باب حمل المحدث والمستجمر في الصلاة وثياب الصغار وما شك في نجاسته

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغر المحجلين نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا ومرحبًا بحضراتكم إلى درسٍ جديدٍ من دروس "المنتقى".

ضيف اللِّقاء هو سماحة العلامة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، المفتي العام للمملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء.

مع مطلع هذا اللِّقاء نُرحب بسماحة الشيخ، فأهلًا ومرحبًا يا سماحة الشيخ.

الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

المقدم: وقف بنا الحديثُ عند:

باب حمل المحدِث والمستجمر في الصلاة وثياب الصِّغار وما شكّ في نجاسته

- عَنْ أَبِي قَتَادَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بنت رسول الله ﷺ، فَإِذَا رَكَعَ وَضَعَهَا، وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ ﷺ الْعِشَاءَ، فَإِذَا سَجَدَ وَثَبَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَى ظَهْرِهِ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ أَخَذَهُمَا مِنْ خَلْفِهِ أَخْذًا رَفِيقًا، وَوَضَعَهُمَا عَلَى الْأَرْضِ، فَإِذَا عَادَ عَادَا حَتَّى قَضَى صَلَاتَهُ، ثُمَّ أَقْعَدَ أَحَدَهُمَا عَلَى فَخِذَيْهِ، قَالَ: فَقُمْتُ إلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرُدُّهُمَا؟ فَبَرَقَتْ بَرْقَةٌ، فَقَالَ لَهُمَا: الْحَقَا بِأُمِّكُمَا، فَمَكَثَ ضَوْؤُهَا حَتَّى دَخَلَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ.

- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ وَأَنَا إلَى جَنْبِهِ، وَأَنَا حَائِضٌ، وَعَلَيَّ مِرْطٌ، وَعَلَيْهِ بَعْضُهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.

- وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ لَا يُصَلِّي فِي شُعُرِنَا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَلَفْظُهُ: لَا يُصَلِّي فِي لُحُفِ نِسَائِهِ.

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهداه.

أما بعد: فهذه الأحاديث تدل على أنه عليه الصلاة والسلام كان يُعلم الناسَ بفعله وقوله، قال الله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، وقال ﷺ: صلوا كما رأيتُموني أُصلي، فكان يحمل أمامة بنت زينب في الصلاة، فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها.

وهكذا إذا سجد ربما وثب الحسنُ أو الحسينُ على ظهره، فإذا جلس أخذهما أخذًا رفيقًا فأجلسهما على الأرض.

كل هذا يدل على أنَّ مثل هذا لا بأس به، وأن الأصل في الأطفال في مثل هذا الطَّهارة، فلا يضرّ كون الطفل يركب على ظهر الساجد، أو يحمله، لا يضرّه في الصلاة ما دام لا يعلم فيه نجاسة، فالأصل الطهارة؛ لأنَّ هذا يُبتلى به المسلم في بيته في أطفاله، فمن رحمة الله أن يسَّر ذلك، والنبي فعل هذا ليعلم الناس، ليعلموا أنَّ مثل هذا لا حرج فيه: كون الإنسان يطوف بالطفل، يطوف به، أو يُصلي به، كما قال للمرأة التي سألت معها صبي صغير: ألهذا حجّ؟ قال: نعم، ولكِ أجر، فدلَّ على أنها إذا طافت به أو سعت به لا حرج عليها.

وهكذا إذا صلَّى المؤمنُ وحمل طفله عند الحاجة في بعض الصلاة، أو ركبه عند السُّجود، كل هذا مما يُعفا عنه؛ لأنَّ الأصل الطَّهارة والسلامة.

وأما اللُّحف فهي قسمان:

اللحف الطاهرة لا بأس بها، كما جاء في الأحاديث الأخرى: أنه كان يُصلي في فرشهن.

وأما اللحف التي فيها نجاسة تُترك، لا يُصلَّى فيها.

وفي حديثٍ أنه كان يُصلي وطرف الثوب الذي عليها عليه، لا يضرّ؛ لأنَّ الأصل الطَّهارة، فإذا لم يعلم أنَّ في الثوب نجاسةً صُلِّي عليه، وصُلِّي فيه، وهكذا الحصير، وهكذا الأرض الأصل فيها الطَّهارة، فيُصلي على الحصير، سواء كان من سعف النَّخل، أو من غيره، وعلى البساط، وعلى الأرض البارزة، الأصل فيها الطَّهارة، إلا أن يعلم أنَّ هذا الشيء نجس، وإلا فالأصل الطَّهارة.

