57 فصل في ذكر سريَّة قطبة بن عامر بن حديدة إِلى خَثْعَمَ

الشيخ: مثلما قال الله في المحاربين -في قُطَّاع الطريق- إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ [المائدة:34]، ومثلما عفا الرسولُ عن عبدالله بن سعد لما جاء تائبًا، وكان ممن يسبّ النبيَّ ﷺ، فعفا عنه وقبله وبايعه ﷺ.

س: مَن فرَّق بين سبِّ الرسول وبين سبِّ الرب؟

ج: لا أعلم فرقًا، كله ردة شعناء.

س: في قبول التَّوبة: مَن سبَّ الله تُقبل توبته، ومَن سبَّ الرسولَ لا تُقبل؟

ج: بعضهم يُفرِّق؛ لأنَّ سبَّ الرسول حقُّ آدمي، بخلاف سبِّ الله فهو حقُّ الله، والله جلَّ وعلا يعفو ويصفح، هذا وجه التَّفريق، والشيخ تقي الدين رحمه الله بسط الكلام في "الصارم المسلول".

س: ألا يكون سبُّ الرسول أيضًا سبًّا لله؟

ج: لا، سبّ الرسول في الضمن تكذيب، والأقرب والله أعلم أنَّ مَن جاء تائبًا نادمًا؛ لأنَّ الشِّرك أعظم السَّبِّ، الشِّرك بالله وعبادة غيره من أعظم السَّب، نسأل الله العافية، فإذا جاء تائبًا فالحمد لله.

فَصْلٌ

فِي ذِكْرِ سَرِيَّةِ قطبة بن عامر بن حديدة إِلَى خَثْعَمَ

وَكَانَتْ فِي صَفَرٍ سَنَةَ تِسْعٍ.

قَالَ ابنُ سعدٍ: قَالُوا: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ قطبةَ بن عامر فِي عِشْرِينَ رَجُلًا إِلَى حَيٍّ مِنْ خَثْعَمَ بِنَاحِيَةِ تَبَالَةَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَشُنَّ الْغَارَةَ، فَخَرَجُوا عَلَى عَشَرَةِ أَبْعِرَةٍ يَعْتَقِبُونَهَا، فَأَخَذُوا رَجُلًا فَسَأَلُوهُ، فَاسْتَعْجَمَ عَلَيْهِمْ، فَجَعَلَ يَصِيحُ بِالْحَاضِرَةِ وَيُحَذِّرُهُمْ، فَضَرَبُوا عُنُقَهُ، ثُمَّ أَقَامُوا حَتَّى نَامَ الْحَاضِرَةُ، فَشَنُّوا عَلَيْهِمُ الْغَارَةَ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا حَتَّى كَثُرَ الْجَرْحَى فِي الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا، وَقَتَلَ قطبةُ بن عامر مَنْ قَتَلَ، وَسَاقُوا النَّعَمَ وَالنِّسَاءَ وَالشَّاءَ إِلَى الْمَدِينَةِ.

وَفِي الْقِصَّةِ أَنَّهُ اجْتَمَعَ الْقَوْمُ وَرَكِبُوا فِي آثَارِهِمْ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِمْ سَيْلًا عَظِيمًا حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، فَسَاقُوا النَّعَمَ وَالشَّاءَ وَالسَّبْيَ وَهُمْ يَنْظُرُونَ، لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَعْبُرُوا إِلَيْهِمْ، حَتَّى غَابُوا عَنْهُمْ.

الشيخ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7]، يُري اللهُ عبادَه العبر: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحج:40].

فَصْلٌ

ذِكْرُ سَرِيَّةِ الضَّحاك بن سفيان الكلابي إِلَى بَنِي كِلَابٍ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ تِسْعٍ

قَالُوا: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ جَيْشًا إِلَى بَنِي كِلَابٍ، وَعَلَيْهِمُ الضَّحاك بن سفيان بن عوف الطَّائي، وَمَعَهُ الأصيد بن سلمة، فَلَقُوهُمْ بِالزَّجِّ -زَجِّ لَاوَةَ- فَدَعَوْهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَأَبَوْا، فَقَاتَلُوهُمْ، فَهَزَمُوهُمْ، فَلَحِقَ الأصيدُ أَبَاهُ سلمة، وسلمة عَلَى فَرَسٍ لَهُ فِي غَدِيرٍ بِالزَّجِّ، فَدَعَاهُ إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَعْطَاهُ الْأَمَانَ، فَسَبَّهُ وَسَبَّ دِينَهُ، فَضَرَبَ الأصيدُ عُرْقُوبَيْ فَرَسِ أَبِيهِ، فَلَمَّا وَقَعَ الْفَرَسُ عَلَى عُرْقُوبَيْهِ ارْتَكَزَ سلمةُ عَلَى الرُّمْحِ فِي الْمَاءِ، ثُمَّ اسْتَمْسَكَ حَتَّى جَاءَ أَحَدُهُمْ فَقَتَلَهُ، وَلَمْ يَقْتُلْهُ ابْنُهُ.

