تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ..}

قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ ۝ قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ ۝ وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ۝ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [الأنعام:46-49].

يقول الله تعالى لرسوله ﷺ: قل لهؤلاء المكذّبين المعاندين: أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ أي: سلبكم إياها كما أعطاكموها. كما قال تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ الآية [الملك:23].

ويحتمل أن يكون هذا عبارة عن منع الانتفاع بهما، الانتفاع الشَّرعي؛ ولهذا قال: وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ، كما قال: أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ [يونس:31]، وقال: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ [الأنفال:24].

وقوله: مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ أي: هل أحدٌ غير الله يقدر على ردِّ ذلك إليكم؟ إذا سلبه اللهُ منكم لا يقدر على ذلك أحدٌ سواه؛ ولهذا قال: انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ أي: نُبَيِّنها ونُوضّحها ونُفسّرها دالّة على أنَّه لا إلهَ إلا الله، وأنَّ ما يعبدون من دونه باطلٌ وضلال.

ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ أي: ثم هم مع هذا البيان يَصْدِفُونَ أي: يُعرضون عن الحقِّ، ويصدّون الناسَ عن اتِّباعه.

قال العوفي: عن ابن عباسٍ: يَصْدِفُونَ أي: يعدلون.

وقال مجاهد وقتادة: يُعرضون.

وقال السدي: يصدّون.

وقوله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أي: وأنتم لا تشعرون به، حتى بغتكم وفجأكم، أَوْ جَهْرَةً أي: ظاهرًا عيانًا، هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ أي: إنما كان يُحيط بالظالمين أنفسهم بالشِّرك بالله، وينجو الذين كانوا يعبدون الله وحده لا شريكَ له، فلا خوفٌ عليهم، ولا هم يحزنون، كقوله: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ الآية [الأنعام:82].

الشيخ: المقصود من هذا كلِّه التَّحذير والتَّرغيب، فربنا جلَّ وعلا يتوعد أعداءه، ويصرف لهم الآيات لعلهم يرجعون، لعلهم يُنيبون إلى الحقِّ، فالله سبحانه هو مالك الأشياء كلها، بيده كل أمور الناس: سمعهم، وأبصارهم، وقلوبهم، وغير ذلك.

فالواجب على العاقل أن ينتبه، وأن يسأل ربَّه الثبات على الحقِّ، وأن يُوفقه إلى الخير، وأن يُعينه على استعمال سمعه وبصره وقلبه فيما ينفعه، فإنَّ هذه أمور بيد الله: إن شاء طمسها، وإن شاء نفع العبدَ بها.

فالواجب على العبد أن يضرع إلى الله، وأن يُنيب إليه، وأن يسأله أن ينفعه بسمعه وبصره وقلبه، وألا يُزيح عنه نعمته، فهو سبحانه الذي أعطى، بيده تصريف الأمور، وهو الذي إذا شاء أنزل العذاب بغتةً، كما فعل بقوم هود، وقوم صالح، وغير ذلك.

فالواجب الحذر، والواجب الإقبال على الله، والأخذ بما أمر به، والحذر مما نهى عنه، والوقوف عند حدوده، فإنَّك يا عبدالله مهما حصل لك من الإمهال والإنظار فالعاقبة الوخيمة لمن فرَّط وأضاع حتى ولو أُمهل، قال تعالى: وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ [إبراهيم:42]، وقال تعالى: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ۝ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [الأعراف:182-183].

فلا ينبغي للعاقل أن يغترَّ بإمهال الله وإنظاره له، وهو مُقيمٌ على معاصيه، وعلى مُخالفة أمره، فإنَّه يُملي ولا يغفل جلَّ وعلا، فلا تظنّ أنَّ إملاءه لك رضًا، ولكنَّه استدراجٌ: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ، فحاسب نفسَك على أعمالك وأقوالك، ولا تغترّ بإمهال الله وإنظاره، وتُبْ إلى الله من سيئ عملك، واستقبل حياتك بتوبةٍ صادقةٍ، هذا هو طريق النَّجاة، هذا هو سبيل السَّعادة، نعم.

س: مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ الضَّمير يعود إلى ماذا؟

ج: لما ذُكر: السمع، والبصر، وغيرهما. نعم.

