تفسير قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا..}

وقال البخاري: حدثنا مؤمل بن هشام: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم: حدثنا عوف: حدثنا أبو رجاء: حدثنا سمرة بن جندب قال: قال رسولُ الله ﷺ لنا: أتاني الليلة آتيان، فابتعثاني، فانتهيا بي إلى مدينةٍ مبنيةٍ بلبن ذهب ولبن فضة، فتلقانا رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راءٍ، وشطر كأقبح ما أنت راءٍ، قالا لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النَّهر. فوقعوا فيه، ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم، فصاروا في أحسن صورةٍ، قالا لي: هذه جنة عدن، وهذا منزلك. قالا: وأما القوم الذين كانوا شطر منهم حسن وشطر منهم قبيح، فإنَّهم خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا، تجاوز الله عنهم. هكذا رواه البخاري مُختصرًا في تفسير هذه الآية.

الشيخ: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ [التوبة:102].

هذا يُفيد أنَّ مَن جمع بين السيئات والحسنات فهو تحت مشيئة الله، فقد يغفر اللهُ له، وقد يُعذّب مَن شاء منهم، كما قال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، فأهل المعاصي الذين ماتوا عليها ولم يتوبوا منهم مَن يدخل النار ويُعذّب، ثم يُخرجه الله من النار بشفاعة الشُّفعاء، أو بمجرد رحمته ، وهم مَن يُعفا عنه بأعمال صالحة قدّمها، فصارت من أسباب عفو الله عنه.

وقد ثبت عنه ﷺ أنَّه يشفع في جماعةٍ من أهل النار أربع شفاعات، كل مرة يحدّ اللهُ له حدًّا فيُخرجهم من النار، ثم يشفع فيحدّ اللهُ له حدًّا، ثم يشفع فيحدّ اللهُ له حدًّا، ثم يشفع فيحدّ اللهُ له حدًّا.

هذا يدلّ على أنَّ كثيرًا من العُصاة يدخلون النار ولا بدّ، وبعضهم يُعفا عنه، هذا كلّه في حقِّ مَن لم يتب، أما مَن تاب في الدنيا توبةً صادقةً فالله جلَّ وعلا يتوب عليه ولا يدخل النار. نعم.

س: مَن قتل نفسه؟

ج: أمره إلى الله، تحت المشيئة، نعم.

خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ۝ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [التوبة:103-104].

أمر تعالى رسوله ﷺ بأن يأخذ من أموالهم صدقةً يُطهرهم ويُزكيهم بها، وهذا عامّ، وإن أعاد بعضُهم الضَّمير في أموالهم إلى الذين اعترفوا بذنوبهم وخلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا؛ ولهذا اعتقد بعضُ مانعي الزكاة من أحياء العرب أنَّ دفع الزكاة إلى الإمام لا يكون، وإنما كان هذا خاصًّا بالرسول ﷺ؛ ولهذا احتجّوا بقوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً الآية.

وقد ردَّ عليهم هذا التَّأويل والفهم الفاسد أبو بكر الصّديق وسائر الصحابة، وقاتلوهم حتى أدّوا الزكاة إلى الخليفة كما كانوا يُؤدّونها إلى رسول الله ﷺ، حتى قال الصّديق: "والله لو منعوني عناقًا -وفي روايةٍ: عقالًا- كانوا يُؤدّونه إلى رسول الله ﷺ لأُقاتلنهم على منعه".

الشيخ: والمعنى: أنَّ قوله: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ عامّ للأمّة كلّها، خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ يعني: من الأمّة صَدَقَةً يعني: زكاةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا، فهي طُهرة للأمّة، وزكاة لهم، ولأموالهم، لجميع الأمّة في عهد النبي ﷺ بعد ذلك؛ لأنَّ الله قال: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة:43]، وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ [البينة:5] في جميع الزمان كل واحدٍ عليه إقامة الزكاة إلى أن يموت، إلى أن يرث اللهُ الأرضَ ومَن عليها.