فَصْلٌ

ذِكْرُ سَرِيَّةِ علقمة بن مجزز المدلجي إِلَى الْحَبَشَةِ سَنَةَ تِسْعٍ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخَرِ

قَالُوا: فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَنَّ نَاسًا مِنَ الْحَبَشَةِ تَرَايَاهُمْ أَهْلُ جَدَّةَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ علقمةَ بن مجزز فِي ثَلَاثِمِئَةٍ، فَانْتَهَى إِلَى جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ، وَقَدْ خَاضَ إِلَيْهِمُ الْبَحْرَ فَهَرَبُوا مِنْهُ، فَلَمَّا رَجَعَ تَعَجَّلَ بَعْضُ الْقَوْمِ إِلَى أَهْلِيهِمْ، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَتَعَجَّلَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ، فَأمَّرَهُ عَلَى مَنْ تَعَجَّلَ، وَكَانَتْ فِيهِ دُعَابَةٌ، فَنَزَلُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، وَأَوْقَدُوا نَارًا يَصْطَلُونَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ إِلَّا تَوَاثَبْتُمْ فِي هَذِهِ النَّارِ، فَقَامَ بَعْضُ الْقَوْمِ فَتَجَهَّزُوا، حَتَّى ظَنَّ أَنَّهُمْ وَاثِبُونَ فِيهَا، فَقَالَ: اجْلِسُوا، إِنَّمَا كُنْتُ أَضْحَكُ مَعَكُمْ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: مَنْ أَمَرَكُمْ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا تُطِيعُوهُ.

قُلْتُ: فِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَرِيَّةً، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْمَعُوا لَهُ وَيُطِيعُوا، فَأَغْضَبُوهُ، فَقَالَ: اجْمَعُوا لِي حَطَبًا، فَجَمَعُوا، فَقَالَ: أَوْقِدُوا نَارًا، ثُمَّ قَالَ: أَلَمْ يَأْمُرْكُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ تَسْمَعُوا لِي؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَادْخُلُوهَا، فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ وَقَالُوا: إِنَّمَا فَرَرْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنَ النَّارِ! فَكَانُوا كَذَلِكَ حَتَّى سَكَنَ غَضَبُهُ وَطَفِئَتِ النَّارُ، فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا أَبَدًا، وَقَالَ: لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ.

فَهَذَا فِيهِ أَنَّ الْأَمِيرَ كَانَ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ هُوَ الَّذِي أَمَّرَهُ، وَأَنَّ الْغَضَبَ حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ.

وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أحمدُ فِي "مُسْنَدِهِ" عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء: 59]، قَالَ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِاللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيٍّ، بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي سَرِيَّةٍ: فَإِمَّا أَنْ يَكُونَا وَاقِعَتَيْنِ، أَوْ يَكُونَ حَدِيثُ عليٍّ هُوَ الْمَحْفُوظُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الشيخ: وهذه قاعدة: أنَّ السمع والطاعة إنما يكون في المعروف: "لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصية الخالق"، إذا غضب أو كان له هوى وأمر بمعصية الله لا يُسمع له ولا يُطاع، ولو كان أميرًا: إنما الطاعة في المعروف، قال الله في حقِّ نبيه: وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ [الممتحنة:12]، قد يغضب الأميرُ، وقد يكون ضعيفَ الدين، فلا يُطاع في المعاصي، إنما الطاعة في المعروف.

س: ................؟

ج: محتمل، والله أعلم.

فَصْلٌ

فِي ذِكْرِ سَرِيَّةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِلَى صَنَمِ طَيِّئٍ لِيَهْدِمَهُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ

قَالُوا: وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فِي مِئَةٍ وَخَمْسِينَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ عَلَى مِئَةِ بَعِيرٍ وَخَمْسِينَ فَرَسًا، وَمَعَهُ رَايَةٌ سَوْدَاءُ، ولِوَاءٌ أَبْيَضُ إِلَى الْفُلْسِ -وَهُوَ صَنَمُ طَيِّئٍ- لِيَهْدِمَهُ، فَشَنُّوا الْغَارَةَ عَلَى مَحَلَّةِ آلِ حَاتِمٍ مَعَ الْفَجْرِ فَهَدَمُوهُ، وَمَلَؤُوا أَيْدِيَهُمْ مِنَ السَّبْيِ وَالنَّعَمِ وَالشَّاءِ، وَفِي السَّبْيِ أُخْتُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، وَهَرَبَ عدي إِلَى الشَّامِ، وَوَجَدُوا فِي خِزَانَتِهِ ثَلَاثَةَ أَسْيَافٍ وَثَلَاثَةَ أَدْرَاعٍ، فَاسْتَعْمَلَ عَلَى السَّبْيِ أبا قتادة، وَعَلَى الْمَاشِيَةِ وَالرّثةِ عبدالله بن عتيك.

