تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ..}

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [الأنفال:24].

قال البخاري: اسْتَجِيبُوا أجيبوا لِمَا يُحْيِيكُمْ لما يُصلحكم.

حدَّثني إسحاق: حدثنا روح: حدثنا شعبة، عن حبيب بن عبدالرحمن قال: سمعتُ حفص بن عاصم يُحدِّث عن أبي سعيد ابن المعلى رضي الله عنه قال: كنتُ أُصلي، فمرّ بي النبي ﷺ، فدعاني، فلم آتِه حتى صليتُ ثم أتيتُه، فقال: ما منعك أن تأتيني؟ ألم يقل الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ؟! ثم قال: لأعلمنك أعظم سورةٍ في القرآن قبل أن أخرج، فذهب رسولُ الله ﷺ ليخرج، فذكرتُ له.

وقال معاذ: حدثنا شعبة، عن خبيب بن عبدالرحمن: سمع حفص بن عاصم: سمع أبا سعيدٍ -رجلًا من أصحاب النبي ﷺ- بهذا، وقال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة] هي السبع المثاني. هذا لفظه بحروفه.

وقد تقدّم الكلامُ على هذا الحديث بذكر طرقه في أول تفسير الفاتحة.

وقال مجاهد في قوله: لِمَا يُحْيِيكُمْ قال: للحقِّ.

وقال قتادة: لِمَا يُحْيِيكُمْ قال: هو هذا القرآن، فيه النَّجاة والبقاء والحياة.

مُداخلة: فيه النَّجاة والتّقاة والحياة.

الشيخ: لعلَّ البقاء أوضح؛ لأنَّ النَّجاة داخلة في التَّقوى، النَّجاة بالتقوى.

مُداخلة: ذكر تعليقًا قال: وفي "تفسير الطبري" الأثر برقمه فيه: الحياة والثّقة والنّجاة والعصمة في الدنيا والآخرة.

الشيخ: المعنى مُتقارب، لكن البقاء والحياة .....، المقصود أنَّ الله جلَّ وعلا يُخبر عباده أنَّه سبحانه ورسوله يدعوانهم إلى ما فيه حياتهم وسعادتهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة: اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ، وهي الحياة الطّيبة في الدنيا والآخرة، كما قال : مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً [النحل:97]، فالحياة الطيبة في الدنيا وفي الآخرة، في الدنيا مُوفّق للخير، مُستقيم على طاعة الله، بعيدٌ عن معاصي الله، وفي الآخرة في دار النَّعيم والكرامة.

والبقاء يعني: العيش الطيب الذي ليس فيه تنغيصٌ، وهي دار الكرامة، دار النَّعيم: لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ ولَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ [فاطر:35].

المقصود أنَّ الله جلَّ وعلا جعل استجابة العباد لربهم ولما جاء به نبيّهم هي الحياة السَّعيدة والبقاء والدّوام في دار الكرامة، حياة طيبة في الدنيا، وبقاء ودوام واستمرار في دار النَّعيم.

وقال السدي: لِمَا يُحْيِيكُمْ ففي الإسلام إحياؤهم بعد موتهم بالكفر.

وقال محمد بن إسحاق: عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ أي: للحرب التي أعزّكم اللهُ تعالى بها بعد الذّل، وقوّاكم بها بعد الضّعف، ومنعكم من عدوكم بعد القهر منهم لكم.

الشيخ: الآية عامّة، تعمّ الجهاد، وتعمّ الأعمال الصَّالحة كلّها؛ فالصلاة والزكاة والصّيام وجميع أنواع الطَّاعات وترك المعاصي كلّها حياة، والجهاد من جملة الطاعات في الدنيا، وفي الآخرة معلوم أنَّ الحياة: النَّعيم.

وقوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ قال ابنُ عباس: يحول بين المؤمن وبين الكفر، وبين الكافر وبين الإيمان. رواه الحاكم في "مستدركه" موقوفًا، وقال: صحيحٌ ولم يُخرجاه.

ورواه ابنُ مردويه من وجهٍ آخر مرفوعًا، ولا يصحّ؛ لضعف إسناده، والموقوف أصحّ.

وكذا قال مجاهد وسعيد وعكرمة والضَّحاك وأبو صالح وعطية ومُقاتل بن حيان والسّدي.

وفي روايةٍ عن مجاهد في قوله: يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ أي: حتى يتركه لا يعقل.

وقال السدي: يحول بين الإنسان وقلبه، فلا يستطيع أن يُؤمن ولا يكفر إلا بإذنه.

