تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ..}

يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [المائدة:67].

 يقول تعالى مُخاطبًا عبده ورسوله محمدًا ﷺ باسم الرِّسالة، وآمرًا له بإبلاغ جميع ما أرسله اللهُ به، وقد امتثل عليه أفضل الصَّلاة والسَّلام ذلك، وقام به أتمّ القيام.

قال البخاري عند تفسير هذه الآية: حدثنا محمد بن يوسف: حدثنا سفيان، عن إسماعيل، عن الشَّعبي، عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها قالت: مَن حدّثك أنَّ محمدًا كتم شيئًا مما أنزل الله عليه فقد كذب: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الآية.

هكذا رواه هاهنا مختصرًا، وقد أخرجه في مواضع من "صحيحه" مُطولًا، وكذا رواه مسلم في كتاب "الإيمان"، والترمذي والنَّسائي في كتاب "التفسير" من "سننهما" من طرقٍ عن عامر الشَّعبي، عن مسروق بن الأجدع، عنها رضي الله عنها.

وفي "الصحيحين" عنها أيضًا أنها قالت: لو كان محمد ﷺ كاتمًا شيئًا من القرآن لكتم هذه الآية: وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ [الأحزاب:37].

وقال ابنُ أبي حاتم: حدثنا أحمد بن منصور الرَّمادي: حدثنا سعيد بن سليمان: حدثنا عباد، عن هارون بن عنترة، عن أبيه قال: كنا عند ابن عباسٍ، فجاء رجلٌ فقال له: إنَّ ناسًا يأتونا فيُخبروننا أنَّ عندكم شيئًا لم يُبده رسول الله ﷺ للناس. فقال ابن عباسٍ: ألم تعلم أنَّ الله تعالى قال: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ؟! والله ما ورَّثنا رسول الله ﷺ سوداء في بيضاء. وهذا إسنادٌ جيدٌ.

وهكذا في "صحيح البخاري" من رواية أبي جحيفة وهب بن عبدالله السوائي، قال: قلتُ لعلي بن أبي طالب : هل عندكم شيء من الوحي مما ليس في القرآن؟ فقال: لا والذي فلق الحبَّة وبرأ النَّسمة، إلا فهمًا يُعطيه الله رجلًا في القرآن، وما في هذه الصَّحيفة. قلت: وما في هذه الصَّحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، وأن لا يُقتل مسلمٌ بكافرٍ.

وقال البخاري: قال الزهري: من الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التَّسليم، وقد شهدت له أمّته بإبلاغ الرسالة وأداء الأمانة، واستنطقهم بذلك في أعظم المحافل في خُطبته يوم حجّة الوداع، وقد كان هناك من أصحابه نحو من أربعين ألفًا.

كما ثبت في "صحيح مسلم" عن جابر بن عبدالله: أنَّ رسول الله ﷺ قال في خُطبته يومئذٍ: أيّها الناس، إنَّكم مسؤولون عني، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنَّك قد بلغتَ وأدّيتَ ونصحتَ. فجعل يرفع إصبعه إلى السَّماء وينكسها إليهم ويقول: اللهم هل بلّغت؟ فاللهم هل بلغت؟.

الشيخ: ويقول: اللهم اشهد، اللهم اشهد، كذا عندك؟

قارئ المتن: نعم، أحسن الله إليك.

الشيخ: في الرِّواية المعروفة: اللهم اشهد، اللهم اشهد يعني: اللهم اشهد على اعترافهم، قال: هل بلّغت؟ قالوا: نعم، بلّغت، وأدّيت، ونصحت. فيرفع أصبعه إلى السماء ويقول: اللهم اشهد، اللهم اشهد يعني: اشهد عليهم أنَّهم شهدوا واعترفوا بأني بلّغتهم. هكذا في "صحيح مسلم" في رواية جابر.

مداخلة: ذكر في الحاشية يقول: في "صحيح مسلم" في كتاب "الحج" باب "حجة النبي ﷺ": اللهم اشهد، اللهم اشهد ثلاث مرات.

الشيخ: هكذا في الصحيح، كأنَّ المؤلف رواه من حفظه فوهم رحمه الله.

س: عددهم كان أربعين ألفًا؟

ج: يعني: الصحابة، والحُجَّاج نحو مئة ألف من أقطار الدُّنيا.