وهذا من رحمة الله، ومن تيسيره ورحمته لعباده: أن يسَّر هذا الأمر.

وفي الحديث يقول ﷺ: جُعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فكما أنَّ الأرض أصلها مسجد وطهور، فهكذا اللُّحف، وهكذا الفُرش الأصل فيها الطَّهارة، إلا ما علم المصلي أنه نجس فإنه يتجنَّبه.

س: سماحة الشيخ، هل صحيح أنَّ الحركة محدودة بثلاثٍ، وما زاد يُبطل الصلاة؟

الشيخ: ليس لها حدٌّ، إنما هو الفحش، يعني: إذا كان شيئًا فاحشًا كثيرًا مُتواليًا، فاحش يعتقد أنه فاحش كثير، وأما تقييدها بثلاث حركات ليس عليه دليل.

س: دلَّت الأحاديثُ التي قرأناها على حُسن الرعاية مع الأولاد، هل يُفرق في حمل الصغير بين الفريضة والنَّافلة؟

الشيخ: لا، النبي كان يُصلي بهم فريضةً، لا فرق: فرض أو نفل.

س: كيف يُعامل المسلم أولاده ويترفق بهم؟

الشيخ: الواجب أن يرفق بهم، والرحمة لهم، والإحسان إليهم، إلا إذا أخطأوا أدَّبهم التَّأديب المناسب، إذا أخطأوا -غلطوا- يُؤدّبهم التأديب المناسب، كما لو تخلَّفوا عن الصلاة وهم أبناء عشرٍ فأكثر؛ يُؤدبون أدبًا لا يضرّهم، ولكن يُحرضهم على الصلاة، وكما يُضربون إذا تعاطوا ما حرَّم الله من مسكرٍ، أو سبٍّ لآبائهم، أو عبثٍ يُؤذي والدهم وأمهم؛ تُؤدبهم أدبًا لا يضرّهم، ولكن يُردعهم.

س: يتساءل كثيرٌ من الإخوان عن صحة حديث: جنِّبوا مساجدكم الصبيان والخصومات والحدود والشِّراء؟

الشيخ: المعنى صحيح، لكن الحديث ضعيف، الصبي إذا كان بلغ سبعًا لا بأس يحضر، والحديث ضعيف: جنِّبوا المساجد صبيانكم .. هذا ضعيف، لكن معناه صحيح، الصبي الذي يعبث وهو دون السبع يُمنع، والمجانين يُمنعون إذا كانوا يُؤذون الناس، ما لهم عقول يُمنعون، وأناشيد الشعر المحرَّمة، الشعر المحرم يُمنع، أما الشعر الطيب لا بأس به، والصبي الذي لا يعبث يقرّ، وإذا كان يعبث يُمنع، يعني: يعلم، يُصلي، لكن يعلم، كما صلَّى ابن عباسٍ مع النبي ﷺ في صلاة الليل ولم يبلغ، وكما قال ﷺ: مروا أولادكم بالصلاة لسبعٍ، واضربوهم عليها لعشرٍ، فالصبي يُؤمر بالصلاة، لكن إذا عبث يُؤدَّب ويُعلَّم حتى لا يعبث.

س: ذكرتم الحديث الضَّعيف، متى يجوز العملُ بالحديث الضَّعيف؟

الشيخ: الحديث الضعيف لا يُحتجّ به، ولا يُعمل به، إنما هو يُذكر في الفضائل، كما يُذكر ..... في الترغيب والترهيب في فضائل الأعمال، من باب التَّشويق إلى بعض العمل الصالح المعروف الثابت، مثل: أحاديث فضل الصَّلاة والأجر فيها، وفضل الصوم، وفضل الصَّدقات، يعني: تُذكر بعض الضَّعيفة للحثِّ والترغيب على جنس الصَّدقة، والصدقة معروف فضلها بأدلةٍ صحيحةٍ، وهكذا الصلاة معروف فضلها بالأدلة الصَّحيحة.

 

بَابُ مَنْ صَلَّى عَلَى مَرْكُوبٍ نَجِسٍ أَوْ قَدْ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ

- عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى خَيْبَرَ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد.

