تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}

وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف:204].

لما ذكر تعالى أنَّ القرآن بصائر للناس وهدًى ورحمة، أمر تعالى بالإنصات عند تلاوته؛ إعظامًا له واحترامًا، لا كما كان يعتمده كفَّار قريش المشركون في قولهم: لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ الآية [فصلت:26]، ولكن يتأكّد ذلك في الصَّلاة المكتوبة إذا جهر الإمامُ بالقراءة، كما رواه مسلمٌ في "صحيحه" من حديث أبي موسى الأشعري  قال: قال رسولُ الله ﷺ: إنما جُعل الإمامُ ليُؤتمّ به، فإذا كبَّر فكبّروا، وإذا قرأ فأنصتوا.

وكذا رواه أهلُ السنن من حديث أبي هريرة أيضًا، وصححه مسلم بن الحجاج أيضًا، ولم يُخرجه في كتابه.

وقال إبراهيم بن مسلم الهجري: عن أبي عياض، عن أبي هريرة قال: كانوا يتكلَّمون في الصَّلاة، فلمَّا نزلت هذه الآية: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ والآية الأخرى أُمِرُوا بالإنصات.

قال ابنُ جرير: حدَّثنا أبو كريب: حدثنا أبو بكر ابن عياش، عن عاصم، عن المسيب بن رافع، قال ابنُ مسعودٍ: كنا يُسلّم بعضُنا على بعضٍ في الصَّلاة، فجاء القرآن: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ.

وقال أيضًا: حدثنا أبو كريب: حدثنا المحاربي، عن داود ابن أبي هند، عن بشير بن جابر قال: صلَّى ابنُ مسعودٍ، فسمع ناسًا يقرؤون مع الإمام، فلمَّا انصرف قال: أما آن لكم أن تفهموا؟! أما آن لكم أن تعقلوا؟! وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا كما أمركم الله.

قال: وحدَّثني أبو السَّائب: حدثنا حفص، عن أشعث، عن الزهري قال: نزلت هذه الآية في فتًى من الأنصار كان رسولُ الله ﷺ كلما قرأ شيئًا قرأه، فنزلت: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا.

وقد روى الإمامُ أحمد وأهل السُّنن من حديث الزهري، عن أبي أكيمة اللَّيثي.

مُداخلة: عن ابن أكيمة.

الشيخ: لعلها "ابن"، انظر: "التقريب": ابن أكيمة، الذي أعرف: ابن أكيمة.

عن أبي هريرة: أنَّ رسول الله ﷺ انصرف من صلاةٍ جهر فيها بالقراءة، فقال: هل قرأ أحدٌ منكم معي آنفًا؟ قال رجلٌ: نعم يا رسول الله. قال: إني أقول: ما لي أُنازَع القرآن؟! قال: فانتهى الناسُ عن القراءة مع رسول الله ﷺ فيما جهر فيه بالقراءة من الصلاة حين سمعوا ذلك من رسول الله ﷺ.

وقال الترمذي: هذا حديثٌ حسنٌ، وصححه أبو حاتم الرَّازي.

وقال عبدالله بن المبارك: عن يونس، عن الزهري قال: لا يقرأ مَن وراء الإمام فيما يجهر به الإمام، تكفيهم قراءةُ الإمام وإن لم يُسمعهم صوته، ولكنَّهم يقرؤون فيما لا يجهر به سرًّا في أنفسهم، ولا يصلح لأحدٍ خلفه أن يقرأ معه فيما يجهر به سرًّا ولا علانيةً، فإنَّ الله تعالى قال: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ.

الشيخ: هذه الآية العظيمة تدلّ على وجوب الإنصات إذا قرأ الإمامُ؛ لأنَّ الفائدة التَّدبر والتَّعقل، والذي لا يُنصت لا يمكنه التَّدبر والتَّعقل، فالله -جلَّ وعلا- يقول: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29]، وقال سبحانه: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24].

والله شرع رفع الصَّوت في الصلاة الجهرية للإمام؛ ليستفيد المأمومون ويتدبَّروا ويتعقَّلوا في الأولى والثانية من المغرب، والأولى والثانية من العشاء، وفي الفجر، وفي الجمعة، وفي الأعياد؛ ليستفيد المستمعون ويتدبَّروا ويتعقَّلوا؛ ولهذا قال -جلَّ وعلا: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا، وهذا يعمّ القراءة في الصَّلاة، ويعمّ القراءة خارج الصَّلاة.