وقوله: وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ أي: مُبشرين عباد الله المؤمنين بالخيرات، ومُنذرين مَن كفر بالله النّقمات والعقوبات؛ ولهذا قال: فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ أي: فمَن آمن قلبه بما جاءوا به، وأصلح عمله باتِّباعه إياهم، فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ أي: بالنسبة لما يستقبلونه، وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ أي: بالنسبة إلى ما فاتهم وتركوه وراء ظهورهم من أمر الدنيا وصنيعها، الله وليُّهم فيما خلفوه، وحافظهم فيما تركوه.

ثم قال: وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ أي: ينالهم العذاب بما كفروا بما جاءت به الرسل، وخرجوا عن أوامر الله وطاعته، وارتكبوا من مناهيه ومحارمه وانتهاك حُرماته.

قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ ۝ وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ۝ وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ ۝ وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ۝ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الأنعام:50-54].

يقول الله تعالى لرسوله ﷺ: قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ أي: لستُ أملكها، ولا أتصرف فيها، وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ أي: ولا أقول لكم: إني أعلم الغيب، إنما ذاك من علم الله ، ولا أطلع منه إلا على ما أطلعني عليه، وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ أي: ولا أدَّعي أني ملك، إنما أنا بشرٌ من البشر، يُوحى إليَّ من الله ، شرَّفني بذلك، وأنعم عليَّ به؛ ولهذا قال: إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ أي: لستُ أخرج عنه قيد شبرٍ، ولا أدنى منه.

قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أي: هل يستوي مَن اتّبع الحقَّ وهُدي إليه، ومَن ضلَّ عنه فلم ينقد له؟ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ، وهذه كقوله تعالى: أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ [الرعد:19].

وقوله: وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ أي: وأنذر بهذا القرآن يا محمد الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ [المؤمنون:57]، الذين يخشون رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ [الرعد:21].

الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ أي: يوم القيامة، لَيْسَ لَهُمْ أي: يومئذٍ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ أي: لا قريبَ لهم، ولا شفيع فيهم من عذابه إن أراده بهم.

لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أي: أنذر هذا اليوم الذي لا حاكمَ فيه إلا الله ، لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ فيعملون في هذه الدار عملًا يُنجيهم الله به يوم القيامة من عذابه، ويُضاعف لهم به الجزيل من ثوابه.

وقوله تعالى: وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ أي: لا تُبعد هؤلاء المتّصفين بهذه الصِّفات عنك، بل اجعلهم جُلساءك وأخصاءك، كقوله: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا [الكهف:28].

وقوله: يَدْعُونَ رَبَّهُمْ أي: يعبدونه ويسألونه بالغداة والعشي.

قال سعيد بن المسيب ومجاهد والحسن وقتادة: المراد به الصَّلاة المكتوبة. وهذا كقوله: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60] أي: أتقبل منكم.

وقوله: يُرِيدُونَ وَجْهَهُ أي: يُريدون بذلك العمل وجه الله الكريم، وهم مُخلصون فيما هم فيه من العبادات والطَّاعات.

وقوله: مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ كقول نوحٍ عليه السلام في جواب الذين قالوا: أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ ۝ قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ۝ إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ [الشعراء:111-113] أي: إنما حسابهم على الله ، وليس عليَّ من حسابهم من شيءٍ، كما أنَّه ليس عليهم من حسابي من شيءٍ.

وقوله: فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ أي: إن فعلتَ هذا والحالة هذه.

قال الإمام أحمد: حدثنا أسباط -هو ابن محمد-: حدثني أشعث، عن كردوس، عن ابن مسعودٍ قال: مرَّ الملأ من قريشٍ على رسول الله ﷺ وعنده خباب وصُهيب وبلال وعمَّار، فقالوا: يا محمد، أرضيتَ بهؤلاء؟!

الشيخ: يعني: لأنهم ضُعفاء، نعم.

فنزل فيهم القرآن: وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إلى قوله: أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ.

ورواه ابنُ جرير من طريق أشعث، عن كردوس، عن ابن مسعودٍ قال: مرَّ الملأ من قريشٍ برسول الله ﷺ، وعنده صُهيب وبلال وعمَّار وخباب، وغيرهم من ضُعفاء المسلمين، فقالوا: يا محمد، أرضيت بهؤلاء من قومك؟! أهؤلاء الذين مَنَّ الله عليهم من بيننا؟! أنحن نصير تبعًا لهؤلاء؟! اطردهم، فلعلك إن طردتهم أن نتبعك. فنزلت هذه الآية: وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ، وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ إلى آخر الآية.

الشيخ: انظر في "التقريب": كردوس.

