28 من قوله: ( فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ..)

فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا ۝ وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ۝ لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:160-162].
يخبر تعالى أنه بسبب ظلم اليهود بما ارتكبوه من الذنوب العظيمة، حرم عليهم طيبات كان أحلها لهم، كما قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عبدالله بن يزيد المقري، حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو، قال: قرأ ابن عباس: طيبات كانت أحلت لهم، وهذا التحريم قد يكون: قدريا بمعنى أنه تعالى قيضهم لأن تأولوا في كتابهم، وحرفوا وبدلوا أشياء كانت حلالًا لهم، فحرموها على أنفسهم تشديدا منهم على أنفسهم، وتضييقا، وتنطعا. ويحتمل أن يكون شرعيًا بمعنى أنه تعالى حرم عليهم في التوراة أشياء كانت حلالا لهم قبل ذلك، كما قال تعالى: كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ [آل عمران:93]، وقد قدمنا الكلام على الآية، وأن المراد أن الجميع من الأطعمة كانت حلالًا لهم من قبل أن تنزل التوراة ما عدا ما كان حرم إسرائيل على نفسه من لحوم الإبل، وألبانها، ثم إنه تعالى حرم أشياء كثيرة في التوراة كما قال في سورة الأنعام: وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ [الأنعام:146] أي: إنما حرمنا عليهم ذلك، لأنهم يستحقون ذلك بسبب بغيهم، وطغيانهم، ومخالفتهم رسولهم، واختلافهم عليه، ولهذا قال: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا [النساء:160] أي صدوا الناس، وصدوا أنفسهم عن اتباع الحق.
الشيخ: والمعنى الثاني هو الصواب، أن الله حرم عليهم طيبات كانت حلالًا لهم بسبب عدوانهم، وظلمهم، واكلهم الربا، وصدهم عن الحق، فعاقبهم الله بأن حرم عليهم أشياء لاتصافهم بهذا العمل، لا أنه من جهة تأويلهم هم تحريمهم، لا بل الله حرم عليهم ذلك بنص القرآن الكريم.
وهذه سجية لهم متصفون بها من قديم الدهر، وحديثه، ولهذا كانوا أعداء الرسل، وقتلوا خلقًا من الأنبياء، وكذبوا عيسى ومحمدًا صلوات الله وسلامه عليهما. وقوله: وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ أي: أن الله قد نهاهم عن الربا فتناولوه، وأخذوه، واحتالوا عليه بأنواع من الحيل، وصنوف من الشبه، وأكلوا أموال الناس بالباطل، قال تعالى: وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا.
الشيخ: والمقصود من هذا تحذير الأمة المحمدية من أعمال اليهود، الله يقص علينا أخبار اليهود وأشباههم؛ لنحذر أعمالهم الرديئة، فما حكى الله عن اليهود، أو عن النصارى، أو عن غيرهم من الأعمال السيئة، وذمهم على ذلك، وتوعدهم عليه كل ذلك لنحذر صفاتهم الذميمة، وأخلاقهم الخبيثة حتى لا نكون معهم، وحتى لا نستحق ما استحقوه من عقاب الله ، يقول حذيفة ، وجماعة من السلف في مثل هذا: مضى القوم، ولم يعن به سواكم. يعني احذروا أن تفعلوا فعلهم؛ فصيبكم ما أصابهم، وهو الظلم، وأخذ الربا، وأكل أموال الناس بالباطل، والصد عن سبيل الله، والإعراض عنه، وصد الناس عن ذلك، لا تشبهوا بأعداء الله .
ثم قال تعالى: لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ أي: الثابتون في الدين لهم قدم راسخة في العلم النافع، وقد تقدم الكلام على ذلك في سورة آل عمران. وَالْمُؤْمِنُونَ عطف على الراسخين، وخبره يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ، قال ابن عباس: أنزلت في عبدالله بن سلام، وثعلبة بن سعية، وأسد، وزيد بن سعية، وأسد بن عبيد، الذين دخلوا في الإسلام، وصدقوا بما أرسل الله به محمدًا ﷺ.
