تفسير قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ..}

سورة الأنعام

قال العوفي وعكرمة وعطاء: عن ابن عباسٍ: أنزلت سورة الأنعام بمكّة.

وقال الطبراني: حدثنا علي بن عبدالعزيز: حدثنا حجاج بن منهال: حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباسٍ قال: نزلت سورة الأنعام بمكّة ليلًا جملةً، حولها سبعون ألف ملك يجأرون حولها بالتَّسبيح.

الشيخ: عندكم زيادة: جملة واحدة؟

الطالب: إي، نعم.

الشيخ: نسخة.

س: هل سند الحديث صحيحٌ؟

ج: ضعيف، فيه علي بن زيد، سورة عظيمة، مكية، سبحان الذي أنزلها! نعم.

وقال سفيان الثوري: عن ليثٍ، عن شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد قالت: نزلت سورةُ الأنعام على النبي ﷺ جملةً، وأنا آخذةٌ بزمام ناقة النبي ﷺ، إن كادت من ثقلها لتكسر عظام الناقة.

وقال شريك: عن ليثٍ، عن شهر، عن أسماء قالت: نزلت سورةُ الأنعام على رسول الله ﷺ وهو في مسيرٍ في زجل من الملائكة، وقد طبقوا ما بين السَّماء والأرض.

وقال السدي: عن مرّة، عن عبدالله قال: نزلت سورةُ الأنعام يُشيعها سبعون ألفًا من الملائكة.

ورُوي نحوه من وجهٍ آخر عن ابن مسعودٍ.

وقال الحاكم في "مستدركه".

الشيخ: هذه الآثار وإن كان فيها ضعفٌ، بعضها موقوف، وبعضها ضعيف، لكنَّها يشدّ بعضها بعضًا، وتدلّ على عظمة هذه السورة العظيمة، ولا شكَّ أنَّ القرآن كلّه عظيم، وكلّه كلام الربِّ ، فيه الهدى والنور، وهذه المزية الخاصة لنزول هذه السورة، نعم.

س: لكن كونها جملة؟

ج: نزلت جملةً واحدةً من أولها إلى آخرها.

س: الصواب أنها نزلت .....؟

ج: الله أعلم؛ لأنَّ هذه الروايات كلها فيها ضعف، ما بين موقوفٍ وضعيفٍ.

س: ............؟

ج: لكن ما يلزم القطع، يُوجب الظنّ.

س: الموقوف هنا أليس له حكم المرفوع؟

ج: مقارب؛ لأنَّ .....، وقال أيش؟ أعد سطرين من أثر ابن مسعود.

وقال السدي: عن مرّة، عن عبدالله قال: نزلت سورة الأنعام يُشيعها سبعون ألفًا من الملائكة.

ورُوي نحوه من وجهٍ آخر.

الشيخ: يحتاج إلى نظرٍ؛ لأنَّ "قال السدي" ما ذكر سنده، ما أخرجه.

وقال الحاكم في "مستدركه": حدثنا أبو عبدالله محمد بن يعقوب الحافظ، وأبو الفضل الحسن بن يعقوب العدل، قالا: حدثنا محمد بن عبدالوهاب العبدي: أخبرنا جعفر بن عون: حدثنا إسماعيل بن عبدالرحمن السدي: حدثنا محمد بن المنكدر، عن جابر قال: لما نزلت سورة الأنعام سبّح رسولُ الله ﷺ، ثم قال: لقد شيّع هذه السورة من الملائكة ما سدّ الأفق. ثم قال: صحيحٌ على شرط مسلم.

وقال أبو بكر ابن مردويه: حدثنا محمد بن معمر: حدثنا إبراهيم بن درستويه الفارسي: حدثنا أبو بكر ابن أحمد بن محمد بن سالم: حدثنا ابنُ أبي فديك: حدثني عمر بن طلحة الرّقاشي، عن نافع بن مالك ابن أبي سهيل، عن أنس بن مالك قال: قال رسولُ الله ﷺ: نزلت سورةُ الأنعام معها موكبٌ من الملائكة سدّ ما بين الخافقين، لهم زجلٌ بالتَّسبيح، والأرض بهم ترتج، ورسول الله يقول: سبحان الله العظيم، سبحان الله العظيم.

ثم روى ابنُ مردويه، عن الطبراني، عن إبراهيم بن نائلة، عن إسماعيل بن عمر، عن يوسف بن عطية، عن ابن عونٍ، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسولُ الله ﷺ: نزلت عليَّ سورة الأنعام جملةً واحدةً، وشيّعها سبعون ألفًا من الملائكة، لهم زجلٌ بالتَّسبيح والتَّحميد.

بسم الله الرحمن الرحيم:

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ۝ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ ۝ وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ [الأنعام:1-3].