وقال قتادة: هو كقوله: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق:16].

الشيخ: الآية عامّة، فالله سبحانه يحول بين المرء وقلبه، فلا يتمكّن، ولا يخضع، ولا يريد إلا ما أراده الله جلَّ وعلا، فهو سبحانه الذي بيده تصريف الأمور، والعبد ليس له تصرّف: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا [الأنعام:125]، وهو سبحانه بيده تصريف هذه القلوب؛ فإن شاء شرحها للحقِّ وقبلته، وإن شاء ضيَّقها وصارت تنفر من الحقِّ ولا تُريده لما سبق في علم الله من شقاوتها، فالقلوب بيده جلَّ وعلا؛ ولهذا في الحديث: اللهم يا مُقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك، ويقول عليه الصلاة والسلام: القلوب بين أصبعين من أصابع الله يُقلّبها كيف يشاء.

فالواجب على العبد أن يضرع إلى الله دائمًا، وأن يسأله تثبيت قلبه على الإيمان، وألا يزيغه عن الهدى، كما في دعوة المؤمنين: رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [آل عمران:8]، وكان من دعائه: يا مُقلّب القلوب، ثبّت قلبي على دينك، ومن أيمانه: لا، ومُقلّب القلوب.

س: بعض الناس يُشكل عليه قوله تعالى: وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [البلد:10]، والعلم السابق؟

ج: هديناه: دللناه وأرشدناه وبيّنا له النَّجدين: طريق الهدى، وطريق الشَّقاء، كما في الآية الأخرى: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا [الإنسان:3]، فالله أوضح له الطّريق، وبيّن له طريق النَّجاة، وطريق السعادة، وطريق الشَّقاء بالأدلة: بالقرآن والسنة، والهداية بيده جلَّ وعلا، والعبد له أفعال، وله إرادات، وله تصرُّفات، ولكن الله جلَّ وعلا هو الذي يُدبره ، بيده تصريفه، سيشرح صدره لهذا أو لهذا، نعم، الله المستعان.

وقد وردت الأحاديث عن رسول الله ﷺ بما يُناسب هذه الآية.

وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن أنس بن مالك قال: كان النبي ﷺ يُكثر أن يقول: يا مقلب القلوب، ثبّت قلبي على دينك، قال: فقلنا: يا رسول الله، آمنا بك وبما جئتَ به، فهل تخاف علينا؟ قال: نعم، إنَّ القلوب بين أصبعين من أصابع الله تعالى يُقلّبها.

وهكذا رواه الترمذي في كتاب "القدر" من جامعه، عن هناد بن السري، عن أبي معاوية محمد بن حازم الضَّرير.

الشيخ: ابن خازم بالخاء، نعم.

عن أبي معاوية محمد بن خازم الضَّرير، عن الأعمش، واسمه: سليمان بن مهران، عن أبي سفيان، واسمه: طلحة بن نافع، عن أنسٍ، ثم قال: حسنٌ.

وهكذا رُوي عن غير واحدٍ، عن الأعمش.

ورواه بعضُهم عنه، عن أبي سفيان، عن جابر، عن النبي ﷺ.

وحديث أبي سفيان عن أنسٍ أصحّ.

حديثٌ آخر: وقال الإمام أحمد في "مسنده": حدثنا عبد بن حميد: حدثنا عبدالملك بن عمرو: حدثنا شعبة، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن بلالٍ رضي الله عنه: أن النبي ﷺ كان يدعو: يا مُقلب القلوب، ثبّت قلبي على دينك. هذا حديثٌ جيدُ الإسناد، إلا أنَّ فيه انقطاعًا.

الشيخ: لأنَّ ابن أبي ليلى لم يسمع من بلالٍ هذا، المقصود أنَّ عبدالرحمن ابن أبي ليلى لم يسمع من بلالٍ.

مُداخلة: في نسخة (الشعب): قال عبد بن حميد في "مسنده": ليس في "مسند الإمام أحمد".

الشيخ: وأنتم أيش عندكم؟

الطالب: في مخطوطة الأزهر: قال الإمام أحمد: قال الإمام عبد بن حميد في "مسنده".

الشيخ: يُراجع "المسند": مسند بلال.

الطالب: راجعت "المسند".

الشيخ: مسند بلال؟

الطالب: نعم، ليس فيه .....

