تفسير قوله تعالى: {..وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ..}

وقوله: وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ [المائدة:3] قال مجاهد وابنُ جُريج: كانت النُّصب حجارةً حول الكعبة. قال ابنُ جريج: وهي ثلاثمئة وستون نصبًا، كانت العربُ في جاهليتها يذبحون عندها، وينضحون ما أقبل منها إلى البيت بدماء تلك الذَّبائح، ويشرحون اللَّحم ويضعونه على النّصب.

وكذا ذكره غيرُ واحدٍ، فنهى اللهُ المؤمنين عن هذا الصَّنيع، وحرّم عليهم أكل هذه الذَّبائح التي فعلت عند النّصب، حتى ولو كان يذكر عليها اسم الله في الذَّبح عند النّصب من الشّرك الذي حرَّمه الله ورسوله، وينبغي أن يحمل هذا على هذا؛ لأنَّه قد تقدّم تحريم ما أُهلّ به لغير الله.

الشيخ: ساقط (لما)، لعله: لما في الذَّبح. كلمة (لما)، يعني: لأنَّ ذكر الله لو ذكروه غير مقصودٍ، إنما المقصود التَّقرب لأصنامهم وأوثانهم، وهي داخلة فيما أُهلّ به لغير الله، فهم ذبحوه على النّصب ليتقرَّبوا به إلى أصنامهم، حتى ولو فُرض أنَّهم ذكروا اسمَ الله، مع أنَّ المعروف أنَّهم يُهلّون به لغير الله، وما يُذبح لغير الله تارةً يُذكر اسم غير الله عليه، وتارةً يُذكر اسم الله، لكن المقصود غير الله، يكون كلّه شركًا بالله.

فإذا ذبح الذَّبيحة يقصد بها الذَّبح لآلهتهم: للنبي، أو لعيسى، أو لفلان، أو فلان، ولو ذكر اسم الله، فالاعتبار بالقصد وما في القلوب، وإن سمّى غير الله عليها اجتمع فيها المانعان: إهلاله لغير الله، وقصده غير الله.

فإذا ذبح لأي مخلوقٍ: للجنِّ، أو للات، أو للعزّى، أو للبدوي، أو لغير ذلك، ولو سمّى الله، ما دام المقصود بالقلب هو غير الله فهو مما أُهلّ به لغير الله، نعم.

س: الذَّبح على النصب .....؟

ج: نعم، الذَّبح على النّصب على أصنامهم، يذبحون عليها: إما يشرحون، وإما يلطخون بها الدَّم، ولكن المقصود بها غير الله، ولو سمّوا عليها اسم الله، ليس المقصود التَّقرب إلى الله.

س: مَن قال: لغير الله، يُعتبر شركه أكبر؟

ج: نعم، شركٌ أكبر؛ ولهذا في الحديث الصَّحيح: لعن اللهُ مَن ذبح لغير الله.

س: الذَّبح على النّصب يُريدون بها الأصنام؟

ج: ..... يُريدون بها مقصودهم: إما الأصنام نفسها، أو مَن صوّرت على صورته، وجُعلت على صورته.

س: .............؟

ج: الذَّبيحة ميتة لا تحلّ، نعم، هذا معطوفٌ على ما تقدّم: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ [المائدة:3]، كلّه عطفٌ على الميتة، كلّه مما يحرم.

س: ..............؟

ج: نعم، ما دام ذبح لغير الله ولو سمّى يكون شركًا أكبر، يكون ميتةً: إنما الأعمال بالنيات، نعم.

س: في بعض المسالخ العُمَّال لا يُسمّون على الذَّبائح؟

ج: إن كان عن جهلٍ أو نسيانٍ وما ذُبح لغير الله لا يضرّ، إنسانٌ ذبح ذبيحةً ليأكل، أو ذبيحة ليبيع، ونسي التَّسمية، الذَّبيحة حلال؛ لأنَّ الله قال: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]، أو كان جاهلًا ما يضرّ.

