تفسير قوله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ..}

وقال البزار: حدثنا سلمة بن شبيب وأحمد بن منصور قالا: حدثنا إبراهيم بن الحكم بن أبان: حدثنا أبي، عن عكرمة، عن أبي هريرة : أنَّ أعرابيًّا جاء إلى رسول الله ﷺ يستعينه في شيءٍ -قال عكرمة: أراه قال: في دمٍ- فأعطاه رسولُ الله ﷺ شيئًا، ثم قال: أحسنتُ إليك؟ قال الأعرابي: لا، ولا أجملت. فغضب بعضُ المسلمين، وهمّوا أن يقوموا إليه، فأشار رسولُ الله ﷺ إليهم أن كفّوا، فلما قام رسولُ الله ﷺ وبلغ إلى منزله دعا الأعرابي إلى البيت، فقال: إنَّك إنما جئتنا تسألنا فأعطيناك، فقلت ما قلت، فزاده رسولُ الله ﷺ شيئًا، وقال: أحسنتُ إليك؟ فقال الأعرابي: نعم، فجزاك الله من أهلٍ وعشيرةٍ خيرًا.

قال النبي ﷺ: إنَّك جئتنا فسألتنا فأعطيناك فقلت ما قلت، وفي أنفس أصحابي عليك من ذلك شيء، فإذا جئت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي حتى يذهب عن صدورهم، فقال: نعم. فلمَّا جاء الأعرابي قال رسولُ الله ﷺ: إنَّ صاحبكم كان جاء فسألنا فأعطيناه فقال ما قال، وإنا قد دعوناه فأعطيناه فزعم أنَّه قد رضي، كذلك يا أعرابي؟ فقال الأعرابي: نعم، فجزاك الله من أهلٍ وعشيرةٍ خيرًا.

فقال النبي ﷺ: إنَّ مثلي ومثل هذا الأعرابي كمثل رجلٍ كانت له ناقة فشردت عليه، فاتبعها الناس، فلم يزيدوها إلا نفورًا، فقال لهم صاحبُ الناقة: خلّوا بيني وبين ناقتي، فأنا أرفق بها، وأنا أعلم بها. فتوجه إليها وأخذ لها من قتام الأرض ودعاها حتى جاءت واستجابت، وشدّ عليها رحلها، وإني لو أطعتكم حيث قال ما قال لدخل النار. رواه البزار، ثم قال: لا نعلمه يُروى إلا من هذا الوجه.

قلت: وهو ضعيفٌ بحال إبراهيم بن الحكم بن أبان، والله أعلم.

الشيخ: في متنه نكارة؛ لأنَّ قوله ﷺ: قد أحسنَّا إليك؟ ليس من عادته أن يقول للناس هكذا: أحسنا إليك.

وهذا فيه مثلما قال المؤلف غرابة.

والحكم أيضًا هو كذلك ..... فيه كلام، انظر: "التقريب" إبراهيم بن الحكم، والحكم بن أبان، هو وأبوه.

الطالب: في "الخلاصة" بارك الله فيك: إبراهيم بن الحكم بن أبان، العدني، عن أبيه، وعنه ابن راهويه وجماعة، قال ابنُ معين: ليس بشيء. وقال الجوزجاني: ساقط. "تفسير ابن ماجه".

الشيخ: انظر: الحكم بن أبان، أبوه.

المقصود أنَّ المتن مُنكر، والحديث ضعيف، نعم.

حطّ عليه حاشية: في سنده إبراهيم بن الحكم، وهو ضعيفٌ.

الطالب: الحكم بن أبان، العدني، أبو عيسى، العابد، عن طاوس وعكرمة، وعنه ابنه إبراهيم وابن عيينة وغيرهما، قال العجلي: ثقة، صاحب سنة، كان إذا هدأت العيون وقف في البحر إلى ركبتيه يذكر الله تعالى حتى يُصبح. قيل: مات سنة أربعٍ وخمسين ومئة.

الشيخ: نعم، حطّ عليه حاشية: سنده ضعيف؛ لضعف إبراهيم بن الحكم، سنده ضعيف، ومتنه مُنكر.

وقوله: بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128] كقوله: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ۝ فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ ۝ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ [الشعراء:215-217].

وهكذا أمره تعالى في هذه الآية الكريمة، وهي قوله تعالى: فَإِنْ تَوَلَّوْا أي: تولوا عمَّا جئتم به من الشَّريعة العظيمة المطهرة الكاملة الشَّاملة، فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ أي: الله كافي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ [التوبة:129]، كما قال تعالى: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا [المزمل:9].

وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [التوبة:129] أي: هو مالك كل شيءٍ وخالقه؛ لأنَّه ربّ العرش العظيم الذي هو سقف المخلوقات، وجميع الخلائق من السماوات والأرضين وما فيهما وما بينهما تحت العرش مقهورون بقُدرة الله تعالى، وعلمه محيطٌ بكل شيءٍ، وقدره نافذٌ في كل شيءٍ، وهو على كل شيءٍ وكيل.