مُداخلة: في "الخلاصة" مكتوب: عبدالرحمن ابن أبي ليلى، الأنصاري، الأوسي، أبو عيسى، الكوفي، عن عمر ومعاذ وبلال وأبي ذرّ، أدرك مئةً وعشرين من الصحابة الأنصاريين، وعنه ابنه عيسى ومجاهد وعمرو بن ميمون -أكبر منه- والمنهال بن عمرو وخلق، وقال عبدالله بن الحارث: ما ظننتُ أن النساء يلدن مثله. وثّقه ابنُ معين، وقال أبو نعيم: مات سنة ثلاثٍ وثمانين. (البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه، والترمذي).

الشيخ: روايته عن بلالٍ ما لقيه؛ لأنَّ بلالًا مات في الشَّام، ما أدركه ابنُ أبي ليلى.

س: الإمام أحمد يروي عن عبد بن حميد؟

ج: الذي عندك؟ الإمام أحمد قال: حدثنا؟

وقال الإمام أحمد في "مسنده": حدثنا عبد بن حميد: حدثنا عبدالملك بن عمرو: حدثنا شعبة، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن بلالٍ .

مُداخلة: في نسخة (الشعب): قال عبد بن حميد في "مسنده".

الشيخ: حطّ نسخة: "قال عبد بن حميد"، والأقرب -والله أعلم- أنَّه عبد بن حميد؛ لأنَّ عبدالملك بن عمرو من شيوخ أحمد رحمه الله بدون واسطةٍ، ولا أذكر أنَّه يروي عن عبد بن حميد.

مُداخلة: كذلك أطراف "المسند" ليس .....

الشيخ: هذا يُؤيد أنَّه عبد بن حميد.

............

س: نُصلحه إلى: عبد بن حميد؟

ج: نعم، أحسن.

س: ابن أبي ليلى هذا عبدالرحمن ثقة .....؟

ج: ولده الذي فيه الضَّعف، ولده: محمد بن عبدالرحمن هو المضعف، أما هذا فتابعي، من كبار التابعين، روى عن مئةٍ وعشرين من الصحابة .

س: ليس والد الضَّعيف؟

ج: بلى، هو والد الضَّعيف، هو والد محمد.

حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا الوليد بن مسلم قال: سمعتُ ابن جابر يقول: حدّثني بسر بن عبيدالله الحضرمي.

الشيخ: ابن جابر، لعله: يزيد بن عبدالرحمن بن جابر.

أنه سمع أبا إدريس الخولاني يقول: سمعتُ النواس بن سمعان الكلابي رضي الله عنه يقول: سمعتُ النبي ﷺ يقول: ما من قلبٍ إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن ربّ العالمين، إذا شاء أن يُقيمه أقامه، وإذا شاء أن يزيغه أزاغه، وكان يقول: يا مُقلّب القلوب، ثبّت قلبي على دينك، قال: والميزان بيد الرحمن يخفضه ويرفعه.

وهكذا رواه النَّسائي وابن ماجه من حديث عبدالرحمن بن يزيد بن جابر، فذكر مثله.

حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا يونس: حدثنا حماد بن زيد، عن المعلى بن زياد، عن الحسن: أنَّ عائشة قالت: دعوات كان رسولُ الله ﷺ يدعو بها: يا مقلب القلوب، ثبّت قلبي على دينك، قالت: فقلت: يا رسول الله، إنَّك تُكثر أن تدعو بهذا الدُّعاء! فقال: إنَّ قلب الآدمي بين أصبعين من أصابع الله، فإذا شاء أزاغه، وإذا شاء أقامه.

حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا هاشم: حدثنا عبدالحميد: حدثني شهر: سمعتُ أمَّ سلمة تُحدّث: أنَّ رسول الله ﷺ كان يُكثر في دُعائه يقول: «اللهم مُقلب القلوب، ثبّت قلبي على دينك»، قالت: فقلت: يا رسول الله، أوإنَّ القلوب لتقلّب؟ قال: «نعم، ما خلق الله من بشرٍ من بني آدم إلا أنَّ قلبَه بين أصبعين من أصابع الله عزَّ وجلَّ، فإن شاء أقامه، وإن شاء أزاغه، فنسأل الله ربنا أن لا يُزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، ونسأله أن يهب لنا من لدنه رحمةً، إنَّه هو الوهاب»، قالت: فقلت: يا رسول الله، ألا تُعلمني دعوةً أدعو بها لنفسي؟ قال: «بلى، قولي: اللهم ربّ النبي محمد، اغفر لي ذنبي، وأذهب غيظ قلبي، وأجرني من مُضلات الفتن ما أحييتني».