وقوله: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ أي: ادعُ لهم، واستغفر لهم، كما رواه مسلم في "صحيحه" عن عبدالله ابن أبي أوفى قال: كان النبي ﷺ إذا أُتي بصدقة قومٍ صلَّى عليهم، فأتاه أبي بصدقته، فقال: اللهم صلِّ على آل أبي أوفى.

وفي الحديث الآخر: أنَّ امرأةً قالت: يا رسول الله، صلِّ عليَّ وعلى زوجي. فقال: صلى الله عليك وعلى زوجك.

الشيخ: والصلاة من الله: ثناؤه على العبد في الملإ الأعلى، ثناؤه عليه، وقال جماعةٌ: معناه: رحمته لهم، وهو سبحانه يُصلي وملائكته على أوليائه: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ [الأحزاب:43] بالثناء والرحمة والإحسان والجود والكرم جلَّ وعلا.

وقوله: إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ قرأ بعضُهم: "صلواتك" على الجمع، وآخرون قرأوا: إِنَّ صَلَاتَكَ على الإفراد سَكَنٌ لَهُمْ، قال ابنُ عباسٍ: رحمة لهم. وقال قتادة: وقار.

وقوله: وَاللَّهُ سَمِيعٌ أي: لدُعائك، عَلِيمٌ أي: بمَن يستحقّ ذلك منك ومَن هو أهلٌ له.

قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع: حدثنا أبو العميس، عن أبي بكر ابن عمرو بن عتبة، عن ابن حذيفة، عن أبيه: أنَّ النبي ﷺ كان إذا دعا لرجلٍ أصابته وأصابت ولده وولد ولده.

ثم رواه عن أبي نعيم، عن مسعر، عن أبي بكر ابن عمرو بن عتبة، عن ابنٍ لحذيفة. قال مسعر: وقد ذكره مرةً عن حذيفة: إنَّ صلاة النبي ﷺ لتُدرك الرجل وولده وولد ولده.

وقوله: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ هذا تهييجٌ إلى التوبة والصّدقة اللَّتين كلٌّ منهما يحطّ الذنوب ويمحصها ويمحقها، وأخبر تعالى أنَّ كلَّ مَن تاب إليه تاب عليه، ومَن تصدّق بصدقةٍ من كسبٍ حلالٍ فإنَّ الله تعالى يتقبلها بيمينه، فيُربيها لصاحبها حتى تصير التَّمرةُ مثل أحدٍ، كما جاء بذلك الحديثُ عن رسول الله ﷺ، كما قال الثوري ووكيع –كلاهما- عن عباد بن منصور، عن القاسم بن محمد: أنَّه سمع أبا هريرة يقول: قال رسولُ الله ﷺ: إنَّ الله يقبل الصَّدقة ويأخذها بيمينه فيُربيها لأحدكم كما يُربي أحدُكم مُهره، حتى إنَّ اللُّقمة لتكون مثل أحدٍ.

الشيخ: كذا عندكم: اللقمة؟ أو التّمرة؟

الطلاب: اللُّقمة.

الشيخ: المعروف في الرواية: التمرة.

الطالب: التمرة، أحسن الله إليك.

الشيخ: المعروف في الرواية: التمرة، بالتاء والميم.

حتى إنَّ التمرة لتكون مثل أحدٍ، وتصديق ذلك في كتاب الله : أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ.

الشيخ: وفي الآية الأخرى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ [الشورى:25]، وهو يقبل التوبة، ويقبل الصَّدقة الخالصة لوجهه، ويُربيها لأصحابها.