- وَعَنْ أَنَسٍ: أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ ﷺ يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ، وَهُوَ رَاكِبٌ إلَى خَيْبَرَ، وَالْقِبْلَةُ خَلْفَهُ. رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.

الشيخ: هذا يدل على جواز ركوب الحمار، ومثله البغل، والصلاة عليهما لا بأس، والصواب أنهما طاهران، وإن كانا مُحرَّمي الأكل، لكنَّهما في حكم الطاهرين كالهرة؛ لأنها من الطوافين علينا، فإذا شرب من الماء أو عرق ما يضرّ، المسلم حكمه الطهارة: بدنه طاهر، هو الظاهر، وإن كان بوله نجسًا، وروثه نجسًا، فالآدمي طاهر، وبوله نجس، وروثه نجس، والهرة كذلك طاهرة، تشرب من مائنا، وبولها نجس، وروثها نجس.

فهكذا الحمار والبغل: الصواب أنهما طاهران، فإذا ركبهما وليس على ظهرهما شيء بينه وبين ظهرهما أو عرقا فلا بأس، أو صلَّى على ظهرهما لا حرج، كما صلَّى النبيُّ عليه الصلاة والسلام على الحمار، وركب البغلة، فكل هذا يدل على جواز ركوب الحمر والبغال، والصلاة على ظهورها، كما يُصلَّى على البعير.

س: الصلاة هذه نافلة؟

الشيخ: نافلة، أما الفريضة فينزل، إن كان في السفر ينزل ويُصلي في الأرض، إلا عند الضَّرورة إذا لم يستطع النزول: كالمريض المربوط على الدابة، أو الأرض فيها سلى يمنع من النزول فيها؛ فلا بأس أن يُصلي على ظهر الدابة الفريضة، يُوقفها ويُصلي إلى القبلة عند الضَّرورة.

 

بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى الْفِرَاءِ وَالْبُسُطِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الفراش

- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى عَلَى بِسَاطٍ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ.

- وَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي عَلَى الْحَصِيرِ وَالْفَرْوَةِ الْمَدْبُوغَةِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.

- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: فَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي عَلَى حَصِيرٍ يَسْجُدُ عَلَيْهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

- وَعَنْ مَيْمُونَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي عَلَى الْخُمْرَةِ. رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ، لَكِنَّهُ لَهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ .

- وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: مَا أُبَالِي لَوْ صَلَّيْتُ عَلَى خَمْسِ طَنَافِسَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي "تَارِيخِهِ".

الشيخ: كل هذا يدل على أنه لا بأس أن يُصلي الإنسانُ على الحصر والجلود المدبوغة الطاهرة: كالفروة وأشباه ذلك، كل هذا لا بأس، الأصل في هذا الصحة، إلا ما عُلمت نجاسته؛ ولهذا كان النبيُّ يُصلي على الحصير، ولما زار أم أنسٍ بسطوا له حصيرًا ملبوسًا، قد اسودَّ من طول ما لبس، فنضحه أنسٌ، وصلَّى عليه النبيُّ ﷺ، فلا بأس أن يُصلَّى على الحصر والفرش والبُسط من الصوف، أو من القطن، أو من الخوص، أو من غير ذلك إذا كانت طاهرةً، أو لا يعلم فيها نجاسة، فالأصل الطَّهارة، كما يُصلي على الأرض، الأصل فيها الطَّهارة إلا ما عُلمت نجاسته.

س: بالنسبة لحكم الصلاة على الفراش الذي فيه نجاسة وهو يابس؟

الشيخ: لا يُصلَّى عليه إلا على الطرف الذي ما فيه نجاسة، أما إذا كان الطرفُ فيه نجاسة فلا بدَّ أن يصبَّ عليه الماء، يُكاثر بالماء، أما إذا كان البساطُ طويلًا كبيرًا، طرفه فيه نجاسة، وطرف سليم، يُصلي على الطرف السَّليم.

س: هل تزول النَّجاسة بغير التَّطهير؟

الشيخ: النَّجاسة لا تزول إلا بالماء، إلا الاستجمار، يُستثنى الاستجمار، فإذا استجمر زال حكمُ النَّجاسة.

