67 فصل في أمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لهؤلاء الثلاثة أن يعتزلوا نساءهم..

فَصْلٌ

فِي أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ أَنْ يَعْتَزِلُوا نِسَاءَهُمْ لَمَّا مَضَى لَهُمْ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً، كَالْبِشَارَةِ بِمُقَدِّمَاتِ الْفَرَجِ وَالْفَتْحِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: كَلَامُهُ لَهُمْ، وَإِرْسَالُهُ إِلَيْهِمْ بَعْدَ أَنْ كَانَ لَا يُكَلِّمُهُمْ بِنَفْسِهِ وَلَا بِرَسُولِهِ.

الثَّانِي: مِنْ خُصُوصِيَّةِ أَمْرِهِمْ بِاعْتِزَالِ النِّسَاءِ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ وَإِرْشَادٌ لَهُمْ إِلَى الْجِدِّ وَالِاجْتِهَادِ فِي الْعِبَادَةِ، وَشَدِّ الْمِئْزَرِ، وَاعْتِزَالِ مَحَلِّ اللَّهْوِ وَاللَّذَّةِ، وَالتَّعَوُّضِ عَنْهُ بِالْإِقْبَالِ عَلَى الْعِبَادَةِ، وَفِي هَذَا إِيذَانٌ بِقُرْبِ الْفَرَجِ، وَأَنَّهُ قَدْ بَقِيَ مِنَ الْعَتَبِ أَمْرٌ يَسِيرٌ.

وَفِقْهُ هَذِهِ الْقِصَّةِ: أَنَّ زَمَنَ الْعِبَادَاتِ يَنْبَغِي فِيهِ تَجَنُّبُ النِّسَاءِ، كَزَمَنِ الْإِحْرَامِ، وَزَمَنِ الِاعْتِكَافِ، وَزَمَنِ الصِّيَامِ، فَأَرَادَ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يَكُونَ آخِرُ هَذِهِ الْمُدَّةِ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ بِمَنْزِلَةِ أَيَّامِ الْإِحْرَامِ وَالصِّيَامِ فِي تَوَفُّرِهَا عَلَى الْعِبَادَةِ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ الْمُدَّةِ رَحْمَةً بِهِمْ، وَشَفَقَةً عَلَيْهِمْ، إِذْ لَعَلَّهُمْ يَضْعُفُ صَبْرُهُمْ عَنْ نِسَائِهِمْ فِي جَمِيعِهَا، فَكَانَ مِنَ اللُّطْفِ بِهِمْ وَالرَّحْمَةِ أَنْ أُمِرُوا بِذَلِكَ فِي آخِرِ الْمُدَّةِ، كَمَا يُؤْمَرُ بِهِ الْحَاجُّ مِنْ حِينِ يُحْرِمُ، لَا مِنْ حِينِ يَعْزِمُ عَلَى الْحَجِّ.

وَقَوْلُ كعبٍ لِامْرَأَتِهِ: "الْحَقِي بِأَهْلِكِ" دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ وَأَمْثَالِهَا طَلَاقٌ مَا لَمْ يَنْوِهِ.

وَالصَّحِيحُ أنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْحُرِّيَّةِ كَذَلِكَ إِذَا أَرَادَ بِهِ غَيْرَ تَسْيِيبِ الزَّوْجَةِ، وَإِخْرَاجِ الرَّقِيقِ عَنْ مُلْكِهِ، لَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ وَلَا عَتَاقٌ.

الشيخ: وهذا الذي ذكره المؤلفُ رحمه الله استنباطٌ حسنٌ؛ لأنَّ كونه ﷺ كلَّمهم بالمراسلة بدء للفرج، أرسل إليهم مَن يأمرهم باعتزال نسائهم، وهم الثلاثة الذين خلّفوا عن غزوة تبوك، هذا إيذانٌ بأنَّ الله جلَّ وعلا قد قرب فرجه وعفوه، وهكذا أمره باعتزال النِّساء عند الشدة يُوجد الفرج: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ۝ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا [الشرح:5، 6]، فلما اشتدَّ الأمرُ دلَّ على قرب الفرج.

ودلَّ على أنَّ قول الرجل لزوجته: الحقي بأهلك، أو روحي لأهلك، أو ما أشبه ذلك، إذا لم يقصد به الطلاقَ ما يكون طلاقًا، هذه كنايات، إن أراد بها الطلاقَ وقع بها الطلاقُ، وإن لم يُرد شيئًا فإنه لا يقع بها شيء هي وأشباهها: اذهبي إلى دارك، الحقي بأهلك، وخري عن وجهي، روحي عني، وما أشبه ذلك، هذا كله إن لم يقصد به الطلاق فهو من الكلام الذي يقع على الإنسان من غير قصد الطلاق.