كان النبيُّ ﷺ له مجالس مع أصحابه خارج الصلاة يقرأ وهم يستمعون، ويُبين لهم ما قد يخفى عليهم، ويُرشدهم، ويتخوّلهم بالموعظة، وفي بعض الأيام قال لابن مسعود: اقرأ عليَّ، فقال: يا رسول الله، كيف أقرأ عليك وعليك أُنزل؟! قال: إني أُحبّ أن أسمعه من غيري، فقرأ أول سورة النِّساء حتى أتى على قوله تعالى: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا [النساء:41]، فقال: حسبك. قال عبدالله بن مسعود: فالتفتّ إليه، فإذا عيناه تذرفان. يعني: يبكي، تذكّر الموقف يوم القيامة حين يُجاء به يشهد على هذه الأمّة أنَّه بلَّغها، وكل رسولٍ يشهد على أمّته أنَّه بلَّغها.

واختلف أهلُ العلم فيما إذا جهر الإمامُ: هل يقرأ المأمومُ الفاتحةَ، أو ما يقرأ؟

على قولين: أصحّهما أنَّه يقرأ، وأنَّه مُستثنى من الآية الكريمة، الآية عامَّة، مُستثنى منها سورة الفاتحة على الصَّحيح، يقرأ المأمومُ سورةَ الفاتحة، وإن كانت هناك سكتة قرأ فيها، وإلا قرأ ثم أنصت؛ لقوله ﷺ: لا صلاةَ لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب، وقوله ﷺ: لعلكم تقرؤون خلف إمامكم؟ قلنا: نعم. قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنَّه لا صلاةَ لمن لم يقرأ بها، فاستثناها، والسُّنة تُخصص القرآن، وتُقيد مُطلقه.

أمَّا في السّرية فيقرأ المأمومُ الفاتحةَ، ويقرأ معها ما تيسر في الأولى والثانية، كالإمام في السّرية: الظهر والعصر، يقرأ المأمومُ كما يقرأ الإمام، الإمام يقرأ، وهو يقرأ سرًّا، والمأموم يقرأ الفاتحة، ويقرأها معها في الأولى والثانية، وفي الثالثة والرابعة يقرأ الفاتحةَ فقط، وهكذا الإمامُ في الثالثة والرابعة يقرأ الفاتحةَ فقط.

وربما قرأ النبي ﷺ في الثالثة والرابعة بعض الشَّيء زيادةً في الظهر، كما في حديث أبي سعيدٍ، ولكن الغالب أنَّه يكتفي بالفاتحة في الثالثة والرابعة في الظهر، وهكذا العصر، وهكذا العشاء، وهكذا في المغرب: الفاتحة.

وروى مالك -رحمه الله- في "الموطأ": أنَّ الصّديق كان يقرأ في الثالثة من المغرب بعد الفاتحة: رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [آل عمران:8].

وثبت أنَّه ﷺ قال لبعض الأنصار لما اشتكاه قومُه، قالوا: إنَّه يقرأ الفاتحةَ، ويقرأ معها ما تيسّر، ثم يقرأ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص] زيادةً، ولا يكتفي بغيرها، فقال: ما لك يا فلان؟! قال: إني أُحبّ سورة: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. فقال الرسول ﷺ: حبُّك إياها أدخلك الجنة. وفي اللَّفظ الآخر: أخبروه أنَّ الله يُحبّه، فدلّ على أنَّه لو قرأ زيادةً مع الفاتحة في الثالثة والرابعة لا يضرّ، لا حرج، لكن ترك ذلك أفضل؛ لأنَّ النبي ﷺ ترك ذلك، كان يقرأ الفاتحةَ، كما في حديث أبي قتادة في "الصحيحين": كان النبيُّ يقرأ في الثالثة والرابعة بفاتحة الكتاب. يعني: بها فقط. هكذا في الثالثة والرابعة من العصر، والثالثة من المغرب، والثالثة والرابعة من العشاء. نعم.

