تفسير قوله تعالى: {..وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}

وقوله: وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة:35] لما أمرهم بترك المحارم وفعل الطَّاعات، أمرهم بقتال الأعداء من الكفَّار والمشركين الخارجين عن الطريق المستقيم، والتَّاركين للدِّين القويم، ورغَّبهم في ذلك بالذي أعدّه للمُجاهدين في سبيله يوم القيامة من الفلاح والسعادة العظيمة الخالدة المستمرة، التي لا تبيد، ولا تحول، ولا تزول، في الغرف العالية الرَّفيعة الآمنة، الحسنة مناظرها، الطيبة مساكنها، التي مَن سكنها ينعم، لا يبأس، ويحيى، لا يموت، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه.

الشيخ: ولهذا يقول سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة:35]، فجمع الخير كلّه في هذه الكلمات الثلاث: اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ.

فالمسلمون إذا اتَّقوا ربَّهم، وتركوا محارمه، وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ، تقرَّبوا إليه بطاعته وأداء حقِّه، وجاهدوا أعداءهم؛ تمَّت لهم السعادة، أدّوا ما عليهم، وجاهدوا أعداء الله ليُدخلوهم في دين الله، ويُرشدوهم إلى الحقِّ، فهذه أسباب السَّعادة: أن يقوم العبدُ بما أوجب الله عليه، هذه هي التَّقوى: أن يقوم بما أوجب الله، ويترك ما حرّم الله، هذه هي التقوى، هذا هو الإيمان، هذا هو الهدى كلّه.

الله إذا جمع بين التَّقوى والعمل فالمعنى: تقوى المحارم، والعمل بما أوجب الله، فقوله: اتَّقُوا اللَّهَ اتركوا محارمه، وعظِّموه، واخشوه، وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ بأداء حقِّه، الوسيلة: القُربى إليه بطاعته، فالمعنى: أدُّوا فرائضه، واتركوا محارمه، وجاهدوا أعداءه، هذا هو الدِّين كلّه: أداء الفرائض، وترك المحارم، وجهاد الأعداء.

ويدخل في ابتغاء الوسيلة أيضًا سائر القربات والطَّاعات، أعظمها ما أوجب الله على العبد، ومن كمالها التَّطوعات التي شرعها الله لعباده، فهذا واجب المؤمنين جميعًا أينما كانوا: أن يتَّقوا الله بفعل ما أوجب، وترك ما حرَّم، والجهاد في سبيله حسب الطاقة، والجهاد ..... يكون بالعمل، ويكون بالسيف، والدَّعوة إلى الله جهادٌ في سبيله، وحمل السلاح وقتال الأعداء من الجهاد في سبيله، والأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر من الجهاد في سبيله.

ثم أخبر تعالى بما أعدّ لأعدائه الكفَّار من العذاب والنَّكال يوم القيامة فقال: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [المائدة:36] أي: لو أنَّ أحدهم جاء يوم القيامة بملء الأرض ذهبًا وبمثله ليفتدي بذلك من عذاب الله الذي قد أحاط به، وتيقن وصوله إليه، ما تقبل ذلك منه، بل لا مندوحةَ عنه، ولا محيص له، ولا مناص؛ ولهذا قال: وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أي: مُوجِع.

يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ [المائدة:37] كما قال تعالى: كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا الآية [الحج:22]، فلا يزالون يريدون الخروج مما هم فيه من شدّته وأليم مسّه، ولا سبيلَ لهم إلى ذلك، وكلما رفعهم اللَّهب فصاروا في أعلى جهنم ضربتهم الزبانية بمقامع الحديد، فيردّوهم إلى أسفلها، وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ أي: دائم مُستمرّ، لا خروجَ لهم منها، ولا محيدَ لهم عنها.

الشيخ: وهذه أبلغ من الآية الأخرى في سورة آل عمران: يقول جلَّ وعلا: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ [آل عمران:91]، وهنا يقول: وَمِثْلَهُ مَعَهُ زيادة، لو كان له مثل ما في الدنيا ومثله معه: لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم.

فليس هناك محيص من عذابه، نسأل الله العافية؛ لأنَّهم ماتوا على كفرهم بالله، ثم عذابهم مُقيم، فليس هناك موتٌ، بل عذاب مُقيم دائم، نسأل الله العافية: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ، كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ [النساء:56]، كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة:167]، نسأل الله العافية.

وهذا كله من باب التَّحذير والوعيد الذي ليس بعده وعيد.

والمعاصي بريدٌ لهذا، المعاصي بريد الكفر، فيجب الحذر منها، إذا كان هذا الوعيدُ لمن كفر بالله فيجب الحذرُ من وسيلة ذلك، مثل: المعاصي، فإنَّها تجرّ إلى الكفر، فالواجب الحذر منها، والتوبة إلى الله مما سلف منها، والجهاد للنفس لعلك تنجو، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله.