س: ما معنى قول الصحابة: والله ما ورَّثنا رسولُ الله ﷺ سوداء في بيضاء؟

ج: يعني: أنَّ الرسول لا يُورث، الرسل ما يُورثون: لا ذهب، ولا فضة، ولا غيرهما، يقول ﷺ: إنا لا نورث، ما تركناه فهو صدقة، لم يورث: لا بنته، ولا عمّه، ولا زوجاته دينارًا ولا درهمًا، كلّ ما وراءه صدقة لمصالح المسلمين، والرسل لا يُورثون. نعم، ولا عهد لهم بشيءٍ خاصّ لأهل البيت.

الرافضة يقولون أنَّه خصّ أهل البيت بشيءٍ. وهذا من كذبهم وافترائهم، بل الرسول عمَّ الجميع: أهل البيت وغيرهم، ..... ليس لهم خصوصية .....، ما عدا تحريم الصَّدقة –الزكاة- عليهم.

س: ألا يقصد بكلمة "سوداء" الكتابة لهم؟

ج: يحتمل أنَّه ما خصّهم بشيءٍ، ما كتب لهم شيئًا خاصًّا، المقصود أنَّه ما خصّهم بشيءٍ: لا مال، ولا شيء خاصّ من الوصايا، غير أنَّه لا تجوز لهم الزكاة –الصدقة.

س: ذكر أنَّ عدد الحجاج أربعون ألفًا، وليسوا مئةً؟

ج: لعله يقصد الصحابة الذين في المدينة، والحجاج نحو مئة ألف، وكلهم يُسمون: صحابة، مَن شهدوا النبي يُسمون: صحابة، إذا رأوه وآمنوا به فهم صحابة، لكن لعلّ مُراده الذين قدموا من المدينة.

قال الإمام أحمد: حدثنا ابنُ نمير: حدثنا فُضيل –يعني: ابن غزوان-، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ قال: قال رسولُ الله ﷺ في حجّة الوداع: يا أيُّها الناس، أيّ يومٍ هذا؟ قالوا: يوم حرام. قال: أيّ بلدٍ هذا؟ قالوا: بلد حرام. قال: أيّ شهرٍ هذا؟ قالوا: شهر حرام. قال: فإنَّ أموالكم ودماءكم وأعراضكم عليكم حرام كحُرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، ثم أعادها مرارًا، ثم رفع إصبعه إلى السماء فقال: اللهم هل بلغت؟ مرارًا.

قال: يقول ابن عباس: والله لوصية إلى ربه . ثم قال: ألا فليبلغ الشاهد الغائب: لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضُكم رقاب بعض.

وقد روى البخاري عن علي بن المديني، عن يحيى بن سعيد، عن فضيل بن غزوان، به، نحوه.

وقوله تعالى: وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ يعني: وإن لم تُؤدِّ إلى الناس ما أرسلتك به فما بلغت رسالته، أي: وقد علم ما يترتب على ذلك لو وقع.

وقال علي ابن أبي طلحة: عن ابن عباسٍ: وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ يعني: إن كتمت آيةً مما أنزل إليك من ربك لم تبلغ رسالته.

قال ابنُ أبي حاتم: حدثنا أبي: حدثنا قبيصة بن عقبة: حدثنا سفيان، عن رجلٍ، عن مجاهد قال: لما نزلت: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ قال: يا ربّ، كيف أصنع وأنا وحدي؟! يجتمعون عليَّ؟! فنزلت: وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ. ورواه ابنُ جرير من طريق سفيان -وهو الثوري- به.

س: أحسن الله إليك يا شيخ، إنَّ أمر الجاهلية كلّه تحت قدمي هاتين حديث صحيح؟

ج: نعم.

س: في حجّة الوداع هذا الحديث: إنَّ أمر الجاهلية كلّه تحت قدمي هاتين؟

ج: نعم، نعم، لما خطب الناس بيّن لهم أنَّ أمر الجاهلية موضوعٌ كلّه: الربا، وغير الربا، كل أمر الجاهلية موضوعٌ، يعني: باطلًا.