س: في بعض البلدان الإسلامية الذين يذبحون ذبائح المسلمين في الجزارة العامّة أغلبهم ما يُصلون إطلاقًا، مثل هؤلاء هل تُؤكل ذبائحهم؟

ج: الصحيح أنَّها لا تُؤكل ذبائحهم، مَن كفر لا تُؤكل ذبيحته، والصواب أنَّه كافر، تارك الصَّلاة كافر، ولا تحلّ ذبيحته على الصَّحيح، مثل: ذبيحة الوثني، والمجوسي، والشيوعي.

س: وإن كان بعضُهم يُصلي، وبعضهم ما يُصلِّي؟

ج: يُمنع الذي ما يُصلي، ويقرّ الذي يُصلي.

س: والطائفة الإسماعيلية؟

ج: المعروف عنهم أنَّهم وثنيون يعبدون صاحبهم .....

س: لو كان يُصلي، ولكن الواحد عارفٌ أنَّ عقيدته فاسدة؟

ج: كذلك إذا كان من عُبَّاد الأوثان ولو صلَّى، عُبَّاد البدوي ولو صلَّى، نعم. المنافقون يُصلون مع الناس، وهم من أكفر الناس؛ لأنَّهم في الباطن لا يُؤمنون بالله واليوم الآخر.

وقوله تعالى: وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ [المائدة:3] أي: حرَّم عليكم أيّها المؤمنون الاستقسام بالأزلام، واحدها: زلم، وقد تُفتح الزاي فيُقال: زلم.

الشيخ: زلم وأزلام. يُقال: زِلم وزَلم.

وقد كانت العربُ في جاهليتها يتعاطون ذلك، وهي عبارة عن قداح ثلاثة، على أحدها مكتوب: افعل، وعلى الآخر: لا تفعل، والثالث غفل ليس عليه شيء.

ومن الناس مَن قال: مكتوبٌ على الواحد: أمرني ربي، وعلى الآخر: نهاني ربي، والثالث غفل ليس عليه شيء، فإذا أجالها فطلع سهمُ الأمر فعله، أو النَّهي تركه، وإن طلع الفارغ أعاد.

والاستقسام مأخوذٌ من طلب القسم من هذه الأزلام، هكذا قرر ذلك أبو جعفر ابن جرير.

وقال ابنُ أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح: حدثنا الحجاج بن محمد: أخبرنا ابنُ جريج وعثمان بن عطاء، عن عطاء، عن ابن عباسٍ: وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ قال: والأزلام قداحٌ كانوا يستقسمون بها في الأمور.

وكذا رُوي عن مجاهد وإبراهيم النَّخعي والحسن البصري ومُقاتل بن حيان.

وقال ابنُ عباسٍ: هي قداح كانوا يستقسمون بها الأمور.

وذكر محمد بن إسحاق وغيره: أنَّ أعظم أصنام قريش صنمٌ كان يُقال له: هُبَل، منصوبٌ على بئرٍ داخل الكعبة، فيها تُوضع الهدايا، وأموال الكعبة فيه، وكان عنده سبعة أزلام مكتوب فيها ما يتحاكمون فيه مما أشكل عليهم، فما خرج لهم منها رجعوا إليه ولم يعدلوا عنه.

وثبت في "الصحيحين": أنَّ النبي ﷺ لما دخل الكعبة وجد إبراهيم وإسماعيل مُصوّرين فيها، وفي أيديهما الأزلام، فقال: قاتلهم الله! لقد علموا أنَّهما لم يستقسما بها أبدًا.

وفي الصحيح: أنَّ سُراقة بن مالك بن جعشم لما خرج في طلب النبي ﷺ وأبي بكر، وهما ذاهبان إلى المدينة مُهاجرين، قال: فاستقسمتُ بالأزلام: هل أضرّهم أم لا؟ فخرج الذي أكره: لا يضرّهم. قال: فعصيتُ الأزلام واتبعتهم. ثم إنَّه استقسم بها ثانيةً وثالثةً، كلّ ذلك يخرج الذي يكره: لا يضرّهم، وكان كذلك، وكان سُراقة لم يُسلم إذ ذاك، ثم أسلم بعد ذلك.

