29 من قوله: ( لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ ..)

لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا ۝ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا [النساء:172، 173].
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا إبراهيم بن موسى، حدثنا هشام، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، قوله: لَنْ يَسْتَنْكِفَ لن يستكبر. وقال قتادة: لن يحتشم، الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ، وقد استدل بعض من ذهب إلى تفضيل الملائكة على البشر بهذه الآية حيث قال: وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ، وليس له في ذلك دلالة؛ لأنه إنما عطف الملائكة على المسيح؛ لأن الاستنكاف هو الامتناع، والملائكة أقدر على ذلك من المسيح؛ فلهذا قال: وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ، ولا يلزم من كونهم أقوى وأقدر على الامتناع أن يكونوا أفضل.
وقيل: إنما ذكروا لأنهم اتخذوا آلهة مع الله كما اتخذ المسيح، فأخبر تعالى أنهم عبيد من عباده، وخلق من خلقه، كما قال تعالى: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ [الأنبياء:26]، ولهذا قال: وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا أي فيجمعهم إليه يوم القيامة، ويفصل بينهم بحكمه العدل الذي لا يجور فيه، ولا يحيف، ولهذا قال: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ أي: فيعطيهم من الثواب على قدر أعمالهم الصالحة، ويزيدهم على ذلك من فضله، وإحسانه، وسعة رحمته، وامتنانه.
وقد روى ابن مردويه من طريق بقية عن إسماعيل بن عبدالله الكندي، عن الأعمش، عن سفيان، عن عبدالله مرفوعًا، قال: قال رسول الله ﷺ: فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ قال: أجورهم: أدخلهم الجنة، ويزيدهم من فضله قال: الشفاعة فيمن وجبت له النار ممن صنع إليهم المعروف في دنياهم، وهذا إسناد لا يثبت.
وإذا روي عن ابن مسعود موقوفا، فهو جيد.
الشيخ: والمراد من هذا بيان أن أهل العلم بالله من: الرسل، والأنبياء، والملائكة، لا يستنكفون عن عبادته، يعني لا يستكبرون عن أن يعبدوه، ولا يترفعون أن يعبدوه؛ لأنهم عبيده، ولأنهم أعلم الناس به ، فهم لا يستنكفون عن عبادته، وطاعة أوامره، وترك نواهيه.
والاستنكاف: الاستكبار، والترفع، والتعاظم، فالمسيح ابن مريم، وإن كان روح الله، وكلمته، وإن كان الله مكنه من أشياء لم يكن يمكن منها غيره من: إبراء الأكمه، والأبرص، وإحياء الموتى، وإخباره في جماعته بعض المغيبات، هذه الخصائص، وهذه المعجزات لا توجب له ولا تقتضي منه أن يستنكف، أو يستكبر عن عبادة ربه ، فهو الذي أعطاه هذه الأشياء، ومكنه منها، وهو من أعلم الناس بربه، فكيف يستنكف، ويستكبر، وهكذا الملائكة المقربون الذين قربهم الله، ورفع منازلهم، لم يستنكفوا من ذلك لم يستنكفوا أن يعبدوه، ويعظموه، فمن باب أولى أن من دونهم، ليس له ذلك، ولا يجوز منه ذلك، فإذا فعل ذلك، واستنكف فذلك لفساد عقله، وانحراف فطرته، فلو كان عقله صحيحًا، وفطرته سليمة لما استكبر عن طاعة ربه وعبادته. وهو سبحانه سوف يحشر الجميع، ويجمعهم يوم القيامة، ويجازيهم بأعمالهم، فأهل الإيمان والعمل الصالح يوفيهم أجورهم التي رتبها على أعمالهم من دخول الجنة، والنجاة من النار، وتكفير السيئات، وغير هذا، وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ يمنحهم زيادة من فضله على عملهم الصالح، وطاعتهم لربهم، وقيامهم بحقه كما قال : لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:26]، لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ [ق:35]، فهو يجازيهم بأعمالهم الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ويزيدهم ما يشاء من الأجور، والمنازل، وأنواع الكرامات.
وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا، من استنكف، واستكبر عن طاعة ربه، وعبادته؛ فسوف يجازى بما هو جدير به من عذاب الله، وإهانة الله له، ثم لا يجد ناصرًا، ولا معينًا، ولا مانعًا من إيقاع العذاب به، والله سبحانه هو القادر على كل شيء، وبيده تصريف الأمور، وبيده إعزاز من يشاء، وإذلال من يشاء، وتنعيم من يشاء، وتعذيب من يشاء، فالمعنى احذروا أيها الناس أن تستكبروا عن طاعة الله، وأن تستنكفوا عن عبادته، فإن ذلك يوجب لكم العذاب، والإهانة، ودخول دار الهوان، وهي النار -نسأل الله العافية-.
ولما استنكف بعض الناس، واستكبر؛ جوزي بأشد العذاب، كفرعون، وأصحابه، ويوم القيامة: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46]، نسأل الله العافية.
وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا أي: امتنعوا من طاعة الله وعبادته، واستكبروا عن ذلك، فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا، كقوله: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60] أي: صاغرين حقيرين ذليلين كما كانوا ممتنعين مستكبرين.
يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا ۝ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا [النساء:174، 175].
يقول تعالى مخاطبًا جميع الناس، ومخبرًا بأنه قد جاءهم منه برهان عظيم، وهو الدليل القاطع للعذر، والحجة المزيلة للشبهة، ولهذا قال: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا أي: ضياء واضحا على الحق، قال ابن جريج، وغيره: وهو القرآن.

الشيخ: يعني لا حجة لكم، ولا عذر، فقد جاءكم برهان من ربكم، ونور واضح، وحجة قاطعة، وآيات بينة، تدلكم على الصراط، وتبصركم بالحق، فعدولكم عن ذلك موجب للإهانة والعذاب، فتبصروا، وانظروا، وانتفعوا بهذا البرهان، وهذا النور، وسيروا على ضوئه إلى ربكم، وإلى دار كرامته، ولا تحيدوا إلى شبه المشبهين، وضلال الضالين، ولا إلى طاعة الهوى والشيطان، في التمتع بالشهوات، والإعراض عن الإعداد للآخرة.
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ أي: جمعوا بين مقامي العبادة، والتوكل على الله في جميع أمورهم، وقال ابن جريج: آمنوا بالله، واعتصموا بالقرآن. رواه ابن جرير.
فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ أي: يرحمهم فيدخلهم الجنة، ويزيدهم ثوابًا، ومضاعفة، ورفعًا في درجاتهم.
الشيخ: السياق يقتضي اعتصامهم بالله ، فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فالضمير يعود على الله ، والاعتصام بالله هو الاعتصام بكتابه، وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، والتمسك بذلك، كما قال جل وعلا: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103]، ومن اعتصم بكتاب الله، وبسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وسار عليهما، فقد اعتصم بالله، وتوكل عليه، وهذا بالسعادة، والعاقبة الحميدة فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ يعني آمنوا به ربًا، وإلهًا معبودًا بالحق، وأدوا حقه، ووقفوا عند حدوده، وابتعدوا عن مساخطه، واعتصموا به في ذلك، وتوكلوا عليه، ولم يحيدوا من أجل فلان، أو فلان، فإن الله يكفيهم كل ما يهمهم، وينجيهم من شر عدوهم، ويمكن لهم في الأرض، ويعينهم على كل ما يهمهم، وعلى كل ما يرضي الله عنهم جزاء وفاقًا.
أي يرحمهم فيدخلهم الجنة، ويزيدهم ثوابًا، ومضاعفة، ورفعًا في درجاتهم، من فضله عليهم، وإحسانه إليهم، وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا أي: طريقًا واضحًا قصدًا قوامًا لا اعوجاج فيه، ولا انحراف، وهذه صفة المؤمنين في الدنيا والآخرة، فهم في الدنيا على منهاج الاستقامة، وطريق السلامة في جميع الاعتقادات، والعمليات، وفي الآخرة على صراط الله المستقيم المفضي إلى روضات الجنان. وفي حديث الحارث الأعور، عن علي بن أبي طالب ، عن النبي ﷺ أنه قال: القرآن صراط الله المستقيم، وحبل الله المتين، وقد تقدم الحديث بتمامه في أول التفسير، ولله الحمد والمنة.