وَالصَّحِيحُ أنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْحُرِّيَّةِ كَذَلِكَ إِذَا أَرَادَ بِهِ غَيْرَ تَسْيِيبِ الزَّوْجَةِ، وَإِخْرَاجِ الرَّقِيقِ عَنْ مُلْكِهِ، لَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ وَلَا عَتَاقٌ، هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي نَدِينُ اللَّهَ بِهِ، وَلَا نَرْتَابُ فِيهِ الْبَتَّةَ.

الشيخ: وهذا قول أهل العلم، قول أهل العلم أنَّ كنايات الألفاظ التي ما هي بصريحة يُرجع فيها إلى النية في الطلاق والعتاق وغيرهما، فإذا قال لرقيقه: وخر عن وجهي، أو روح عني، أو ما أشبه ذلك، ما هو معناه العتق، معناه أمر آخر، وهكذا يقع للزوجة: وخري عن وجهي، روحي لأهلك، وما أشبه ذلك.

س: ..............؟

ج: لا، ما ينفع، لفظ الطلاق من الصريح، هذا من الصريح، لا، ما يصلح إلا إذا كان مُعلَّقًا، إذا قال: إن كلمت فلانًا، قصده التَّخويف، فالصواب أنه يكون يمينًا، أو إن ذهبت إلى أهلك، قصده منعها، أما إذا قال: أنت طالق ..... ما يصلح.

وَقَوْلُ كعبٍ لِامْرَأَتِهِ: "الْحَقِي بِأَهْلِكِ" دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ وَأَمْثَالِهَا طَلَاقٌ مَا لَمْ يَنْوِهِ.

وَالصَّحِيحُ أنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْحُرِّيَّةِ كَذَلِكَ إِذَا أَرَادَ بِهِ غَيْرَ تَسْيِيبِ الزَّوْجَةِ، وَإِخْرَاجِ الرَّقِيقِ عَنْ مُلْكِهِ، لَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ وَلَا عَتَاقٌ. هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي نَدِينُ اللَّهَ بِهِ، وَلَا نَرْتَابُ فِيهِ الْبَتَّةَ.

الشيخ: هذا فيه نظر، إن كان لفظ الطلاق فيه نظر، إلا إذا كان مُعلَّقًا، أما إذا كان طلاقًا صريحًا مُنجزًا: أنت طالق، أو روحي أنت طالق، أو اذهبي أنت طالق، أو فارقيني أنت طالق، صريح، ما يحتاج إلى كلامٍ فيها، المعروف أنه إذا قال: طالق، يقع، لكن مسألة العتق والحرية هذه محل نظرٍ، إذا قال له: أنت حرّ، أنت عتيق، فالأصل فيه الحرية، إلا إذا حفّ بالكلام شيء واضح يقتضي تصديقه بالكلام، قد يلحق به أشياء تقتضي حريته في الكلام، أو حريته في الذهاب إلى ..... إذا وجد في الكلام ما يدل على المقصود، مثل: لو قال: أريد أن أزور فلانًا، فقال له: أنت حرّ، أنت حرّ في ذلك، معروف، إن شئتَ فزرهم، وإن شئتَ فلا تزرهم.

المقصود إذا كان في الكلام ما يدل على المقصود، وهكذا في العتاق، إذا كان في العتاق شيء يدل على المراد، مثل: كونه سجينًا، أو كونه ممنوعًا من كذا، وهو يقول: أعتقتُك من هذا السّجن، أو أعتقتُك من هذا الحجز عليك .....، أو أعتقتك من كذا، شيء لا بدَّ أن يكون في الكلام ما يدل على المقصود.

...........

س: فإن أراد به غير تسييب الزَّوجة؟

ج: يعني غير طلاقها.

س: كلام المؤلف هنا مرجوح؟

ج: على إطلاقه فيه نظر، إلا بالقرائن، إلا مسألة الطلاق، لا شكَّ أنه مرجوح، الطلاق ما يُراد به إلا الطلاق مع الزوجة.

.........

فَإِذَا قِيلَ لَهُ: إِنَّ غُلَامَكَ فَاجِرٌ، أَوْ جَارِيَتَكَ تَزْنِي، فَقَالَ: لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ غُلَامٌ عَفِيفٌ حُرٌّ، وَجَارِيَةٌ عَفِيفَةٌ حُرَّةٌ.

الشيخ: هذه قرائن واضحة.

وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ حُرِّيَّةَ الْعِتْقِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ حُرِّيَّةَ الْعِفَّةِ، فَإِنَّ جَارِيَتَهُ وَعَبْدَهُ لَا يُعْتَقَانِ بِهَذَا أَبَدًا.

الشيخ: وهذه قرينة ظاهرة.

وَكَذَا إِذَا قِيلَ لَهُ: كَمْ لِغُلَامِكَ عِنْدَكَ سَنَةً؟ فَقَالَ: هُوَ عَتِيقٌ عِنْدِي، وَأَرَادَ قِدَمَ مُلْكِهِ لَهُ، لَمْ يُعْتَقْ بِذَلِكَ.