فجديرٌ بكل مؤمنٍ أن يُسارع إلى التوبة ويلزمها، وأن يجتهد في الصّدقات، ولا يقل: هذا قليل. ولو قليل: تمرة مع تمرة، ودرهم مع درهم يكفي للفقير، ينفع الفقير؛ ولهذا يقول ﷺ كما روى الشيخان من حديث عليٍّ ، يقول عليه الصلاة والسلام: ما منكم من أحدٍ إلا سيُكلّمه ربُّه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا ما قدّم، وينظر عن شماله فلا يرى إلا ما قدّم، وينظر تلقاء وجهه فلا يرى إلا النار، فاتَّقوا النار ولو بشقّ تمرةٍ، فمَن لم يجد فبكلمةٍ طيبةٍ.

وفي "صحيح البخاري" عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: جاءتني امرأةٌ ومعها ابنتان تشحذ، فلم أجد في البيت إلا ثلاث تمرات. فأعطتها ثلاث تمرات، فسلّمت لكل واحدةٍ من بنتيها تمرةً، ورفعت الثالثة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها التَّمرة الثالثة، فشقّتها بينهما نصفين، ولم تأكل شيئًا، فقالت عائشة: فأعجبني شأنها، فلما جاء النبيُّ ﷺ أخبرته، فقال: إنَّ الله أوجب لها بها الجنة أي: بهذه الرحمة، وبهذا الإحسان، وهذا العطف على ابنتيها.

المقصود أنَّ المؤمن لا ييأس، ولا يستقل العمل الصَّالح، بل يتصدّق ويُحسن بالدرهم، وبالتّمرة، وبالقليل، ويرجو من الله المثوبة جلَّ وعلا، وإذا كان ذلك من كسبٍ طيبٍ وأصلٍ صالحٍ صار القليل كثيرًا. نعم.

وقوله: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ [البقرة:276].

وقال الثوري والأعمش –كلاهما-: عن عبدالله بن السائب، عن عبدالله ابن أبي قتادة قال: قال عبدالله بن مسعود : إنَّ الصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد السَّائل. ثم قرأ هذه الآية: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ.

وقد روى ابنُ عساكر في "تاريخه" في ترجمة عبدالله بن الشاعر، السكسكي، الدّمشقي، وأصله حمصي، وكان أحد الفُقهاء، روى عن معاوية وغيره، وحكى عنه حوشب بن سيف، السكسكي، الحمصي، قال: غزا الناسُ في زمان معاوية وعليهم عبدالرحمن بن خالد بن الوليد، فغلّ رجلٌ من المسلمين مئة دينار رومية، فلمَّا قفل الجيشُ ندم وأتى الأمير، فأبى أن يقبلها منه، وقال: قد تفرّق الناسُ، ولن أقبلها منك حتى تأتي الله بها يوم القيامة. فجعل الرجل يستقري الصحابة، فيقولون له مثل ذلك، فلمَّا قدم دمشق ذهب إلى معاوية ليقبلها منه، فأبى عليه، فخرج من عنده وهو يبكي ويسترجع، فمرّ بعبدالله بن الشاعر السكسكي، فقال له: ما يُبكيك؟ فذكر له أمره، فقال له: أومطيعي أنت؟ فقال: نعم. فقال: اذهب إلى معاوية فقل له: اقبل مني خمسك. فادفع إليه عشرين دينارًا، وانظر إلى الثَّمانين الباقية فتصدّق بها عن ذلك الجيش، فإنَّ الله يقبل التوبةَ عن عباده، وهو أعلم بأسمائهم ومكانهم. ففعل الرجل، فقال معاوية : لأن أكون أفتيتُه بها أحبّ إليَّ من كل شيءٍ أملكه، أحسن الرجل.