الشيخ: أعد السَّند، إذا كان سيدُ ولد آدم يسأل ربَّه أن يُثبت قلبَه، فكيف بغيره؟!

هذا من أهم الدعاء، ومن جوامع الدعاء: "اللهم يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك، ويا مُصرّف القلوب، صرّف قلبي على طاعتك"، {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام:110]، نسأل الله العافية.

 

قال الإمام أحمد: حدثنا هاشم: حدثنا عبدالحميد: حدثني شهر: سمعت أم سلمة تحدث: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُكثر في دُعائه يقول: «اللهم مُقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك»، قالت: فقلت: يا رسول الله، أوإنَّ القلوب لتقلب؟ قال: «نعم، ما خلق الله من بشرٍ من بني آدم إلا أنَّ قلبه بين أصبعين من أصابع الله عزَّ وجلَّ، فإن شاء أقامه، وإن شاء أزاغه، فنسأل الله ربنا أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، ونسأله أن يهب لنا من لدنه رحمةً، إنَّه هو الوهاب»، قالت: فقلت: يا رسول الله، ألا تعلّمني دعوةً أدعو بها لنفسي؟ قال: «بلى، قولي: اللهم ربّ النبي محمد، اغفر لي ذنبي، وأذهب غيظ قلبي، وأجرني من مُضلات الفتن ما أحييتني».

الشيخ: هذا حسنٌ، لا بأس بإسناده، شهر صرَّح بالسماع من أم سلمة، وأم سلمة هذه هي أسماء بنت يزيد بن السكن، والأحاديث السَّابقة تُؤيده.

مُداخلة: عندنا بسر بن عبدالله.

الشيخ: لا، غلط، "ابن عبيدالله" بالتَّصغير، صلح "عبدالله"، صلحه: "عبيدالله" بالتَّصغير.

 

حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا أبو عبدالرحمن: حدثنا حيوة: أخبرني أبو هانئ: أنه سمع أبا عبدالرحمن الحبلي: أنه سمع عبدالله بن عمرو: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلبٍ واحدٍ، يصرفها كيف شاء»، ثم قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم مُصرّف القلوب، صرف قلوبنا إلى طاعتك». انفرد بإخراجه مسلم عن البخاري، فرواه مع النَّسائي من حديث حيوة بن شريح المصري، به.

الشيخ: ولهذا قال جلَّ وعلا في عقاب مَن أدبر عن الحقِّ: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام:110] لما أعرضوا عن الحقِّ قلبت أفئدتهم وأبصارهم، نسأل الله العافية.

 

{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال:25].

يُحذر تعالى عباده المؤمنين فتنةً، أي: اختبارًا ومحنةً.

الشيخ: لأنَّ الفتنة معناها: الاختبار والامتحان، ومن ذلك قول الحجاج: فتنت كذا، يعني: اختبرته، فتنت الحديث الفلاني، فتنت الشيء الفلاني، يعني: اختبرته.

والله يبتلي عباده بالفتن اختبارًا وامتحانًا لمن يثبت على الحقِّ، ومَن يزيغ عن الحقِّ، ولا حولَ ولا قوة إلا بالله، نسأل الله العافية.

 

يعمّ بها المسيء وغيره، لا يخصّ بها أهل المعاصي، ولا مَن باشر الذَّنب، بل يعمّهما، حيث لم تدفع وترفع، كما قال الإمام أحمد: حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم: حدثنا شداد بن سعيد: حدثنا غيلان بن جرير، عن مطرف قال: قلنا للزبير: يا أبا عبدالله، ما جاء بكم؟! ضيّعتم الخليفة الذي قُتل ثم جئتُم تطلبون بدمه؟! فقال الزبير رضي الله عنه: إنا قرأنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} لم نكن نحسب أنا أهلها حتى وقعت منا حيث وقعت.

وقد رواه البزار من حديث مطرف، عن الزبير، وقال: لا نعرف مطرفًا روى عن الزبير غير هذا الحديث.

وقد روى النَّسائي من حديث جرير بن حازم، عن الحسن، عن الزبير نحو هذا.

وقد روى ابنُ جرير: حدثني الحارث: حدثنا عبدالعزيز: حدثنا مبارك بن فضالة، عن الحسن قال: قال الزبير: لقد خوفنا بها –يعني: قوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}- ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما ظننا أنا خصصنا بها خاصةً.

وكذا رواه حميد، عن الحسن، عن الزبير رضي الله عنه.

وقال داود ابن أبي هند: عن الحسن في هذه الآية قال: نزلت في علي وعمار وطلحة والزبير رضي الله عنهم.