الشيخ: نعم، يقول ﷺ: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى، الكلام محتمل.

وَكَذَلِكَ إِذَا ضَرَبَ امْرَأَتَهُ الطَّلْقُ، فَسُئِلَ عَنْهَا، فَقَالَ: هِيَ طَالِقٌ، وَلَمْ يَخْطِرْ بِقَلْبِهِ إِيقَاعُ الطَّلَاقِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهَا فِي طَلْقِ الْوِلَادَةِ، لَمْ تُطَلَّقْ بِهَذَا.

الشيخ: إذا وجد هذا فيه عجمة: أنت طالق، فيه عجمة، هي تطلق، إيقاع مثل هذا، القرينة ظاهرة.

وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ مَعَ هَذِهِ الْقَرَائِنِ صَرِيحَةً إِلَّا فِيمَا أُرِيدَ بِهَا وَدَلَّ السِّيَاقُ عَلَيْهَا، فَدَعْوَى أَنَّهَا صَرِيحَةٌ فِي الْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ مَعَ هَذِهِ الْقَرَائِنِ مُكَابَرَةٌ، وَدَعْوَى بَاطِلَةٌ قَطْعًا.

الشيخ: مثلما قال رحمه الله.

فَصْلٌ

وَفِي سُجُودِ كعبٍ حِينَ سَمِعَ صَوْتَ الْمُبَشِّرِ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ أَنَّ تِلْكَ كَانَتْ عَادَةَ الصَّحَابَةِ، وَهِيَ سُجُودُ الشُّكْرِ عِنْدَ النِّعَمِ الْمُتَجَدِّدَةِ، وَالنِّقَمِ الْمُنْدَفِعَةِ، وَقَدْ سَجَدَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ لَمَّا جَاءَهُ قَتْلُ مُسيلمة الكذَّاب، وَسَجَدَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لَمَّا وَجَدَ ذَا الثُّدَيَّةِ مَقْتُولًا فِي الْخَوَارِجِ، وَسَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِينَ بَشَّرَهُ جِبْرِيلُ أَنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ مَرَّةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، وَسَجَدَ حِينَ شَفَعَ لِأُمَّتِهِ، فَشَفَّعَهُ اللَّهُ فِيهِمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَأَتَاهُ بَشِيرٌ فَبَشَّرَهُ بِظَفَرِ جُنْدٍ لَهُ عَلَى عَدُوِّهِمْ، وَرَأْسُهُ فِي حِجْرِ عائشةَ، فَقَامَ فَخَرَّ سَاجِدًا، وَقَالَ أبو بكرة: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ إِذَا أَتَاهُ أَمْرٌ يَسُرُّهُ خَرَّ لِلَّهِ سَاجِدًا"، وَهِيَ آثَارٌ صَحِيحَةٌ لَا مَطْعَنَ فِيهَا.

س: يعني من السنة إذا أتى الإنسانَ خبرٌ يسرُّه وهو جالس أن يقوم، أو مُضطجع أن يقوم؟

ج: يسجد لله، ولا يشترط له الطَّهارة، سجود الشكر وسجود التلاوة لا يُشترط له الطَّهارة، بخلاف سجود السَّهو فلا بدَّ من الطَّهارة، أما سجود الشُّكر فهو يأتي على غرَّةٍ، فلا مانع من السجود، وهكذا سجود التلاوة وإن كان على غير طهارةٍ، كما جرى للنبي ﷺ وللصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم.

س: لكن هل يقوم لو كان مُضطجعًا كما هنا أتاه بشيرٌ؟

ج: يقوم ويسجد.

س: لكن لو كان جالسًا أو مُضطجعًا –يعني- يستوي جالسًا ويسجد؟

ج: الظاهر أنه قام من اضطجاعه، ما هو مقصوده أنه قام واقفًا، يعني: قام من مُضطجعه وسجد لله شكرًا.

س: ما جاء عن عائشةَ أنَّ الإنسان إذا أراد أن يسجد للتلاوة: أنَّ الأولى أن يقوم ثم يسجد عن قيامٍ؟

ج: المعروف أنه كان يسجد وهو جالس عليه الصلاة والسلام.

س: الخرور ما يكون عن قيامٍ؟

ج: ما هو بلازمٍ عن قيامٍ، إذا تلا وهو جالس سجد وهو جالس، وإذا تلا وهو قائم خرَّ ساجدًا.

س: يعني مَن قال بهذا .....؟

ج: ما أعلم دليلًا واضحًا على هذا.

وَفِي اسْتِبَاقِ صَاحِبِ الْفَرَسِ وَالرَّاقِي عَلَى سِلَعٍ لِيُبَشِّرَا كعبًا دَلِيلٌ عَلَى حِرْصِ الْقَوْمِ عَلَى الْخَيْرِ، وَاسْتِبَاقِهِمْ إِلَيْهِ، وَتَنَافُسِهِمْ فِي مَسَرَّةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا.