س: قول ابن عباس: "والله لوصية إلى ربِّه " ما معناه؟

ج: السند فيه رجلٌ مُبهم، ومعناه لو صحَّ: أنَّ الوصية من ربِّه له أنَّه بلغها وأدَّاها، توصيته من ربِّه له بإبلاغ الرسالة، النصوص واضحة في هذا: أنه عليه الصلاة والسلام بلّغ الرسالة، وأدّى الأمانة، اللهم صلِّ عليه وسلم، ولم يتوفاه الله إلا وقد بلّغ ما عليه عليه الصلاة والسلام.

مداخلة: في حاشية يقول: الحديث رواه أحمد في "المسند"، كذا فيه الوصية إلى ربه ، وأما البخاري فوصيته إلى أمّته.

الشيخ: هذا هو الأقرب: إلى أمّته، يُراجع الأصل، يراجع البخاري، لعلَّ هذا غلط منه، السند عندك: عن رجلٍ، كذا؟

قارئ المتن: لا، ما في أحسن الله إليك، فيه: عن رجلٍ، عن مجاهد، فقط.

الشيخ: أيش بعده؟ قال علي ابن أبي طلحة أيش؟

قال الإمام أحمد: حدثنا ابنُ نمير: حدثنا فُضيل –يعني: ابن غزوان-، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ قال: قال رسولُ الله ﷺ في حجّة الوداع: يا أيُّها الناس، أيّ يومٍ هذا؟ قالوا: يوم حرام. قال: وأيّ بلدٍ هذا؟ قالوا: البلد الحرام. قال: فأيّ شهرٍ هذا؟ قالوا: شهر حرام. قال: فإنَّ أموالكم ودماءكم وأعراضكم عليكم حرام كحُرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، ثم أعادها مرارًا، فرفع إصبعه إلى السماء فقال: اللهم هل بلغت؟ مرارًا.

قال: يقول ابن عباس: والله لوصية إلى ربه .

الشيخ: الظاهر وصيته إلى أمّته، الظاهر أنَّه هكذا وصيته إلى أمّته، أوصاهم بهذا: إنَّ دماءكم ... إلى آخره، فيه بعض السَّقط، يُراجع "مسند أحمد"، "مسند ابن عباس".

وهذا السند جيد .....، المقصود أنَّ الظاهر -والله أعلم- أنها سقطت "إلى أمّته"، كلمة "إلى أمته".

وقوله تعالى: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ أي: بلغ أنت رسالتي، وأنا حافظك وناصرك ومُؤيدك على أعدائك ومُظفرك بهم، فلا تخف، ولا تحزن، فلن يصل أحدٌ منهم إليك بسوءٍ يُؤذيك. وقد كان النبي ﷺ قبل نزول هذه الآية يُحرس، كما قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد: حدثنا يحيى قال: سمعتُ عبدالله بن عامر بن ربيعة يُحدِّث: أنَّ عائشة رضي الله عنها كانت تُحدِّث: أنَّ رسول الله ﷺ سهر ذات ليلةٍ وهي إلى جنبه، قالت: فقلت: ما شأنك يا رسول الله؟ قال: ليت رجلًا صالحًا من أصحابي يحرسني الليلة، قالت: فبينا أنا على ذلك إذ سمعتُ صوت السلاح، فقال: مَن هذا؟ فقال: أنا سعد بن مالك. فقال: ما جاء بك؟ قال: جئتُ لأحرسك يا رسول الله. قالت: فسمعتُ غطيط رسول الله ﷺ في نومه.

أخرجاه في "الصحيحين" من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري، به، وفي لفظٍ: سهر رسولُ الله ﷺ ذات ليلة مقدمه المدينة. يعني: على إثر هجرته بعد دخوله بعائشة رضي الله عنها، وكان ذلك في سنة ثنتين منها.

الشيخ: قوله جلَّ وعلا: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ما يمنع الأخذ بالأسباب، فهو أمر بالأسباب، ووعد عباده ..... عظيمة: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [الطلاق:2]، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4]، وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ، لكن هذا ما يمنع من اتّخاذ الأسباب؛ ولهذا لما بايع أهل الحديبية وقف المغيرةُ على رأسه يحرسه عند البيعة عليه الصلاة والسلام، وكذلك حرَّك اللهُ قلبَ سعدٍ فجاء يحرس تلك الليلة، وهو سعد بن أبي وقاص .

