تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ..}

ثم يلقفهما ثلاث مرات، ثم يقول: أنا الجبار، أنا الجبار، أنا الجبار –ثلاثًا-، ثم هتف بصوته: لمن الملك اليوم؟ ثلاث مرات، فلا يُجيبه أحد، ثم يقول لنفسه: لله الواحد القهار. يقول الله: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ [إبراهيم:48]، فيبسطهما، ويسطحهما، ثم يمدّهما مدّ الأديم العكاظي، لا ترى فيها عوجًا ولا أمتًا، ثم يزجر اللهُ الخلقَ زجرةً واحدةً، فإذا هم في هذه الأرض المبدلة مثلما كانوا فيها من الأولى: مَن كان في بطنها كان في بطنها، ومَن كان على ظهرها كان على ظهرها.

ثم يُنزل اللهُ عليهم ماءً من تحت العرش، ثم يأمر الله السماء أن تُمطر، فتُمطر أربعين يومًا، حتى يكون الماءُ فوقهم اثني عشر ذراعًا، ثم يأمر اللهُ الأجساد أن تنبت، فتنبت كنبات الطراثيث، أو كنبات البقل، حتى إذا تكاملت أجسادهم فكانت كما كانت، قال الله : ليحي حملة عرشي. فيحيون، ويأمر الله إسرافيل فيأخذ الصور فيضعه على فيه، ثم يقول: ليحي جبريل وميكائيل. فيحييان، ثم يدعو الله بالأرواح، فيُؤتى بها تتوهج: أرواح المسلمين نورًا، وأرواح الكافرين ظُلمةً، فيقبضها جميعًا، ثم يُلقيها في الصور، ثم يأمر اللهُ إسرافيل أن ينفخ نفخةَ البعث، فينفخ نفخةَ البعث، فتخرج الأرواح كأنَّها النَّحل، قد ملأت ما بين السَّماء والأرض.

فيقول: وعزَّتي وجلالي ليرجعنَّ كل روحٍ إلى جسده. فتدخل الأرواح في الأرض إلى الأجساد، فتدخل في الخياشيم، ثم تمشي في الأجساد، كما يمشي السّم في اللَّديغ، ثم تنشق الأرضُ عنهم، وأنا أول مَن تنشقّ الأرض عنه، فتخرجون سراعًا إلى ربِّكم تنسلون: مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ [القمر:8]، حُفاةً، عُراةً، غُلْفًا، غُرْلًا، فتقفون موقفًا واحدًا مقداره سبعون عامًا، لا ينظر إليكم، ولا يقضي بينكم، فتبكون حتى تنقطع الدُّموع، ثم تدمعون دمًا، وتعرقون حتى يُلجمكم العرق، أو يبلغ الأذقان، وتقولون: مَن يشفع لنا إلى ربنا فيقضي بيننا؟ فتقولون: مَن أحقّ بذلك من أبيكم آدم؛ خلقه اللهُ بيده، ونفخ فيه من روحه، وكلَّمه قبلًا؟

فيأتون آدم فيطلبون ذلك إليه، فيأبى، ويقول: ما أنا بصاحب ذلك. فيستقرئون الأنبياء نبيًّا، نبيًّا، كلما جاءوا نبيًّا أبى عليهم

.

قال رسولُ الله ﷺ: حتى يأتوني، فأنطلق إلى الفحص، فأخرّ ساجدًا.

قال أبو هريرة: يا رسول الله، وما الفحص؟ قال: قدام العرش، حتى يبعث اللهُ إليَّ ملكًا فيأخذ بعضدي ويرفعني، فيقول لي: يا محمد، فأقول: نعم يا ربّ، فيقول الله : ما شأنك؟ وهو أعلم. فأقول: يا ربّ، وعدتني الشَّفاعة، فشفّعني في خلقك فاقضِ بينهم، قال الله: قد شفّعتك، أنا آتيكم أقضي بينكم.قال رسولُ الله ﷺ:

فأرجع فأقف مع الناس، فبينما نحن وقوف إذ سمعنا من السَّماء حسًّا شديدًا، فهالنا، فينزل أهلُ السَّماء الدنيا بمثلي مَن في الأرض من الجنِّ والإنس، حتى إذا دنوا من الأرض أشرقت الأرضُ بنورهم، وأخذوا مصافّهم، وقلنا لهم: أفيكم ربنا؟ فيقولون: لا، وهو آتٍ.