الشيخ: وهكذا شأن المؤمن، ينبغي أن يكونوا هكذا: أن يتسابقوا فيما ينفعهم، وأن يُبشر بعضُهم بعضًا بالخير، وأن يسره ما يسرّ أخاه، وأن يُحزنه ما يُحزن أخاه، كما قال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71].

وَفِي نَزْعِ كعبٍ ثَوْبَيْهِ وَإِعْطَائِهِمَا لِلْبَشِيرِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إِعْطَاءَ الْمُبَشِّرِينَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَالشِّيَمِ، وَعَادَةِ الْأَشْرَافِ، وَقَدْ أَعْتَقَ العبَّاسُ غُلَامَهُ لَمَّا بَشَّرَهُ أَنَّ عِنْدَ الحجاج بن علاط مِنَ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَا يَسُرُّهُ.

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ إِعْطَاءِ الْبَشِيرِ جَمِيعَ ثِيَابِهِ.

الشيخ: نعم، إذا كان عنده ما يستر عورته.

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَهْنِئَةِ مَنْ تَجَدَّدَتْ لَهُ نِعْمَةٌ دِينِيَّةٌ، وَالْقِيَامِ إِلَيْهِ إِذَا أَقْبَلَ، وَمُصَافَحَتِهِ.

الشيخ: كما قام له طلحة، فإنه قام من الحلقة -حلقة النبي ﷺ- وقابل كعبًا وصافحه وهنَّأه بتوبة الله عليه.

س: ...............؟

ج: هذا من هذا الباب.

س: ...............؟

ج: الثياب مُتيسرة، واثق.

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَهْنِئَةِ مَنْ تَجَدَّدَتْ لَهُ نِعْمَةٌ دِينِيَّةٌ، وَالْقِيَامِ إِلَيْهِ إِذَا أَقْبَلَ، وَمُصَافَحَتِهِ، فَهَذِهِ سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ، وَهُوَ جَائِزٌ لِمَنْ تَجَدَّدَتْ لَهُ نِعْمَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ، وَأَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ لَهُ: لِيَهْنِكَ مَا أَعْطَاكَ اللَّهُ، وَمَا مَنَّ اللَّهُ بِهِ عَلَيْكَ، وَنَحْوُ هَذَا الْكَلَامِ، فَإِنَّ فِيهِ تَوْلِيَةَ النِّعْمَةِ رَبَّهَا، وَالدُّعَاءَ لِمَنْ نَالَهَا بِالتَّهَنِّي بِهَا.

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ خَيْرَ أَيَّامِ الْعَبْدِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَأَفْضَلَهَا يَوْمُ تَوْبَتِهِ إِلَى اللَّهِ، وَقَبُولِ اللَّهِ تَوْبَتَهُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ.

الشيخ: لا شكَّ أنَّ اليوم الذي يتوب اللهُ فيه على العبد -يمحو سيئاته- أفضل يومٍ بالنسبة إليه، وخير يومٍ بالنسبة إليه، وهذا يدل على أنها توبة تامَّة، توبة كاملة على كعبٍ؛ أنَّ الله تاب عليه، ومَنَّ عليه بالعفو والمغفرة عن ذنوبه.

س: ...............؟

ج: محل نظرٍ، ليلة القدر أفضل من جميع الليالي، ليلة القدر خيرٌ من ألف شهرٍ، وأما يوم عرفة فله فضله، والمعروف أنَّ يوم النحر أفضل منه، وهو الحج الأكبر، ثم يوم العيد، ثم يليه يوم عرفة.

س: ...............؟

ج: ويُباهي به ملائكته، هذا يوم عظيم، فيه فضل عظيم، لكن يوم النحر هو يوم الحج الأكبر، فيه فضل عظيم، وخير كبير.

س: ...............؟

ج: نعم، يشكر الله عليها، مثل: وُلِدَ له ولدٌ، مثل: إذا يسَّر اللهُ له بيتًا، مثل: إذا قضى الله دَينَه، أوفى الله عنه دَينه، يسَّر إليه مَن أوفى بدَينه.

فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا الْيَوْمُ خَيْرًا مِنْ يَوْمِ إِسْلَامِهِ؟

قِيلَ: هُوَ مُكَمِّلٌ لِيَوْمِ إِسْلَامِهِ، وَمِنْ تَمَامِهِ، فَيَوْمُ إِسْلَامِهِ بِدَايَةُ سَعَادَتِهِ، وَيَوْمُ تَوْبَتِهِ كَمَالُهَا وَتَمَامُهَا، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

الشيخ: والظاهر والله أعلم أنها توبةٌ عن جميع الذُّنوب، ما هي توبة مجرد التَّخلف، فخير يومٍ منذ ولدتك أمك يعني أنها توبة كاملة؛ لأنَّ الله قال: لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار [التوبة:117]، ثم قال: وَعَلَى الثَّلَاثَةِ [التوبة:118]، فهي توبة كاملة.