الشيخ: هذه فتوى عظيمة، فقه عظيم، هذا غلَّ مئة دينار، وقد تفرّق الجيش، وقسمت الغنائم، فأبى الأمير أن يقبلها منه، وضاق بها صدره، وأتى معاوية فلم يقبلها، وأفتاه هذا المفتي بأن يُعطي معاوية الخمس الذي من بيت المال، ويتصدق بالثمن الباقي عن الجيش كلّه، يتصدق بها عمَّن حضر هذه الوقعة التي هذه من غنيمتها، هذه فتوى لها وجهها؛ لأنَّ الإنسان إذا كان عنده مالٌ ونسي أهله، أو أضاع عناوينهم، المقصود أنَّه لم يعرفهم، يتصدق به عنهم، وهذا مثله: الغانمون تفرَّقوا، فتوزيعها بينهم ما هو بمتيسر، ما بقي إلا أن يتصدق بها عنهم.

س: ما صحّ عن ابن مسعودٍ أنَّه أفتى بمثل هذا؟

ج: ما أدري، ما أذكر شيئًا.

س: حديث: كان إذا دعا لرجلٍ أصابته وأصابت ولده وولد ولده؟

ج: يعني: فضلها وخيرها.

س: ما صحّته عفا الله عنك؟

ج: الله أعلم، نعم.

س: مانعو الزكاة .....؟

ج: نعم، مَن منعها وقاتل دونها يكون مُرتدًّا، أما مَن منعها ولم يُقاتل دونها فتُؤخذ منه ولا يرتد.

وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [التوبة:105].

قال مجاهد: هذا وعيدٌ –يعني- من الله تعالى للمُخالفين أوامره بأنَّ أعمالهم ستُعرض عليه تبارك وتعالى، وعلى الرسول ﷺ، وعلى المؤمنين. وهذا كائنٌ لا محالةَ يوم القيامة، كما قال: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة:18]، وقال تعالى: يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ [الطارق:9]، وقال: وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ [العاديات:10].

وقد يُظهر الله تعالى ذلك للناس في الدنيا، كما قال الإمام أحمد: حدثنا حسن بن موسى: حدثنا ابنُ لهيعة: حدثنا دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيدٍ مرفوعًا، عن رسول الله ﷺ أنَّه قال: لو أنَّ أحدكم يعمل في صخرةٍ صمّاء ليس لها بابٌ ولا كوّة لأخرج اللهُ عملَه للناس كائنًا ما كان.

وقد ورد: أنَّ أعمال الأحياء تُعرض على الأموات من الأقرباء والعشائر في البرزخ، كما قال أبو داود الطّيالسي: حدثنا الصلت بن دينار، عن الحسن، عن جابر بن عبدالله قال: قال رسولُ الله ﷺ: إنَّ أعمالكم تُعرض على أقربائكم وعشائركم في قبورهم، فإن كان خيرًا استبشروا به، وإن كان غير ذلك قالوا: اللهم ألهمهم أن يعملوا بطاعتك.

الشيخ: انظر: الصلت بن دينار.

الطالب: هذا الصّلت: الصلت -بفتح أوله وآخره مثناة- بن دينار، الأزدي، الهنائي، البصري، أبو شعيب، المجنون، مشهور بكُنيته، متروك، ناصبي، من السادسة. (الترمذي، وابن ماجه).

الشيخ: وروايته بهذا المتن ضعيفة؛ فإنَّ عرض الأعمال على الموتى أمرٌ عظيمٌ، لو كان ذلك واقعًا لجاءت به الأحاديث الصَّحيحة، وبيّنها الرسول ﷺ، والأرواح تكون في الجنة، أرواح المؤمنين في الجنة حتى تُعاد إلى أجسادها، نعم.

س: الحسن رواه عن جابر؟

ج: يكفي ما فيه: الصلت، وهو متروك، كفى به ضعفًا.

وقال الإمام أحمد: أنبأنا عبدالرزاق، عن سفيان، عمَّن سمع أنسًا يقول: قال النبي ﷺ: إنَّ أعمالكم تُعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات، فإن كان خيرًا استبشروا به، وإن كان غير ذلك قالوا: اللهم لا تُمتهم حتى تهديهم كما هديتنا.