ثم ينزل أهلُ السماء الثانية بمثلي مَن نزل من الملائكة، وبمثلي مَن فيها من الجنِّ والإنس، حتى إذا دنوا من الأرض أشرقت الأرضُ بنورهم، وأخذوا مصافّهم، وقلنا لهم: أفيكم ربنا؟ فيقولون: لا، وهو آتٍ.

ثم ينزلون على قدر ذلك من التَّضعيف، حتى ينزل الجبارُ في ظللٍ من الغمام والملائكة، فيحمل عرشه يومئذٍ ثمانية -وهم اليوم أربعة- أقدامهم في تخوم الأرض السُّفلى، والأرض والسماوات إلى حُجزهم، والعرش على مناكبهم، ولهم زجلٌ في تسبيحهم، يقولون: سبحان ذي العرش والجبروت، وسبحان ذي الملك والملكوت، سبحان الحيّ الذي لا يموت، سبحان الذي يُميت الخلائق، ولا يموت، سبّوح، قدّوس، قدوس، قدوس، سبحان ربنا الأعلى، ربّ الملائكة والروح، سبحان ربنا الأعلى الذي يُميت الخلائق، ولا يموت.

فيضع اللهُ كرسيه حيث يشاء من أرضه، ثم يهتف بصوته فيقول: يا معشر الجنِّ والإنس، إني قد أنصتُّ لكم منذ خلقتكم إلى يومكم هذا، أسمع قولكم، وأُبصر أعمالكم، فأنصتوا إليَّ، فإنما هي أعمالكم وصحفكم تُقرأ عليكم، فمَن وجد خيرًا فليحمد الله، ومَن وجد غير ذلك فلا يلومَنَّ إلا نفسه.

ثم يأمر اللهُ جهنم فيخرج منها عنقٌ ساطعٌ، ثم يقول: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ۝ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ۝ وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ ۝ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [يس:60-63]، أو بها تُكذِّبون -شكَّ أبو عاصم-، وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ [يس:59]، فيميز اللهُ الناسَ، وتجثو الأمم، يقول الله تعالى: وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الجاثية:28].

فيقضي الله بين خلقه إلا الثَّقلين: الجنّ والإنس، فيقضي بين الوحوش والبهائم، حتى إنَّه ليقضي للجمّاء من ذات القرن، فإذا فرغ من ذلك، فلم تبقَ تبعة عند واحدةٍ للأخرى، قال الله لها: كوني ترابًا، فعند ذلك يقول الكافر: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا [النبأ:40].

ثم يقضي اللهُ بين العباد، فكان أول ما يقضي فيه الدِّماء، ويأتي كل قتيلٍ في سبيل الله، ويأمر الله كلَّ مَن قُتل فيحمل رأسَه تشخب أوداجه، فيقول: يا ربّ، فيمَ قتلني هذا؟ فيقول -وهو أعلم-: فيمَ قتلتهم؟ فيقول: قتلتهم لتكون العزَّةُ لك، فيقول الله له: صدقتَ، فيجعل اللهُ وجهه مثل نور الشمس، ثم تمرّ به الملائكةُ إلى الجنة، ثم يأتي كلُّ مَن قُتل على غير ذلك يحمل رأسَه، وتشخب أوداجه، فيقول: يا ربّ، فيمَ قتلني هذا؟ فيقول -وهو أعلم-: لم قتلتهم؟ فيقول: يا ربّ، قتلتهم لتكون العزَّةُ لي، فيقول: تعستَ، ثم لا تبقى نفسٌ قتلها إلا قُتل بها، ولا مظلمة ظلمها إلا أُخذ بها، وكان في مشيئة الله: إن شاء عذَّبه، وإن شاء رحمه.