الشيخ: والمقصود من هذا أنَّ هذا من طرائقهم الجاهلية، ومن أعمالهم الجاهلية: الاستقسام بالأزلام، وهي الأقداح، سواء كانت من خشبٍ أو من غيره، يكتب على أحدها: افعل، وفي الثانية: لا تفعل، وفي الثالثة قفل ليس عليه كتابة، بعضهم قال: مكتوبٌ على أحدها: أمرني ربي، وفي الثانية: نهاني ربي، وفي الثالثة قفل ليس عليه شيء، فإذا همّوا بأمرٍ يُشكل عليهم استقسموا بها، فإن خرج: افعل، فعلوا، وإن خرج: لا تفعل، لم يفعلوا، وإن خرج القفل أداروها مرةً أخرى حتى يظهر هذا أو هذا، فحرّم الله على المسلمين هذا، وجعل لهم سبحانه وبحمده الاستخارة فيما يُشكل عليهم من الأمور، يستخيرون الله، والقرعة عند قسم الأشياء، يُقرع بين الأشياء قرعةً بدلًا من الاستقسام، فالاستخارة في الأمور التي يهمّون بها: هل يفعلون؟ وفي توزيع الأشياء التي تُوزع بين الناس من أراضٍ أو غيرها القرعة.

وسراقة بن مالك الجعشمي خرج في أثر النبي ﷺ من ضمن الذين أخرجت قريشٌ يطلبون النبي ﷺ، وجعلوا لمن أتى به مئةً من الإبل، فحماه الله من شرِّهم، وكفاه الله كيدهم، فخرج مع الصّديق، ومعهم عامر بن فهيرة مولى الصّديق، ومعهم عبدالله بن أريقط الدّيلي دليل إلى المدينة، وبينما هم في الطّريق إذ لحقهم سُراقة على فرسه، فقال الصّديقُ: هذا الطّلب جاء. قال: فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ [البقرة:137]، لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40]، وجاء في التفسير أنَّه دعا الله سبحانه فقال: اللهم اكفناه بما شئتَ، هكذا: اللهم اكفناه بما شئتَ، فساخت قوائمُ فرسه إلى بطنها في الأرض، فناداهم سُراقة: إني أعلم أنَّ هذا بسببكم، فادعوا الله أن يُطلق فرسي ولا أضرّكم. فدعا الله، وأطلق الله فرسه، ورجع إلى قريش يقول لهم: هذا الطَّريق قد اختبرته، ما فيه شيء، لا يذهب إليه أحدٌ. فرجع مُدافعًا عن النبي ﷺ ومُخذِّلًا عن الطلب، بعدما كان طالبًا وحريصًا على أن يأتي بمحمدٍ عليه الصلاة والسلام، وكفاه اللهُ شرَّهم، كما قال جلَّ وعلا: إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا، نعم مَن كان الله معه لم يضرّه أحد.

س: دعاء الاستخارة يكون قبل السلام أو بعد السَّلام؟

ج: بعد السلام، إذا صلَّى ركعتين يدعو، يُصلِّي ركعتين ثم يدعو، يرفع يديه ويدعو.

س: ..... الأزلام بأنَّهم يتعبدون بها؟

ج: يتعبدون بها إيه، يرونها دينًا وقُربةً؛ فلهذا حرّم الله على المسلمين ذلك حتى لا يتأسّوا بعدوِّهم.

وروى ابنُ مردويه من طريق إبراهيم بن يزيد، عن رقبة.

الشيخ: رقبة بن مصقلة.

عن عبدالملك بن عُمير، عن رجاء بن حيوة، عن أبي الدَّرداء قال: قال رسولُ الله ﷺ: لن يلج الدَّرجات مَن تكهن أو استقسم أو رجع من سفرٍ طائرًا.