س: الحديث الذي فيه تقدير قيامه -عليه الصلاة والسلام- في الأخريين من الظهر قدر الأوليين من العصر؟

ج: هذا حديث أبي سعيدٍ المشار إليه، هذا حديث أبي سعيدٍ يدلّ على أنَّه قد يقرأ بعض الأحيان -عليه الصلاة والسلام.

وفي حديث زيد بن أرقم: أنَّهم أُمِرُوا بالسُّكوت لما نزل قوله تعالى: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]، قال: أُمرنا بالسُّكوت، ونُهينا عن الكلام.

ولا مانع أن يكونوا أُمروا بذلك فيما جهر به عند قوله: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا.

وفي العموم: أُمروا بالسُّكوت، ونُهوا عن الكلام في الصَّلاة، الصلاة ..... متى دخل فيها حرم عليه الكلام، واشتغل بذكرها من قراءةٍ وغيرها. نعم.

س: يكون من السّنة أن يقرأ في الثالثة والرابعة من الظهر أحيانًا؟

ج: هذا ظاهر حديث أبي سعيدٍ: كان يقرأ في الأوليين من العصر على قدر الأُخريين من الظهر، دلَّ على أنَّه يقرأ في الأخريين زيادةً على الفاتحة، لكن لعلَّ هذا كان بعض الأحيان؛ لأنَّ حديث أبي قتادة في الصَّحيح أصحّ من حديث أبي سعيدٍ، وفي حديث أبي قتادة قال: ويقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب، يعني: في الظُّهر.

س: ما جاء عن الصّديق في ثالثة المغرب ما يُقال عنه؟

ج: لا بأس، هذا يدلّ على أنَّه لا بأس، والصّديق رأى أنَّه لا بأس بهذا.

س: هل فيه شيء يُؤيد هذا؟

ج: ما أذكر شيئًا إلا حديث الأنصاري الذي يقرأ بـقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ بعد الفاتحة في كل ركعةٍ، نعم.

س: هل قصّة الأنصاري في الصلاة الجهرية؟

ج: في الجهرية، وفي السّرية، ما يخليها أبدًا.

س: في السّرية مسكوتٌ عنه؟

ج: لا، يسمعون بعض قراءته، مثلما يسمعون في الصَّلاة بعض قراءة النبي ﷺ، أبو قتادة إنما أخبر عن النبي لأنَّه يسمع بعض الآيات التي يقرأها -عليه الصلاة والسلام- حتى يستفيدوا ويعلموا سُنته، مثلما قال أبو قتادة: وكان يُسمعنا الآية أحيانًا.

س: لكن ألا يُقال: إنَّ السنة ألا يزيد على الفاتحة في ثالثة المغرب مطلقًا؟

ج: الأمر فيها واسع -إن شاء الله-، لكن الأصل هو هذا: الفاتحة، لكن لو قرأ بهذه الآية كما قرأ الصّديق لا نعلم في هذا بأسًا، لكن مُقتضى الأدلة أنَّ الأفضل التَّرك؛ لعدم الدليل، وقول الصَّحابي -رضي الله عنه وأرضاه- لم يُخالف سنة، قول قوي ..... إذا لم يُخالف سنة، نعم.

س: الأمر بالاقتداء بالشَّيخين ألا يُحتجّ به؟

ج: كذلك الاقتداء بالشَّيخين وبالخلفاء الرَّاشدين قد يُحتجّ به على قراءة هذه الآية كما قرأ الصّديق، نعم.

الطالب: أحسن الله إليك، عُمارة -بضم أوَّله والتَّخفيف- بن أكيمة –بالتصغير-، الليثي، أبو الوليد، المدني، وقيل: اسمه عمار، أو عمرو، أو عامر، ويأتي غير مُسمّى، ثقة، من الثالثة، مات سنة 101 وله تسعٌ وسبعون. (البخاري في "جزء القراءة"، والأربعة).

الشيخ: نعم، رحمه الله.

قلتُ: هذا مذهب طائفةٍ من العلماء: أنَّ المأموم لا يجب عليه في الصلاة الجهرية قراءة فيما جهر فيه الإمام: لا الفاتحة، ولا غيرها. وهو أحد قولي الشَّافعي، وهو القديم، كمذهب مالك، ورواية عن أحمد بن حنبل؛ لما ذكرناه من الأدلة المتقدّمة، وقال في الجديد.