المقصود أنَّ كون الله جلَّ وعلا ..... لهم قدره السابق لا يمنع من اتّخاذ الأسباب، وهو سبحانه وعد المتقين بالنجاة، ووعدهم بالنصر، ووعدهم بالحفظ، ومع ذلك هم مأمورون بالأسباب، ويوم أحد لبس الدرع والبيضة على رأسه عليه الصلاة والسلام، كل هذا من الأسباب، بل ظاهر بين درعين يوم أحد، نعم، كل هذا من اتّخاذ الأسباب.

مداخلة: هذا الحديث في "المسند": حديث ابن عباس.

الشيخ: وجدته؟

الطالب: إيه، نعم. قال: يقول ابن عباس: والله إنها لوصية إلى ربِّه .

الشيخ: كذا: وصيته إلى ربه؟

الطالب: إي، نعم، ثم قال: ألا فليبلغ الشاهد الغائب: لا ترجعوا بعدي كفَّارًا.

الشيخ: السند عندك؟

الطالب: قال: حدثنا عبدالله: حدثني أبي: حدثنا ابنُ نمير: حدثنا فضيل –يعني: ابن غزوان-، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: قال رسول الله ﷺ في حجّة الوداع: أيّ يومٍ هذا؟ قالوا: هذا يومٌ حرامٌ. قال: أيّ بلدٍ هذا؟ قالوا: بلدٌ حرامٌ. قال: أيّ شهرٍ هذا؟ قالوا: شهر حرام. قال: فإنَّ أموالكم ودماءكم وأعراضكم عليكم حرامٌ كحُرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، ثم أعادها مرارًا، ثم رفع إصبعه إلى السماء فقال: اللهم هل بلغت؟ مرارًا. قال: يقول ابنُ عباس: والله إنها لوصية إلى ربه . ثم قال: ألا فليبلغ الشاهد الغائب: لا ترجعوا بعدي كُفَّارًا يضرب بعضُكم رقابَ بعضٍ.

الشيخ: لعلّ فيه تحريفًا، وصيته إلى أمّته، ويرفعها إلى ربِّه، الوصية للأمّة يرفعها إلى ربه جلَّ وعلا، قد تكون سقطت من بعض الرواة هنا، وجاءت في روايةٍ أخرى: هو أوصى أمّته، وهو بهذا يرفع هذه الوصية إلى ربِّه: أنَّه بلَّغهم، بلَّغ الأمّة.

س: والمحفوظ أيضًا أنَّه يرفع أصبعه؟

ج: بلى، في رواية جابر: يرفع أصبعه إلى السماء وينكبها للناس ويقول: اللهم اشهد، اللهم اشهد.

س: الجمع بين قوله ﷺ: أنَّ عينيه تنامان، وقلبه لا ينام. وقول أم المؤمنين: فسمعتُ غطيط رسول الله؟

ج: ما في مانع، يُسمع غطيطه وقلبه لا ينام.

وقال ابنُ أبي حاتم: حدثنا إبراهيم بن مرزوق البصري -نزيل مصر-: حدثنا مسلم بن إبراهيم: حدثنا الحارث بن عبيد –يعني: أبا قدامة-، عن الجريري.

الشيخ: انظر "التقريب": الحارث بن عبيد.

مُداخلة: في حاشية يقول: الحديث ضعيف؛ لعلّتين: فيه الحارث بن عبيد، وهو الإيادي، ضعيف، والجريري .....

الشيخ: انظر: الحارث بن عبيد.

الطالب: الحارث بن عبيد، الإيادي -بكسر الهمزة، بعدها تحتانية-، أبو قدامة، البصري، صدوق، يُخطئ، من الثامنة. (البخاري تعليقًا، ومسلم، وأبو داود، والترمذي).

وفي شخصٍ آخر: الحارث بن عبيد مجهول.

الشيخ: لا، غير هذا.

الطالب: "الخلاصة" أحسن الله إليك يقول: الحارث بن عبيد، الإيادي، أبو قدامة، البصري، المؤذن، عن ثابت وأبي عمران الجوني، وعنه: ابن المبارك وأبو نعيم وسعيد بن منصور، قال ابنُ معين: ضعيف. وقال النَّسائي: ليس بالقوي. (البخاري تعليقًا، ومسلم، وأبو داود، والترمذي).