قال الإمام أحمد: حدثنا محمد ابن أبي بكر: حدثنا بشر بن عمر: حدثنا شعبة، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، عن أبي بن كعب قال: آخر آيةٍ نزلت من القرآن هذه الآية: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ [التوبة:128] إلى آخر السورة.

وقال عبدالله ابن الإمام أحمد: حدثنا روح: حدثنا عبدالمؤمن.

مُداخلة: عندنا روح بن عبدالمؤمن.

الشيخ: أيش بعده؟

حدثنا عمر بن شقيق: حدثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب : أنهم جمعوا القرآنَ في مصاحف في خلافة أبي بكر ، فكان رجال يكتبون، ويُملي عليهم أبي بن كعب، فلمَّا انتهوا إلى هذه الآية من سورة براءة: ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ الآية [التوبة:127]، فظنّوا أنَّ هذا آخر ما نزل من القرآن، فقال لهم أبي بن كعب: إنَّ رسول الله ﷺ أقرأني بعدها آيتين: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ إلى آخر السورة. قال: هذا آخر ما نزل من القرآن، فختم بما فتح به بالله الذي لا إله إلا هو، وهو قول الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25]. وهذا غريبٌ أيضًا.

الشيخ: انظر: روح.

الطالب: روح بن عبدالمؤمن، الهذلي مولاهم، أبو الحسن، البصري، المقرئ، عن حماد بن زيد وأبي عوانة ويزيد بن زريع، وعنه البخاري، وثَّقه ابنُ حبان، مات سنة أربعٍ وثلاثين ومئتين. البخاري فقط.

الشيخ: نعم، روح بن عبدالمؤمن.

وقال أحمد: حدثنا علي بن بحر: حدثنا علي بن محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن يحيى بن عباد، عن أبيه عباد بن عبدالله بن الزبير.

مُداخلة: عندنا: علي بن بحر، قال: حدثنا محمد بن سلمة.

الشيخ: ما عندكم: علي؟

الطالب: لا، ما عندنا، عندنا: محمد بن سلمة.

الطالب: كذلك في نسخة "الشعب": محمد بن سلمة.

الشيخ: ما في: علي؟

الطالب: في بعض النُّسخ، في نسخٍ فيها: علي.

الشيخ: حطّ على "علي بن محمد" نسخة: حدثنا محمد بن سلمة. يُراجع "المسند".

حدثنا علي بن محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن يحيى بن عباد، عن أبيه عباد بن عبدالله بن الزبير رضي الله عنه قال: أتى الحارث بن خُزيمة.

الشيخ: كذا عندكم: عن عباد فقط؟ ما قال: عن أبيه؟

الطالب: عن أبيه عباد بن عبدالله بن الزبير.

الشيخ: والذي بعد عباد؟

الطالب: ما في شيء.

الشيخ: وأيش عندكم بعد عباد؟

الطالب: كذلك أحسن الله إليك.

الشيخ: ما عندكم زيادة؟

الطالب: ما في.

الشيخ: نعم.

قال: أتى الحارثُ بن خزيمة بهاتين الآيتين من آخر براءة: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ إلى عمر بن الخطاب، فقال: مَن معك على هذا؟ قال: لا أدري، والله إني لأشهد لسمعتُها من رسول الله ﷺ، ووعيتها، وحفظتها. فقال عمر: وأنا أشهد لسمعتها من رسول الله ﷺ. ثم قال: لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة، فانظروا سورةً من القرآن فضعوها فيها. فوضعوها في آخر براءة.

وقد تقدم الكلامُ أنَّ عمر بن الخطاب هو الذي أشار على أبي بكر الصّديق رضي الله عنهما بجمع القرآن، فأمر زيد بن ثابت فجمعه، وكان عمر يحضرهم وهم يكتبون ذلك.

وفي الصحيح: أنَّ زيدًا قال: فوجدتُ آخر سورة براءة مع خُزيمة بن ثابت، أو أبي خُزيمة.

وقد قدمنا أنَّ جماعةً من الصحابة تذكروا ذلك عند رسول الله ﷺ، كما قال خزيمة بن ثابت حين ابتدأهم بها، والله أعلم.

وقد روى أبو داود عن يزيد بن محمد، عن عبدالرزاق بن عمر.

الشيخ: كذا عندكم: عن عبدالرزاق بن عمر، أو عن معمر؟

الطالب: عبدالرزاق بن عمر، أحسن الله إليك.

الشيخ: نعم، وقد روى؟

وقد روى أبو داود عن يزيد بن محمد، عن عبدالرزاق بن عمر -وقال: كان من ثقات المسلمين، من المتعبدين- عن مدرك بن سعد -قال يزيد: شيخ ثقة- عن يونس بن ميسرة، عن أم الدَّرداء، عن أبي الدَّرداء قال: مَن قال إذا أصبح وإذا أمسى: "حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلتُ وهو ربّ العرش العظيم" سبع مرات إلا كفاه اللهُ ما أهمّه.