ثم يقضي الله تعالى بين مَن بقي من خلقه، حتى لا تبقى مظلمة لأحدٍ عند أحدٍ إلا أخذها اللهُ للمظلوم من الظالم، حتى إنَّه ليكلّف شائبُ اللَّبن بالماء ثم يبيعه أن يخلص اللبن من الماء.

فإذا فرغ اللهُ من ذلك نادى مُنادٍ يُسمع الخلائق كلّهم: ألا ليلحق كل قومٍ بآلهتهم وما كانوا يعبدون من دون الله، فلا يبقى أحدٌ عبد من دون الله إلا مثلت له آلهته بين يديه، ويُجعل يومئذٍ ملكٌ من الملائكة على صورة عزير، ويُجعل ملكٌ من الملائكة على صورة عيسى ابن مريم، ثم يتبع هذا اليهود، وهذا النصارى، ثم قادتهم آلهتهم إلى النار، وهو الذي يقول: لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ [الأنبياء:99].

فإذا لم يبقَ إلا المؤمنون، فيهم المنافقون، جاءهم الله فيما شاء من هيئته فقال: يا أيها الناس، ذهب الناسُ فالحقوا بآلهتكم وما كنتم تعبدون، فيقولون: والله ما لنا إلهٌ إلا الله، وما كنا نعبد غيره، فينصرف عنهم، وهو الله الذي يأتيهم، فيمكث ما شاء الله أن يمكث، ثم يأتيهم، فيقول: يا أيها الناس، ذهب الناسُ فالحقوا بآلهتكم وما كنتم تعبدون، فيقولون: والله ما لنا إلهٌ إلا الله، وما كنا نعبد غيره، فيكشف لهم عن ساقه، ويتجلَّى لهم من عظمته ما يعرفون أنَّه ربّهم، فيخرّون للأذقان سجدًا على وجوههم، ويخرّ كل منافقٍ على قفاه، ويجعل اللهُ أصلابهم كصياصي البقر، ثم يأذن الله لهم فيرفعون.

ويضرب اللهُ الصراطَ بين ظهراني جهنم كحدِّ الشَّفرة، أو كحدِّ السيف، عليه كلاليب، وخطاطيف، وحسك كحسك السّعدان، دونه جسرٌ دحضٌ مزلّة، فيمرون كطرف العين، أو كلمح البرق، أو كمرّ الريح، أو كجياد الخيل، أو كجياد الرّكاب، أو كجياد الرجال، فناجٍ سالم، وناجٍ مخدوش، ومُكردس على وجهه في جهنم.

فإذا أفضى أهلُ الجنة إلى الجنة قالوا: مَن يشفع لنا إلى ربنا فندخل الجنة؟ فيقولون: مَن أحقّ بذلك من أبيكم آدم عليه السلام؛ خلقه اللهُ بيده، ونفخ فيه من روحه، وكلّمه قبلًا؟ فيأتون آدم، فيطلب ذلك إليه، فيذكر ذنبًا ويقول: ما أنا بصاحب ذلك، ولكن عليكم بنوحٍ؛ فإنَّه أول رسل الله.

فيُؤتى نوحٌ، فيُطلب ذلك إليه، فيذكر ذنبًا ويقول: ما أنا بصاحب ذلك، ويقول: عليكم بإبراهيم؛ فإنَّ الله اتّخذه خليلًا.

فيُؤتى إبراهيم، فيُطلب ذلك إليه، فيذكر ذنبًا ويقول: ما أنا بصاحب ذلك، ويقول: عليكم بموسى؛ فإنَّ الله قرَّبه نجيًّا، وكلَّمه، وأنزل عليه التوراة.

فيُؤتى موسى، فيُطلب ذلك إليه، فيذكر ذنبًا ويقول: لستُ بصاحب ذلك، ولكن عليكم بروح الله وكلمته عيسى ابن مريم.

فيُؤتى عيسى ابن مريم، فيُطلب ذلك إليه، فيقول: ما أنا بصاحبكم، ولكن عليكم بمحمدٍ

.