الشيخ: أي: مُتطيرًا، والحديث ضعيفٌ؛ لأنَّ إبراهيم بن يزيد هذا هو الخوزي، ليس بشيءٍ، لكن معناه لو صحَّ التَّحذير من هذا: الكهانة والاستقسام بالأزلام والتَّطير، كلّها من أعمال الجاهلية.

س: الاستقسام بالأزلام من المحرّمات غير الشّركية؟

ج: هي مُحرّمة لما فيها من التَّشبه بأعداء الله، نعم، والطّيرة معروفة، سمَّاها النبي: شركًا.

مُداخلة: في حاشيةٍ على الحديث تقول: الحديث من طريق إبراهيم بن يزيد بن مرداد ..... قال الحافظ في "التقريب": صدوق. وقال المناوي: قال الهيثمي تبعًا للمُنذري: رواه الطَّبراني بإسنادين أحدهما رجاله ثقات، وقال في "الفتح": رجاله ثقات. لكن أظنّ أنَّ فيه انقطاعًا، لكن له شاهد عن عمران بن حصين خرّجه البزار في ..... بسندٍ جيدٍ.

الشيخ: يحتاج إلى نظرٍ، الأقرب أنَّه إبراهيم بن يزيد الخوزي، وهو ضعيفٌ، يحتاج إلى تأملٍ في تلاميذ رقبة، "التهذيب" موجود؟

الطالب: نعم.

الشيخ: انظر: رقبة بن مصقلة وتلاميذه.

وقال مجاهد في قوله: وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ قال: هي سهام العرب، وكعاب فارس والروم، كانوا يتقامرون بها.

وهذا الذي ذكر عن مجاهد في الأزلام أنها موضوعة للقمار فيها نظر، اللهم إلا أن يقال: إنَّهم كانوا يستعملونها في الاستخارة تارةً، وفي القمار أخرى -والله أعلم-، فإنَّ الله سبحانه قد قرن بينها وبين القمار، وهو الميسر، فقال في آخر السورة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۝ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إلى قوله: مُنْتَهُونَ [المائدة:90-91]، وهكذا قال هاهنا: وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ [المائدة:3] أي: تعاطيه فسق وغيّ وضلالة وجهالة وشرك.

وقد أمر اللهُ المؤمنين إذا ترددوا في أمورهم أن يستخيروه بأن يعبدوه، ثم يسألوه الخيرةَ في الأمر الذي يُريدونه، كما روى الإمام أحمد والبخاري وأهل السّنن من طريق عبدالرحمن ابن أبي الموالي، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبدالله قال: كان رسولُ الله ﷺ يُعلّمنا الاستخارة في الأمور كما يُعلّمنا السورة من القرآن، ويقول: إذا همَّ أحدُكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقُدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنَّك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علّام الغيوب، اللهم إن كنتَ تعلم أنَّ هذا الأمر -ويُسمّيه باسمه- خيرٌ لي في ديني ودُنياي ومعاشي وعاقبة أمري -أو قال: عاجل أمري وآجله- فاقدره لي، ويسّره لي، ثم بارك لي فيه، اللهم وإن كنت تعلم أنَّه شرٌّ لي في ديني ودُنياي ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفني عنه، واصرفه عني، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضّني به لفظ أحمد.

الطالب: في "التهذيب": إبراهيم بن يزيد بن مردانبه، القرشي، المخزومي، مولى عمرو بن حريث. روى عن رقبة .....

الآخر ما وجدناه في شيوخه.

الشيخ: هاه.

الطالب: الآخر شيخ إبراهيم بن يزيد الخوزي، اسم ممن روى عنهم رقبة.

الشيخ: طيب، هو هذا، في الحاشية عندك الشيخ مقبل؟

الطالب: من تلاميذ الشيخ مُقبل.

الشيخ: الكلام مضبوط، نعم، ما دام أنَّه ذكره ..... رقبة، نعم، ماشٍ.

س: يكون الحديث ضعيفًا؟

ج: محل نظرٍ، أقول: محل تأملٍ، نعم، لكن معناه صحيح في النَّهي عن التَّكهن والاستقسام بالأزلام والتَّطير، هذا فيه أدلة كثيرة صحيحة.