مداخلة: في نسخة: عثمان.

الشيخ: حط نسخة "عثمان"، و"عمار" الأقرب، وقع فيها كلها: «تقتل عمارًا الفئة الباغية»، الله المستعان، الله أكبر.

 

وقال سفيان الثوري: عن الصلت بن دينار، عن عقبة بن صهبان: سمعت الزبير يقول: لقد قرأتُ هذه الآية زمانًا، وما أرانا من أهلها، فإذا نحن المعنيون بها: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.

وقد رُوي من غير وجهٍ عن الزبير بن العوام.

وقال السدي: نزلت في أهل بدرٍ خاصةً، فأصابتهم يوم الجمل، فاقتتلوا.

وقال علي ابن أبي طلحة: عن ابن عباسٍ في قوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} يعني: أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خاصة.

وقال في روايةٍ له عن ابن عباسٍ في تفسير هذه الآية: أمر اللهُ المؤمنين أن لا يقرّوا المنكر بين ظهرانيهم فيعمّهم الله بالعذاب. وهذا تفسيرٌ حسن جدًّا؛ ولهذا قال مجاهد في قوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} هي أيضًا لكم. وكذا قال الضَّحاك ويزيد ابن أبي حبيب، وغير واحدٍ.

وقال ابنُ مسعودٍ: ما منكم من أحدٍ إلا وهو مُشتمل على فتنةٍ، إنَّ الله تعالى يقول: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن:15]، فأيّكم استعاذ فليستعذ بالله من مُضلات الفتن. رواه ابنُ جرير.

والقول بأنَّ هذا التَّحذير يعمّ الصحابة وغيرهم -وإن كان الخطاب معهم- هو الصحيح.

الشيخ: هذا هو الصواب، فالآيات تعمّهم وتعمّ غيرهم رضي الله عنهم، وأنَّ الواجب على الناس الحذر من الفتن: فتن الشهوات، وفتن الأموال. فتن الأولاد، فتن حُبّ المال، وفتن الشُّكوك والأوهام، إلى غير ذلك، فالإنسان قد يُبتلى بأمورٍ عظيمةٍ، فالواجب أن يحذر الفتنة التي بها هلاكه وزيغ قلبه، يسأل ربَّه الثبات على الحقِّ، والعافية من مُضلات الفتن، وليحذر الأسباب التي تجرّه إلى ذلك.

 

ويدل عليه الأحاديث الواردة في التَّحذير من الفتن، ولذلك كتاب مُستقل يُوضح فيه -إن شاء الله تعالى- كما فعله الأئمة وأفردوه بالتَّصنيف.

ومن أخص ما يُذكر هاهنا ما رواه الإمام أحمد حيث قال: حدثنا أحمد بن الحجاج: أخبرنا عبدالله –يعني: ابن المبارك-: أنبأنا سيف.

الشيخ: الموقف قريب؟

قارئ المتن: باقٍ.

الشيخ: قف على هذا.

...........

س: أم سلمة: أسماء بنت يزيد، أو هند؟

ج: هذه سيدته: أسماء بنت يزيد بن السكن، تُكنى: أم سلمة.

مُداخلة: المحشي ..... إنها هند.

الشيخ: لا، المعروف: أسماء بنت يزيد.

س: استجابة الولد لوالديه في الصلاة: الفرض والنافلة؟

ج: هذا في حقِّ مَن قبلنا، أما الرسول فاستجاب عليه الصلاة والسلام، وأما قصة جريج هذه فهي فيمَن قبلنا، الرسول نهى عن الكلام في الصلاة عليه الصلاة والسلام، وأنَّ الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التَّسبيح والتَّكبير وقراءة القرآن، هكذا رواه مسلم في الصحيح.

س: إجابة الوالدين؟

ج: لا الوالد، ولا غيره.

س: وفي النافلة؟

ج: عام، والنافلة إلا من ضرورةٍ، إن كانت هناك ضرورة، حتى ولو في الفريضة، إن كانت ضرورة: أعمى يخشى أن يسقط في بئرٍ يُنبهه ولو في الصلاة، ولو يقطعها بالكلية، ولو فريضة حتى يُنقذ أخاه.

س: شهر أليس مُتكلَّمًا فيه؟

ج: بلى، ولكن في هذا له مُتابعات، أحاديث كثيرة تدلّ على صحة الحديث، وهو صدوق.

س: وروايته عن أسماء؟

ج: مُتَّصلة، سيدته.