الشيخ: وهو ضعيفٌ أيضًا؛ لأنَّ فيه مجهولًا، مُبهمًا، نعم.

وقال البخاري: قالت عائشةُ رضي الله عنها: إذا أعجبك حسنُ عمل امرئ مسلم فقُلِ: اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ.

وقد ورد في الحديث شبيهٌ بهذا: قال الإمامُ أحمد: حدثنا يزيد: حدثنا حميد، عن أنسٍ: أنَّ رسول الله ﷺ قال: لا عليكم أن تعجبوا بأحدٍ حتى تنظروا بمَ يُختم له، فإنَّ العامل يعمل زمانًا من عمره -أو برهة من دهره- بعملٍ صالحٍ لو مات عليه دخل الجنة، ثم يتحول فيعمل عملًا سيئًا، وإنَّ العبد ليعمل البرهة من دهره بعملٍ سيئٍ لو مات عليه دخل النار، ثم يتحول فيعمل عملًا صالحًا، وإذا أراد اللهُ بعبده خيرًا استعمله قبل موته، قالوا: يا رسول الله، وكيف يستعمله؟ قال: يُوفّقه لعملٍ صالحٍ ثم يقبضه عليه. تفرّد به الإمام أحمد من هذا الوجه.

الشيخ: وهذا سندٌ صحيحٌ، ويدلّ عليه حديث ابن مسعودٍ في "الصحيحين": أنَّ العبد ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتابُ فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها. نسأل الله العافية، الأعمال بالخواتيم.

هذا يُفيد أنَّ العبد يحرص على سؤال الله حُسن الختام، ويسأل ربَّه الثبات على الحقِّ، فكم من عالم مضى عليه دهرٌ طويلٌ على الخير، ثم ارتدَّ عن دينه، وصار إلى النار، نسأل الله العافية.

فالمؤمن يضرع إلى الله ويسأله حُسن الختام، ويجتهد في الثبات على الحقِّ والعافية من مُضلات الفتن.

س: يستدلّ بعضُ الناس بهذه الآية: اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ على الترغيب في العمل؟

ج: نعم، فيها ترغيبٌ، سوف يرى اللهُ عملَه والمؤمنون، فليكن عملًا طيبًا.

س: بعضهم يستدلّ بها في أعمال الدنيا؟

ج: كذلك في أعمال الدنيا إذا عمل بها يعمل بأعمال الدنيا للآخرة، استعان بالله في أعمال الدنيا لأجل ..... ما في أيدي الناس، والتَّعفف عمَّا حرَّم الله عليه، صارت نيَّةً صالحةً يُؤجر عليها. نعم.

س: مسند أبي سعيدٍ مرفوعًا: لو أنَّ أحدكم يعمل في صخرةٍ صمَّاء ليس لها بابٌ ولا كوّة لأخرج اللهُ عملَه للناس، كائنًا ما كان، سنده؟

ج: أين هو؟ اقرأه.

قارئ المتن: كما قال الإمام أحمد: حدثنا حسن بن موسى: حدثنا ابنُ لهيعة: حدثنا دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيدٍ مرفوعًا، عن رسول الله ﷺ أنَّه قال: لو أنَّ أحدكم يعمل في صخرةٍ صمَّاء ليس لها بابٌ ولا كوّة لأخرج اللهُ عملَه للناس، كائنًا ما كان.

الشيخ: هذا ضعيفٌ، يا ولدي، ضعيف؛ لأنَّ ابن لهيعة ضعيف، ودراج ضعيف، لكن المعنى: الحثّ على العمل الصالح، وأنَّ الله جلَّ وعلا من ثوابه له أن يُظهر عمله، ويُطلق ألسنة الناس بالثناء عليه لعمله الصَّالح، هذا من أسباب عمله الصالح: حسن السمعة، والثناء، والدعاء له، وحُسن الثناء في الملإ الأعلى، نعم.

..............