الطالب: كردوس الثَّعلبي –بالمثلثة-، واختلف في اسم أبيه، فقيل: عباس، وقيل: عمرو، وقيل: هانئ، وهو مقبولٌ، من الثالثة، وقيل: هم ثلاثة. (البخاري في "الأدب"، وأبو داود، والنَّسائي).

الشيخ: غيره ثانٍ؟

الطالب: كردوس بن محمد بن عباس، أو ابن هانئ، الثعلبي –بالمثلثة-، عن ابن مسعودٍ وأبي موسى، وعنه أبو وائل .....، وثَّقه ابنُ حبان، له عنده حديثان. (البخاري في "الأدب"، وأبو داود، والنَّسائي).

الشيخ: غيره، كردوس آخر؟

الطالب: لا، هذا هو.

الشيخ: نعم.

الطالب: خلف بن محمد بن عيسى، الخشاب، .....

الشيخ: انظر: أسباط بن محمد، عن أشعث.

الطالب: هذا كردوس الآخر يا شيخ.

الشيخ: إيه.

الطالب: خلف بن محمد بن عيسى، الخشاب، القافلاني -بقاف ثم فاء مكسورة-، أبو الحسين ابن أبي عبدالله، الواسطي، لقبه: كردوس -بضم الكاف-، ثقة، من الحادية عشرة.

الشيخ: هذا مُتأخّر.

الطالب: الأشعث بن سوار، الكندي، التوابيتي -جمع تابوت-، الأثرم، قاضي الأهواز، كوفي، عن الحسن وابن سيرين وطائفةٍ، وعنه شعبة وحفص بن غياث وهشيم، وقال الثوري: أثبت من مجالد. وقال ابنُ معين والدَّارقطني: ضعيفٌ، حديثه في مسلم مُتابعة. توفى في سنة 136. (البخاري في "الأدب"، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه).

مُداخلة: في حاشيةٍ عفا الله عنك: وقال الهيثمي في "المجمع": رجال أحمد رجال الصحيح غير كردوس، وهو ثقة.

الشيخ: نعم.

س: صحيحٌ هذا السند، عفا الله عنك؟

ج: محل نظرٍ، كردوس في "التقريب" يقول: مقبول. وأشعث فيه نظر، نعم.

وعلى كل حالٍ، الآية صريحة، حتى ولو ما صحَّ الخبر هذا على قريش، يأمرونه أن يُبعد الفقراء: بلال وعمار وابن مسعود، ولكنَّهم صدُّوا عن الحقِّ، وإنما هذه تعللات لا خيرَ فيها، نعم.

وقال ابنُ أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد ابن يحيى بن سعيد القطان: حدثنا عمرو بن محمد العنقزي: حدثنا أسباط بن نصر، عن السدي، عن أبي سعيدٍ الأزدي -وكان قارئ الأزد-، عن أبي الكنود، عن خباب في قول الله : وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ، قال: جاء الأقرع بن حابس التَّميمي، وعُيينة بن حصن الفزاري، فوجدوا رسول الله ﷺ مع صُهيب وبلال وعمَّار وخباب، قاعدًا في ناسٍ من الضُّعفاء من المؤمنين، فلمَّا رأوهم حول النبي ﷺ حقروهم، فأتوه فخلوا به وقالوا: إنا نُريد أن تجعل لنا منك مجلسًا تعرف لنا به العربُ فضلنا، فإنَّ وفود العرب تأتيك، فنستحي أن ترانا العربُ مع هذه الأعبد، فإذا نحن جئناك فأقمهم عنا، فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئتَ. قال: نعم، قالوا: فاكتب لنا عليك كتابًا. قال: فدعا بصحيفةٍ، ودعا عليًّا ليكتب، ونحن قعودٌ في ناحيةٍ، فنزل جبريلُ فقال: وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ الآية، فرمى رسولُ الله ﷺ بالصَّحيفة من يده، ثم دعانا، فأتيناه.

ورواه ابنُ جرير من حديث أسباط، به. وهذا حديثٌ غريبٌ؛ فإنَّ هذه الآية مكية، والأقرع بن حابس وعُيينة إنما أسلما بعد الهجرة بدهرٍ.

الشيخ: نعم، في سنة الوفود، في المدينة سنة تسعٍ أو عشرٍ، نعم.

س: السند صحيح؟

ج: نعم.