الشيخ: روايته هذه فيها بعض النَّكارة، نعم؛ لأنَّ كون الله عصمه ما يمنع من الحراسة، ولا يمنع من أخذ الأسباب، كما حرس المؤمنين، وتكفل بنجاتهم وسلامتهم، وهم مأمورون بأخذ الأسباب.

مُداخلة: رواية البخاري موجودة، رواية البخاري لحديث ابن عباسٍ قال: والذي نفسي بيده، إنها لوصية إلى أمّته، فليُبلغ الشَّاهد الغائب.

الشيخ: هذا هو الصائب، لعلها سقطت من رواية أحمد، لفظ البخاري هو الصواب: وصيته إلى أمّته، ولعلها سقطت من رواية أحمد، و"إلى ربه" يعني: يرفعها إلى ربه، وصيته إلى أمّته يرفعها إلى ربه، يعني: قال: اللهم اشهد، اللهم اشهد في وصيته الأمة رفعها إلى الله، ويقول: اللهم اشهد، اللهم اشهد.

مداخلة: قال الحافظ في رواية أحمد .....: إنها لوصيته إلى ربِّه. وكذلك رواه عمرو بن علي الفلاس والمقدمي، عن يحيى بن سعيد، أخرجه أبو نعيم من طريق.

الشيخ: الأحسن تعلق على حسب رواية البخاري من باب الإيضاح.

عن عبدالله بن شقيق، عن عائشةَ قالت: كان النبي ﷺ يُحرس حتى نزلت هذه الآية: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ قالت: فأخرج النبي ﷺ رأسَه من القبّة وقال: يا أيها الناس، انصرفوا؛ فقد عصمني الله .

وهكذا رواه الترمذي عن عبد بن حميد، وعن نصر بن علي الجهضمي، كلاهما عن مسلم بن إبراهيم، به، ثم قال: وهذا حديثٌ غريبٌ.

وهكذا رواه ابنُ جرير، والحاكم في "مستدركه" من طريق مسلم بن إبراهيم، به، قال الحاكم: صحيح الإسناد، ولم يُخرجاه.

وكذا رواه سعيد بن منصور، عن الحارث بن عبيد أبي قدامة، عن الجريري، عن عبدالله بن شقيق، عن عائشةَ، به.

ثم قال الترمذي: وقد روى بعضُهم هذا عن الجريري، عن ابن شقيق قال: كان النبي ﷺ يُحرس حتى نزلت هذه الآية. ولم يذكر عائشة.

قلتُ: هكذا رواه ابنُ جرير من طريق إسماعيل ابن عُلية، وابن مردويه من طريق وهيب، كلاهما عن الجريري، عن عبدالله بن شقيق مرسلًا.

وقد رُوي هذا مرسلًا عن سعيد بن جبير ومحمد بن كعب القرظي، رواهما ابن جرير، والربيع بن أنس، رواه ابن مردويه، ثم قال: حدثنا سليمان بن أحمد: حدثنا أحمد بن رشدين المصري: حدثنا خالد بن عبدالسلام الصّدفي: حدثنا الفضل بن المختار، عن عبدالله بن موهب، عن عصمة بن مالك الخطمي قال: كنا نحرس رسول الله ﷺ بالليل، حتى نزلت: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ فترك الحرس.

حدثنا سليمان بن أحمد: حدثنا حمد بن محمد بن حمد أبو نصر الكاتب البغدادي: حدثنا كردوس بن محمد الواسطي: حدثنا يعلى بن عبدالرحمن، عن فُضيل بن مرزوق، عن عطية، عن أبي سعيدٍ الخدري قال: كان العباسُ عمّ رسول الله ﷺ فيمَن يحرسه، فلمَّا نزلت هذه الآية: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ترك رسول الله ﷺ الحرس.

الشيخ: كلّها في صحتها نظر، والقاعدة التي يدلّ عليها الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة: أنَّ الخبر بكذا وكذا لا يمنع الأخذ بالأسباب، وهذا هو الذي فعله ﷺ وسار عليه، فلا بدَّ أن تجمع هذه الروايات يا شيخ عمر، تجمع الطرق كلها، ومَن أحبّ أن يجمعها من بعض الإخوة كذلك يجمعها حتى تُناقش.