س: يتحرج بعضُ الذين عندهم وساوس من الصلاة في الفرش والثياب التي لا يدري: هل هي نجسة أم طاهرة؟

الشيخ: لا ينبغي التَّحرج؛ الرسول ﷺ هو سيد الخلق، وهو القدوة عليه الصلاة والسلام، فالأصل الطَّهارة إلا ما علمت أنه نجس، فإذا علمت أنَّ هذه الأرض أو هذا الحصير نجس، وإلا فالأصل الطَّهارة.

س: ما حكم الدُّخول إلى دورات المياه بغير نعالٍ؟

الشيخ: لا حرج في ذلك، لكن إن وطئ نجاسةً يغسل رجله، وإن ما وطئ نجاسةً فالحمد لله.

س: أيّهما أفضل: الصلاة على الأرض أم البساط؟

الشيخ: الأمر واسع: إن صلَّى على الأرض أو البساط فالأمر واسع، الرسول ﷺ قال: جُعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فإذا صلَّى على البساط فقد صلَّى عليه النبيُّ ﷺ، وإذا صلَّى على الأرض فقد صلَّى عليها النبيُّ ﷺ، فالأمر واسع والحمد لله.

س: بعض الناس إذا حضر إلى المسجد يكون معه سجادة، مع أنَّ الأرض مفروشة، ما رأيكم بهذا؟

الشيخ: الأولى ترك هذا؛ لئلا يخصّ نفسه بشيءٍ، الأولى أن يُصلي مع الناس على ما صلَّوا عليه، ولا يخصّ نفسه بشيءٍ، هذا هو الأحوط والأولى.

 

بَابُ الصَّلَاةِ فِي النَّعْلَيْنِ وَالْخُفَّيْنِ

- عَنْ أَبِي سلمة سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسًا: أَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُصَلِّي فِي نَعْلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

- وَعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: خَالِفُوا الْيَهُودَ، فَإِنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ وَلَا خِفَافِهِمْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

الشيخ: قد ثبت عنه ﷺ أنه كان يُصلي في نعليه، وفي خُفَّيه، ويقول: خالفوا اليهود، فإنهم لا يُصلون في نعالهم، ولا في خفافهم، وهذا يدل على الجواز، وأنَّ الإنسان يُصلي في نعليه إذا كانتا سليمتين، وفي خُفَّيه أيضًا إذا كانا طاهرين، فالأمر في هذا واسع والحمد لله، خلافًا لليهود.

المقصود أنَّ المؤمن يقبل رخص الله: إنَّ الله يُحبُّ أن تُؤتى رخصه، فإذا كان عليه خُفَّان أو جوربان صلَّى فيهما، إذا كان لبسهما على طهارةٍ.

 

بَابُ الْمَوَاضِعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا وَالْمَأْذُونِ فِيهَا لِلصَّلَاةِ

- عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: جُعِلَتْ لِي كُلُّ الْأَرْضِ طَيِّبَةً مَسْجِدًا وَطَهُورًا رَوَاهُ الْخَطَّابِيُّ بِإِسْنَادِهِ.

- وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ أَوَّل؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى، قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: حَيْثُمَا أَدْرَكْتَ الصَّلَاةَ فَصَلِّ، فَكُلُّهَا مَسْجِدٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إلَّا الْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيَّ.

- وَعَنْ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا تُصَلُّوا إلَى الْقُبُورِ، وَلَا تَجْلِسُوا عَلَيْهَا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَابْنَ مَاجَهْ.

- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: اجْعَلُوا مِنْ صَلَاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ، وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ.

- وَعَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ الْبَجَلِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ وَهُوَ يَقُولُ: إنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ، أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، إنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: صَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، وَلَا تُصَلُّوا فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

- وَعَنْ زَيْدِ بْنِ جَبِيرَةَ، عَنْ دَاوُد بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى أَنْ يُصَلَّى فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: فِي الْمَزْبَلَةِ، وَالْمَجْزَرَةِ، وَالْمَقْبَرَةِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَفِي الْحَمَّامِ، وَفِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ، وَفَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ اللَّهِ. رَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي "مُسْنَدِهِ"، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ.

الشيخ: هذه الأحاديث كلها تدل على أنَّ الأرض كلها مسجد، وأن الإنسان يُصلي حيث أدركته الصلاةُ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: جُعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فأيما رجلٍ أدركته الصلاةُ فليُصلِّ، فالأرض كلها مسجد، في أي أرضِ الله متى أدركتك الصلاةُ فإنَّك تُصلِّي في أي مكانٍ، إلا ما تعلم أنه نجس أو مغصوب فإنك تجتنبه، أو من معاطن الإبل، ما استثناه الشارع، وإلا فالأصل: الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام، كما قال ﷺ.

المقبرة لا يُصلَّى فيها؛ لأنَّ الصلاة في المقبرة وسيلةٌ للشرك، وكان المشركون -اليهود والنصارى- يُصلون في المقابر، واتَّخذوها مساجد، وحذَّر النبيُّ من ذلك، قال: لعن اللهُ اليهودَ والنَّصارى؛ اتَّخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يُحذرنا من ذلك، وقال: ألا وإنَّ مَن كان قبلكم كانوا يتَّخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك.

فلا تجوز الصلاة في المقابر، ولا أن تُتَّخذ مُصلًّى؛ لأنَّ هذا من وسائل الشرك، ومن عمل اليهود والنصارى، وهكذا الحمام؛ لأنه محل قضاء الحاجات، ومحل النَّجاسة، فلا يُصلَّى في الحمام؛ لأنه تُقضى فيه الحاجة؛ لأنه محل القذر، محل البول والغائط، فلا يُصلَّى فيه.

أما حديث زيد بن جبيرة: أن الرسول نهى عن سبعة مواطن. فهو حديث ضعيف عند أهل العلم، لكن ما دلَّت الأحاديث الصحيحة عليه منه صحيح، مثل: المقبرة والحمام، هذا لا يُصلَّى فيها، مثلما جاء في الحديث الصحيح: حديث أبي سعيدٍ.

والمجزرة إذا كان فيها دم لا يُصلَّى فيها؛ لأنَّ الدم نجس، فالمجزرة إذا كانت فيها دماء لا يُصلَّى فيها.

أما فوق ظهر بيت الله فالأصل أنه لا بأس به، يُصلي في جوف الكعبة، أو على ظهرها، أو في الحِجْر، كل هذا لا بأس به، الأمر واسع والحمد لله، والحديث ضعيف، ما انفرد به زيد فهو ضعيف -زيد بن جبيرة-.

وقارعة الطريق الأفضل عدم الصلاة فيها؛ لأنَّ النبي ما كان يُصلي في قارعة الطريق؛ لأنه محل طرق الناس، محل الماشي والراكب والدَّواب، فينبغي تجنب وسط الطريق، يُصلي على حافته من هنا أو من هنا، ويترك قارعة الطريق؛ لئلا يُصيبه ضرره، أو يضيق على الناس، ليس من أجل النَّجاسة، لكن من أجل أنه قد يتأذى به الناس، وقد يضرّ المشاة والركاب في الطريق.

س: الصلاة في البيت لها مزايا عديدة؟

الشيخ: السنة في البيت، النافلة، قال ﷺ: اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تتَّخذوها قبورًا، فالسنة أن يُصلي في بيته، مثل: صلاة الضحى، والتهجد في الليل، لا يترك بيته، يجعل من صلاته في بيته إلا الفريضة، يقول ﷺ: أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة، فالمؤمن يُصلي المكتوبات في المساجد، أما النوافل فالأفضل في بيته: صلاة الضحى، والرواتب، والتَّهجد بالليل، كل هذا الأفضل فيه في بيته.

وهكذا معاطن الإبل لا يُصلَّى فيها، معاطنها: المحل الذي تبيت فيه وتعطن فيه، لا يُصلَّى فيه، أما مبيت الغنم ومراح الغنم فلا بأس به، أما الإبل لا يُصلي في معاطنها.

س: في الحديث الذي مرَّ معنا قبل قليلٍ: بين المسجد الحرام والأقصى أربعون؟

الشيخ: وهذا يدل على أنَّ أفضل البقاع وأفضل المساجد: المسجد الحرام، وهو أول بيتٍ وُضع في الأرض، كما قال تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ [آل عمران:96]، ويقول النبيُّ ﷺ: إنَّ الله حرَّم مكة يوم خلق السَّماوات والأرض، ثم بعد ذلك مسجد إيلياء، القدس، كان بينهما أربعون، بين بناء إبراهيم هذا، وبين بناء المسجد الأقصى.