وقال الترمذي: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ، لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي الموالي.

الشيخ: هذا صرَّح المؤلفُ أنَّه من لفظ أحمد، يُراجع "المسند": مسند جابر.

س: التَّردد في قوله: "أو عاجل أمري" يُقال في الاستخارة؟

ج: لا، لا، يكفي هذا: "في ديني ..... ومعاشي وعاقبة أمري"، كافٍ، نعم، وإذا قال: "في ديني وعاجل أمري" ما يُخالف، لكن "معاشي وعاقبة أمري" الذي قدّمه، نعم.

س: إذا كان الميسر على ذبيحةٍ وذُبحت، فهل تحلّ؟

ج: لا، الميسر لا يصلح: لا ذبيحته، ولا دراهمه، كلّه ما يصلح.

س: يُكرر التَّسمية في "اللهم إن كنت تعلم أنَّ هذا الأمر شرٌّ لي في ديني ومعاشي" أو يكتفي؟ يُكرر تسمية الفعل الذي يهمّ به؟

ج: يُعينه، يقول مثلًا: زواجي بفلانة، سفري إلى كذا، شرائي كذا، يُعينه، يُعين ما أراد، ما أشكل عليه يعني.

س: يُكرر التَّسمية في الاستخارة مرتين أو مرة واحدة؟

ج: يُكرر في الخير، وفي الشَّر، في هذا، وفي هذا.

س: قول ابن كثير أنَّ تعاطي الأزلام فسق وغيّ وضلالة وجهالة وشرك، ما وجه قوله: شرك؟

ج: محل تأمّلٍ، ما هو بواضح جدًّا، كذا عندكم فيه زيادة كلمة: شرك؟

الطلاب: نعم.

مُداخلة: ما يكون كأنَّه أشرك مع الله في الاختيار؟

الشيخ: تحتاج إلى تأمّلٍ.

س: قول بعضهم أنَّ الكبائر من الشِّرك الأصغر، وهذا داخلٌ فيها؟

ج: الله أعلم، محل نظرٍ؛ لأنَّ الصواب أنَّه ما يُقال: "شرك" إلا ما جاء به النصُّ.

س: يقولون: من الشِّرك بالله عبودية المال؟

ج: هذا –يعني- من مُراعاة المعنى فقط، وإلا لا يُسمّى الشيء "شركًا" إلا ما جاء به النص: كالرياء، والحلف بغير الله، وما شاء الله وشاء فلان، لولا الله وفلان، لا ترجعوا بعدي كُفَّارًا يضرب بعضُكم رقاب بعضٍ، أخذ بعضُ أهل العلم من هذا كلِّه إلحاق الكبائر من حيث المعنى، ولكن الأقرب والأحوط ألا يُقال ذلك إلا فيما سمَّاه النبي كفرًا أو شركًا، وإلا فلا يُقال في المعاصي -جنس المعاصي-: أنها كفر، لكنها من أمر الجاهلية، كما قال البخاري: أنها من أمر الجاهلية.

س: قول النبي ﷺ: أفلح وأبيه إن صدق؟

ج: هذا كان في أول الأمر، كان في أول الإسلام ثم نُسخ.

س: ألا يكون من جهة تفويض الأمر إلى الأزلام؟

ج: إن صحَّ فهو بالتَّأمل يمكن أن يُقال: من جنس الحلف بغير الله؛ لأنَّ الحلف بغير الله شركٌ، واستقسامهم بها يُشبه الحلف بغير الله؛ لأنَّهم يؤكدون أمورهم بهذا الأمر الجاهلي.

المقصود أنَّ الواجب الحذر منها، الواجب تركها، سواء سُمّيت: شركًا، أو لم تُسمّ: شركًا، الواجب تركها وعدم التَّشبه بأعداء الله.

وقوله: الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ [المائدة:3] قال علي ابن أبي طلحة: عن ابن عباسٍ: يعني: يئسوا أن يُراجعوا دينهم. وكذا رُوي عن عطاء ابن أبي رباح والسّدي ومُقاتل بن حيان.