مُداخلة: قال هنا: حدثنا المعلى بن عبدالرحمن.

الشيخ: أيش عندك يا شيخ عمر؟

قارئ المتن: عندي: يعلى، وعنده: المعلى.

الشيخ: رواية مَن؟

قارئ المتن: ابن جرير.

الشيخ: يُراجع ابن جرير عند الآية.

س: لما نزلت: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ قال: فترك الحرس؟

ج: كلّها صحّتها فيها نظر، نعم، والأظهر -والله أعلم- أنها غير صحيحةٍ كلّها؛ لأنَّه ﷺ يتّخذ الحرس، ويتوقى الشَّر، وفي يوم أحد اتّخذ ما اتّخذ، وفي صُلح الحديبية اتّخذ ما اتّخذ، وهكذا في غزواته وغيرها؛ لأنَّ كون الله يعصمه من الناس، وكون العبد يتوكل على الله ويعتمد عليه، كلّ هذا لا يمنع من اتّخاذ الأسباب، فالأسباب مأمورٌ بها مثلما أنَّه يأكل ويشرب ويستدفئ ويتوقى الشُّرور كلّها، وهو معلومٌ أنه لا مفرَّ من قدر الله، نعم.

ولما قيل لعمر لما انصرف من غزوة الشام لما وقع فيها الطاعون، قال بعضُ الصحابة: أفرارًا من قدر الله؟ قال: نفرّ من قدر الله إلى قدر الله. من قدر الله الذي قضى ..... إلى قدر الله الذي أمرنا به، وهو الأخذ بالأسباب، فالقدر ..... قدره الله من الآجال، والأرزاق، وغير ذلك، وهكذا التَّحرز من أسباب الشَّر، قدرٌ آخر، نفرّ من قدر الله إلى قدر الله، فيفرّ من الجوع إلى الأكل، ويفرّ من الظمأ إلى الشرب، ويفرّ من العزوبة إلى الزواج، وهكذا، نعم.

حدثنا علي ابن أبي حامد المديني: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد: حدثنا محمد بن مفضل بن إبراهيم الأشعري: حدثنا أبي: حدثنا محمد بن معاوية بن عمار: حدثنا أبي قال: سمعتُ أبا الزبير المكي يُحدِّث عن جابر بن عبدالله، قال: كان رسولُ الله ﷺ إذا خرج بعث معه أبو طالب مَن يكلؤه، حتى نزلت: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ، فذهب ليبعث معه، فقال: يا عمّ، إنَّ الله قد عصمني، لا حاجةَ لي إلى مَن تبعث. وهذا حديثٌ غريبٌ، وفيه نكارة.

الشيخ: أبو طالب مات في مكّة، والآية في المدينة، هذا من أبطل الباطل، الرِّواية هذه من أبطل الباطل.

فإنَّ هذه الآية مدنية، وهذا الحديث يقتضي أنها مكيّة.

ثم قال: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم: حدثنا محمد بن يحيى: حدثنا أبو كريب: حدثنا عبدالحميد الحماني، عن النَّضر، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ قال: كان رسولُ الله ﷺ يُحرس، فكان أبو طالب يُرسل إليه كل يومٍ رجالًا من بني هاشم يحرسونه، حتى نزلت عليه هذه الآية: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ. قال: فأراد عمُّه أن يُرسل معه مَن يحرسه، فقال: إنَّ الله قد عصمني من الجنِّ والإنس.

ورواه الطَّبراني عن يعقوب بن غيلان العماني، عن أبي كريب، به.

وهذا أيضًا حديثٌ غريبٌ، والصحيح أنَّ هذه الآية مدنية، بل هي من أواخر ما نزل بها، والله أعلم، ومن عصمة الله لرسوله: حفظه له من أهل مكة وصناديدها.

س: ما معنى: عدم نوم قلب النبي ﷺ؟

ج: يعني: نائم وقلبه واعٍ يفهم عن الله .....

س: ما صحّة سند الرواية في قوله: وصيته إلى ربه ؟

ج: لا بأس به، لكن الكلمة سقطت من بعض الرواة، وهي مثلما في البخاري، الصواب مثلما في البخاري.