الشيخ: والرثة عليها شيء؟

الطالب: ما عليها شيء.

طالب آخر: والرّقة.

الشيخ: لعلها الفضّة يعني.

وعلى الماشية والرّقة عبدالله بن عتيك، وَقَسَمَ الْغَنَائِمَ فِي الطَّرِيقِ، وَعَزَلَ الصَّفِيَّ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَلَمْ يَقْسِمْ عَلِيٌّ آلَ حَاتِمٍ حَتَّى قَدِمَ بِهِمُ الْمَدِينَةَ.

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: قَالَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ: مَا كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ أَشَدَّ كَرَاهِيَةٍ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنِّي حِينَ سَمِعْتُ بِهِ ﷺ، وَكُنْتُ امْرَءًا شَرِيفًا، وَكُنْتُ نَصْرَانِيًّا، وَكُنْتُ أَسِيرُ فِي قَوْمِي بِالْمِرْبَاعِ، وَكُنْتُ فِي نَفْسِي عَلَى دِينٍ، وَكُنْتُ مَلِكًا فِي قَوْمِي، فَلَمَّا سَمِعْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ كَرِهْتُهُ، فَقُلْتُ لِغُلَامٍ عَرَبِيٍّ كَانَ لِي، وَكَانَ رَاعِيًا لِإِبِلِي: لَا أَبًا لَكَ، اعْدُدْ لِي مِنْ إِبِلِي أَجْمَالًا ذَلَلًا سِمَانًا فَاحْبِسْهَا قَرِيبًا مِنِّي، فَإِذَا سَمِعْتَ بِجَيْشٍ لِمُحَمَّدٍ قَدْ وَطِئَ هَذِهِ الْبِلَادَ فَآذِنِّي، فَفَعَلَ، ثُمَّ إِنَّهُ أَتَانِي ذَاتَ غَدَاةٍ فَقَالَ: يَا عدي، مَا كُنْتَ صَانِعًا إِذَا غَشِيَتْكَ خَيْلُ مُحَمَّدٍ فَاصْنَعْهُ الْآنَ، فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ رَايَاتٍ، فَسَأَلْتُ عَنْهَا فَقَالُوا: هَذِهِ جُيُوشُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: فَقُلْتُ: فَقَرِّبْ إِلَيَّ أَجْمَالِي، فَقَرَّبَهَا، فَاحْتَمَلْتُ بِأَهْلِي وَوَلَدِي، ثُمَّ قُلْتُ: أَلْحَقُ بِأَهْلِ دِينِي مِنَ النَّصَارَى بِالشَّامِ، وَخَلَّفْتُ بِنْتًا لحاتم فِي الْحَاضِرَةِ، فَلَمَّا قَدِمْتُ الشَّامَ أَقَمْتُ بِهَا، وَتُحَالِفُنِي.

الشيخ: وتُخالفني.

وتُخالفني خَيْلُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَتُصِيبُ ابْنَةَ حاتم فِيمَنْ أَصَابَتْ، فَقُدِمَ بِهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي سَبَايَا مِنْ طَيِّئٍ، وَقَدْ بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ هَرَبِي إِلَى الشَّامِ، فَمَرَّ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، غَابَ الْوَافِدُ، وَانْقَطَعَ الْوَالِدُ، وَأَنَا عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ، مَا بِي مِنْ خِدْمَةٍ، فَمُنَّ عَلَيَّ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ، قَالَ: مَنْ وَافِدُكِ؟ قَالَتْ: عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ، قَالَ: الَّذِي فَرَّ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ؟ قَالَتْ: فَمُنَّ عَلَيَّ، قَالَ: فَلَمَّا رَجَعَ وَرَجُلٌ إِلَى جَنْبِهِ -يَرَى أَنَّهُ عليٌّ- قَالَ: سَلِيهِ الْحُمْلَانَ، قَالَتْ: فَسَأَلْتُهُ، فَأَمَرَ لَهَا بِهِ.