وَفِي سُرُورِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِذَلِكَ وَفَرَحِهِ بِهِ وَاسْتِنَارَةِ وَجْهِهِ دَلِيلٌ عَلَى مَا جَعَلَ اللَّهُ فِيهِ مِنْ كَمَالِ الشَّفَقَةِ عَلَى الْأُمَّةِ وَالرَّحْمَةِ بِهِمْ وَالرَّأْفَةِ، حَتَّى لَعَلَّ فَرَحَهُ كَانَ أَعْظَمَ مِنْ فَرَحِ كعبٍ وَصَاحِبَيْهِ.

وَقَوْلُ كعبٍ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي" دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الصَّدَقَةِ عِنْدَ التَّوْبَةِ بِمَا قُدِرَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَالِ.

وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِكُلِّ مَالِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ إِخْرَاجُ جَمِيعِهِ، بَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُبْقِيَ لَهُ مِنْهُ بَقِيَّةً، وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ فِي ذَلِكَ، فَفِي "الصَّحِيحَيْنِ" أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لَهُ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ، وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ قَدْرًا، بَلْ أَطْلَقَ، وَوَكَلَهُ إِلَى اجْتِهَادِهِ فِي قَدْرِ الْكِفَايَةِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، فَإِنَّ مَا نَقَصَ عَنْ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ أَهْلِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَدُّقُ بِهِ، فَنَذْرُهُ لَا يَكُونُ طَاعَةً، فَلَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَمَا زَادَ عَلَى قَدْرِ كِفَايَتِهِ وَحَاجَتِهِ، فَإِخْرَاجُهُ وَالصَّدَقَةُ بِهِ أَفْضَلُ، فَيَجِبُ إِخْرَاجُهُ إِذَا نَذَرَهُ، هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، وَمُقْتَضَى قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ؛ وَلِهَذَا تُقَدَّمُ كِفَايَةُ الرَّجُلِ وَكِفَايَةُ أَهْلِهِ عَلَى أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ الْمَالِيَّةِ، سَوَاءٌ كَانَتْ حَقًّا لِلَّهِ: كَالْكَفَّارَاتِ وَالْحَجِّ، أَوْ حَقًّا لِلْآدَمِيِّينَ: كَأَدَاءِ الدُّيُونِ، فَإِنَّا نَتْرُكُ لِلْمُفْلِسِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ مَسْكَنٍ، وَخَادِمٍ، وَكُسْوَةٍ، وَآلَةِ حِرْفَةٍ، أَوْ مَا يَتَّجِرُ بِهِ لِمُؤْنَتِهِ إِنْ فُقِدَتِ الْحِرْفَةُ، وَيَكُونُ حَقُّ الْغُرَمَاءِ فِيمَا بَقِيَ.

وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِمَالِهِ كُلِّهِ أَجْزَأَهُ ثُلُثُهُ، وَاحْتَجَّ لَهُ أَصْحَابُهُ بِمَا رُوِيَ فِي قِصَّةِ كعبٍ هَذِهِ: أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَنْ أَخْرُجَ مِنْ مَالِي كُلِّهِ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ صَدَقَةً، قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَنِصْفُهُ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَثُلُثُهُ، قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِيَ الَّذِي بِخَيْبَرَ. رَوَاهُ أبو داود.

وَفِي ثُبُوتِ هَذَا مَا فِيهِ؛ فَإِنَّ الصَّحِيحَ فِي قِصَّةِ كعبٍ هَذِهِ مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ وَلَدِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْهُ: أَنَّهُ قَالَ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ، مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ لِقَدْرِهِ، وَهُمْ أَعْلَمُ بِالْقِصَّةِ مِنْ غَيْرِهِمْ، فَإِنَّهُمْ وَلَدُهُ، وَعَنْهُ نَقَلُوهَا.

الشيخ: والسياق يقتضي أنه يستشير النبيَّ، يقول: إنَّ من توبتي، معناه الاستشارة، يُشاور النبيَّ ماذا يفعل؟ يرى من توبته أنه ينخلع من ماله، فقال له النبي: أمسك عليك بعضَ مالك، فهو خيرٌ لك، فالمؤمن يُمسِك ما يقوم بحاله: أمسك عليك بعض مالك مما يقوم بحاله وحاجته، وفي قصة أبي لبابة ما يأتي.

فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَقُولُونَ فِيمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي "مُسْنَدِهِ": أَنَّ أبا لبابة ابن عبدالمنذر لَمَّا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَهْجُرَ دَارَ قَوْمِي وَأُسَاكِنَكَ، وَأَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يُجْزِئُ عَنْكَ الثُّلُثُ؟

الطالب: في الحاشية: أخرجه الإمامُ أحمد، والدَّارمي، ورجاله ثقات، وأخرجه أبو داود عن كعب بن مالك: أنه قال للنبي ﷺ: أول ..... أو من شاء الله، إنَّ من توبتي .. إلى آخره. وسنده صحيح، ورواه عن ابن كعب بن مالك قال: كان أبو لبابة. فذكر معناه، والقصة لأبي لبابة.

الشيخ: وهذا يُبين لنا أنَّ الثلث يكفي، وله شاهد في الوصية: الثلث، والثلث كثير، فإذا تاب وأخرج الثلثَ كفى من ماله، إذا نذر أن يُخرج مالَه كلَّه، أو قال: إنَّ من توبتي أن أُخرج مالي كله، يُجزئه الثلث، كما أجزأ الموصي.

س: ...............؟

ج: يعني أتوب إلى الله من خطئه، التوبة إلى الله من حقِّه، والتوبة إلى الرسول من حقِّ الرسول؛ لأنه تخلَّف عن الغزوة.

س: ...............؟

ج: هذا في الذنب الذي يختصّ بالله جلَّ وعلا، أما الذي يختصّ بالمخلوقين تقول: أتوب إلى الله وإليك يا فلان ما أخطأتُ عليك من ضربي له، أو سبِّي له، أو ما أشبه ذلك، فلا بأس.

س: ...............؟

ج: هذا مُقتضى ما أمر به النبيُّ ﷺ أبا لبابة؛ لأنَّ الإنسان مسكين، قد يكون عند المرض أو عند الفرح الكثير قد يجود بماله، فيُعلَّم ويُقال له: لا، يكفيك الثُّلث.

س: ...............؟

ج: إذا أوصى بكل ماله لا يلزم إلا الثلث.

س: ...............؟

ج: هذا محل الخلاف، ومحل البحث: هل يُجزئه الثلث أو ما يُجزئه الثلث؟ مَا قاله النبي ﷺ لأبي لبابة أنه يُجزئه الثلث جعله مثله، وأن الإنسان متى نذر ماله كله يُجزئه الثلث، أو أوصى به يُجزئه الثلث؛ لأنَّ أبا لبابة ذكر للنبي أنَّ من توبته أن يتصدق بماله كله، فقال: يكفيك الثلث.

س: ..............؟

ج: يكفي الثلث، نعم.

س: ..............؟

ج: إذا كانت زائدةً عن حاجته، يتيسر له (فلّة) تكفيه بأقلّ من ذلك نعم، ينظر ولي الأمر، أما إذا كانت سكن مثله فلا، يُحكم بإعساره.

س: ..............؟

ج: مثل مطية الجمال من أول سواء بسواء.

س: ..............؟

ج: إذا تيسر، الصَّدقة من أسباب تكفير السيئات، يقول ﷺ: الصدقة تُطفئ الخطيئة كما يُطفئ الماءُ النَّارَ.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يُجْزِئُ عَنْكَ الثُّلُثُ. قِيلَ: هَذَا هُوَ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ أحمد، لَا بِحَدِيثِ كعبٍ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ عبدالله: إِذَا نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ كُلِّهِ أَوْ بِبَعْضِهِ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَكْثَرُ مِمَّا يَمْلِكُهُ، فَالَّذِي أَذْهَبُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَ أبا لبابة بِالثُّلُثِ. وأحمد أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ أَنْ يَحْتَجَّ بِحَدِيثِ كعبٍ هَذَا الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ الثُّلُثِ، إِذِ الْمَحْفُوظُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ، وَكَأَنَّ أحمد رَأَى تَقْيِيدَ إِطْلَاقِ حَدِيثِ كعبٍ هَذَا بِحَدِيثِ أبي لبابة.

وَقَوْلُهُ فِيمَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ كُلِّهِ أَوْ بِبَعْضِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُهُ: "إِنَّهُ يُجْزِئُهُ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ" دَلِيلٌ عَلَى انْعِقَادِ نَذْرِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ مَالَهُ، ثُمَّ إِذَا قَضَى الدَّيْنَ أَخْرَجَ مِقْدَارَ ثُلُثِ مَالِهِ يَوْمَ النَّذْرِ، وَهَكَذَا قَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ عبدالله: إِذَا وَهَبَ مَالَهُ، وَقَضَى دَيْنَهُ، وَاسْتَفَادَ غَيْرُهُ، فَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ إِخْرَاجُ ثُلُثِ مَالِهِ يَوْمَ حِنْثِهِ. يُرِيدُ بِيَوْمِ حِنْثِهِ يَوْمَ نَذْرِهِ، فَيَنْظُرُ قَدْرَ الثُّلُثِ ذَلِكَ الْيَوْمَ فَيُخْرِجُهُ بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِهِ.

الشيخ: ظاهر السنة أنه يلزمه الثلث وقت الكلام، يُجزئه الثلث، والباقي لحاجاته ودَينه وغير ذلك، هذا ظاهر السنة: أنه يُجزئه الثلث مطلقًا؛ كالذي أوصى ومات، له وصية الثلث، والباقي للورثة، أما هذا النَّاذر أوجب على نفسه، الوصية اختيارية، ليس له أن يُوصي إلا بالثلث بعد الدَّين، أما هذا في حياته نذر أن يتصدق بماله، فيُجزئه الثلث؛ لأن النذر واجب: مَن نذر أن يُطيع الله فليُطعه، ومن رحمة الله أن أجزأه الثلث، وصار الباقي يبقى ..... يُوفي منه الدَّين، يُنفق منه على حاجاته.

س: لو كان الثلثان لا يفيان بما عليه من الدُّيون؟

ج: ولو، ينفذ الثلث، إلا مَن قال يُحجر عليه بمجرد كون ماله لا يُقابل ديونه، وأنَّ الحجر عليه يكون بنفس قلة المال، لا بحجر الإمام، وإلا فثلثه يكفي، ثلث ماله الذي عنده وقت النذر يكفي، والباقي يكون لحاجاته ودَينه وغير ذلك.

س: ما اختاره شيخُ الإسلام أنَّ الإنسان إذا أوقف وعليه ديون أنَّ هذا الوقف لا ينفذ؟

ج: هذا مبني على الحجر، مبني على أنَّ الحجر يكون بنفس الإعسار، وإن لم يحجر عليه القاضي، وظاهر السنة وظاهر الأدلة الشرعية أنه لا حجرَ عليه إلا بعد حجر القاضي.

س: لو قال: إنه يُسدد الديون التي عليه، ثم بعد ذلك ينظر في المال الباقي؟

ج: هذا معنى كلام المؤلف، كلام الإمام أحمد على هذا، لكن ظاهر السنة خلاف ذلك.

س: لكن قال: يوم نذره، أخرج مقدار ثلث ماله يوم النذر؟

ج: هذا كلام أحمد، يُحكى عن أحمد بعد وفاء الدَّين.

س: ..............؟

ج: يكون الثلثان لحاجاته ودَينه وكل شيء.

س: يعني الذي يظهر لكم أنه يجب إخراج الثلث من جميع المال؟

ج: نعم حين النذر، ثم الباقي يكون في حاجاته وديونه.

س: ..............؟

ج: ما حجر عليه، لم يحجر عليه.

س: قواعد الشَّريعة العامَّة في مسألة الديون وحقوق الناس أليست مُقدَّمةً؟

ج: ما يظهر لي، الرسول ما استفسره، ما قال: عليك دَين وإلا ما عليك دين؟ قال: يكفيك الثلث، ولم يستفسره، ترك الاستفسار مع الاحتمال ينزل منزلة ..... قال لكعبٍ: أمسك بعض مالك، فهو خيرٌ لك.

س: لكن ما يُقال أنه كان يعلم حال كعب؟

ج: لا، حديث أبي لبابة أصرح منه، أصرح في الموضوع.

وَقَوْلُهُ: "أَوْ بِبَعْضِهِ" يُرِيدُ أَنَّهُ إِذَا نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِمُعَيَّنٍ مِنْ مَالِهِ، أَوْ بِمِقْدَارٍ: كَأَلْفٍ وَنَحْوِهَا، فَيُجْزِئُهُ ثُلُثُهُ: كَنَذْرِ الصَّدَقَةِ بِجَمِيعِ مَالِهِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِهِ لُزُومُ الصَّدَقَةِ بِجَمِيعِ الْمُعَيَّنِ.

وَفِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى: أَنَّ الْمُعَيَّنَ إِنْ كَانَ ثُلُثَ مَالِهِ فَمَا دُونَهُ، لَزِمَهُ الصَّدَقَةُ بِجَمِيعِهِ، وَإِنْ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لَزِمَهُ مِنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ، وَهِيَ أَصَحُّ عِنْدَ أَبِي الْبَرَكَاتِ.

الشيخ: والصواب أنه يجب عليه ما نذر؛ لأنَّ الرسول قال: مَن نذر أن يُطيع الله فليُطعه، ومَن نذر أن يعصي الله فلا يعصه، فالحديث عام إذا كان نذر طاعةٍ.

وَبَعْدُ: فَإِنَّ الْحَدِيثَ لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كعبًا وأبا لبابة نَذَرَا نَذْرًا مُنَجَّزًا، وَإِنَّمَا قَالَا: إِنَّ مِنْ تَوْبَتِنَا أَنْ نَنْخَلِعَ مِنْ أَمْوَالِنَا. وَهَذَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي النَّذْرِ، وَإِنَّمَا فِيهِ الْعَزْمُ عَلَى الصَّدَقَةِ بِأَمْوَالِهِمَا شُكْرًا لِلَّهِ عَلَى قَبُولِ تَوْبَتِهِمَا، فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ بَعْضَ الْمَالِ يُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يَحْتَاجَانِ إِلَى إِخْرَاجِهِ كُلِّهِ، وَهَذَا كَمَا قَالَ لسعدٍ وَقَدِ اسْتَأْذَنَهُ أَنْ يُوصِيَ بِمَالِهِ كُلِّهِ، فَأَذِنَ لَهُ فِي قَدْرِ الثُّلُثِ.