وعلى هذا المعنى يرد الحديثُ الثابت في الصحيح: أنَّ رسول الله ﷺ قال: إنَّ الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن بالتَّحريش بينهم.

ويحتمل أن يكون المراد: أنهم يئسوا من مُشابهة المسلمين؛ لما تميّز به المسلمون من هذه الصِّفات المخالفة للشِّرك وأهله؛ ولهذا قال تعالى آمرًا لعباده المؤمنين أن يصبروا ويثبتوا في مُخالفة الكفَّار، ولا يخافوا أحدًا إلا الله، فقال: فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ [المائدة:3].

الشيخ: ظاهر السياق أنَّهم يئسوا هم من ديننا، يعني: يئسوا أن يُوافقونا على ديننا، وأن يُوحّدوا الله جلَّ وعلا؛ لأنه قال: مِنْ دِينِكُمْ، ما قال: "من دينهم"، فالمعنى والله أعلم: أنهم لتمسّكهم به وشغفهم به وإصرارهم عليه ومُعاداة المسلمين وتكبّرهم عن اتِّباع الحقِّ سمَّاه الله: يئسًا: يئسوا من دينكم، يعني: هم مُصرُّون على دينهم الباطل، فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ يعني: اعتصموا بالله واخشوه في مُحاربتهم ومُعاداتهم، ولكن الله جلَّ وعلا بعد ذلك أدخل عليهم الإسلام لما فتح اللهُ عليه مكّة، والإنسان قد ييأس من الشَّيء ثم يرجع.

س: ما يكون: يئسوا من دينكم أن ترجعوا عنه؟

ج: لا، هم يئسوا من دين الإسلام، هم الذين يئسوا.

أي: لا تخافوهم في مُخالفتكم إياهم، واخشونِ أنصركم عليهم وأبيدهم، وأظفركم بهم، وأشفِ صدوركم منهم، وأجعلكم فوقهم في الدنيا والآخرة.

وقوله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [المائدة:3] هذه أكبر نِعَمِ الله تعالى على هذه الأمّة، حيث أكمل تعالى لهم دينَهم، فلا يحتاجون إلى دينٍ غيره، ولا إلى نبيٍّ غير نبيِّهم صلوات الله وسلامه عليه؛ ولهذا جعله الله تعالى خاتم الأنبياء، وبعثه إلى الإنس والجنِّ، فلا حلالَ إلا ما أحلّه، ولا حرامَ إلا ما حرَّمه، ولا دينَ إلا ما شرعه، وكل شيءٍ أخبر به فهو حقٌّ وصدقٌ، لا كذبَ فيه ولا خلف، كما قال تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا [الأنعام:115] أي: صدقًا في الأخبار، وعدلًا في الأوامر والنَّواهي، فلمَّا أكمل لهم الدِّين تمَّت عليهم النِّعمة؛ ولهذا قال تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا.

الشيخ: هذه النِّعمة العظيمة أعظم نِعَم الله: أكمل لهم الدِّين، وأتمّ عليهم النِّعمة، ورضي لهم الإسلام دينًا، وهذه النِّعمة العظيمة التي ما فوقها نعمة، فتُوفي ﷺ وقد أكمل اللهُ به الدِّين، وأتمّ به النعمة، فالواجب على كلِّ مسلمٍ أن يفرح بهذه النِّعمة، وأن يغتبط بها، وأن يطمئنّ إليها، وأن يتمسّك بها، وأن يحذر خلافها، فهي أعظم نعمةٍ: أنَّ الله أكمل لهذه الأمّة دينها، وأتمّ عليها نعمته، ورضي لها هذا الدِّين الذي هو دين الإسلام، وهو دين الأنبياء جميعًا، نعم، والله المستعان.

س: لم تنزل أحكام بعد نزول هذه الآية؟

ج: المشهور عن العلماء أنَّها هكذا، هو ظاهر الآية؛ لأنَّ "أكمل" معناه: ما بقي شيء، وهي نزلت في يوم الجمعة في حجة الوداع.

أي: فارضوه أنتم لأنفسكم، فإنَّه الدِّين الذي أحبّه الله ورضيه، وبعث به أفضل الرسل الكرام، وأنزل به أشرف كُتبه.

وقال علي ابن أبي طلحة: عن ابن عباسٍ: قوله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وهو الإسلام، أخبر اللهُ نبيَّه ﷺ والمؤمنين أنَّه قد أكمل لهم الإيمان، فلا يحتاجون إلى زيادةٍ أبدًا، وقد أتمّه الله فلا ينقصه أبدًا، وقد رضيه الله فلا يسخطه أبدًا.

وقال أسباط: عن السّدي: نزلت هذه الآية يوم عرفة، ولم ينزل بعدها حلالٌ ولا حرامٌ، ورجع رسولُ الله ﷺ فمات.

الشيخ: وهذا هو مُقتضى النص: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ مُقتضى النص أنها آخر شيءٍ من جهة الواجبات والمحرّمات، وأنَّ الدين قد كمل فيما يجب وفيما يحرم، أما كونه قد يُنزل آيةً فيما يتعلق بالوعيد أو الوعد، أو بأخبار يوم القيامة، فهذا لا يمنع، مثلما رُوي عن ابن عباسٍ أنَّه قال: آخر آيةٍ نزلت قوله تعالى: وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ [البقرة:281]. فهذه ما يتعلق بها حكم، وإنما هي من باب الإخبار عن يوم القيامة وأحواله، ويُروى غير ذلك، لكن ما تتعلق بالأحكام، الآية تدلّ على أنه انتهى ما يتعلق بالأحكام، وأنَّ جميع ما يتعلّق بالواجبات والمحرّمات قد انتهى، وأكمل اللهُ الدِّين، نعم.

س: هل يُؤخذ من هذه الآية تضعيف بعض الأحاديث التي ورد فيها قبل وفاته بشهر ..... يُؤخذ منها تضعيف هذا بهذا؟

ج: محل نظرٍ.

س: يحتجّ بعضُ عُبَّاد القبور بقوله : إنَّ الشيطان قد يئس أن يعبده المصلّون في جزيرة العرب؟

ج: هذا يئس، وهو ما هو بمعصوم، يأسٌ من الشيطان ويحصل، ويرجوه ولا يحصل، لما رأى إقبال المسلمين على العبادة، واجتماع الكلمة، ودخولهم في دين الله أفواجًا يئس، ولكن في التَّحريش بينهم، ويأسه غير معصومٍ، قد ييأس من الشيء ويحصل، وقد يرجوه ولا يحصل.

وقال بعضُ أهل العلم أنَّ معناه: أنه يئس من اجتماعهم على الباطل والشرك: لا تزال طائفةٌ على الحقِّ منصورة، لا يضرّهم مَن خذلهم، ولا مَن خالفهم.

وقال بعضهم معنًى آخر: "يئس أن يعبده المصلون" يعني: الصحابة يئس أن يرتدّوا، وإلا فقد جاءت الأحاديثُ دالَّةً على وجود الردّة والرجوع إلى الباطل، كما في الحديث الصَّحيح: لا تقوم الساعةُ حتى يلحق حيٌّ من أمّتي المشركين، وحتى تعبد فئامٌ من أمّتي الأوثان، وفي الحديث الآخر: لا تقوم الساعةُ حتى تضطرب آليات نساء دوسٍ حول ذي الخلصة، وهو في البخاري، وحديث الآخر: لا تقوم الساعةُ حتى تُعبد اللَّات والعُزَّى، كلّها صحيحة، فوقع الشِّرك، لكن هو لما رأى ظهور الإسلام يئس، وهو غير معصومٍ، فقد ييأس من الشيء ويحصل، أو يئس من اجتماعهم على الباطل والشِّرك كما كانوا سابقًا، نعم، أو يئس من رجوع الصَّحابة إلى مِلّتهم جميعًا.