الشيخ: وظاهر الأمر أعم من ذلك وأوسع، فالمقصود أن اليهود ليسوا كلهم على هذا المعنى، بل فيهم أخيار، وفيهم من تابع الرسل، ومن استقام على دين الله، وتابع موسى عليه الصلاة والسلام، وآمن بعيسى، كما قال جل وعلا في كتابه الكريم: لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ۝ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ [آل عمران: 113، 114]، ففيهم أخيار تابعوا الرسول ﷺ، وانقادوا لما جاء به، وتابعوا عيسى، وتابعوا محمدًا ﷺ، وكان بعدهم من الناس من آمن، ولهذا لما عرضت الأمم على النبي ﷺ عرض عليه موسى، ومن معه، ومعه جم غفير من الناس أمة كثيرة تابعوه عليه الصلاة والسلام.
وقوله: وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ هكذا هو في جميع مصاحف الأئمة، وكذا هو في مصحف أبي بن كعب، وذكر ابن جرير أنها في مصحف ابن مسعود، والمقيمون الصلاة، قال: والصحيح قراءة الجميع، ثم رد على من زعم أن ذلك من غلط الكتاب، ثم ذكر اختلاف الناس، فقال بعضهم: هو منصوب على المدح، كما جاء في قوله: وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ [البقرة:177]، قالوا: وهذا سائغ في كلام العرب، كما قال الشاعر:
لا يبعدن قومي الذين همو سم العداة، وآفة الجزر
النازلين بكل معترك والطيبون معاقد الأزر
الشيخ: ....... يعني واذكر النازلين، وامدح النازلين، هكذا قوله: وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ يعني أمدح المقيمين، أو واذكر المقيمين، فهو مفعول لفعل محذوف، معطوف على ما قبله.
وقال آخرون: هو مخفوض عطفًا على قوله: بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ، يعني، وبالمقيمين الصلاة، وكأنه يقول: وبإقامة الصلاة، أي: يعترفون بوجوبها، وكتابتها عليهم، أو أن المراد بالمقيمين الصلاة: الملائكة، وهذا اختيار ابن جرير، يعني يؤمنون بما أنزل إليك، وما أنزل من قبلك، وبالملائكة، وفي هذا نظر، والله أعلم.
وقوله: وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ يحتمل أن يكون المراد زكاة الأموال، ويحتمل زكاة النفوس، ويحتمل الأمرين، والله أعلم.
وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أي: يصدقون بأنه لا إله إلا الله، ويؤمنون بالبعث بعد الموت، والجزاء على الأعمال خيرها وشرها.
وقوله: أُولَئِكَ هو الخبر عما تقدم سنؤتيهم أجرًا عظيمًا يعني الجنة.
الشيخ: والأقرب في هذا أن ....... الزكاة أنه يعم، كما قال تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ [المؤمنون:4]، فهو أعم، زكاة المال وزكاة النفس في طاعة الله، وترك معصيته، فالزكاة زكاتان: زكاة الأموال وذلك معروف، وزكاة النفوس، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9]، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى [الأعلى:14]، زكاة النفوس بإلزامها بحق الله، وكفها عن محارم الله، هكذا المؤمن يؤدي الزكاة المالية التي من ماله، وزكاة الفطر التي في ماله، ويؤدي أيضًا زكاة نفسه بترك معاصي الله، والمحافظة على أوامر الله، والمجاهدة في سبيل الله، والقيام بحق الله أينما كان، هكذا المؤمن عليه حقوق، فكمال إيمانه وتمام إيمانه يقتضي منه أداء الزكوات كلها: من زكاة المال، وزكاة النفس المطهر لها بتعاطي ما أوجب الله عليه، مع الإخلاص، والإيمان، والصدق، والمتابعة، وبكف نفسه عن محارم الله، هذا هو الزكاة، هذا هو تزكيتها، هذا هو نجاتها، وبذلك يسلم من عذاب الله، ومن غضبه الذي وعد به من لم يطهر نفسه.
إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ۝ وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ۝ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء:163-165]
قال محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، أو سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال سكن، وعدي بن زيد: يا محمد ما نعلم أن الله أنزل على بشر من شيء بعد موسى، فأنزل الله في ذلك من قولهما: إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ إلى آخر الآيات. وقال ابن جرير: حدثنا الحارث، حدثنا عبدالعزيز، حدثنا أبو معمر.
الشيخ: كذا معمر؟
الطالب: معشر.
الشيخ: حط عليه إشارة يراجع.
 عن محمد بن كعب القرظي، قال: أنزل الله يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ إلى قوله: وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا.
قال: فلما تلاها عليهم يعني على اليهود، وأخبرهم بأعمالهم الخبيثة، جحدوا كل ما أنزل الله، وقالوا: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:91]، ولا على موسى، ولا على عيسى، ولا على نبي من شيء، قال: فحل حبوته، وقال: ولا على أحد، فأنزل الله ، وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:91]، وفي هذا الذي قاله محمد بن كعب القرظي نظر، فإن هذه الآية التي في سورة الأنعام مكية، وهذه الآية التي في سورة النساء مدنية، وهي رد عليهم لما سألوا النبي ﷺ أن ينزل عليهم كتابًا من السماء، قال الله تعالى: فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ [النساء:153]، ثم ذكر فضائحهم، ومعايبهم، وما كانوا عليه، وما هم عليه الآن من الكذب، والافتراء، ثم ذكر تعالى أنه أوحى إلى عبده، ورسوله محمد ﷺ، كما أوحى إلى غيره من الأنبياء المتقدمين، فقال: إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ إلى قوله: وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا، والزبور: اسم الكتاب الذي أوحاه الله إلى داود ، وسنذكر ترجمة كل واحد من هؤلاء الأنبياء عليهم من الله أفضل الصلاة، والسلام، عند قصصهم من سورة الأنبياء إن شاء الله، وبه الثقة، وعليه التكلان.
وقوله: وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ أي: من قبل هذه الآية، يعني في السور المكية، وغيرها، وهذه تسمية الأنبياء الذين نص الله على أسمائهم في القرآن، وهم: آدم، وإدريس، ونوح، وهود، وصالح، وإبراهيم، ولوط، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، ويوسف، وأيوب، وشعيب، وموسى، وهارون، ويونس، وداود، وسليمان، وإلياس، واليسع، وزكريا، ويحيى، وعيسى، وكذا ذو الكفل عند كثير من المفسرين، وسيدهم محمد ﷺ.
وقوله: وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ أي: خلقا آخرين لم يذكروا في القرآن، وقد اختلف في عدة الأنبياء، والمرسلين، والمشهور في ذلك حديث أبي ذر الطويل، وذلك فيما رواه ابن مردويه رحمه الله في تفسيره حيث قال: حدثنا إبراهيم بن محمد حدثنا جعفر بن محمد بن الحسن، والحسين بن عبدالله بن يزيد، قالا: حدثنا إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني، حدثني أبي عن جدي، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي ذر، قال: قلت: يا رسول الله، كم الأنبياء؟ قال: مائة ألف، وأربعة، وعشرون ألفًا . قلت: يا رسول الله، كم الرسل منهم؟ قال: ثلاثمائة، وثلاثة عشر، جم غفير. قلت يا رسول الله، من كان أولهم؟ قال: آدم قلت: يا رسول الله، نبي مرسل؟ قال: نعم خلقه الله بيده، ثم نفخ فيه من روحه، ثم سواه قبلًا ثم قال: يا أبا ذر، أربعة سريانيون: آدم، وشيث، ونوح، وخنوخ، وهو إدريس، وهو أول من خط بالقلم، وأربعة من العرب: هود، وصالح، وشعيب، ونبيك يا أبا ذر، وأول نبي من بني إسرائيل موسى، وآخرهم عيسى، وأول النبيين آدم، وآخرهم نبيك، وقد روى هذا الحديث بطوله الحافظ أبو حاتم بن حبان البستي في كتابه "الأنواع والتقاسيم"، وقد وسمه بالصحة، وخالفه أبو الفرج بن الجوزي فذكر هذا الحديث في كتابه الموضوعات، واتهم به إبراهيم بن هشام هذا، ولا شك أنه قد تكلم فيه غير واحد من أئمة الجرح، والتعديل من أجل هذا الحديث، والله أعلم.
وقد روي هذا الحديث من وجه آخر عن صحابي آخر، فقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عوف، حدثنا أبو المغيرة، حدثنا معان بن رفاعة، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة، قال: قلت: يا نبي الله، كم الأنبياء؟ قال: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا، والرسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر، جما غفيرا معان بن رفاعة السلامي ضعيف، وعلي بن يزيد ضعيف، والقاسم أبو عبدالرحمن ضعيف أيضًا.

الشيخ: ابن عبدالرحمن، أو أبو عبدالرحمن؟
الطالب: أبو عبدالرحمن.
الشيخ: يمكن يكنى هذا، هو ابن عبدالرحمن، ولعله يكنى بأبي عبدالرحمن، التقريب حاضر شف القاسم بن عبدالرحمن، والقاسم هذا ليس كعلي بن يزيد، وعلي بن يزيد، ومعان هؤلاء في أشد الضعف، ولكن القاسم خير منهما، وقد وثقه جماعة، وإنما العلة من الرواة عنه، وهذا الراوي عنه علي بن يزيد الألهاني، فالحاصل أن هذين الحديثين ضعيفان جدًا في بيان عدد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا أحمد بن إسحاق أبو عبدالله الجوهري البصري، حدثنا مكي بن إبراهيم، حدثنا موسى بن عبيدة الربذي عن يزيد الرقاشي، عن أنس، قال: قال رسول الله ﷺ: بعث الله ثمانية آلاف نبي: أربعة آلاف إلى بني إسرائيل، وأربعة آلاف إلى سائر الناس، وهذا أيضًا إسناد ضعيف، فيه الربذي ضعيف، وشيخه الرقاشي أضعف منه، والله أعلم.
قال أبو يعلى: حدثنا أبو الربيع، حدثنا محمد بن ثابت العبدي، حدثنا معبد بن خالد الأنصاري، عن يزيد الرقاشي، عن أنس، قال: قال رسول الله ﷺ: كان فيمن خلا من إخواني من الأنبياء ثمانية آلاف نبي، ثم كان عيسى ابن مريم، ثم كنت أنا، وقد رويناه عن أنس من وجه آخر، فأخبرنا الحافظ أبو عبدالله الذهبي، أخبرنا أبو الفضل بن عساكر، أنبأنا الإمام أبو بكر بن القاسم بن أبي سعيد الصفار، أخبرتنا عمة أبي عائشة بنت أحمد بن منصور بن الصفار، أخبرنا الشريف أبو السنابك هبة الله بن أبي الصهباء محمد بن حيدر القرشي، حدثنا الإمام الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني، قال: أخبرنا الإمام أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أحمد بن طارق، حدثنا مسلم بن خالد، حدثنا زياد بن سعد عن محمد بن المنكدر، عن صفوان بن سليم، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله ﷺ: بعثت على أثر ثمانية آلاف نبي، منهم أربعة آلاف نبي من بني إسرائيل، وهذا غريب من هذا الوجه، وإسناده لا بأس به، رجاله كلهم معرفون إلا أحمد بن طارق هذا، فإني لا أعرفه بعدالة، ولا جرح، والله أعلم.
وحديث أبي ذر الغفاري الطويل في عدد الأنبياء عليهم السلام.
الطالب: معبد بن خالد فيه ضعف، ومسلم بن خالد أيضًا... ثم هو مخالف لما في روية أبي أمامة، وأبي ذر، كلها ضعيفة.
الطالب: السند ضعيف، من هو الثاني؟
الشيخ: مسلم بن خالد...