يقول الله تعالى مادحًا نفسه الكريمة، وحامدًا لها على خلقه السماوات والأرض قرارًا لعباده: وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ منفعة لعباده في ليلهم ونهارهم، فجمع لفظ "الظُّلمات"، ووحد لفظ "النور"؛ لكونه أشرف، كقوله تعالى: عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ [النحل:48]، وكما قال في آخر هذه السورة: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام:153].

ثم قال تعالى: ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ أي: ومع هذا كلّه كفر به بعضُ عباده، وجعلوا له شريكًا وعدلًا، واتّخذوا له صاحبةً وولدًا، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا.

وقوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ يعني: أباهم آدم الذي هو أصلهم، ومنه خرجوا فانتشروا في المشارق والمغارب.

وقوله: ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ قال سعيد بن جبير: عن ابن عباسٍ: ثُمَّ قَضَى أَجَلًا يعني: الموت، وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ يعني: الآخرة.

وهكذا رُوي عن مجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، والحسن، وقتادة، والضَّحاك، وزيد بن أسلم، وعطية، والسدي، ومقاتل بن حيان، وغيرهم.

وقول الحسن في روايةٍ عنه: ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وهو ما بين أن يُخلق إلى أن يموت، وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ وهو ما بين أن يموت إلى أن يُبعث. هو يرجع إلى ما تقدّم، وهو تقدير الأجل الخاصّ، وهو عمر كل إنسان، وتقدير الأجل العام، وهو عمر الدنيا بكمالها، ثم انتهائها وانقضائها وزوالها، وانتقالها والمصير إلى الدار الآخرة.

وعن ابن عباس ومجاهد: ثُمَّ قَضَى أَجَلًا يعني: مدّة الدنيا، وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ يعني: عمر الإنسان إلى حين موته، وكأنَّه مأخوذٌ من قوله تعالى بعد هذا: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ الآية [الأنعام:60].

وقال عطية: عن ابن عباسٍ: ثُمَّ قَضَى أَجَلًا يعني: النوم، يقبض فيه الروح، ثم يرجع إلى صاحبه عند اليقظة، وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ يعني: أجل موت الإنسان. وهذا قولٌ غريبٌ.

الشيخ: والأقرب -والله أعلم-: ثُمَّ قَضَى أَجَلًا يعني: كل نفسٍ لها أجلها، خلقهم من طينٍ، يعني: بخلق أبيهم، وهو من ماءٍ مهينٍ، لكن أصلهم الطين، كل واحدٍ له أجل مُسمّى ينتهي إليه، والجميع ينتهون بقيام الساعة، فالأجلان معروفان: أجل خاصّ لكل إنسانٍ، وأجل عامّ، وهو المسمّى بالآخرة.

فالإنسان له أجلان: أجل خاصّ به، وهو موته الذي كتبه الله عليه، والأجل الثاني: أجل عامّ يبعث اللهُ فيه الخلائق، يُميت أهل الدنيا، ويبعث اللهُ الخلائقَ لجزائهم وتوفيتهم أجورهم، والفصل بينهم بحكمه العدل .

ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ، مع ما جاءت به الرسل وإيضاح الحقّ الكفَّار يمترون ويشكّون، أما أهل الإيمان فهم يصدقون بكلِّ ما أخبر اللهُ به ورسوله، ويعلمون أنَّ الإنسان له أجل محتوم، متى انتهى جاءه الموت، والجميع لهم أجل مسمّى، متى حضر قامت القيامة. نعم.

س: ...............؟

ج: نعم، الطين فيه الماء، التراب إذا جعل فيه الماء صار طينًا، فآدم من الماء والطين، من التراب والماء.

ومعنى قوله: عِنْدَهُ أي: لا يعلمه إلا هو، كقوله: إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ [الأعراف:187]، وكقوله: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ۝ فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا ۝ إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا [النازعات:42-44].

وقوله تعالى: ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ قال السدي وغيره: يعني: تشكون في أمر الساعة.

وقوله تعالى: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ اختلف مُفسرو هذه الآية على أقوال، بعد اتِّفاقهم على إنكار قول الجهمية الأول، القائلين -تعالى عن قولهم علوًّا كبيرًا- بأنَّه في كل مكانٍ، حيث حملوا الآية على ذلك.

فالأصح من الأقوال: أنَّه المدعو الله في السماوات وفي الأرض، أي: يعبده ويُوحده ويُقرّ له بالإلهية مَن في السماوات ومَن في الأرض، ويُسمّونه: الله، ويدعونه رغبًا ورهبًا، إلا مَن كفر من الجنِّ والإنس.