الشيخ: وأصح من ذلك ما رواه مسلم في الصحيح من حديث جابر أن النبي عليه الصلاة والسلام قال في خطبته يوم عرفة: إني تارك فيكم ما لم تضلوا إن اعتصم به كتاب الله، وفي اللفظ الآخر: من اعتصم به كان على الهدى، ومن تركه كان على الضلالة، وفي لفظ الحاكم: كتاب الله، وسنتي فهما العصمة، وهما طريق النجاة، وطريق السعادة فمن حاد عنهما أفضى به ذلك إلى غاية الهلاك، وإلى طريق الجحيم، فأهل الاستقامة، وأهل السعادة هم الذين ساروا على كتاب الله، وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، ووالوا في ذلك، وعادوا في ذلك، وصبروا على ذلك حتى لقوا ربهم، ومن حاد عن هذا من أهل البدع باؤوا بالخيبة، وسوء السمعة، وسوء المصير -نعوذ بالله- بسبب تلك البدع التي أحدثوها، وحادوا بها عن الطريق. يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [النساء:176].
قال البخاري: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا شعبة عن أبي إسحاق، قال: سمعت البراء قال: آخر سورة نزلت براءة، وآخر آية نزلت يَسْتَفْتُونَكَ.
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن محمد بن المنكدر، قال: سمعت جابر بن عبدالله قال: دخل علي رسول الله ﷺ، وأنا مريض لا أعقل، فتوضأ ثم صب علي، أو قال: صبوا عليه، فعقلت، فقلت: إنه لا يرثني إلا كلالة، فكيف الميراث؟ فأنزل الله آية الفرائض. أخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة، ورواه الجماعة من طريق سفيان بن عيينة عن محمد بن المنكدر، عن جابر به، وفي بعض الألفاظ فنزلت آية الميراث يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ الآية، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عبدالله بن يزيد، حدثنا سفيان، وقال أبو الزبير قال: يعني جابرًا نزلت فيَّ يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ، وكأن معنى الكلام -والله أعلم- يستفتونك عن الكلالة قل الله يفتيكم فيها، فدل المذكور على المتروك.
وقد تقدم الكلام على الكلالة، واشتقاقها، وأنها مأخوذة من الإكليل الذي يحيط بالرأس من جوانبه، ولهذا فسرها أكثر العلماء بمن يموت، وليس له ولد ولا والد. ومن الناس من يقول: الكلالة من لا ولد له، كما دلت عليه هذه الآية إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ، وقد أشكل حكم الكلالة على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، كما ثبت عنه في الصحيحين أنه قال: ثلاث وددت أن رسول الله ﷺ، كان عهد إلينا فيهن عهدًا ننتهي إليه: الجد، والكلالة، وباب من أبواب الربا.
وقال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة، قال: قال عمر بن الخطاب: ما سألت رسول الله ﷺ عن شيء أكثر مما سألته عن الكلالة حتى طعن بأصبعه في صدري، وقال: يكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء هكذا رواه مختصرا، وأخرجه مسلم مطولا أكثر من هذا.
الشيخ: والصواب عند أهل العلم أن الكلالة مثل ما تقدم من لا ولد له، ولا والد ذكر، هذا الكلالة، وهذه الآية تدل على ذلك؛ لأنه قال جل وعلا: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ يعني وليس له والد، فاكتفى بأحدهما عن الآخر، بدليل ما يأتي بعد، فإنه ذكر ميراث الأخت الواحدة، والأختين، والجماعة، وهؤلاء بالإجماع لا يرثون إلا عند عدم الوالد، وعند عدم الولد، فدل ذلك على أن الكلالة من لا ولد له، ولا والد ذكر، لا أب، ولا جد، يقال له كلالة؛ لأنهم عصبة قد أحاطوا به، يعني قيل: الله يفتيكم بالعصبة المحيطين بالميت من جميع جهاته من فوق، ومن أسفل، وعن يمينه، وعن شماله، وهم إخوته، وأعمامه، وبنو إخوته، وبنو عمه، وهكذا قال في أول السورة، وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ، فإنهم الإخوة لأم، ولا يرثون إلا عند عدم الولد، وعند عدم الوالد الذكر، إذا وجد أب، أو جد، أو ابن، أو بنت، أو ابن ابن، أو بنت ابن سقط الإخوة لأم عند جميع أهل العلم، لا يرثون، فعلم بذلك أن الكلالة لعدم وجود الولد ذكرًا كان أو أنثى، وعدم وجود الوالد الذي هو الذكر الأب والجد.