الشيخ: وهذا كله إذا كان ما نذر مثلما بيَّن النبي ﷺ، إذا كان ما نذر يُخرج ما يسَّر الله له، أما إذا نذر فقد وجب عليه أن يُوفي بالنَّذر.

س: ..............؟

ج: إذا كان في مرض موته ليس له التَّصرف إلا بالثلث، أما إذا كان صحيحًا يُخرج الثلث، النبي قال لأبي لبابة: يكفيك الثلث.

س: لكن لو كان بشيءٍ معينٍ، نذر شيئًا معينًا، وهذا المعين أكثر من الثلث؟

ج: مَن نذر أن يُطيع الله فليطعه.

س: يعني في الثلث؟

ج: في المعين.

س: ولو كان أكثر من الثلث؟

ج: ولو كان أكثر من الثلث.

..............

س: مسألة الوضوء من ماء البرادات، قلتم مرةً أنه يُعيد الصلاة، وقلتم مرة أنه لا يُعيد الصلاة؟

ج: مسألة خلافٍ بين أهل العلم في المغصوب: جماعة من أهل العلم يقولون: يُعيد، وجماعة يقولون: المغصوب ليس خاصًّا بالماء، عام، لا يُستعمل المغصوب بالكلية، لكن لو صلَّى في الأرض المغصوبة، أو توضأ بالمغصوب صحَّت، ولكنه آثم؛ لأنَّ التحريم ليس خاصًّا بالصلاة، عام، ليس له أن يستعمل الماء الموقوف في غير ما وُقف فيه، وليس له أن يستعمل الأرض التي لم يُؤذن له فيها: لا يجلس فيها، ولا ينام فيها، ولا يُصلي فيها، فلما كان النَّهي عامًّا صحَّت الصلاة بهذا الشيء العام، بخلاف الخاصّ، الخاصّ يختص بما اختصَّ به، بالصلاة أو غيرها، مثل: كون الإنسان يُفطر بالأكل والشرب ونحو ذلك؛ لأنَّ الصائم ممنوع من ذلك، بخلاف ما لو ظلم أحدًا، أو ضرب أحدًا، أو دخل بيت أحدٍ ما يُفطر بذلك، وإن كان عاصيًا؛ لأنَّ هذا نهي عام، وإنما الشيء الخاصّ ما يتعلق بأكله وشربه، وهكذا مسألة الماء المغصوب، والأرض المغصوبة، ولعلَّ هذا أقرب إن شاء الله؛ لأنَّ النَّهي عام، وإن أعاد احتياطًا وخروجًا من الخلاف فحسن إن شاء الله.

س: ...............؟

ج: مع الإثم، نعم، مثل: مَن صلَّى في ثوبٍ مغصوبٍ، أو اشتراه بعقدٍ فاسدٍ، المقصود بثوبٍ مغصوبٍ واضح، فالصلاة صحيحة؛ لأنَّ غصبه ما هو خاصّ بالصلاة، منكر عليه مطلقًا، ولو في غير الصَّلاة.

س: مَن حصلت له نعمة، ولكنه ما سجد بعد سماع الخبر إلا بعد مدةٍ؟

ج: الظاهر أنه فات وقتها، سنة فات وقتها.

س: ...............؟

ج: يبقى دَينًا في ذمته حتى يُوفي، مثل: الديون التي يموت عليها، وأمره إلى الله، حسابه عند الله.

س: ...............؟

ج: على ما نذر سابقًا، إذا نذر لله جلَّ وعلا ثلثَ ماله في عمارة مسجدٍ، على ما قال، نذر بثلث ماله للفقراء الفلانيين، على ما قال، وهكذا.

س: رجل يقول: أعطتني أختي مبلغًا من المال، على أن أشتري به سيارةً وأبيعها بالتقسيط، ثم إني احتجتُ إلى المبلغ المذكور فأخذته، وحسبت به عليَّ سيارة بدون أن أشتري سيارة، ثم سألت بعضَ طلبة العلم وقال لي: إنَّ هذا لا يجوز، فهل يجوز لي أن أُعطي أختي هديةً من مالٍ بعد إرجاع نقودها إليها؛ ليكون عوضًا عن حبس مبلغها عندي أو لا؟

ج: إذا أعطاها شيئًا لا بأس، لكن ما هو بمشروط: إنَّ خير الناس أحسنهم قضاءً، لما فوَّت عليها المصلحة إذا ردَّ عليها مالها وأعطاها شيئًا وقال: سامحيني، طيب: إنَّ خيار الناس أحسنهم قضاءً.

س: ...............؟

ج: حسب الأوامر، الرسول أمرهم كلهم الثلاثة، أمر الثلاثة جميعًا: الشابّ والشيخين.