قال رسولُ الله ﷺ: فيأتوني ولي عند ربي ثلاث شفاعات وعدنيهنَّ، فأنطلق، فآتي الجنة، فآخذ بحلقة الباب فأستفتح، فيفتح لي، فأُحيَّا ويُرحّب بي، فإذا دخلتُ الجنة فنظرتُ إلى ربي خررتُ ساجدًا، فيأذن الله لي من تحميده وتمجيده بشيءٍ ما أذن به لأحدٍ من خلقه، ثم يقول: ارفع رأسك يا محمد، واشفع تُشفّع، وسَلْ تُعطه، فإذا رفعتُ رأسي يقول الله -وهو أعلم-: ما شأنك؟ فأقول: يا ربّ، وعدتني الشَّفاعة، فشفّعني في أهل الجنة فيدخلون الجنة، فيقول الله: قد شفّعتك، وقد أذنتُ لهم في دخول الجنة.وكان رسولُ الله ﷺ يقول:

والذي نفسي بيده، ما أنتم في الدنيا بأعرف بأزواجكم ومساكنكم من أهل الجنة بأزواجهم ومساكنهم، فيدخل كل رجلٍ منهم على اثنتين وسبعين زوجةً، سبعين مما يُنشئ الله ، وثنتين آدميتين من ولد آدم، لهما فضلٌ على مَن أنشأ اللهُ؛ لعبادتهما الله في الدنيا، فيدخل على الأولى في غرفةٍ من ياقوتةٍ على سريرٍ من ذهبٍ مُكلل باللؤلؤ، عليها سبعون زوجًا من سندسٍ وإستبرقٍ، ثم إنَّه يضع يدَه بين كتفيها، ثم ينظر إلى يده من صدرها، ومن وراء ثيابها وجلدها ولحمها، وإنَّه لينظر إلى مُخِّ ساقها كما ينظر أحدُكم إلى السّلك في قصبة الياقوت، كبدها له مرآة، وكبده لها مرآة.

فبينا هو عندها لا يملّها ولا تملّه، ما يأتيها من مرةٍ إلا وجدها عذراء، ما يفتر ذكره، وما تشتكي قُبُلها.

فبينا هو كذلك إذ نُودي: إنا قد عرفنا أنَّك لا تَملّ ولا تُملّ، إلا أنَّه لا مني، ولا منية، إلا أنَّ لك أزواجًا غيرها، فيخرج فيأتيهنَّ واحدةً واحدةً، كلما أتى واحدةً قالت له: والله ما أرى في الجنة شيئًا أحسن منك، ولا في الجنة شيء أحبّ إليَّ منك.

وإذا وقع أهلُ النار في النار، وقع فيها خلقٌ من خلق ربِّك أوبقتهم أعمالهم، فمنهم مَن تأخذ النارُ قدميه لا تُجاوز ذلك، ومنهم مَن تأخذه إلى أنصاف ساقيه، ومنهم مَن تأخذه إلى رُكبتيه، ومنهم مَن تأخذه إلى حقويه، ومنهم مَن تأخذ جسدَه كلّه إلا وجهه، حرَّم اللهُ صورتَه عليها.

قال رسولُ الله ﷺ:

فأقول: يا ربّ، شفّعني فيمَن وقع في النار من أمّتي، فيقول: أخرجوا مَن عرفتم، فيخرج أولئك حتى لا يبقى منهم أحدٌ، ثم يأذن اللهُ في الشَّفاعة، فلا يبقى نبيٌّ ولا شهيدٌ إلا شفع، فيقول الله: أخرجوا مَن وجدتم في قلبه زنة دينارٍ إيمانًا، فيخرج أولئك حتى لا يبقى منهم أحدٌ. ثم يشفع اللهُ فيقول: أخرجوا مَن وجدتم في قلبه إيمانًا ثلثي دينار، ثم يقول: ثلث دينار، ثم يقول: ربع دينار، ثم يقول: قيراطًا، ثم يقول: حبةً من خردلٍ، فيخرج أولئك حتى لا يبقى منهم أحدٌ، وحتى لا يبقى في النار مَن عمل لله خيرًا قطّ، ولا يبقى أحدٌ له شفاعة إلا شفع، حتى إنَّ إبليس يتطاول مما يرى من رحمة الله؛ رجاء أن يشفع له.

ثم يقول: بقيتُ وأنا أرحم الراحمين، فيُدخل يدَه في جهنم، فيُخرج منها ما لا يُحصيه غيره، كأنَّهم حمم، فيُلقون على نهرٍ يُقال له: نهر الحيوان، فينبتون كما تنبت الحبَّةُ في حميل السَّيل، فما يلي الشمس منها أخيضر، وما يلي الظلّ منها أصيفر، فينبتون كنبات الطراثيث، حتى يكونوا أمثال الذَّر، مكتوبٌ في رقابهم: الجهنميون، عُتقاء الرحمن، يعرفهم أهلُ الجنة بذلك الكتاب، وما عملوا خيرًا لله قطّ، فيمكثون في الجنة ما شاء الله وذلك الكتاب في رقابهم، ثم يقولون: ربنا، امحُ عنا هذا الكتاب، فيمحوه الله عنهم

.

ثم ذكره بطوله، ثم قال: هذا حديثٌ مشهورٌ، وهو غريبٌ جدًّا، ولبعضه شواهد في الأحاديث المتفرقة، وفي بعض ألفاظه نكارة، تفرّد به إسماعيلُ بن رافع قاصّ أهل المدينة، وقد اختُلف فيه: فمنهم مَن وثَّقه، ومنهم مَن ضعّفه، ونصّ على نكارة حديثه غيرُ واحدٍ من الأئمة: كأحمد بن حنبل، وأبي حاتم الرازي، وعمرو بن علي الفلاس، ومنهم مَن قال فيه: هو متروك. وقال ابنُ عدي: أحاديثه كلّها فيها نظر، إلا أنَّه يُكتب حديثه في جُملة الضُّعفاء.

الشيخ: هذا حديث الصور المشهور الطَّويل، ومداره على إسماعيل بن رافع، وهو ضعيفٌ، الصواب فيه أنَّه ضعيفٌ، والحديث ضعيف، ولكن جمّعه من هنا ومن هنا، من أحاديث ضعيفة، ومن أحاديث صحيحة، والصواب أنَّه لا يُعتبر، ولا يُعوّل عليه، وإنما العُمدة على أحاديث الشَّفاعة الصَّحيحة الثابتة في "الصحيحين" وغيرهما، أما الحديث هذا المطول المجمّع فلا يُعتمد عليه فيما خالف الأحاديث الصَّحيحة، فيه أشياء منكرة، ومداره على إسماعيل بن رافع، والصواب أنَّه لا يُحتجّ به، ولا يُعوّل على روايته إذا انفرد، وما جاء في الأحاديث الصَّحيحة الثابتة يكفي، والحمد لله.

قلتُ: وقد اختلف عليه في إسناد هذا الحديث على وجوهٍ كثيرةٍ قد أفردتها في جزءٍ على حدةٍ، وأما سياقه فغريبٌ جدًّا، ويُقال: إنَّه جمعه من أحاديث كثيرة، وجعله سياقًا واحدًا، فأنكر عليه بسبب ذلك.

وسمعتُ شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي يقول: إنَّه رأى للوليد بن مسلم مصنفًا قد جمعه، كالشواهد لبعض مُفردات هذا الحديث، فالله أعلم.

الشيخ: وفّق الله الجميع، سمِّ.

س: النَّفخة نفختان؟

ج: النَّفخة نفختان فقط، الصواب أنها نفختان: نفخة الفزع، وهي الصّعق، الموت. والثانية: نفخة البعث والنُّشور، أما الثالثة التي ذكرها فليس لها دليلٌ، نفخة الفزع هي نفخة الصّعق، نفخة واحدة، ثم نفخة البعث والنُّشور.