يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [المائدة:105].
يقول تعالى آمرًا عباده المؤمنين أن يُصلحوا أنفسهم، ويفعلوا الخير بجهدهم وطاقتهم، ومُخبرًا لهم أنَّه مَن أصلح أمره لا يضرّه فساد مَن فسد من الناس، سواء كان قريبًا منه أو بعيدًا.
قال العوفي: عن ابن عباسٍ في تفسير هذه الآية: يقول تعالى: إذا ما العبد أطاعني فيما أمرتُه به من الحلال، ونهيتُه عنه من الحرام، فلا يضرّه مَن ضلَّ بعده إذا عمل بما أمرتُه به. كذا روى الوالبي عنه، وهكذا قال مُقاتل بن حيان.
فقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ نصب على الإغراء، لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أي: فيُجازي كلّ عاملٍ بعمله: إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشرّ، وليس فيها دليلٌ على ترك الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، إذا كان فعل ذلك ممكنًا.
وقد قال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا هاشم بن القاسم: حدثنا زهير –يعني: ابن معاوية-: حدثنا إسماعيل ابن أبي خالد: حدثنا قيس قال: قام أبو بكر الصّديق ، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيّها الناس، إنَّكم تقرؤون هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ، وإنَّكم تضعونها على غير موضعها، وإني سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: إنَّ الناس إذا رأوا المنكر ولا يُغيرونه يُوشك الله أن يعمّهم بعقابه. قال: وسمعتُ أبا بكر يقول: يا أيها الناس، إياكم والكذب، فإنَّ الكذبَ مُجانبٌ للإيمان.
الشيخ: وهذه الآية الكريمة فيها دلالة على أنَّ العبد متى أصلح حاله واستقام على دينه لا يضرّه ضلال الناس، إذا استقام على دين الله، وأدَّى حقَّ ربه، وترك محارمه، ووقف عند حدوده لا يضرّه ضلال الناس.
ومن أداء الحق ومن الاستقامة: الأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر، فلا بدَّ من هذا، فلا يكون مُستقيمًا إلا إذا أدَّى هذا الواجب، وهو الأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر حسب طاقته؛ ولهذا أخبرهم الصّديق أنَّ مَن تأوّلها على أنَّه لا يلزمه الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر فقد أخطأ ووضعها في غير موضعها، وأخبر أنَّه سمع النبي ﷺ يقول: إنَّ الناس إذا رأوا المنكر فلم يُغيروه أوشك أن يعمّهم الله بعقابه، فدلّ ذلك على أنَّ الواجب على المؤمن تغيير المنكر، وأنه لا يكون مُهتديًا الهداية التَّامة إلا بهذا الأمر إذا قدر، لا يكون مُهتديًا الهداية التَّامة الواجبة إلا بإنكاره للمُنكر وأمره بالمعروف حسب الطاقة؛ لقوله جلَّ وعلا: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة:71]، وقوله سبحانه: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:110]، وقوله جلَّ وعلا: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة:78-79].
وقال ﷺ: مَن رأى منكم منكرًا فليُغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان.
فالواجب الحذر مما حذّر منه الصديق .
س: إذا أنكر المنكر مرةً واحدةً على صاحب المنكر ألا تبرأ ذمّته؟
ج: إذا رأى منه المنكر مرةً أخرى أنكر عليه.
الشيخ: وهو حديثٌ صحيحٌ، وإسناده صحيحٌ عن الصّديق : أنَّه سمع النبي ﷺ يقول: إنَّ الناس إذا رأوا المنكر فلم يُغيروه أوشك أن يعمّهم الله بعقابه، نعم.
ومنهم مَن رواه عنه به موقوفًا على الصّديق، وقد رجّح رفعه الدَّارقطني وغيره، وذكرنا طرقه والكلام عليه مُطولًا في "مسند الصديق ".
وقال أبو عيسى الترمذي: حدثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني: حدثنا عبدالله بن المبارك: حدثنا عتبة ابن أبي حكيم: حدثنا عمرو بن جارية اللّخمي، عن أبي أمية الشّعباني قال: أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلتُ له: كيف تصنع في هذه الآية؟ قال: أيّة آية؟ قلت: قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ. قال: أما والله لقد سألتَ عنها خبيرًا، سألتُ عنها رسول الله ﷺ فقال: بل ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحًّا مُطاعًا، وهوًى مُتَّبَعًا، ودنيا مُؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخاصّة نفسك، ودع العوام، فإنَّ من ورائكم أيامًا الصبر فيهنَّ مثل القبض على الجمر، للعامل فيهنَّ مثل أجر خمسين رجلًا يعملون كعملكم.
قال عبدالله بن المبارك: وزاد غير عتبة: قيل: يا رسول الله، أجر خمسين رجلًا منا أو منهم؟ قال: بل أجر خمسين منكم.
ثم قال الترمذي: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ صحيحٌ.
وكذا رواه أبو داود من طريق ابن المبارك، ورواه ابنُ ماجه وابنُ جرير وابنُ أبي حاتم عن عتبة ابن أبي حكيم.
س: الحديث صحيح؟
ج: لا أعلم فيه بأسًا.
مُداخلة: في تعليق يقول: الحديث ضعيف؛ لأنَّ مداره على عمرو بن جارية وشيخه أبي أمامة، وهما مجهولا الحال.
الشيخ: يحتاج إلى تأمل، نعم.
وقال عبدالرزاق: أنبأنا معمر، عن الحسن: أنَّ ابن مسعودٍ سأله رجلٌ عن قول الله: عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ، فقال: إنَّ هذا ليس بزمانها، إنها اليوم مقبولة، ولكنَّه قد أوشك أن يأتي زمانها، تأمرون فيُصنع بكم كذا وكذا. أو قال: فلا يُقبل منكم، فحينئذٍ عليكم أنفسكم، لا يضرّكم مَن ضلَّ.
ورواه أبو جعفر الرازي، عن الربيع، عن أبي العالية، عن ابن مسعودٍ في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ الآية، قال: كانوا عند عبدالله بن مسعود جلوسًا، فكان بين رجلين بعض ما يكون بين الناس، حتى قام كلُّ واحدٍ منهما إلى صاحبه، فقال رجلٌ من جُلساء عبدالله: ألا أقوم فآمرهما بالمعروف، وأنهاهما عن المنكر؟ فقال آخرُ إلى جنبه: عليك بنفسك، فإنَّ الله يقول: عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ الآية. قال: فسمعها ابنُ مسعودٍ، فقال: مه! لم يجئ تأويل هذه بعد، إنَّ القرآن أنزل حيث أنزل ومنه آي قد مضى تأويلهنَّ قبل أن ينزلن، ومنه آي قد وقع تأويلهن على عهد رسول الله ﷺ، ومنه آي قد وقع تأويلهن بعد النبي ﷺ بيسيرٍ، ومنه آي يقع تأويلهنَّ بعد اليوم، ومنه آي يقع تأويلهنَّ عند الساعة على ما ذكر من الساعة، ومنه آي يقع تأويلهنَّ يوم الحساب على ما ذكر من الحساب والجنة والنار، فما دامت قلوبُكم واحدةً، وأهواؤكم واحدةً، ولم تلبسوا شيعًا، ولم يذق بعضكم بأس بعضٍ، فأمروا وانهوا، وإذا اختلفت القلوبُ والأهواء، وألبستم شيعًا، وذاق بعضُكم بأس بعضٍ، فامرؤٌ ونفسه، وعند ذلك جاءنا تأويلُ هذه الآية. ورواه ابنُ جرير.
الشيخ: والمعنى: أنَّ الإنسان ما دام قادرًا فالواجب عليه الأمر والنَّهي، فإذا كان في طائفةٍ أو في جهةٍ يعجز عن ذلك فلا يضرّه ضلال الناس: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] مثلما بيّن ﷺ: مَن رأى منكم مُنكرًا فليُغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان، وقال: ما بعث اللهُ من نبيٍّ في أمَّةٍ قبلي إلا كان له من أمّته حواريون وأصحاب يأخذون بسُنته، ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوفٌ يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يُؤمرون، فمَن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومَن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومَن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبّة خردل. أخرجه مسلم في "الصحيح".
المقصود أنَّ الحكم يدور مع عِلَّته، متى استطاع فعل، ومتى عجز ..... مثلما جاء في جواب الصّديق .
الشيخ: "ابن صُبيح" هذا أبو الضّحى، مسلم بن صُبيح، وأمَّا الربيع فهو الربيع بن صَبيح.
س: إذا كان أمر ونهى، وهو يعرف أنَّه لا يُستجاب له، فهل يأمر؟
ج: ولو، يأمر وينهى، نعم، يأمر وينهى حتى يُؤدي الواجب الذي عليه، ولا ييأس، نعم.
س: ..............؟
ج: عند ظهور المنكرات، وعند العجز.
س: قوله تعالى: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى [الأعلى:9]؟
ج: تأتي النصوص الأخرى أنَّ مفهوم الآية العجز، الذي يعجز، نعم.
س: يعني: العجز؟
ج: مثلما بيّن ﷺ: فمَن لم يستطع .. إلى آخره.
س: إذا كان في بلدٍ فيه معاصٍ، وعجز عن الإنكار، فهل يُؤمر بالهجرة منه؟
ج: إن كانت بلاد كفار وجبت الهجرة، وإن كانت بلاد المسلمين فيها خلاف: هل تجب، أو ما تجب؟ أما إذا كانت بلاد كفار تجب الهجرة.
عن سفيان بن عقال قال: قيل لابن عمر: لو جلست في هذه الأيام فلم تأمر ولم تنهَ، فإنَّ الله قال: عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ. فقال ابنُ عمر: إنها ليست لي، ولا لأصحابي؛ لأنَّ رسول الله ﷺ قال: ألا فليبلغ الشاهد الغائب، فكنا نحن الشهود، وأنتم الغُيّب، ولكن هذه الآية لأقوامٍ يجيئون من بعدنا، إن قالوا لم يُقبل منهم.
وقال أيضًا: حدثنا محمد بن بشار: حدثنا محمد بن جعفر وأبو عاصم، قالا: حدثنا عوف، عن سوار بن شبيب قال: كنتُ عند ابن عمر إذ أتاه رجلٌ جليد العين، شديد اللِّسان، فقال: يا أبا عبدالرحمن، نفرٌ ستةٌ كلّهم قد قرأ القرآنَ فأسرع فيه، وكلّهم مُجتهد لا يألو، وكلّهم بغيضٌ إليه أن يأتي دناءةً، وهم في ذلك يشهد بعضُهم على بعضٍ بالشرك. فقال رجلٌ من القوم: وأيّ دناءةٍ تُريد أكثر من أن يشهد بعضُهم على بعضٍ بالشرك؟! فقال رجل: إني لستُ إياك أسأل، إنما أسأل الشيخ. فأعاد على عبدالله الحديث، فقال عبدالله: لعلك ترى -لا أبا لك- أني سآمرك أن تذهب فتقتلهم، عظهم وانههم، وإن عصوك فعليك بنفسك، فإنَّ الله عزَّ وجلَّ يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ الآية.
الشيخ: وهذا هو الواجب: أن يتَّقي الله، ويعظهم، ويُذكّرهم، فإن استجابوا وإلا عليه نفسه، لا يُقاتلهم، ولكن يعظهم ويُذكّرهم، كما هو الواجب، نعم.
س: هذا الرجل كان من الخوارج؟
ج: الله أعلم.
س: ما صحّة السند هذا والذي قبله؟
ج: بعد عوف؟ السائل لابن عمر.
الشيخ: انظر: سوار بن شبيب في "التقريب".
مُداخلة: في تعليق: الأثر سنده صحيح، سوار بن شبيب ثقة، ترجمته في "الجرح والتعديل".
الشيخ: انظر: "التقريب" سوار بن شبيب.
الطالب: سوار بن شبيب ما هو بموجود.
الشيخ: "التعجيل" موجود؟
مُداخلة: بارك الله فيكم، معي ترجمة سوار بن شبيب، السّعدي، الأعرجي، وبنو الأعرج حيٌّ من بني سعد، والأعرج هو الحارث بن كعب بن سعد بن زيد بن مناة بن تميم، قُطعت رجله يوم "تياس" فسُمّي "الأعرج"، وهو ثقة، كوفي، روى عن ابن عمر، وروى عنه عوف، وعكرمة بن عمار. مترجم في "الكبير" وابن أبي حاتم.
الشيخ: علامته؟
الطالب: ما ذكر شيئًا.
الشيخ: المقصود أنَّ سنده صحيحٌ عن ابن عمر.
وقال أيضًا: حدثني أحمد بن المقدام: حدثنا المعتمر بن سليمان: سمعت أبي: حدثنا قتادة، عن أبي مازن قال: انطلقت على عهد عثمان إلى المدينة، فإذا قومٌ من المسلمين جلوس، فقرأ أحدُهم هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ، فقال أكثرهم: لم يجئ تأويل هذه الآية اليوم.
وقال: حدثنا القاسم: حدثنا الحسين: حدثنا ابنُ فضالة، عن معاوية بن صالح، عن جبير بن نفير قال: كنتُ في حلقةٍ فيها أصحاب رسول الله ﷺ، وإني لأصغر القوم، فتذاكروا الأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر، فقلتُ أنا: أليس اللهُ يقول في كتابه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ؟ فأقبلوا عليَّ بلسانٍ واحدٍ، وقالوا: تنزع آية من القرآن لا تعرفها ولا تدري ما تأويلها؟! فتمنيت أني لم أكن تكلّمت، وأقبلوا يتحدّثون، فلمَّا حضر قيامهم قالوا: إنَّك غلامٌ حدث السن، وإنَّك نزعت آيةً ولا تدري ما هي، وعسى أن تُدرك ذلك الزمان: إذا رأيتَ شحًّا مُطاعًا، وهوًى مُتَّبَعًا، وإعجاب كل ذي رأيٍ برأيه، فعليك بنفسك، لا يضرّك مَن ضلَّ إذا اهتديت.
الشيخ: والمعنى: أنَّ الواجب هو الأمر والنَّهي، وأنَّ بهذا تتم الهداية، وأنه لا يترك، بل من تمام الهداية أن يأمر وينهى، هذا واجب المؤمن، فإذا عجز سقط عنه: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ.
س: لماذا خصّ الشُّحَّ بالذكر؟
ج: الشُّح: الحرص على الدنيا، والبخل بما في اليد، هذا الشح .....
س: ما حدود الاستطاعة؟
ج: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، مَن رأى منكم مُنكرًا فليُغيره بيده، فإذا كان يخشى على نفسه القتل أو الضّرب أو السجن فهذا عاجز، نعم.
س: إذا رأى رجل منكرًا .....؟
ج: عليهم المنكر كلهم، هم والزوجة عليهم إنكار المنكر جميعًا.
الشيخ: والمقصود أنَّ الله رحم عباده بهذا: أنَّه لا يضرّهم مَن ضلَّ إذا اهتدوا، ومن هدايتهم الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، هذا من الهداية.
س: ما معنى كلام الحسن؟
ج: مثلما قيل: كل بلاءٍ كلما كان لا بدَّ أن يُبتلى الإنسان بالمنافق الذي يكره عمله، لا يضرّه كفره إذا اهتدى المؤمن، كونه بين مُنافقين أو كفّار مثلما كان في عهد النبي ﷺ، وجود المنافقين لا يضرّه ذلك إذا اهتدى وأدَّى الواجب بالأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر، والدعوة إلى الله ، نعم.
س: ..............؟
ج: ما يضرّ، لا، ما يضرّ.
وقال سعيد بن المسيب: إذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر، فلا يضرّك مَن ضلَّ إذا اهتديت. رواه ابنُ جرير.
وكذا رُوي من طريق سفيان الثوري، عن أبي العميس، عن أبي البختري، عن حُذيفة مثله.