س: تبديل الجلود خاصٌّ بالكفَّار؟

ج: نعم، نسأل الله العافية، والعُصاة يخرجون من النار إلى نهر الحياة، ينبتون كما تنبت الحبَّة في حميل السَّيل، إذا تمَّ ما أعدَّ الله لهم من العذاب يخرجون من النَّار إلى نهرٍ يُقال له: نهر الحياة، فينبتون فيه كما تنبت الحبَّةُ في حميل السَّيل، فإذا تمَّ خلقهم أدخلهم اللهُ الجنَّة.

وقد قال حماد بن سلمة: عن ثابتٍ، عن أنس بن مالك قال: قال رسولُ الله ﷺ: يُؤتى بالرجل من أهل النار فيُقال له: يا ابن آدم، كيف وجدتَ مضجعك؟ فيقول: شرّ مضجع. فيُقال: هل تفتدي بقراب الأرض ذهبًا؟ قال: فيقول: نعم يا ربّ. فيقول الله: كذبتَ، قد سألتُك أقلَّ من ذلك فلم تفعل. فيُؤمَر به إلى النار. رواه مسلم والنَّسائي من طريق حماد بن سلمة بنحوه.

وكذا رواه البخاري ومسلم من طريق معاذ بن هشام الدّستوائي، عن أبيه، عن قتادة، عن أنسٍ، به.

وكذا أخرجاه من طريق أبي عمران الجوني، واسمه: عبدالملك بن حبيب، عن أنس بن مالك، به.

ورواه مطر الوراق، عن أنس بن مالك. ورواه ابنُ مردويه من طريقه عنه.

ثم روى ابنُ مردويه من طريق المسعودي، عن يزيد بن صهيب الفقير، عن جابر بن عبدالله: أنَّ رسول الله ﷺ قال: يخرج من النار قومٌ فيدخلون الجنة، قال: فقلتُ لجابر بن عبدالله: يقول الله: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا؟! قال: اتلُ أول الآية: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ الآية، ألا إنَّهم الذين كفروا.

الشيخ: يعني: أما العُصاة فيخرجون، فالآية في الكفَّار، وأما العُصاة الذين أراد اللهُ دخولهم إياها فإنَّهم إذا طهروا أُخرجوا، خلافًا للمُعتزلة والخوارج، فالخوارج والمعتزلة يقولون: مَن دخلها لا يخرج منها. ويرون العُصاة مُخلدين فيها، وهذا من الباطل الذي خالفوا فيه أهل السُّنة والجماعة، فإنَّ المخالفين لشرع الله قسمان: عُصاة ماتوا على التوحيد، وكفَّار ماتوا على الكفر. فالعُصاة تحت المشيئة، فمَن دخل النارَ منهم لا يخلد، وإذا أقام طويلًا فإنَّه لا يخلد فيها، وإنما يخلد فيها الكفَّار الذين قال فيهم سبحانه: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ، وقال فيهم سبحانه: كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ، وأما العُصاة فقد تواترت الأحاديث الصَّحيحة عن رسول الله ﷺ كلّها دالّة على أنَّهم إذا تمَّ فيهم العذاب الذي قدّر لهم أُخرجوا منها بأمر الله وإذنه .....، قال الله في حقِّهم: وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، ومَن لم يغفر له منهم دخل النار بذنبه.

وجاء في حديث الشَّفاعة: أنَّه يشفع ﷺ أربع شفاعات، كل شفاعةٍ يُحدّ له فيها حدٌّ، قال: فأشفع إلى الله، فيحدّ لي حدًّا، فيُخرجهم من النار، ثم أشفع، فيحدّ لي حدًّا، ثم أشفع، فيحدّ لي حدًّا، ثم أشفع، فيحدّ لي حدًّا، ويبقى في النار قومٌ لم تبلغهم الشَّفاعة، فيُخرجهم الله من النار بفضل رحمته بعدما امتُحشوا -بعدما احترقوا- يُخرجهم الله، ويُلقون في نهر الحياة، فينبتون كما تنبت الحبَّة في حميل السَّيل، فإذا تمَّ خلقُهم أدخلوا الجنَّة.

س: إنكار الشَّفاعة يكفر به مُنكره؟

ج: محلّ خلافٍ، الخوارج والمعتزلة يُنكرون ذلك، وأهل السنة يقولون فيهم: أنهم عُصاة ومُجرمون، ولا يبلغون إلى الكفر. وظاهر الأحاديث الصَّحيحة كفرهم؛ لأنَّ الرسول ﷺ قال في حقِّهم: يمرقون من الإسلام ثم لا يعودون إليه؛ ولأنَّهم في المعنى مُكذِّبون للنصوص، وقولهم: "إنَّ العاصي يدخل النار ولا يخرج" مُكذّب للنصوص، سواء كانوا مُعتزلة، أو خوارج، فالقول بكفرهم هو الأظهر في الدليل، وإن كان خلاف قول الجمهور، ولكن هو الأظهر في الدليل، نسأل الله العافية.