قَالَ عدي: فَأَتَتْنِي أُخْتِي فَقَالَتْ: لَقَدْ فَعَلَ فِعْلَةً مَا كَانَ أَبُوكَ يَفْعَلُهَا، ائْتِهِ رَاغِبًا أَوْ رَاهِبًا، فَقَدْ أَتَاهُ فُلَانٌ فَأَصَابَ مِنْهُ، وَأَتَاهُ فُلَانٌ فَأَصَابَ مِنْهُ.

قَالَ عدي: فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ الْقَوْمُ: هَذَا عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ، وَجِئْتُ بِغَيْرِ أَمَانٍ وَلَا كِتَابٍ، فَلَمَّا دُفِعْتُ إِلَيْهِ أَخَذَ بِيَدِي، وَقَدْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ: إِنِّي أَرْجُو أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ يَدَهُ فِي يَدِي، قَالَ: فَقَامَ لِي، فَلَقِيَتْهُ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِيٌّ، فَقَالَا: إِنَّ لَنَا إِلَيْكَ حَاجَةً، فَقَامَ مَعَهُمَا حَتَّى قَضَى حَاجَتَهُمَا، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي حَتَّى أَتَى دَارَهُ، فَأَلْقَتْ لَهُ الْوَلِيدَةُ وِسَادَةً، فَجَلَسَ عَلَيْهَا، وَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: مَا يُفِرُّكَ؟ أَيُفِرُّكَ أَنْ تَقُولَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟! فَهَلْ تَعْلَمُ مِنْ إِلَهٍ سِوَى اللَّهِ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا، قَالَ: ثُمَّ تَكَلَّمَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا تَفِرُّ أَنْ يُقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَهَلْ تَعْلَمُ شَيْئًا أَكْبَرَ مِنَ اللَّهِ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَإِنَّ الْيَهُودَ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّ النَّصَارَى ضَالُّونَ، قَالَ: فَقُلْتُ: إِنِّي حَنِيفٌ مُسْلِمٌ، قَالَ: فَرَأَيْتُ وَجْهَهُ يَنْبَسِطُ فَرَحًا، قَالَ: ثُمَّ أَمَرَنِي فَأُنْزِلْتُ عِنْدَ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَجَعَلْتُ أَغْشَاهُ، آتِيهِ طَرَفَيِ النَّهَارِ.

قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا عِنْدَهُ إِذْ جَاءَ قَوْمٌ فِي ثِيَابٍ مِنَ الصُّوفِ مِنْ هَذِهِ النِّمَارِ، قَالَ: فَصَلَّى وَقَامَ فَحَثَّ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، ارْضَخُوا مِنَ الْفَضْلِ وَلَوْ بِصَاعٍ، وَلَوْ بِنِصْفِ صَاعٍ، وَلَوْ بِقَبْضَةٍ، وَلَوْ بِبَعْضِ قَبْضَةٍ، يَقِي أَحَدُكُمْ وَجْهَهُ حَرَّ جَهَنَّمَ -أَوِ النَّار- وَلَوْ بِتَمْرَةٍ، وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَاقِي اللَّهَ، وَقَائِلٌ لَهُ مَا أَقُولُ لَكُمْ: أَلَمْ أَجْعَلْ لَكَ مَالًا وَوَلَدًا؟ فَيَقُولُ: بَلَى، فَيَقُولُ: أَيْنَ مَا قَدَّمْتَ لِنَفْسِكَ؟ فَيَنْظُرُ قُدَّامَهُ وَبَعْدَهُ، وَعَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ لَا يَجِدُ شَيْئًا يَقِي بِهِ وَجْهَهُ حَرَّ جَهَنَّمَ، لِيَقِ أَحَدُكُمْ وَجْهَهُ النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ.

الشيخ: وأصل هذا الحديث في "الصحيحين" من حديث عديٍّ ، عن النبي عليه الصلاة والسلام، قال: ما منكم من أحدٍ إلا سيُكلمه ربُّه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظر عن شماله فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظر تلقاء وجهه فلا يرى إلا النار، فاتَّقوا النارَ ولو بشقِّ تمرةٍ، فمَن لم يجد فبكلمةٍ طيبةٍ.

فَإِنِّي لَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الْفَاقَةَ، فَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرُكُمْ وَمُعْطِيكُمْ حَتَّى تَسِيرَ الظَّعِينَةُ مَا بَيْنَ يَثْرِبَ وَالْحِيرَةِ وَأَكْثَرُ مَا يُخَافُ عَلَى مَطِيَّتِهَا السُّرَّاقُ، قَالَ: فَجَعَلْتُ أَقُولُ فِي نَفْسِي: فَأَيْنَ لُصُوصُ طَيِّئٍ؟!

س: ما الفرق بين السُّرَّاق واللُّصوص؟

ج: هم السُّراق، اللصوص هم السُّراق.