الشيخ: يعني: الشَّافعي، نعم.

يقرأ الفاتحة فقط في سكتات الإمام. وهو قول طائفةٍ من الصحابة والتَّابعين فمَن بعدهم.

وقال أبو حنيفة وأحمد بن حنبل: لا يجب على المأموم قراءة أصلًا في السّرية، ولا الجهرية، بما ورد في الحديث: مَن كان له إمامٌ فقراءته قراءة له.

وهذا الحديث رواه الإمامُ أحمد في "مسنده" عن جابر مرفوعًا، وهو في "موطأ مالك" عن وهب بن كيسان، عن جابر موقوفًا، وهذا أصحّ.

وهذه المسألة مبسوطة في غير هذا الموضع، وقد أفرد لها الإمامُ أبو عبدالله البخاري مصنَّفًا على حدةٍ، واختار وجوب القراءة خلف الإمام في السّرية والجهرية أيضًا، والله أعلم.

الشيخ: وهذا الذي قاله البخاري هو الصواب، حديث: مَن كان له إمامٌ فقراءته له قراءة حديثٌ ضعيفٌ، والصواب وقفه على جابر، ولو صحَّ لكان عامًّا يُستثنى منه .....؛ لأنَّ الأدلة الخاصّة تُخصص العام، مثلما قال البخاري -رحمه الله-، وحديث عبادة الصَّحيح: لعلكم تقرؤون خلف إمامكم؟ قلنا: نعم. قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب صريحٌ في هذا، فإنَّه لا صلاةَ لمن لم يقرأ بها، أخرجه الإمامُ أحمد والتّرمذي وجماعة بسندٍ صحيحٍ، فهذا صريحٌ في تخصيص الآية.

وقال علي ابن أبي طلحة: عن ابن عباسٍ في الآية قوله: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا يعني: في الصَّلاة المفروضة. وكذا رُوي عن عبدالله بن المغفل.

وقال ابنُ جرير: حدثنا حميد بن مسعدة: حدثنا بشر بن المفضل: حدثنا الجريري، عن طلحة بن عبيدالله بن كريز قال: رأيتُ عبيد بن عُمير وعطاء ابن أبي رباح يتحدّثان، والقاصّ يقصّ، فقلتُ: ألا تستمعان إلى الذِّكر وتستوجبان الموعود؟! قال: فنظرا إليَّ، ثم أقبلا على حديثهما. قال: فأعدتُ، فنظرا إليَّ، وأقبلا على حديثهما. قال: فأعدتُ الثالثة. قال: فنظرا إليَّ فقالا: إنما ذلك في الصَّلاة: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا.

وكذا قال سفيان الثوري: عن أبي هشام إسماعيل بن كثير، عن مجاهد في قوله: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا قال: في الصَّلاة. وكذا رواه غيرُ واحدٍ عن مجاهد.

الشيخ: وهذا فيه نظر، الآية عامَّة، وفيه تعظيمٌ للقرآن، والإنسان حاضر يُنصت، تخصيصه بالصَّلاة يحتاج إلى دليلٍ، وهكذا المواعظ والخطب إذا حضرها يُنصت للفائدة؛ حتى يستفيد، ولا يُشوش على غيره، فما فعله عُبيد بن عمير وعطاء مُخالف للسنة، والذي أنكر عليهما أصاب السُّنة.

والمقصود من القراءة النَّهي، فالقارئ يقرأ لينتفع، والمستمع يستمع لينتفع، والله -جلَّ وعلا- أرشد عباده إلى هذا الأمر: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا، والنبي قال: وإذا قرأ فأنصتوا يعني: الإمام، ولا يليق بالمؤمن أن يسمع كتابَ الله يُتلى، والواعظ يتكلّم وينصح، ويأمر وينهى ويُرغّب، وهو يتحدّث مع صاحبه، هذا لا يليق بالمؤمن أبدًا، بل اللائق به أن يُقبل ويستفيد ويتذكّر ويحضر قلبه؛ لعلّ الله ينفعه بذلك، فكم من مُستمعٍ انتفع أكثر مما ينتفع من قراءة القرآن. نعم.