وقد روى الإمامُ أحمد ومسلم هذا الحديث من وجهٍ آخر عن يزيد الفقير، عن جابرٍ، وهذا أبسط سياقًا.

وقال ابنُ أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد ابن أبي شنبة الواسطي.

............

س: الذين لم تبلغهم شفاعة النبي عليه الصلاة والسلام هل هؤلاء لم يعملوا خيرًا قطّ؟

ج: الذي يظهر أنَّ شفاعة النبي ﷺ ما تعمّ العُصاة كلّهم، فيشفع غير النبي ﷺ: يشفع المؤمنون، وتشفع الملائكة، ويشفع الصَّالحون، ويشفع الأبرار، وتبقى بقية، في الحديث الصَّحيح: تبقى بقية في النار ..... يُخرجهم الله بغير شفاعةٍ.

س: الذين يُخرجهم الله من النار هل يُقال: أنَّهم ماتوا على التوحيد؟

ج: ما يخرج من النار إلا مَن مات على التوحيد، كل مَن مات على الكفر لا يخرج منها، بل هو مُخلّد فيها أبد الآباد، نسأل الله العافية.

س: يدخل فيهم تارك الصلاة يا شيخ: لم يفعلوا خيرًا قط؟

ج: تارك الصلاة قد حبط عمله، الكافر حبط عمله، لو كان يُصلي ويصوم ويتصدّق ويفعل كل خيرٍ، ولكنَّه يعبد غير الله، أتبقى له حسنة، أو تحبط أعماله؟ تحبط: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88]، وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23]، كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ، إذا قلنا بكفره بطلت أعماله.

أما مَن قال: إنَّ تارك الصَّلاة لا يكفر الكفر الأكبر إذا لم يجحدها، فهذا لا تبطل أعماله؛ لأنَّ القائلين بهذا يقولون أنَّه كفرٌ دون كفرٍ، كما يُقال في ..... والنياحة، الطَّعن في النَّسب، والنياحة على الميت، وهكذا القتل بغير حقٍّ كفرٌ دون كفرٍ، فهؤلاء من جملة العُصاة حينئذٍ، فيخرجون من النار إذا دخلوها بتوحيدهم الذي ماتوا عليه.

أما إذا قلنا أنَّه مات على الكفر الأكبر فإن أعماله تحبط كلّها، مثل الذي يُصلي ويصوم ويسبّ الله؛ بطلت أعماله، أو يستهزئ بالدِّين بطلت أعماله، أو يجحد وجوب الصلاة، لو صلَّى الإنسانُ وصام وزكَّى وفعل كل شيءٍ، لكنه يقول: الصلاة ما تجب. أو الزنا حلال. أيش يصير فيه؟ تبطل أعماله، إذا قال: الزنا حلال، أو الخمر حلال، أو الصلاة ما تجب، أو الزكاة ما تجب؛ يكون مُكذِّبًا لله، مُكذِّبًا لرسوله، يكون حابط الأعمال، كافرًا.

المقصود أنَّ القاعدة التي أجمع عليها المسلمون: أنَّ مَن قلنا أنَّه كافر كفرًا أكبر، فإنَّه يحبط عمله، مَن كان كفره كفرًا أكبر حبط عمله، ومَن كان كفره كفرًا أصغر لا يحبط عمله، كالعاصي، بل يحبط من عمله ما شاء الله.

س: الذي يقول: اللِّحية ما لها دخلٌ في الدِّين؟

ج: الرسول ﷺ يقول: قصُّوا الشَّوارب، ووفِّروا اللِّحَى، أدخلها في الدِّين: قصُّوا الشَّوارب، ووفِّروا اللِّحى، فقصّ الشوارب وتوفير اللِّحى من الدِّين.

س: بارك الله فيك، قلت: أنَّ ما دون الكفر قد يحبط بعض عمله؟

ج: جاء في بعض الأدلة ما يدلّ على أنَّ السيئات الكبار قد تُحبط بعض العمل، كما قال ﷺ: مَن ترك صلاةَ العصر فقد حبط عمله، عند الجمهور يقولون: ما يكفر، "حبط عمله" عملٌ خاصٌّ، ولا يعني عمله كلّه.