س: يقول بعضُ العلماء: "أن يعبده المصلّون" المصلّون حقيقةً؟

ج: هذه رواية، يعني: الصحابة، يعني: يئس أن يرجع الصحابةُ المصلّون في عهد النبي ﷺ، وبكل حالٍ فهذا المعنى ما فيه حُجّة لعُبَّاد القبور.

س: آية الكلالة ما نزلت بعد هذه الآية؟

ج: الآية تدلّ على أنَّ آية الكلالة نزلت قبل ذلك.

قالت أسماء بنت عُميس: حججتُ مع رسول الله ﷺ تلك الحجّة، فبينما نحن نسير إذ تجلّى له جبريل، فمال رسولُ الله ﷺ على الراحلة، فلم تُطق الراحلة من ثقل ما عليها من القرآن، فبركت، فأتيتُه، فسجّيتُ عليه بردًا كان عليَّ.

الشيخ: أعد، أعد.

وقال أسباط: عن السّدي: نزلت هذه الآية يوم عرفة، ولم ينزل بعدها حلالٌ ولا حرامٌ، ورجع رسولُ الله ﷺ فمات.

قالت أسماء بنت عُميس: حججتُ مع رسول الله ﷺ تلك الحجّة، فبينما نحن نسير إذ تجلّى له جبريل، فمال رسولُ الله ﷺ على الراحلة، فلم تُطق الراحلة من ثقل ما عليها من القرآن، فبركت، فأتيتُه، فسجّيتُ عليه بردًا كان عليَّ.

الشيخ: هذا فيه نظر: حديث أسماء؛ لأنَّ النبي ﷺ حوله المهاجرون والأنصار في رجوعه من مكّة، النساء على حدةٍ، والمسلمون مع النبي عليه الصلاة والسلام، هل عندك حاشية على كلام أسماء؟ ما فيه شيء؟ هذا في صحّته نظر، حطّ عليه إشارة، حطّ على كلام أسماء إشارة.

الطالب: يوجد تعليق سابق.

الشيخ: أيش يقول؟

الطالب: هذه القصّة فيها ضعف؛ لأنَّ هذه الآية نزلت في عرفة، وليس في السَّير. ثانيًا: الذين حول الرسول ﷺ الرجال، وليس النِّساء.

الشيخ: هذا هو الصواب، الظاهر أنها وهمٌ، والعجب من الحافظ رحمه الله كونه ينقلها ويسكت! أقول: العجب من الحافظ!

س: ألقت عليه بُرْدًا وهي امرأة! ما يكون هذا وجه نكارةٍ؟

ج: على كل حالٍ هو مُنكرٌ من كل الوجوه.

وقال ابنُ جرير وغير واحدٍ: مات رسولُ الله ﷺ بعد يوم عرفة بأحد وثمانين يومًا. رواهما ابنُ جرير.

ثم قال: حدثنا سفيان بن وكيع: حدثنا ابنُ فُضيل، عن هارون بن عنترة، عن أبيه قال: لما نزلت: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وذلك يوم الحجّ الأكبر، بكى عمر، فقال له النبي ﷺ: ما يُبكيك؟ قال: أبكاني أنا كنا في زيادةٍ من ديننا، فأمَّا إذا أكمل فإنَّه لم يكمل شيءٌ إلا نقص. فقال: صدقت.

الشيخ: عليه حاشية؟

الطالب: لا.

الشيخ: سفيان بن وكيع يضعف في الحديث، انظر: هارون بن عنترة وأباه.

ويشهد لهذا المعنى الحديث الثابت: إنَّ الإسلام بدأ غريبًا، وسيعود غريبًا، فطُوبى للغُرَباء.

الطالب: هارون بن عنترة -بنون ثم مُثناة- بن عبدالرحمن، الشّيباني، أبو عبدالرحمن، أو أبو عمرو، ابن أبي وكيع، الكوفي، لا بأس به، من السادسة، مات سنة اثنتين وأربعين. (أبو داود، والنَّسائي).

الشيخ: انظر: عنترة أباه.