وقد رواه ابنُ عساكر في ترجمة عبدالرزاق، عن عمر.

الشيخ: عبدالرزاق بن عمر.

س: ما صحّة سند الحديث؟

ج: فيه نظر .....

وقد رواه ابنُ عساكر في ترجمة عبدالرزاق بن عمر، هذا من رواية أبي زرعة الدّمشقي عنه، عن أبي سعدٍ مدرك ابن أبي سعد الفزاري، عن يونس بن ميسرة بن حلبس، عن أم الدَّرداء: سمعت أبا الدَّرداء يقول: ما من عبدٍ يقول: "حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلتُ وهو ربّ العرش العظيم" سبع مرات، صادقًا كان بها، أو كاذبًا، إلا كفاه الله ما أهمّه. وهذه زيادة غريبة.

ثم رواه في ترجمة عبدالرزاق أبي محمد، عن أحمد بن عبدالله بن عبدالرزاق، عن جدِّه عبدالرزاق بن عمر بسنده، فرفعه، فذكر مثله بالزيادة، وهذا مُنكر، والله أعلم.

آخر سورة براءة، ولله الحمد والمنَّة.

س: أحسن الله إليك، أما جاء هذا الأثر مرفوعًا إلى النبي ﷺ دون زيادة: "سبع مرات"، "حسبي الله" من أذكار المساء؟

ج: ما أعلم.

س: سند هذا الذكر؟

ج: فيه عبدالرزاق هذا، وهو مجهول .....، يُروى عن أبي الدَّرداء موقوفًا.

س: هذا ما يكون فيه نكارة؟ يقول: صادقًا أو كاذبًا؟

ج: لا، هذه الزيادة غلط.

مُداخلة: في "سنن أبي داود": عبدالرزاق بن مسلم الدّمشقي، وليس عبدالرزاق بن عمر، في أصل السنن.

الشيخ: إيه.

الطالب: هو واحدٌ، بارك الله فيكم، هو عبدالرزاق بن عمر بن مسلم، الدمشقي، العابد، عن مبشر بن إسماعيل، وعنه أبو حاتم، وقال: كان فاضلًا، مُتعبدًا، صدوقًا. (أبو داود).

الشيخ: فقط؟

الطالب: نعم.

الشيخ: يُنسب إلى جدِّه، انظر: "التقريب".

الطالب: يقول: عبدالرزاق بن عمر بن مسلم، الدمشقي، عابد، صدوق، من العاشرة. (أبو داود).

الشيخ: فقط؟

الطالب: لا، ذكر ثلاثة: عبدالرزاق بن عمر الدّمشقي.

عبدالرزاق بن عمر الدّمشقي، أبو بكر، الثقفي، متروك الحديث، عن الزهري، لين في غيره، من الثامنة. (التمييز).

الشيخ: غيره؟

الطالب: عبدالرزاق بن عمر البزيعي -بموحدة مفتوحة وزاي- صدوق، من العاشرة. (الجماعة).

الشيخ: انظر سنده عندك، أعد سنده.

وقد روى أبو داود عن يزيد بن محمد، عن عبدالرزاق بن عمر -وقال: كان من ثقات المسلمين، من المتعبدين- عن مدرك بن سعد -قال يزيد: شيخ ثقة- عن يونس بن ميسرة، عن أم الدَّرداء، عن أبي الدَّرداء قال: مَن قال إذا أصبح وإذا أمسى: "حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلتُ وهو ربّ العرش العظيم" سبع مرات إلا كفاه الله ما أهمّه.

وقد رواه ابنُ عساكر في ترجمة عبدالرزاق بن عمر، هذا من رواية أبي زُرعة الدّمشقي، عنه، عن أبي سعدٍ مُدرك ابن أبي سعد الفزاري، عن يونس بن ميسرة بن حلبس، عن أم الدَّرداء: سمعت أبا الدَّرداء يقول: ما من عبدٍ يقول: "حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلتُ وهو ربّ العرش العظيم" سبع مرات، صادقًا كان بها أو كاذبًا إلا كفاه الله ما أهمّه. وهذه زيادة غريبة.

ثم رواه في ترجمة عبدالرزاق أبي محمد، عن أحمد بن عبدالله بن عبدالرزاق، عن جدِّه عبدالرزاق بن عمر بسنده، فرفعه، فذكر مثله بالزيادة، وهذا مُنكر، والله أعلم.

الشيخ: سمِّ.

س: ما يُذكر في أذكار المساء والصَّباح؟

ج: الله أعلم، محل نظرٍ؛ لأنَّه موقوف، وهذا لا يُقال من جهة الرأي، نعم.