وقال سفيانُ الثوري: عن المقدام بن شريح، عن أبيه قال: قال سعد: نزلت هذه الآية في ستةٍ من أصحاب النبي ﷺ، منهم ابن مسعود، قال: كنا نستبق إلى رسول الله ﷺ وندنو منه، فقالت قريش: تُدني هؤلاء دوننا! فنزلت: وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ. رواه الحاكم في "مستدركه" من طريق سفيان، وقال: على شرط الشيخين.

وأخرجه ابنُ حبان في "صحيحه" من طريق المقدام بن شريح، به.

وقوله: وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ أي: ابتلينا واختبرنا وامتحنَّا بعضهم ببعضٍ، لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا، وذلك أنَّ رسول الله ﷺ كان غالب مَن اتّبعه في أول بعثته ضُعفاء الناس من الرجال والنِّساء والعبيد والإماء، ولم يتبعه من الأشراف إلا قليل، كما قال قومُ نوحٍ لنوح: وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ الآية [هود:27]، وكما سأل هرقلُ ملك الروم أبا سفيان حين سأله عن تلك المسائل، فقال له: فأشراف الناس يتّبعونه أم ضُعفاؤهم؟ فقال: بل ضُعفاؤهم. فقال: هم أتباع الرسل.

والغرض أنَّ مشركي قريش كانوا يسخرون بمَن آمن من ضُعفائهم، ويُعذِّبون مَن يقدرون عليه منهم، وكانوا يقولون: أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أي: ما كان الله ليهدي هؤلاء إلى الخير -لو كان ما صاروا إليه خيرًا- ويدعنا. كقولهم: لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ [الأحقاف:11]، وكقوله تعالى: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا [مريم:73]، قال الله تعالى في جواب ذلك: وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا [مريم:74].

وقال في جوابهم حين قالوا: أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ أي: أليس هو أعلم بالشَّاكرين له بأقوالهم وأفعالهم وضمائرهم، فيُوفّقهم ويهديهم سُبل السلام، ويُخرجهم من الظُّلمات إلى النور بإذنه، ويهديهم إلى صراطٍ مُستقيمٍ؟ كما قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69].

وفي الحديث الصحيح: إنَّ الله لا ينظر إلى صوركم، ولا إلى ألوانكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم.

س: الحديث: "ألوانكم" أو "أموالكم"؟

ج: "أموالكم وأجسادكم"، جاء الأجساد والأموال كلّها.

س: والألوان؟

ج: الألوان لا، "أجسامكم وأموالكم"، معروف الحديث: لا ينظر إلى صوركم، ولا إلى أجسامكم، وفي اللَّفظ الآخر: ولا إلى أموالكم، الحديث أصله في مسلم، أيش الذي عندك؟

وفي الحديث الصحيح: إنَّ الله لا ينظر إلى صوركم، ولا إلى ألوانكم.

الشيخ: هذا رواه بالمعنى، نعم، الرواية: أجسامكم.

س: "ألوانكم" أحسن الله إليكم؟

ج: أقول: الرواية يمكن رواها المؤلفُ من حفظه، نعم.

س: كيف نجمع بين كون الرسول ﷺ تعوّذ بالله من الفقر، وبين قوله: اللهم أمتني مسكينًا؟

ج: اللهم أمتني مسكينًا ضعيف، نعم.

المقصود من هذا أنَّه لا ينبغي للعاقل أن يغترّ بضعفة الناس، أو أشراف الناس، فالحقّ لا يُعرف بالضّعفة، ولا بالأشراف، يُعرف بالدليل، والضَّعفة في الغالب هم أتباع الرسل؛ لأنَّهم ما عندهم ما يصدّهم عن ذلك من الأموال والرياسة، ولا ينبغي للعاقل أن يغترّ بذلك، ولكن ينظر في الدليل وما جاءت به الآيات، هذا هو الحكم بين الناس: الأدلة الشَّرعية، ومَن اتّبع الضَّعيف أو الكريم ما يبين الحقّ من الباطل، فقد يتبع الشَّريف وهو على باطلٍ، وقد يتبع الضَّعيف وهو على باطلٍ، فالأدلة هي الحكم، ولكن يعرف من الأدلة أنَّ الفُقراء هم أتباع الرسل، هم أسبق إلى الخير من غيرهم، مثلما قال قومُ نوحٍ لنوح: أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ [الشعراء:111].

س: في وقت الرسول أم مُطلقًا؟

ج: دائمًا، نعم؛ لأنَّهم ما عندهم ما يشغلهم من الرياسات والأموال والجاه، نعم.