والسَّلوى، ويُظللهم به من الغمام، وغير ذلك مما كان تعالى يخصّهم به من خوارق العادات، فالله أعلم.

الشيخ: والصواب الأول: أنَّهم فُضِّلوا على عالمي زمانهم، فضَّلهم على عالمي زمانهم، حتى جاءت أمّةُ محمدٍ.

ثم قال تعالى مُخبرًا عن تحريض موسى لبني إسرائيل على الجهاد والدُّخول إلى بيت المقدس الذي كان بأيديهم.

س: استشهاد المؤلف -رحمه الله- بحديث النبي ﷺ: مَن بات آمنًا في سِرْبِه؟

ج: يعني: نعمة عظيمة، ملك، كالملك.