س: وجه الإشكال على عمر في مسألة الكلالة؟
الشيخ: ما ظهر لي الوجه.
س: آخر آية نزلت؟
 الشيخ: في خلاف قيل هذه الآية، وقيل آية: وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ [البقرة:281] كما قال ابن عباس، والله أعلم.
وآخر آية نزلت في الأحكام: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3] هذه لم ينزل بعدها أحكام.
س: صب الوضوء على المريض خاص بالنبي ﷺ؟
الشيخ: لا ما هو بخاص، الماء ينبه، ورش من أصابه غشي بالماء ينبه، ولو من غير وضوء، لكن وضوءه له خصوصية من جهة البركة عليه الصلاة والسلام، وإلا رش من يغشى عليه ينفعه الماء ينبهه، إذا أصابه غشية بأسباب اقتضت ذلك فالماء يحصل به تنبيه في الغالب، وينتبه.
طريق أخرى: قال الإمام أحمد: حدثنا أبو نعيم، حدثنا مالك يعني ابن مغول يقول سمعت الفضل بن عمرو، عن إبراهيم، عن عمر قال: سألت رسول الله ﷺ عن الكلالة، فقال: يكفيك آية الصيف، فقال: لأن أكون سألت رسول الله ﷺ عنها أحب إلي من أن يكون لي حمر النعم، وهذا إسناد جيد إلا أن فيه انقطاعا بين إبراهيم، وبين عمر، فإنه لم يدركه.الشيخ: السند بهذا يكون ضعيفًا، يعني الإسناد جيد إلى إبراهيم، لكنه ضعيف عن عمر، للانقطاع، من أدلة الضعف، والحديث المنقطع ضعيف، والمرسل ضعيف ....... التقريب حاضر؟ شف الفضل بن عمرو.
وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا أبو بكر عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ فسأله عن الكلالة، فقال: يكفيك آية الصيف.
وهذا إسناد جيد، رواه أبو داود، والترمذي من حديث أبي بكر بن عياش به، وكأن المراد بآية الصيف أنها نزلت في فصل الصيف، والله أعلم، ولما أرشده النبي ﷺ إلى تفهمها، فإن فيها كفاية، نسي أن يسأل النبي ﷺ عن معناها، ولهذا قال: فلأن أكون سألت رسول الله ﷺ عنها أحب إلي من أن يكون لي حمر النعم.
الشيخ: لأن أكون في محل مبتدأ، أن والفعل بعدها في محل مبتدأ، وهذا خبرها، مثل: وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [البقرة:237]، وأن تعفوا في محل مبتدأ، يعني: والعفو، تؤول بمصدر، وبعدها أقرب خبر.
ومن تأملها اتضح له كونها معنى الكلالة؛ لأنه قال بعدها: وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ، فالأخت ما تعطى نصف لا مع الابن، ولا مع البنت، ولا مع ابن ابن، ولا مع بنت الابن، ولا مع الأب، ولا مع الجد بالإجماع، مع الأب والجد تسقط، ومع الابن وابن الابن تسقط، ومع البنت وبنت الابن تعطى ما بقي عصبة بالإجماع، وهكذا قوله: فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ لا تعطى الأخوات الثلثين لا مع الأب، ولا مع الجد، ولا مع الابن، ولا مع ابن الابن بالإجماع، فعلم أن المراد من لا والد له.
الطالب: مرسل كبار التابعين؟
الشيخ: كثير، مرسل كبار التابعين كثير.
الطالب: الفضل بن عمرو ما هو موجود، في الفضيل بن عمرو بن مرة.
الشيخ: عنده الفضل، وعندكم الفضيل؟
الطالب: فضيل بن عمرو الفقيمي بالفاء، والقاف مصغر أبو النضر الكوفي، ثقة من السادسة، مات سنة عشر ومائة. (مسلم، وأبو داود في القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه).
الشيخ: ما وجدت الفضل؟
الطالب: لا.
الشيخ: لعله هذا يراجع تعجيل المنفعة، ولعله يختلف.