وكذا قال غير واحدٍ من السلف.
وقال ابنُ أبي حاتم: حدثنا أبي: حدثنا هشام بن خالد الدّمشقي: حدثنا الوليد: حدثنا ابنُ لهيعة، عن يزيد ابن أبي حبيب، عن كعبٍ في قوله: عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ قال: إذا هُدمت كنيسة دمشق فجُعلت مسجدًا، وظهر لبس العصب، فحينئذٍ تأويل هذه الآية.
الشيخ: كلامه ما هو بواضحٍ، كلام كعب الأحبار ما هو بواضحٍ.
المقصود من هذا مثلما قال الصّديق: أنَّه سمع النبي ﷺ يقول: إنَّ الناس إذا رأوا المنكر فلم يُغيروه أوشك أن يعمّهم الله بعقابه، فلا يكون مُهتديًا إلا مَن أدَّى الواجب، وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر، ودعا إلى الله حسب طاقته، يكون مُهتديًا، لا يضرّه مَن ضلَّ، نعم.
أما تعلّق الكسالى وتعلّق المعرضين بالآية فهذا من كسلهم وضعفهم وعجزهم وتأويلهم الباطل.
س: مَن تركه يا شيخ؟
ج: معصية، مَن ترك الأمر وهو يقدر عاصٍ.
س: من الكبائر أو الصَّغائر؟
ج: من الكبائر.
س: يُنكر على كل مَن أظهر المنكر؟
ج: نعم، حسب الطَّاقة.
س: ولو كان في ملإ؟
ج: ولو كان في ملإ، إذا أُظهر المنكر يُنكر المنكر ولو في الملإ، ولو في الأسواق.
س: إنكار المنكر من الصَّغائر؟
ج: المقصود أنَّه متى ظهر وجب الإنكار بالحكمة والكلام الطّيب والأسلوب الحسن: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125]، فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159].
على حسب الطاقة، يُنكر بلسانه والحمد لله، إلا إذا كان يقدر أن يُنكر بيده على ولده، أو خادمه، أو أمير يقدر، أو إمام، أو هيئة مُخولة، الذي يقدر يفعل ما يقدر عليه.
س: إذا كان يفعل المنكر هل يجب عليه إنكاره؟
ج: نعم، عليه تركه، وعليه إنكاره، فعله له ما يكون عذرًا له، عليه تركه، وعليه إنكاره، إذا كان يغتاب الناس ما هو بعذرٍ له ألا يُنكر عليهم، وإذا كان زانيًا يُنكر على الزناة، وإذا كان يشرب الخمر يُنكر على مَن شرب الخمر، ويتَّقي الله في نفسه.
س: إذا كان المنكر ظاهرًا، وكان الأسلوب الحسن لإبطاله أن يُنكر في السر، فهل نقول له: لا بدَّ أن يُنكره في السر؟
ج: إذا كان ظاهرًا بين الناس يُنكر ظاهرًا، يعلم الناس إنكاره، نعم.
س: هل يجب على الإنسان إذا أراد الإنكار أو نصيحة ولاة الأمر أن يكون سرًّا وجوبًا؟
ج: ولاة الأمر بالمكاتبة، وبالنَّصيحة المباشرة بيننا وبينهم، أو بالمكاتبة، لا بالشيء الذي يجرّ الفساد، أما أفراد الناس وعامّة الناس فحسب الطَّاقة.
س: هذا على الوجوب أحسن الله إليك؟
ج: نعم.
س: لكن إذا كان هذا المنكر فيه ضرر على الناس، أو على المجتمع ما يُنبه على الملإ؟
ج: يُبين أنَّه منكر، لكن ما هو بلزوم، فلان وفلان يُبين أنَّ هذا مُنكر.
س: بعض الكُتّاب يطعنون في قضية الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر في بعض الصحف والمجلات، هل هذه من صفات المنافقين؟
ج: لا شكّ، مَن كره الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر هذه من صفات المنافقين، نعم، وهذه من صفات أهل الكتاب: اليهود والنصارى: كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ [المائدة:79]، نسأل الله العافية.