س: حديث حُذيفة في الذين لا يعرفون صلاةً ولا صيامًا، ولكن يقولون: أدركنا آباءنا على لا إله إلا الله؟

ج: هذا يُنظر فيه، إن صحَّ فهذا محلّ نظرٍ، إن صحَّ معناه أنَّهم جهلوا، ماتوا على التوحيد فقط.

الطالب: الحسين بن محمد بن شنبة -بفتح المعجمة والنون والموحدة- الواسطي، أبو عبدالله، البزار، صدوق، من الحادية عشرة. (ق).

س: أحسن الله إليك، القول بعدم تكفير تارك الصلاة، يقول ابنُ راهويه –يعني- أنَّ هذا من الإرجاء، هل هذا القول صحيح؟

ج: إسحاق بن راهويه حكى إجماع المسلمين على كفر تارك الصلاة، إسحاق رحمه الله ممن حكى الإجماع على كفر تارك الصَّلاة.

حدثنا يزيد بن هارون: أخبرنا مبارك بن فضالة: حدثني يزيد الفقير قال: جلستُ إلى جابر بن عبدالله وهو يُحدِّث، فحدّث أن ناسًا يخرجون من النار، قال: وأنا يومئذٍ أُنكر ذلك، فغضبتُ وقلتُ: ما أعجب من الناس، ولكن أعجب منكم يا أصحاب محمد! تزعمون أنَّ الله يُخرج ناسًا من النار، والله يقول: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا الآية! فانتهرني أصحابُه، وكان أحلمَهم، فقال: دعوا الرجل، إنما ذلك للكفَّار. فقرأ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ حتى بلغ: {وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} [المائدة:36-37]، أما تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قد جمعتُه. قال: أليس الله يقول: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء:79]؟ فهو ذلك المقام، فإنَّ الله تعالى يحتبس أقوامًا بخطاياهم في النار ما شاء، لا يُكلّمهم، فإذا أراد أن يُخرجهم أخرجهم. قال: فلم أعد بعد ذلك إلى أن أُكذّب به.

الشيخ: نعم، وهذا الذي قاله يزيد هو دين الخوارج والمعتزلة، يرون أنَّه ما يخرج من النار أحدٌ، فجعلوا العُصاة كالكفَّار، فبين جابر رحمه الله وأهل السنة أنَّ العُصاة غير الكفَّار، العُصاة يخرجون، والكفَّار لا يخرجون.

ثم قال ابنُ مردويه: حدثنا دعلج بن أحمد: حدثنا عمرو بن حفص السّدوسي: حدثنا عاصم بن علي: أخبرنا العباس بن الفضل: حدثنا سعيد بن المهلب: حدثني طلق بن حبيب قال: كنتُ من أشدِّ الناس تكذيبًا بالشَّفاعة حتى لقيتُ جابر بن عبدالله، فقرأتُ عليه كل آيةٍ أقدر عليها يذكر اللهُ فيها خلود أهل النار، فقال: يا طلق، أتُراك أقرأ لكتاب الله وأعلم بسنة رسول الله مني؟ إنَّ الذين قرأت هم أهلها هم المشركون، ولكن هؤلاء قومٌ أصابوا ذنوبًا فعُذِّبوا، ثم أُخرجوا منها. ثم أهوى بيديه إلى أُذنيه فقال: صمّتا إن لم أكن سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: يخرجون من النار بعدما دخلوا، ونحن نقرأ كما قرأتَ.

الشيخ: أعد سند ابن أبي حاتم.

وقال ابنُ أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد ابن أبي شنبة الواسطي: حدثنا يزيد بن هارون: أخبرنا مبارك بن فضالة: حدثني يزيد الفقير قال: جلستُ إلى جابر.

الشيخ: الحديث لا بأسَ به، مبارك بن فضالة يُرمى بالتَّدليس، وصرَّح بالسماع: حدثني يزيد. ولو ما صحَّ فالأحاديث كثيرة في هذا في "الصحيحين" وغيرهما، كلّها دالّة على أنَّ العُصاة يخرجون من النار، وقد أجمع عليه أهلُ السنة والجماعة.

مداخلة: في تعليق على ..... هذا أثرٌ حسنٌ؛ لأنَّ مبارك بن فضالة صدوق يُدلّس، ..... قال يحيى بن سعيد: ولم أقبل منه شيئًا يقول فيه: حدَّثنا.

الشيخ: صرَّح بالسماع، أقول: صرَّح بالسماع، لكن حتى لو ..... الأحاديث كثيرة في "الصحيحين" تُغني عنه، في "الصحيحين" وغيرهما، وأجمع أهلُ السنة على ذلك.

والمؤلف رحمه الله ذكر أحاديث الشَّفاعة، وقوله جلَّ وعلا في سورة بني إسرائيل: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ..... أحاديث الشَّفاعة وما فيها من ..... العظيمة.