ثم حيث أدركته الصلاةُ، لكن بعد هذا الصلاة في مسجد النبيِّ ﷺ، هو أفضل المساجد بعد المسجد الحرام ثم المسجد الأقصى، فالمساجد الثلاثة يفضل بعضُها على بعضٍ: أولها المسجد الحرام، ثم يليه في الفضل مسجد النبي ﷺ، ثم المسجد الأقصى.

س: المقصود بالأربعين سنة: المدة أم المسافة؟

الشيخ: أربعون سنةً بينهما، بين بناء هذا وهذا.

س: ما حكم الصلاة في المسجد الذي فيه قبر؟

الشيخ: لا تصح الصلاةُ في المساجد التي فيها قبور، النبي ﷺ قال: ألا وإنَّ مَن كان قبلكم كانوا يتَّخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتَّخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك، ويقول ﷺ: لعن اللهُ اليهودَ والنصارى؛ اتَّخذوا قبور أنبيائهم مساجد، قالت عائشة: يُحذر ما صنعوا.

فلا يجوز أن يُصلَّى في المساجد التي فيها قبور، ولا تصح، لكن إذا كان القبرُ هو الأخير يُنبش ويُنقل للمقبرة، أما إن كان المسجدُ هو الأخير -بُني على القبر- يُهدم المسجد.

س: يُوصي بعض الناس بأن يُدفن في بيته، هل تُنفذ الوصية؟

الشيخ: لا، ما ينبغي ذلك، لا تُنفذ، يُدفن مع المسلمين، في مقابر المسلمين.

س: إذا كان القبرُ في غرفةٍ منفردةٍ هل تجوز الصلاةُ في الغرف الأخرى؟

الشيخ: الغرفة التي فيها قبر لا يُصلَّى فيها، لكن الغرف الأخرى لا بأس، لكن لا ينبغي أن يُوصي أن يُدفن في بيته، بل يُنقل، لو دُفن في بيته يُنقل إلى مقابر المسلمين؛ لأنَّ هذا أبعد عن امتهانه، وأبعد عن إيذائه لأهل البيت في القبر، أو الغلو فيه.

س: لعلكم تُبينون الأمور المحرمة التي تُمنع في القبر والمقابر؟

الشيخ: لا يُصلَّى عند القبور، ولا يُجلس عندها للقراءة والدعاء، كل هذا بدعة، لا يُصلَّى عندها، ولا يُقرأ عندها، ولا يُجلس عندها للدعاء، بل هذا من البدع، ولا يُطاف بها، كل هذا من عمل المشركين، فالسنة أن تُزار فقط للسلام عليهم، والدعاء لهم؛ لقوله ﷺ: زوروا القبور؛ فإنها تُذكركم الآخرة، أما أن يجلس عندها لقراءةٍ، أو يُصلي عندها، أو يجلس عندها للدعاء، أو يعتكف عندها، كل هذا منكر، ومن وسائل الشرك، نسأل الله السَّلامة.

س: يكتب بعضُ الناس أرقامًا على جدران المقبرة؛ حتى لا يضيع قبرُ قريبه، ما حكم ذلك؟

الشيخ: الكتابة على القبور لا تجوز، الرسول نهى أن يُكتب على القبر، وأن يُبنى عليه، أما جدار المقبرة من خارج الأمر فيه سهل، لكن تركها أحوط، ترك الكتابة على الجدران الظاهرية أحوط، أما القبر لا تجوز الكتابة عليه؛ الرسول نهى أن يُكتب على القبر، وأن يُبنى عليه، وأن يُجصص، كل هذا ممنوع؛ لأنه من وسائل الغلو.

س: الذين يُوصون بأن يُدفنوا في المدينة، أو في مكة، أو في غيرها، هل تُنفذ هذه الوصايا؟

الشيخ: الأقرب لا تُنفذ، كلٌّ يُدفن في بلده، ما كان الصحابةُ ينقلون موتاهم إلى مقبرة المدينة ولا مكة، فالسنة أن يُدفن في بلده والحمد لله.

المقدم: شكر الله لكم سماحة الشيخ، وبارك الله فيكم وفي علمكم، ونفع بكم الإسلام والمسلمين.