وهذه الآية على هذا القول كقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ [الزخرف:84] أي: هو إله مَن في السماء، وإله مَن في الأرض.

وعلى هذا فيكون قوله: يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ خبرًا أو حالًا.

والقول الثاني: أنَّ المراد أنَّه الله الذي يعلم ما في السماوات وما في الأرض من سرٍّ وجهرٍ، فيكون قوله: يَعْلَمُ مُتعلِّقًا بقوله: فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ، تقديره: وهو الله يعلم سرَّكم وجهركم في السماوات وفي الأرض، ويعلم ما تكسبون.

والقول الثالث: أنَّ قوله: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وقف تامّ، ثم استأنف الخبر فقال: وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ. وهذا اختيار ابن جرير.

الشيخ: ليس بشيءٍ، هو يعلم السرَّ وأخفى في السماوات والأرض جميعًا، يعلم أحوال عباده في السَّماء والأرض، وأسرارهم، وكل شيءٍ، والمعنى: إنَّه إله مَن في السماء، وإله مَن في الأرض.

والقول الأول هو الصواب، كما قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ، هو إله الجميع، إله أهل السماء، وإله أهل الأرض، ومعبودهم الحقّ، نعم.

وقوله: وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ أي: جميع أعمالكم: خيرها وشرَّها.

وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ ۝ فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ۝ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ [الأنعام:4-6].

يقول تعالى مُخبرًا عن المشركين المكذّبين المعاندين: إنهم مهما أتتهم من آيةٍ، أي: من دلالةٍ ومُعجزة وحُجّة من الدّلالات على وحدانية الله وصدق رسله الكرام، فإنَّهم يُعرضون عنها، فلا ينظرون إليها، ولا يُبالون بها، قال الله تعالى: فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ، وهذا تهديدٌ لهم، ووعيدٌ شديدٌ على تكذيبهم بالحقِّ بأنَّه لا بدَّ أن يأتيهم خبرُ ما هم فيه من التَّكذيب، وليجدن غبَّه، وليذوقنَّ وباله.

ثم قال تعالى واعظًا لهم، ومُحذِّرًا لهم أن يُصيبهم من العذاب والنَّكال الدنيوي ما حلَّ بأشباههم ونُظرائهم من القرون السَّالفة الذين كانوا أشدّ منهم قوةً، وأكثر جمعًا، وأكثر أموالًا وأولادًا، واستغلالًا للأرض وعمارةً لها، فقال: أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ أي: من الأموال والأولاد والأعمار، والجاه العريض، والسعة، والجنود؛ ولهذا قال: وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا أي: شيئًا بعد شيءٍ، وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ أي: أكثرنا عليهم أمطار السَّماء وينابيع الأرض، أي: استدراجًا وإملاءً لهم، فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ أي: بخطاياهم وسيّئاتهم التي اجترحوها: وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ أي: فذهب الأولون كأمس الذَّاهب، وجعلناهم أحاديث، وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ أي: جيلًا آخر؛ لنختبرهم، فعملوا مثل أعمالهم، فأُهلكوا كإهلاكهم، فاحذروا أيّها المخاطبون أن يُصيبكم مثل ما أصابهم، فما أنتم بأعزّ على الله منهم، والرسول الذي كذَّبتُموه أكرم على الله من رسولهم، فأنتم أولى بالعذاب ومُعاجلة العقوبة منهم، لولا لطفه وإحسانه.

الشيخ: وهذا كلّه وعيدٌ للناس وتحذيرٌ لهم من التَّكذيب: أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ يعني: احذروا أن يُصيبكم ما أصاب أولئك.

المقصود تحذير قريش وغيرهم من أمّته ﷺ أن يُكذِّبوا، وحثّ لهم على المبادرة والمسارعة إلى التَّصديق؛ لئلا يُصيبهم ما أصاب أولئك المكذّبين من العذاب والنَّكال، وهو إنذارٌ للجميع: لأهل زمانه، ولغيرهم، الله يُنذر عباده عقوباته وأليم عقابه؛ لعلهم ينتهون، لعلهم يتبصّرون.

والقرآن نزل ذكرى وعظة: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ [الزخرف:44]، قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ [فصلت:44]، إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9]، هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ [إبراهيم:52].

فالواجب على كل مؤمنٍ، والواجب على كل مُكلَّفٍ من الجنِّ والإنس أن ينتهي، وأن يعدّ العُدّة للآخرة، يعمل بكتاب ربِّه وسنة نبيِّه عليه الصلاة والسلام، وألا يتساهل، أو يعرض، أو يكذب فيُصيبه ما أصاب مَن قبله.

الله جلَّ وعلا أقام الحجّة، وقطع المعذرة، وحذّر عباده من سلوك مسالك الأشرار والهالكين، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله.