تفسير قوله تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ..} (2)

حديثٌ آخر: قال ابنُ مردويه: حدثنا أحمد بن محمد بن عبدالله البزاز: حدثنا عبدالله بن أحمد بن موسى: حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد: حدثنا عمرو بن محمد العنقزي: حدثنا أسباط، عن السدي، عن أبي المنهال، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال: سألتُ ربي لأمّتي أربع خصالٍ، فأعطاني ثلاثًا، ومنعني واحدة، سألتُه أن لا تكفر أمّتي صفقةً واحدةً، فأعطانيها، وسألتُه أن لا يُعذّبهم بما عذّب به الأمم قبلهم، فأعطانيها، وسألتُه أن لا يُظهر عليهم عدوًّا من غيرهم، فأعطانيها، وسألتُه أن لا يجعل بأسَهم بينهم، فمنعنيها.

ورواه ابنُ أبي حاتم، عن أبي سعيدٍ ابن يحيى بن سعيد القطان، عن عمرو بن محمد العنقزي، به، نحوه.

طريقٌ أخرى: وقال ابنُ مردويه: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم: حدثنا محمد بن يحيى: حدثنا أبو كريب: حدثنا زيد بن الحباب: حدثنا كثير بن زيد الليثي المدني: حدثني الوليد بن رباح مولى آل أبي ذباب، سمع أبا هريرة يقول: قال النبي ﷺ: سألتُ ربي ثلاثًا، فأعطاني اثنتين، ومنعني واحدة، سألتُه أن لا يُسلط على أمّتي عدوًّا من غيرهم، فأعطاني، وسألتُه أن لا يُهلكهم بالسنين، فأعطاني، وسألتُه أن لا يلبسهم شيعًا، وأن لا يُذيق بعضهم بأس بعضٍ، فمنعني.

ثم رواه ابنُ مردويه بإسناده عن سعد بن سعيد ابن أبي سعيدٍ المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ بنحوه.

الشيخ: كذا عندكم؟

الطلاب: نعم.

الشيخ: انظر: "التقريب"، أو "الخلاصة": سعد بن سعيد .....، نعم.

الطالب: سعد بن سعيد المقبري، أبو سهل، المدني، عن أخيه عبدالله، فرد حديثٍ عنده –أي: ابن ماجه-، وعنه الحميدي، وهشام بن عمار، قال أبو حاتم: لا أدري: البلاء منه، أو من أخيه؟ انتهى. (ابن ماجه).

الشيخ: و"التقريب"؟ .....، نعم.

ثم رواه ابنُ مردويه بإسناده عن سعد بن سعيد ابن أبي سعيدٍ المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ بنحوه.

ورواه البزار من طريق عمر ابن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ بنحوه.

مُداخلة: عمرو ابن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة.

الشيخ: الظاهر وجود: عمرو، وعمر، انظر: "التقريب" أو "الخلاصة"، انظر هذا وهذا.

الطالب: عمر ابن أبي سلمة عبدالله بن عبد الأسد بن هلال، المخزومي، صحابي، له اثنا عشر حديثًا، متّفقٌ على حديثين، وعنه ابنه محمد وعروة، وُلد بالحبشة، ومات سنة ثلاثٍ وثمانين. (الجماعة).

الشيخ: غيره؟

الطالب: عمر ابن أبي سلمة ابن عبدالرحمن بن عوف، الزهري، المدني، عن أبيه، وعنه ابن عمّه سعد بن إبراهيم.

الشيخ: ماشٍ، نعم، عمر.

أثرٌ آخر: قال سفيان الثوري: عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب قال: أربعة في هذه الأمّة، قد مضت اثنتان، وبقيت اثنتان: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ قال: الرجم، أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ قال: الخسف، أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ [الأنعام:65] قال سفيان: يعني: الرجم والخسف.

وقال أبو جعفر الرازي: عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ قال: فهي أربع خلالٍ، منها اثنتان بعد وفاة رسول الله ﷺ بخمسٍ وعشرين سنةً، أُلبسوا شيعًا، وذاق بعضُهم بأس بعضٍ. وبقيت اثنتان لا بدَّ منهما، واقعتان: الرجم والخسف.

ورواه أحمد، عن وكيع، عن أبي جعفر. ورواه ابنُ أبي حاتم رحمه الله تعالى.

الشيخ: الأحاديث كلّها تدور على أنها خصلتان رفعهما الله عنا، ولكن الثالثة هي أن يلبسهم شيعًا، ويُذيق بعضهم بأس بعضٍ، فهذه وقعت في عهد عثمان ومعاوية وعليّ، وما بعد ذلك من الفتن التي وقعت في الأمّة، مصداق ما أخبر به جلَّ وعلا، ولكن الله رفع العذابَ من فوقنا، ومن تحتنا، الذي أصاب به مَن قبلنا، نسأل الله العافية والسلامة.

وهذا يُوجب على المسلمين الحذر من أسباب الفتن، والحرص على حلِّ المشاكل بالتفاهم والأسلوب الحسن، والوصية، والنَّصيحة، لا بالقتال وسفك الدِّماء.

والأمّة عليها واجبٌ عظيمٌ، وهو التواصي بالحقِّ والتناصح: وَالْعَصْرِ ۝ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ۝ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر]، وقال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2]، فالواجب حلّ المشاكل بالتَّواصي والتَّناصح والتَّعاون على البرِّ والتَّقوى، لا بالقتال الذي حذَّر الله منه.

وقال ابنُ أبي حاتم: حدثنا المنذر بن شاذان: حدثنا أحمد بن إسحاق: حدثنا أبو الأشهب، عن الحسن في قوله: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ الآية، قال: حبست عقوبتها حتى عمل ذنبها، فلمَّا عمل ذنبها أرسلت عقوبتها.

وهكذا قال مجاهد، وسعيد بن جبير، وأبو مالك، والسّدي، وابن زيد، وغير واحدٍ في قوله: عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ يعني: الرجم، أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ يعني: الخسف. وهذا هو اختيار ابن جرير.

وروى ابنُ جرير: عن يونس، عن ابن وهب، عن عبدالرحمن بن زيد بن أسلم في قوله: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ قال: كان عبدالله بن مسعودٍ يصيح وهو في المسجد، أو على المنبر، يقول: ألا أيها الناس، إنَّه قد نزل بكم، إنَّ الله يقول: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ، لو جاءكم عذاب السَّماء لم يُبْقِ منكم أحدًا، أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ لو خسف بكم الأرض أهلككم، ولم يُبْقِ منكم أحدًا، أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ، ألا إنَّه نزل بكم أسوأ الثلاث.

الشيخ: عبدالرحمن بن زيد ضعيف رحمه الله، والآية واضحة، والأحاديث الصَّحيحة كافية، نعم.

قول ثانٍ: قال ابنُ جرير وابنُ أبي حاتم: حدثنا يونس بن عبدالأعلى: أخبرنا ابن وهب: سمعت خلاد بن سليمان يقول: سمعتُ عامر بن عبدالرحمن يقول: إنَّ ابن عباس كان يقول في هذه: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ فأئمّة السوء، أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ فخدم السُّوء.

الشيخ: هذا الخبر لا يصحّ عن ابن عباسٍ، الحديث صحيحٌ، لكن بدون بيان: مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ، نعم، انظر: خلاد بن سليمان.

الطالب: خلاد بن سليمان، الحضرمي، أبو سليمان، المصري، عن نافع، وعنه ابن وهب وسعيد ابن أبي مريم، وثَّقه علي بن الحسين بن الجنيد. (النسائي).

الشيخ: انظر الذي بعده.

الطالب: خلاد بن عبدالرحمن، الأبناوي، الصنعاني، الحافظ، عن ابن المسيب، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وعنه ابن أخيه .....، ومعمر بن راشد، وثَّقه ابنُ حبان.

الشيخ: معناه أنَّه مُنقطع؛ لأنَّ هذا الأثر ما يثبت ..... ابن عباس، نعم.

س: يعني: مُنقطع بين عامر وابن عباس؟

ج: نعم.

مُداخلة: بارك الله فيكم، في ترجمةٍ لأحمد شاكر في ابن جرير، قال: عامر بن عبدالرحمن، فإنَّ البخاري وابن أبي حاتم ذكراه في ترجمة خلاد، وذكرا أنَّه سمع منه، ولكني لم أجد له ترجمةً فيما بين يدي من المراجع.

الشيخ: رحمه الله، نعم.

وقال علي ابن أبي طلحة: عن ابن عباسٍ: عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ يعني: أمراءكم، أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ يعني: عبيدكم وسفلتكم.

الشيخ: كذا رواية علي ابن أبي طلحة مُنقطعة، نعم.

س: ..............؟

ج: مثلما جاء في الأحاديث الصَّحيحة: مِنْ فَوْقِكُمْ الرجم، ومن أسفل منكم: الخسف، جاءت به الأحاديث، تفسير النبي عليه الصلاة والسلام كافٍ.

وحكى ابنُ أبي حاتم، عن أبي سنان وعمرو بن هانئ نحو ذلك.

قال ابنُ جرير: وهذا القول وإن كان له وجهٌ صحيحٌ، لكن الأول أظهر وأقوى.

وهو كما قال ابن جرير رحمه الله، ويشهد له بالصحة قوله تعالى: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ۝ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ [الملك:16-17]، وفي الحديث: ليكوننَّ في هذه الأمّة قذفٌ وخسفٌ ومسخٌ، وذلك مذكورٌ مع نظائره في أمارات الساعة وأشراطها، وظهور الآيات قبل يوم القيامة، وستأتي في موضعها إن شاء الله تعالى.

وقوله: أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا يعني: يجعلكم مُلتبسين شيعًا، فِرَقًا مُتخالفين.

قال الوالبي: عن ابن عباسٍ: يعني: الأهواء.

وكذا قال مجاهد وغير واحدٍ.

وقد ورد في الحديث المروي من طرقٍ عنه ﷺ أنَّه قال: وستفترق هذه الأمّة على ثلاثٍ وسبعين فرقة، كلّها في النار إلا واحدة.

وقوله تعالى: وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ قال ابنُ عباسٍ وغير واحدٍ: يعني: يُسلط بعضكم على بعضٍ بالعذاب والقتل.

وقوله تعالى: انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ أي: نُبيّنها ونُوضّحها مرةً ونُفسّرها، لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ [الأنعام:65] أي: يفهمون ويتدبرون عن الله آياته وحُججه وبراهينه.

قال زيد بن أسلم: لما نزلت: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ الآية، قال رسولُ الله ﷺ: لا ترجعوا بعدي كُفَّارًا يضرب بعضُكم رقابَ بعضٍ بالسيف، قالوا: ونحن نشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّك رسول الله! قال: نعم، فقال بعضُهم: لا يكون هذا أبدًا أن يقتل بعضُنا بعضًا ونحن مُسلمون! فنزلت: انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ۝ وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ۝ لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ [الأنعام:65-67].

ورواه ابنُ أبي حاتم، وابنُ جرير.

الشيخ: رحمه الله، نعم.