س: ما جاء عن الإمام أحمد أنَّه نقل الإجماعَ: أنها نزلت في الصَّلاة؟

ج: لا، ليس بإجماعٍ، نقل الإجماع صعبٌ في هذا، نعم، الآية عامَّة، نعم.

س: حكم الإنصات للقرآن خارج الصَّلاة؟

ج: الذي يظهر أنَّ مَن كان حاضرًا يلزمه الإنصات، ولا يُشوش على الناس، ولا يُعرض عن كتاب الله، إذا كان في المجلس والقارئ يقرأ يُنصت، إلا إذا كانت له حاجة يقوم بها.

س: على الوجوب؟

ج: هذا ظاهر القرآن الكريم.

الطالب: طلحة بن عبيدالله بن كريز -بفتح أوله-، الخزاعي، أبو المطرف، ثقة، من الثالثة. (م، د).

الشيخ: بالتَّصغير.

وقال عبدالرزاق: عن الثوري، عن ليث، عن مجاهد قال: لا بأس إذا قرأ الرجلُ في غير الصلاة أن يتكلم.

وكذا قال سعيدُ بن جبير والضَّحاك وإبراهيم النَّخعي وقتادة والشَّعبي والسّدي وعبدالرحمن بن زيد بن أسلم: أنَّ المراد بذلك في الصَّلاة.

وقال شُعبة: عن منصورٍ: سمعتُ إبراهيم ابن أبي حرّة يُحدِّث أنَّه سمع مجاهدًا يقول في هذه الآية: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا قال: في الصَّلاة والخطبة يوم الجمعة.

وكذا روى ابنُ جريج، عن عطاء مثله.

وقال هُشيم: عن الربيع بن صبيح، عن الحسن قال: في الصَّلاة، وعند الذِّكْر.

وقال ابنُ المبارك: عن بقية: سمعتُ ثابت بن عجلان يقول: سمعتُ سعيد بن جبير يقول في قوله: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا قال: الإنصات يوم الأضحى، ويوم الفطر، ويوم الجمعة، وفيما يجهر به الإمام من الصَّلاة.

الشيخ: يعني: في الخطب وفي الصَّلاة، هذا قول سعيدٍ، نعم.

وهذا اختيار ابن جرير: أنَّ المراد من ذلك الإنصات في الصَّلاة وفي الخُطبة، كما جاء في الأحاديث من الأمر بالإنصات خلف الإمام وحال الخطبة.

وقال عبدالرزاق: عن الثوري، عن ليث، عن مجاهد: أنَّه كره إذا مرَّ الإمامُ بآية خوفٍ أو بآية رحمةٍ أن يقول أحدٌ من خلفه شيئًا، قال: السُّكوت.

وقال مبارك بن فضالة: عن الحسن: إذا جلست إلى القرآن فأنصت له.

وقال الإمامُ أحمد: حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم: حدثنا عباد بن ميسرة، عن الحسن، عن أبي هريرة : أنَّ رسول الله ﷺ قال: مَن استمع إلى آيةٍ من كتاب الله كُتبت له حسنة مُضاعفة، ومَن تلاها كانت له نورًا يوم القيامة. تفرّد به الإمامُ أحمد -رحمه الله تعالى.

الشيخ: والحسن اختلف الناسُ في سماعه من أبي هريرة، وهنا ما صرَّح بالسَّماع، نعم.

س: كثيرٌ من الناس يستمعون إلى إذاعة القرآن، وتكون المرأةُ مثلًا في البيت مُشتغلةً في بعض حاجاتها، فتمرّ الإذاعة في قراءة القرآن وهو شغال، هل يُلزمون بإغلاقه؟

ج: يستمعون أحسن لهم، لكن لا .....، يستمعون، ويستفيدون، تُصلح غداءها أو عشاءها وتستمع الفائدة.

س: لكنَّها قد تذهب والقرآن شغّال؟

ج: ولو، ما يضرّ، فقط لا يصير عندها ضوضاء .....، هذا فيه فائدة عظيمة.

س: ..............؟

ج: يُنصت، عليه الإنصات.

س: ولو في النَّافلة في التَّراويح؟

ج: إذا ..... الإمام ما يُخالف إذا دعا الإمامُ، كان النبيُّ في قيام الليل يقف، وإذا وقف ودعا فالمأموم كذلك يستمع ويُنصت.