الطالب: القاسم بن عبدالرحمن ... أبو عبدالرحمن، صاحب أبي أمامة، صدوق ... من الثالثة ... البخاري في الأدب. (الأربعة).
قال محمد بن حسين الآجري: حدثنا أبو بكر جعفر بن محمد بن الفريابي إملاء في شهر رجب سنة سبع وتسعين ومائتين، حدثنا إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني، حدثنا أبي عن جده، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي ذر، قال: دخلت المسجد، فإذا رسول الله ﷺ جالس وحده، فجلست إليه، فقلت: يا رسول الله، إنك أمرتني بالصلاة. قال: الصلاة خير موضوع، فاستكثر، أو استقل قال: قلت: يا رسول الله، فأي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان بالله، وجهاد في سبيله.
قلت: يا رسول الله، فأي المؤمنين أفضل؟ قال: أحسنهم خلقا. قلت: يا رسول الله، فأي المسلمين أسلم؟ قال: من سلم الناس من لسانه، ويده. قلت: يا رسول الله، فأي الهجرة أفضل؟ قال: من هجر السيئات قلت: يا رسول الله، أي الصلاة أفضل؟ قال: طول القنوت فقلت: يا رسول الله، فأي الصيام أفضل؟ قال: فرض مجزئ، وعند الله أضعاف كثيرة قلت: يا رسول الله فأي الجهاد أفضل؟ قال: من عقر جواده، وأهريق دمه. قلت: يا رسول الله، فأي الرقاب أفضل؟ قال: أغلاها ثمنا، وأنفسها عند أهلها. قلت: يا رسول الله، فأي الصدقة أفضل؟ قال: جهد من مقل، وسر إلى فقير. قلت: يا رسول الله، فأي آيات ما أنزل عليك أعظم؟ قال: آية الكرسي، ثم قال: يا أبا ذر، وما السموات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة قال: قلت: يا رسول الله، كم الأنبياء؟ قال: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا. قال: قلت: يا رسول الله، كم الرسل من ذلك؟ قال: ثلاثمائة وثلاثة عشر، جم غفير كثير طيب. قلت: فمن كان أولهم؟
قال: آدم قلت: أنبي مرسل؟ قال: نعم، خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، سواه قبيلا، ثم قال: يا أبا ذر، أربعة سريانيون: آدم، وشيث، وخنوخ، وهو إدريس، وهو أول من خط بقلم، ونوح، وأربعة من العرب: هود، وشعيب، وصالح، ونبيك يا أبا ذر، وأول أنبياء بني إسرائيل موسى، وآخرهم عيسى، وأول الرسل آدم، وآخرهم محمد.
قال: قلت: يا رسول الله، كم كتاب أنزله الله؟ قال: مائة كتاب، وأربعة كتب، أنزل الله على شيث خمسين صحيفة، وعلى خنوخ ثلاثين صحيفة، وعلى إبراهيم عشر صحائف، وأنزل على موسى من قبل التوراة عشرة صحائف، وأنزل التوراة، والإنجيل، والزبور، والفرقان.
قال: قلت: يا رسول الله، ما كانت صحف إبراهيم؟ قال: كانت كلها: يا أيها الملك المسلط المبتلى المغرور، إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض، ولكني بعثتك لترد عني دعوة المظلوم، فإني لا أردها، ولو كانت من كافر، وكان فيها أمثال، وعلى العاقل أن يكون له ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يفكر في صنع الله، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم، والمشرب، وعلى العاقل أن لا يكون ضاعنا إلا لثلاث: تزود لمعاد، أو مرمة لمعاش، أو لذة في غير محرم، وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه، مقبلا على شأنه حافظًا للسانه، ومن حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه.
قال: قلت: يا رسول الله، فما كانت صحف موسى؟ قال: كانت عبرا كلها: عجبت لمن أيقن بالموت ثم هو يفرح، عجبت لمن أيقن بالقدر ثم هو ينصب، وعجبت لمن يرى الدنيا وتقلبها بأهلها ثم يطمئن إليها، وعجبت لمن أيقن بالحساب غدا ثم هو لا يعمل.