س: إذا لم يقف الإمامُ؟

ج: يُنصت، نعم.

س: وإذا وقف في الفرض؟

ج: إذا وقف وليس فيه شيء ما يضرّ -إن شاء الله-، مثل: في آخر الآية قبل أن يركع حينئذٍ ما يُنازع القرآن، إذا وقف ما فيه مُنازعة، نعم.

س: الحديث الأخير هذا ليس له عِلّة إلا عدم سماع الحسن من أبي هريرة؟

ج: عِلّته كون الحسن لم يسمع من أبي هريرة.

س: فقط؟

ج: أعد السَّند.

وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو سعيدٍ مولى بني هاشم: حدثنا عبَّاد بن ميسرة، عن الحسن، عن أبي هريرة : أنَّ رسول الله ﷺ قال: مَن استمع إلى آيةٍ من كتاب الله كُتبت له حسنة مُضاعفة، ومَن تلاها كانت له نورًا يوم القيامة. تفرّد به الإمامُ أحمد -رحمه الله تعالى.

الشيخ: عباد بن ميسرة الظاهر فيه كلام.

الطالب: عباد بن ميسرة المنقري.

الشيخ: نسبة إلى منقر، من تميم.

الطالب: البصري، المعلمي، لين الحديث، عابد، من السابعة. (الترمذي، والنَّسائي، وابن ماجه في "التفسير").

الشيخ: تصير فيه عِلتان: عِلّة عباد، وعِلّة عدم سماع الحسن من أبي هريرة، نعم.

س: الحسن لم يثبت عنه سماع من أبي هريرة في أي حديثٍ؟

ج: ما أتذكر شيئًا، يعني: صرّح بالسَّماع، يعني: ما أتذكر شيئًا الآن، نعم.

الطالب: ابن أبي حرّة في "التعجيل": إبراهيم ابن أبي حرّة، النّصيبي، نزيل مكَّة، روى عن سعيد بن جُبَير وَمُجاهد وغيرهما، وعنه ابن عُيينة ومنصور ومعمر بن راشد وجماعة، وثَّقه ابنُ معين، وقال أحمد: ثِقَة، قَلِيل الحَدِيث. وقال ابنُ عدي: أظنّ أنَّه بصري، وأرجو أنَّه لا بأسَ به. قال الحُسَيْنِي: وضعَّفه جماعة.

قلتُ: لم أرَ مَن ضعَّفه إلا السَّاجِي، ولم ينقل ابن عدي تضعيفه إلا عنه، وقد وثَّقه أيضًا أبو حاتم، فقال: لا بأسَ به، رأى ابن عمر. وذكره ابنُ حبان في "الثِّقات"، وقال البخاري في "التَّارِيخ": من أهل نَصِيبين، كأنَّه سكن مكَّة. وذكر في شيوخه: عبدالرحمن ابن أبي ليلى.

وقال أبو معمر: عن ابن عيينة: قدم محمَّد بن هشام مكَّة ومعه الزُّهري والوليد بن هشام المعيطي وإبراهيم ابن أبي حرَّة وجماعة، فسمع منهم ابن عُيينة إذ ذاك.

قلتُ: حديثه عند أحمد في أوائل "مسند ابن عباس" من "المسند" من رواية ابن عُيينة، عنه، عن سعيد، عن ابن عباسٍ، وفيه زيادة في حديث المحرم الذي خرَّ عن بعيره، قال: لا تقربوه طيبًا.

.............

الشيخ: صلّحها: ابن أبي حرّة.

س: يبقى الإنسانُ في مكّة في رمضان، والأئمّة في الحرم يُصلون، وبعض الناس يجلسون ..... ويتكلّمون في أمور الدنيا، والإمام يقرأ القرآن، هل لهم أن يجلسوا في الحرم، أم يُؤمروا بالخروج؟

ج: الذي يظهر لي أنَّه ليس من الأدب الشَّرعي أن يجلسوا وهم يسمعون القرآن .....، هذا ليس من الأدب، إمَّا أن يستمعوا، وإمَّا أن يُصلوا، وإمَّا أن يسكتوا، وإمَّا أن يخرجوا، أو يكونوا في مكانٍ آخر لا يسمعون.