قال: قلت: يا رسول الله، فهل في أيدينا شيء مما كان في أيدي إبراهيم، وموسى، فيما أنزل الله عليك؟ قال: نعم اقرأ يا أبا ذر قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ۝ وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ۝ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ۝ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ۝ إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى ۝ صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى [الأعلى:14-19]. قال: قلت: يا رسول الله، أوصني قال: أوصيك بتقوى الله فإنه رأس أمرك، قال: قلت يا رسول الله زدني قال: عليك بتلاوة القرآن، وذكر الله، فإنه ذكر لك في السماء، ونور لك في الأرض، قال: قلت: يا رسول الله زدني، قال: إياك، وكثرة الضحاك، فإنه يميت القلب، ويذهب بنور الوجه، قال: قلت: يا رسول الله، زدني، قال: عليك بالجهاد فإنه رهبانية أمتي، قلت: زدني، قال: عليك بالصمت إلا من خير، فإنه مطردة للشيطان، وعون لك على أمر دينك. قلت: زدني قال: انظر إلى من هو تحتك، ولا تنظر إلى من هو فوقك، فإنه أجدر لك أن لا تزدري نعمة الله عليك. قلت: زدني. قال: أحبب المساكين، وجالسهم، فإنه أجدر أن لا تزدري نعمة الله عليك. قلت: زدني، قال: صل قرابتك، وإن قطعوك. قلت: زدني. قال: قل الحق، وإن كان مرا قلت: زدني. قال: لا تخف في الله لومة لائم. قلت: زدني. قال: يردك عن الناس ما تعرف من نفسك، ولا تجد عليهم فيما تحب، وكفى بك عيبًا أن تعرف من الناس ما تجهل من نفسك، أو تجد عليهم فيما تحب، ثم ضرب بيده صدري، فقال: يا أبا ذر، لا عقل كالتدبير، ولا ورع كالكف، ولا حسب كحسن الخلق.
الشيخ: وهذا الحديث جمع فيه صاحبه بين ألفاظ ثابتة عن أبي ذر في الصحيحين، وغيرها، وبين ألفاظ ليس لها أساس متين، ليس لها إسناد صحيح، فهذه الأشياء جمعها بعض الضعفاء، وبعض الكذابين في المتن، والسند، جمع الصحيح والسقيم، وفي بعضها عبر وعظات، وإن كانت ضعيفة الإسناد لكن فيها عظة وذكرى، والله المستعان.
س: ذكر أن أول الأنبياء والرسل هو آدم ؟
الشيخ: كلها ضعيفة الأحاديث، هذه ضعيفة كلها، لكن لا شك أنه رسول يوحى إليه، لأن الله بعثه بشريعة، حتى بعث الله نوحًا على شريعة، فهو نبي بلا شك، يعني هل كان رسولاً؟ فيه الحديث الضعيف هذا، وأول رسول على أهل الأرض هو نوح عليه الصلاة والسلام، كما جاء في الصحيحين أن الناس يوم القيامة يقولون: إنك أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض، يعني بعدما وقع فيهم الشرك، فإن صح أن آدم أول رسول، فهو رسول بشريعة أرسل بها إلى ذريته قبل وقوع الشرك، ونوح هو أول رسول بعد وقوع الشرك، أو أنه أول رسول مطلقًا، وكان آدم نبيًا فقط يعني يوحى إليه لكن ليس برسول، ويحتمل كما قال جماعة من أهل العلم أن كل نبي رسول، وكل رسول نبي، لكن من كان رسولاً مستقلاً كان أخص بوصف الرسالة، ومن كان تابعًا لغيره كأنبياء بني إسرائيل كانوا أخص بوصف النبوة، ونوح رسول مستقل عليه الصلاة والسلام، أرسله الله إلى أهل الأرض بعدما وقع فيهم الشرك، وبهذا جاء في حديث الشفاعة أنه أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض، يعني بعد وقوع الشرك.